القيروان.. 7 مصابين في حادث مرور    أمين عام الأمم المتحدة.. العالم يجب ألاّ يخشى ردود أفعال إسرائيل    أخبار مستقبل قابس...عزم على ايقاف نزيف النقاط    صفاقس شاطئ الشفار بالمحرس..موسم صيفي ناجح بين التنظيم والخدمات والأمان!    نفذته عصابة في ولاية اريانة ... هجوم بأسلحة بيضاء على مكتب لصرف العملة    استراحة «الويكاند»    28 ألف طالب يستفيدوا من وجبات، منح وسكن: شوف كل ما يوفره ديوان الشمال!    ميناء جرجيس يختتم موسمه الصيفي بآخر رحلة نحو مرسيليا... التفاصيل    توقّف مؤقت للخدمات    محرز الغنوشي:''الليلة القادمة عنوانها النسمات الشرقية المنعشة''    مع الشروق : العربدة الصهيونية تحت جناح الحماية الأمريكية    رئيس "الفيفا" يستقبل وفدا من الجامعة التونسية لكرة القدم    عاجل/ عقوبة ثقيلة ضد ماهر الكنزاري    هذا ما قرره القضاء في حق رجل الأعمال رضا شرف الدين    الاتحاد الدولي للنقل الجوي يؤكد استعداده لدعم تونس في تنفيذ مشاريعها ذات الصلة    بنزرت: مداهمة ورشة عشوائية لصنع "السلامي" وحجز كميات من اللحوم    عاجل/ المغرب تفرض التأشيرة على التونسيين.. وتكشف السبب    عفاف الهمامي: أكثر من 100 ألف شخص يعانون من الزهايمر بشكل مباشر في تونس    الترجي الجرجيسي ينتدب الظهير الأيمن جاسر العيفي والمدافع المحوري محمد سيسوكو    رابطة أبطال إفريقيا: الترجي يتجه إلى النيجر لمواجهة القوات المسلحة بغياب البلايلي    عاجل/ غزّة: جيش الاحتلال يهدّد باستخدام "قوة غير مسبوقة" ويدعو إلى إخلاء المدينة    قريبا: الأوكسجين المضغوط في سوسة ومدنين... كيف يساعد في حالات الاختناق والغوص والسكري؟ إليك ما يجب معرفته    البنك التونسي للتضامن يقر اجراءات جديدة لفائدة صغار مزارعي الحبوب    عائدات زيت الزيتون المصدّر تتراجع ب29،5 بالمائة إلى موفى أوت 2025    أريانة: عملية سطو مسلح على مكتب لصرف العملة ببرج الوزير    سطو على فرع بنكي ببرج الوزير اريانة    أكثر من 400 فنان عالمي يطالبون بإزالة أغانيهم من المنصات في إسرائيل    عاجل: تونس تنجو من كارثة جراد كادت تلتهم 20 ألف هكتار!    دعوة للترشح لصالون "سي فود إكسبو 2026" المبرمج من 21 إلى 23 أفريل 2026 ببرشلونة    بعد 20 عاماً.. رجل يستعيد بصره بعملية "زرع سن في العين"    توزر: حملة جهوية للتحسيس وتقصي سرطان القولون في عدد من المؤسسات الصحية    10 أسرار غريبة على ''العطسة'' ما كنتش تعرفهم!    عاجل- قريبا : تركيز اختصاص العلاج بالأوكسيجين المضغوط بولايتي مدنين وسوسة    عاجل/ مقتل أكثر من 75 مدنيا في قصف لمسجد بهذه المنطقة..    مهذّب الرميلي يشارك في السباق الرمضاني من خلال هذا العمل..    قريبا القمح والشعير يركبوا في ''train''؟ تعرف على خطة النقل الجديدة    شنية حكاية النظارات الذكية الجديدة الى تعمل بالذكاء الاصطناعي...؟    بلاغ مهم لمستعملي طريق المدخل الجنوبي للعاصمة – قسط 03    نقابة الصيدليات الخاصة تدعو الحكومة إلى تدخل عاجل لإنقاذ المنظومة    مجلس الأمن يصوّت اليوم على احتمال إعادة فرض العقوبات على إيران    أغنية محمد الجبالي "إلا وأنا معاكو" تثير عاصفة من ردود الأفعال بين التنويه والسخرية    البطولة العربية لكرة الطاولة - تونس تنهي مشاركتها بحصيلة 6 ميداليات منها ذهبيتان    ما تفوتهاش: فضائل قراءة سورة الكهف يوم الجمعة!    حملة تلقيح مجانية للقطط والكلاب يوم الاحد المقبل بحديقة النافورة ببلدية الزهراء    المعهد الوطني للتراث يصدر العدد 28 من المجلة العلمية "افريقية"    افتتاح شهر السينما الوثائقية بالعرض ما قبل الأول لفيلم "خرافة / تصويرة"    جريمة مروعة/ رجل يقتل أطفاله الثلاثة ويطعن زوجته..ثم ينتحر..!    بطولة العالم للكرة الطائرة رجال الفلبين: تونس تواجه منتخب التشيك في هذا الموعد    شهداء وجرحى بينهم أطفال في قصف الاحتلال عدة مناطق في قطاع غزة..# خبر_عاجل    هذه الشركة تفتح مناظرة هامة لانتداب 60 عونا..#خبر_عاجل    في أحدث ظهور له: هكذا بدا الزعيم عادل إمام    تصدرت محركات البحث : من هي المخرجة العربية المعروفة التي ستحتفل بزفافها في السبعين؟    عاجل : شيرين عبد الوهاب تواجه أزمة جديدة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    سعيد: "لم يعد مقبولا إدارة شؤون الدولة بردود الفعل وانتظار الأزمات للتحرّك"    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    وخالق الناس بخلق حسن    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عز الدين الحزقي ل «الشروق»: نظام الانتخاب المقترح من «الهيئة» خاطئ... والأسلم التصويت على الأفراد
نشر في الشروق يوم 19 - 04 - 2011


٭ حوار: فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي
٭ تونس «الشروق»:
يوم 14 جانفي 1974.. وفي هذا التاريخ مفارقة.. كان المناضل من حركة آفاق، عز الدين الحزقي، يقبع في أقبية وزارة الداخلية، حين تناهى إلى مسامعه «هدير» المتظاهرين.. فظنّ أنهم الرفاق جاؤوا ليحرّروا رفاقهم من «الداخلية» وكان الحزقي من بين الموقوفين يومها..
كان شارع بورقيبة والساحة المقابلة للداخلية يوم الرابع عشر من جانفي 1974 كما نفس المكان في 2011 من نفس اليوم 14 جانفي.. لكن الفرق كبير.. ومصيري.. ومحدّد..
ففي حين كانت الأولى مظاهرة تأييد لبورقيبة.. كانت الثانية التي شارك فيها الحزقي، ودموعه تملأ عينيه، لتخلع النظام.. وتعلن الثورة في البلاد..
ألقي عليه القبض مرّات ومرّات.. «حيث استدعيت أكثر من مرة إلى مخابر الشرطة وسلامة أمن الدولة» يقول عز الدين الحزقي.. الذي يعرفه التونسيون من الأجيال السابقة، ويتذكّره التلاميذ والطلبة والنقابيون والمسيسون في «مقهى» معروف بصفاقس.. مقهى يتعرّض إلى الغلق أكثر من مرّة عقابا لصاحبه..
ناله من التعذيب الكثير.. «22 يوما خضعت للتعذيب والعصا الغليظة للداخلية».. ولكنه لا يتوان في مواصلة المشوار النضالي..
في هذا الحوار الشامل الذي يخصّ به «الشروق» يتحدث الحزقي، فيفتح النار على الأحزاب التي نعتها بأنها لا تمتلك رؤية.. ولا برامج سياسية..
هو ضدّ ما تمخضت عنه أشغال واجتماعات «الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والاصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي».. ضدها بالطول وبالعرض.. لأن الحزقي يعتقد، بل ويؤمن، بأن الشعب الذي يمارس حقه الانتخابي لأول مرّة في تونس يوم 24 جويلية القادم «يجب أن نسهّل عليه المهمة لا أن نعقّدها».. ونتركه يسبح في «الهلاميات»..
حكم عليه بمحكمة أمن الدولة في 1974 (24 أوت).. وغادر السجن في أفريل 1979.. ومباشرة «التحقت بالرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وكنت من مؤسسي فرع صفاقس للرابطة»..
ترشح ضدّ بن علي.. أو هو حاول فعل ذلك، بما أن رئيس مجلس النواب في 1989 لم يقبل مطلبه، للرئاسية، ولكن الحزقي لم يقف عند هذا الحدّ، بل هو «تجاسر» وقدّم طعنا في ترشح بن علي في 1989، لأنه تقدّم خارج الآجال القانونية..
هو الجدّ والأب لابنة وابن، مازال يناضل.. ولكنه يقول إن الشباب الذي خلّصني من الدكتاتورية هو الأجدر بأن يقودني.. فإلى هذا الحوار.. الذي بدأته بالسؤال التالي:
٭ في البداية، أسأل المناضل الذي لم يكلّ من النضال، ولم يحطّ «الرّحال» إلى اليوم، عن آخر المستجدات: تونس تمرّ بمرحلة انتقالية ما بين الثورة والتأسيس.. كيف ترى المشهد الآن، على ضوء فعل الأحزاب.. وفعل الحكومة المؤقتة.. وفعل الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة..؟
أمر طبيعي أن تونس تمر بمرحلة حساسة جدا ومصيرية، ولذا لا بدّ وأن نهتمّ بهذه المرحلة، وأن نعي أن الخطأ ممنوع.. ولا أقول يجب تفاديه وذلك لاعتبارات عدة:
أولا لأن تونس أضحت مثلا في العالم وكلّ العالم ينظر إليها بمنظار دقيق.
ثانيا: أن المرحلة تقتضي من كل التونسيين اليقظة باعتبار أن البناء يهمّ مستقبل البلاد. إذ ليس متاحا لنا أن «نبني» دستورا في كلّ عدد من السنوات خاصة وأن 14 جانفي جعلنا نستفيق من غيبوبة لنكتشف فراغا مرعبا ومخيفا.. باعتبار أن الجميع اكتشف غياب أسس الدولة.. بل غياب الدولة. كنا نعتقد قبل 14 جانفي 2011 أن هناك مؤسسات ودولة فاتضح أن هذا غير موجود.. فكلّ دواليب السلط وخيوط اللعبة كانت بيد شخص واحد الوحيد الحاكم «الفاتق الناطق» وهو الذي يختار الوزراء السفراء، الولاة النواب ونواب «المعارضة» ونحن نعلم ان بن علي كان يطلب من المعارضة تقديم نوابها وهو الذي يختار من بينهم من سيدخل البرلمان.
وكم كانت دهشتي كبيرة، عندما اكتشفت شخصيا.. وفي هذا العمر المتقدم أنني والكثير مثلي كنّا دائما نرفع شعار استقلال القضاء..
فاتضح يوم 15 جانفي ان هذه السلطة (القضائية) كانت غير موجودة تماما. إذ أن القضاء العدلي بيد وزير العدل، والقضاء الإداري بيد الوزير الأول والمجلس الأعلى للقضاء بيد رئيس الجمهورية، وكل هذه الهيئات لا تنتقي إلى هيكل موحّد أو سلطة واحدة..
فهي مستقلة عن بعضها البعض، وبالتالي يصبح الجديد عن استقلال السلطة القضائية أمر غير وارد.. إذ كان القضاة هم موظفون سامون لدى السلطة العمومية..
هم موظفون سامون لدى الوزارة.. كل هذا أخافني كثيرا عندما اكتشفته.. وزاد من خوفي وأنا في هذا السن المتقدم عدم اهتمام من يريد اعداد مستقبل الأجيال القادمة من رجالات سياسة ومعارضين.. إذ أنه تبين ان كل همّهم وخطبهم وحديثهم في الصحافة ووسائل الاعلام ينحصر في الكراسي التي يرغبون في الحصول عليها سواء في الهيئة العليا أو في المجلس المقبل (المجلس التأسيسي).
وكلهم متفقون على شعارات كالديمقراطية والعدالة والحرية، التي لا نعلم كيف يرونها وكيف يعتمدون فيها وفي الآليات التي ستنفذ تلك الشعارات.
كان بودي لو تفرغ هؤلاء «السادة» الذين مارسوا السياسة منذ عشرات السنين، وسايروا بن علي وساندوه في «87» وفي «ميثاقهم» الوطني 1988 وفي انتخابات 1989 وغيرها من المحطات، كان بودي، وبعد فشل كل تلك التجارب، كان عليها أن تترك المجال للأجيال القادمة.. والأجيال الشابة.. لا لأن المستقبل يهمها بالدرجة الأولى، بل وكذلك لأن التجارب الماضية فيها الكثير من العيب. وكثير من الأخطاء «الكبيرة».. إن المستقبل يهمّ الشباب، وعلينا مساعدته لتشجيعه على مسك زمام الأمور وتحديد المستقبل.. فهو قادر على بناء مستقبله ومستقبل البلاد..
عيب أن نختار حياتنا ونختار حياة أبنائنا، خاصة أن حياتنا ليست ذاك المثل الذي يقتدى به.. مع الأسف الذريع فإني أجد أن الهيئة التي قررت طريقة الانتخاب، معدل أعمار أعضائها يفوق الأربعين وعيب ثاني أني أجد قرارها يأتي بالفائدة للأحزاب، في مجتمع غير مهيكل حزبيا وفي مجتمع يجهل هذه الأحزاب لغياب البرنامج والرؤى لديها، ولغياب التجربة الحزبية التعددية في بلادنا، إذ أن الحزب الاشتراكي الدستوري، لم يمكن حزبا بقدر ما كان جبهة تضم كل الفئات.. تحوّل في ما بعد إلى آلة للفساد والمافيا..
هذا إضافة إلى إلغائه للشباب كفئة مهمة جدا.. ومحددة في المجتمع.
٭ ماذا تقترح في هذا الباب، هل كان على الأحزاب أن تترقب مثلا؟
كان على الأحزاب أن تتريّث حتى تستقطب الطاقات والشباب، وإذا قدرت على ذلك فلها التمثيلية.. ففي الديمقراطية لك الحق في أن تمثل ما يكن تمثله، من الطاقات والشباب، وليست العملية عملية افتكاك مثلما رأينا الآن.
والأمر من ذلك، طريقة الاقتراع المقترحة، ستلغي بطبيعتها العديد من الطاقات الوطنية المستقلة، التي ناضلت كثيرا، ستمنعها من المشاركة لأن الانتخاب سيكون على من سيترأس القائمة.. وهنا إما أن الأحزاب ستتقدم برؤساء تابعين لها، وعندها ستلغي الطاقات المذكورة.. أو أنها وهذا مستبعد جدا سوف تأتي بالبعض منهم على رأس القائمة، والبقية ستستعملهم لأغراضها الحزبية، وفي هذا عيب وأخلاقيا لا يجوز..
ثم والأمر من ذلك أيضا، أن هذه الطريقة المقترحة، ورغم الشعار الراقي الذي دفعته (التناصف بين المرأة والرجل) فإن الواقع سيلغي الوجود المتناصف للمرأة، وانطلاقا من نفس المبدإ، أي الاقتراع على رأس القائمة، ومرّة أخرى يقع استعمال المرأة كطعم أو مسكّن، نتباهى به دعائيا، ولكن فعليا فإنها مقصيّة.
طريقة الاقتراع المقترحة، حسب نظام القائمات، وانطلاقا من مسألة التناصف في القائمات بين المرأة والرجل، من ترى من التيارات والأحزاب على الساحة، سوف «يحقّق» هذا الأمر؟
الجواب واضح وجليّ.. الأقلية من النساء اللاتي سيمثلن مبدأ المناصفة في المجلس التأسيسي، وحسب النظام الذي اقترحته الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، سيكنّ من الأحزاب الأكثر تنظيما وقدرات مالية ولوجيستية، ك«النهضة» مثلا، وسنشاهد باسم الديمقراطية مجلسا من نساء أغلبهن محجّبات.. مع احترامي للحجاب.
ألا تعتقد أن تقديم فكرة التناصف في القائمات، نطقت مجموعات محسوبة على التقدمية والديمقراطية، وتلقّفته قوى توصف الآن بالرجعية؟
مرّة أخرى، أجد أن التناصف مبدأ رائع.. ومن اقترحه، كان يرمي من ورائه حشر الاسلاميين (النهضة) في زاوية الاحراج، إلا أن السحر سينقلب هذه المرة على الساحر، لأن «النهضة» هي الحزب الذي سيقدم أكثر عددا من النساء.. والدليل أن تركيبة المكتب السياسي ل«النهضة»، والمقارنة مع أحزاب أخرى (يقصد وجود المرأة)..
أما السلبية الثانية والتي اعتبرها خطأ كبيرا، سوف تسمح باندساس الكثير من الأسماء غير المرغوب فيهم وغير المعروفين، والذين حسب اعتقادي، أدّوا في ما بعد الى القرار الخاطئ، هو الآخر، والذي ينصّ على اقصاء التجمعيين الذين تحمّلوا مسؤولية خلال 23 سنة الماضية.. هنا، وكأني بالهيئة، عندما تفطّنت الى ضعف المقترح وامكانية تسرّب التجمعيين، اتجهت الى إقصائهم بقرار ليس من مشمولاتهم وأقصد القرار القضائي، حيث كان بالامكان، وهذا أمر وارد الى الآن، إلقاء القبض على كل من ارتكب جرائم في حق الشعب، جرائم سياسية وغيرها، من التجمع ومن غير التجمع.
ماذا تقصد ومن تقصد؟
هناك من هم خارج «التجمّع» شاركوا في اصدار قوانين ضد مصالح البلاد الفعلية وشاركوا في تحوير الدستور.. وشاركوا في نهب المال العام.. وشاركوا في تغليط المجتمع واضفاء صبغة الشرعية على مجرم مثل بن علي.. وتلميع صورته في حين يعلم الخاص والعام أنه مجرم، وشاركوا بتواطئهم مع السلطة في ضرب المنظمات المدنية مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان.
لو كنت عضوا مؤثرا في أشغال الهيئة العليا، بماذا كنت ستشير.. بماذا كنت ستقدّم في هذا الاتجاه؟
لو كنت كذلك، لاخترت ما يتوق إليه الشعب التونسي فعليا وتحتاجه البلاد الآن، لاخترت نظام الاقتراع على الأفراد، أي قائمات فردية لأنه: أولا: لأن الأفراد المترشحين معروفون على مستوى جهاتهم بماضيهم وحاضرهم.
ثانيا: لأن المستقلين سيجدون مكانهم.. ولأن البرامج التي سيترشحون على ضوئها، ستكون دقيقة لأنها فردية.. ويكون القطع مع العموميات وسياسة التعويم، ولأن الأحزاب غير معروفة كما قلت في الأول، ولأن الشعب التونسي ليست له تجربة انتخابية وبالطريقة المقترحة سيجد نفسه أمام قائمات عديدة مبنية للمجهول، فإما أنه سيعزف عن الانتخاب أو سيكون اختياره بطريقة عشوائية، ولا ينمّ عن تفكير.. وهذه طريقة ستساعد الكثير من النساء المعروفات في الجهات التي ينتمين إليها، على الفوز، ولا تكون بذلك تحت رحمة الأحزاب، وأن ترشيحها منّة من أحد.
يوم 14 جانفي.. ما الذي رأى وشاهد وعاين المناضل والسياسي اليساري عز الدين الحزقي؟
يوم 14 جانفي كنت صحبة ابنتي وحفيدتي أمام وزارة الداخلية منذ الصباح الباكر، وعشت باللحظات توافد الجماهير الى شارع بورقيبة الى أن غصّت بهم الأنهج والشارع الرئيسي، عشت لحظة التحرّر إذ ذكّرتني تلك اللحظات بيوم الاثنين 14 جانفي 1974، يوم كنت صحبة رفاقي في دهاليز وزارة الداخلية، يومها استمعنا الى هتافات شعبية خارج الوزارة، تخيّلناها أصوات رفاقنا قادمون لتحريرنا.. وسرعان ما اتّضح أنها مظاهرة لتأييد بورقيبة الذي أمضى ورقة وحدة بينه وبين القذافي بجربة يوم السبت 12 جانفي 1974.
إن حلما من هذا النوع يتحقق بعد 37 عاما، هو ليس بالأمر السهل.. كانت لحظات لا أستطيع أن أنساها.. بكيت يوم 14 جانفي 2011، وحكيت هذه القصة لحفيدتي، التي رأيت في وجهها وفي وجوه الشباب الثائر من حولها، امتدادا للكاهنة وعليسة والشابي وعقبة بن نافع والطاهر الحداد وغيرهم كثير، مما زادني فخرا بانتمائي الى هذا البلد الحبيب...
ونسيت كل عذاباتي وآلامي الماضية... لذلك أنا مدين لهؤلاء الشباب، وإني أستحي لو ادّعي أني قادر على قيادته... لأن الذي حرّرني هو الذي يقودني وليس العكس...
ما الذي يعرفه المناضل عزالدين الحزقي من خفايا الأمور قبيل يوم 14 جانفي، وتحديدا «حكومة الانقاذ الوطني» المقترحة قبل موعد الثورة؟
يوم الخميس 13 جانفي علمت ان الوزير الاول محمد الغنوشي، استدعى ثلاثة أحزاب معارضة، لادماجها في تشكيلة حكومية جديدة... باقتراح من بن علي طبعا، وهو ما ذكره في خطابه عشية ذاك اليوم... وتأكّد لي من الغد أي يوم 14 جانفي أمام الوزارة (الداخلية) أن عددا من هذه الاحزاب أتاها «أمر» بالانسحاب فانسحبت قياداتها... وقبلت في ما بعد هروب بن علي، ان تعمل مع حكومة أغلبيتها الساحقة تجمعية.
يعني هرب بن علي فقال لهم الغنوشي لنكمل ما بدأنا فيه؟
نعم، وقع هذا، وقبلوا بالتشكيلة ونوّهوا بخصال الوزراء التجمعيين وزراء منهم من أحيل الآن على القضاء بتهم مختلفة... وطلب منّا (الشعب) أن نعود الى سالف عملنا، لأنهم يتكفّلون صلب حكومة الغنوشي (1) بإدارة شؤون البلاد والثورة... إلا أن الشعب والحمد &، أجابهم بالرفض في القصبة (1) والقصبة (2)... وقد بيّنت هذه المحطّات أن شبابنا لم تعد تنطلي عليه الحيل... سواء كانت من المعارضة أو من الحكومات المتعاقبة. وهذا رصيد يطمئنني قليلا في اختياراته (الشعب) المقبلة.
هناك من رفض رفضا اعتقدناه مبدئيا، الدخول في شكل من أشكال مجلس حماية الثورة، وإذا بها منظمات وأحزاب ممّن رفضوا، نجد أن بيدهم الحل والعقد في الهيئة العليا، ماذا تقول وهل لك تفسير كملاحظ ومتابع؟
الجواب بسيط جدا... يتمثّل في أن أصحّ مبدإ عند هؤلاء، هو الكرسي... الكرسي هو الأهم على الاطلاق، وعليه وبه تتحدّد المواقف...
وشعار «الشعب يريد»... أين يكون قد ذهب في كل هذا؟
أعتقد أن الكل ودون استثناء يجتهد لاحتواء هذا الشعار... والركوب عليه واستعماله..
الا أنني مطمئن شيئا من أن الذي كسر حاجز الخوف وساهم في هروب «بن علي» الذي انصاع له الجميع باستثناء قلّة قليلة، هو قادر في كل زمان وكل مكان أن يعيد الكرّة ويطرد من فرّخهم نظام الشخص الواحد السابق والأسبق، ومن علّمهم «مافيا العائلة» والمحسوبية في العهدين...
عندي أمل في هذا الشباب.
ألا تعتقد أستاذ، أن نظام الانتخاب للمجلس التأسيسي المقترح من الهيئة العليا، جاء وكأنه يعني انتخابات نيابية وليس مجلسا تأسيسيا معنيّ أساسا بتحرير الدستور... دستور جديد؟
نعم هذا هو... ذكرت قبل قليل أن لا أحد ولا طرف الى حد الآن، له رؤية مجتمعية واضحة... بل ديدن الجميع هو الصعود الى المجلس التأسيسي... ثم «يعمل ربي دليل».
وهنا مكمن خطورة أن تكون لك رؤية أولا... وهنا الفرق بين أن يكون لك برنامج أولا... إذ أن المسألة لا تتلخص في شعارات عامة كالديمقراطية وحرية التنظيم والاعلام وغيرها او في العدالة والمساواة والتنمية بل في شكل البناء وهندسة الأسس التي سيقام عليها مستقبل البلاد ومصير العباد من الأجيال الحاضرة والقادمة.
وأنا وبعض من الاصدقاء في جمعية ميثاق، صغنا للنقاش الىكل التونسيين مقترحا لخطوط عامة للدستور القادم، يمكّن حسب اعتقادنا لمؤسسات دولة ديمقراطية فعلية، أن تمكّن كل التونسيين من حياة فاضلة تتوفر فيها كل أساليب التعامل الحضاري والحداثي.
هناك أحزاب، تبيّن أنها، ووفق تعريف علم السياسة، أنها أحزاب شعبية لها مرجعية إيديولوجية وفكرية، هي مقصاة من الهيئة العليا لتحقيق أهداف بالمقابل تجد جمعيات ومنظمات برزت كما الفقاقيع، في ظرف أيام بل ساعات، ولا يدري أحد شيئا عنها وعن سبل تمويلها.... وهي تنشّط بقوّة ماذا تقول في هذا الأمر؟
جوابي هو نصّ سؤالك... وهذا دليل آخر، على أن تشكيلة «الهيئة» لم تقم على أسس جديّة تشاورية... وقدّت بعقلية «اللمّة» أو «الزردة»، خلافا لما وقع في 1956 عند التحضير لانتخاب المجلس القومي التأسيسي، حيث تحوّل عديد المترشحين والمناضلين الى الجهات، رغم صعوبة التنقّل آنذاك ورغم وجود الاستعمار الفرنسي 1955، لأن الدستور هو مصير أجيال وليس اختيارا اقتصاديا وثقافيا بل هو بناء المؤسسات... مؤسسات الدولة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.