بسم الله الرحمان الرحيم اليوم مرت حوالي أربعة أشهر على انطلاق عمل الحكومة التونسية المنتخبة لأول مرة في تاريخ تونس، وأربع أشهر هي فترة كافية حسب المقاييس المتعارف عليها عالميا يجوز مع نهايتها تقييم أداء الحكومات الجديدة. بدأت حكومة السيد حمادي الجبالي منذ بداية عملها تتحرك في حقل ألغام، تركة قايد السبسي، أضف إليها الصعوبات الكبيرة والتحديات العظيمة الناتجة عن نقص في الخبرة، وبعض التعطيلات خاصة فيما يتعلق بالملفات الإقتصادية، والعدالة الإنتقالية، والفقر والتهميش ومحاسبة رموز الفساد وأتباعهم، وهو ما سيؤدي عمليا إلى منعهم من التحريض وممارسة سياسة التخويف والتخوين، زيادة على أن ليس كل وزرائها على مستوى المهمة المناطة بعهدتهم للأسف. أثمن عمل السيد علي العريض الذي يحاول الأخذ بزمام الأمور وتغيير ما يجب تغييره في تلك الوزارة على مستوى المسؤوليات ليتوافق مع مطالب الثورة التونسية والشعب التونسي. واجهت الحكومة ومازالت تواجه مؤامرة داخلية.. لأتباع من تهاوى من صرح الحكم الفاسد، مما أدخل البلاد في حالة انفلات اجتماعي وأمني زادها ترديا نقابة شغل ينقصها الإدراك، بل غير عابئة بحساسية المرحلة، وأعداء الثورة من يسار استئصالي الذي تحرك لإجهاض إرادة التغيير والإصلاح التي تسعى هاته الحكومة إلى تكريسها مستمدة قوتها من الثورة التي قامت ضد الظلم والفساد.. نحن واعون بأن الصعوبات جمة وتعددت العوامل المتسببة في عرقلة عمل الحكومة منها المناخية والسياسية، رغم حرصها على جلب الإستثمارات وإجراء الإستشارة الوطنية لتحديد الأولويات التنموية الجهوية، ولهذا تقييمنا لعمل الحكومة يدخل في إطار مجرد جرد في الخطوات التي قطعتها سواء إلى الأمام أو إلى الخلف.. وردا على بعض أعضاء الحكومة الذين سبق وأن صرحوا أنه لا يمكن الحكم لهم أو عليهم قبل هاته المدة رغم أننا ندرك جيدا أن إصلاح ما أفسده النظام السابق لا يمكن أن يتم في ظرف أربعة أشهر أو حتى سنتين. لذلك فإن فترة أربعة أشهر تعتبر من هذه الزاوية قصيرة جدا، ولا يمكن الحكم فيها على الحكومة التي ورثت دولة مفككة الأوصال ووضعا اجتماعيا سمته الإحتقان. معارضتنا في تونس اليوم همها المعارضة لضرب الحكومة حتى ولو كان في ذلك خراب البلاد، لا يهم ما دام ذلك يظهر عجز الحكومة، همها الغلبة وليس الحوار من أجل الحقيقة، فمواقف المعارضة من الأحداث الأخيرة في البلاد مواقف مخزية.. هم أنفسهم من تصدوا للقصبة 1 و 2 و 3 وأصموا آذاننا بمقولة "خلي الحكومة تخدم، دخلتوا البلاد في حيط والإقتصاد ماشي في هاوية"، ونراهم اليوم يتصدرون المسيرات ضد الحكومة المنتخبة، بل تجدهم يوم عيد الشهداء رفعوا لافتة مكتوب عليها "الشهيد خلى وصية لابديل عن البندقية"، ما شاء الله.. أليست هذه دعوة صريحة إلى رفع السلاح في وجه الدولة؟ فتجدها تصم آذانها عن الحكومة ولا تستمع إليها أثناء إلقاءها حججها، كما وقع في المجلس التأسيسي بعد أحداث 9 أفريل، والواقع يحتم على المعارضة أن تكون معارضة تساعد في معظم البرامج الحكومية، لكنها تكون بالمرصاد لتعديل الوضع إذا رأت أي انحراف من الحكومة كما هو معروف عالميا.. وكثيرا منهم يبررون أفعالهم وأقوالهم، وربما يقولون ما لا يفهمون ويعملون فقط ما يملى عليهم بدون صحوة ضمير، وواقعة منوبة تدخل في هذا الباب، حيث استثمرت سياسيا من قبل قوى اليسار والعلمانيين لحشد الجماهير من أجل الدفاع عن الدولة المدنية في تظاهرات عيد الإستقلال. هؤلاء يظنون أنفسهم بأنهم أصبحوا خدام الثورة، ورجال المرحلة الصعبة، لذلك نجدهم يتخبطون خبط عشوائي تائهون في المجهول كلما خرجوا من نفق مظلم إلا ودخلوا إلى نفق أظلم.. أستغرب كيف يسمحون لأنفسهم أن يساهموا في الأحداث التي باتت تعصف بالبلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.! لا أحد ينكر أن الحكومة جاءت نتيجة انتخابات حرة. وبما أن الوقت لم يفت بعد لتلافي السلبيات والصعوبات الحالية، لهذا أقترح عليها تقليص الوزارات في المستقبل، كإلغاء وزارة التعليم العالي أو ضمها لوزراة التربية، وإلغاء وزارة المرأة أو ضمها لوزارة الشؤون الإجتماعية. بمفهوم آخر لا يجب أن يفوق عدد الوزارات العشرون وزارة، لأن الإدارة العمومية في تونس لا يمكن أن تتسع لأكثر من مائة ألف موظف على أقصى تقدير على مدار السنة. والإستفادة من دروس النجاح في الدول الأخرى كسنغافورة التي أرى هي الأقرب للنموذج التونسي، مع التأكيد على ضرورة إعطاء الأولوية للإستثمار الأجنبي نظرا لشح الموارد المحلية، والبدء بالمشاريع الموجهة للسوق الداخلية، وتشجيع الخدمات والسلع التي لها طلب كبير ومتزايد في الأسواق العالمية، والخدمات التي لا تتأثر كثيرا بالوضع الإجتماعي في البلاد، مثل التعليم العالي الموجه للطلبة العرب والأجانب، والخدمات الطبية المتطورة، والصناعات النوعية. الحالة صعبة وهشة، لكن أرى مثابرة من العاملين على شتى القطاعات في الدولة الجديدة، مما يجعل من المسؤول على أي وزارة أو كتابة دولة أو إدارة عامة أو حتى مصلحة إدارية يعمل صباحا مساءا، ليلا ونهارا، على حساب صحته وحياته العائلية وعلى حساب راحته رغم أنه يعرف مسبقا أنه لا يقدر أن يحل إلا نسبة ضئيلة من هذه المشاكل والإشكاليات، وهذا يطمئنني على مستقبل بلادي.