يحتاج قطاع الفنون التشكيلية إلى اهتمام خاص من حيث تطوير النظرة إلى مقوماته ومكوناته وما يتعين من استحداثات ليواكب الواقع الجديد الذي يجب أن يسود في تونس الثورة. نظرة تهيؤ كي تبعث فيه حياة مختلفة عما كانت عليه قبل الثورة. فقد كانت الإرادة مكبلة، والرؤى مجهضة، وكل البرامج تصطدم إما بالتسويف وإما بالمؤامرات التي يشترك فيها طرفان هما : وزارة الإشراف، وبعض ممن لا يستفيدون من تطور القطاع. فالتغيير المنتظر الآن يتعلق عموما بالأساليب التي تتنزل فيها الرؤية الجديدة للإبداع التشكيلي، انطلاقا من الذات الجمعي، ووصولا إلى تطوير الذائقة العامة وتحويل العمل الفني إلى وعي جمالي يرافق المواطن في جميع الميادين، ويحفزه على ابتداع أنساق ومعايير جمالية تأخذ في الاعتبار التطور الذي ستعرفه جميع القطاعات الأخرى. وبذلك يتبوأ الفنان التشكيلي موقعه الصحيح في الإسهام في تطور الحياة العامة من جهة ومن أخرى، يكون في طليعة البحث عن أساليب جديدة ومبتدعة لبناء رؤى متميزة، منطلقها أهداف الثورة، ومركزها حرية الإبداع، ممارسة وتعبيرا وصياغة أساليب متميزة. هنا يتجلى فعل الثورة في الوعي والممارسة، وتتضح أمام الساري علامات الطريق التي يسلكها. والفنان بسمو مقاصده وقدرته على تحويل المشاغل الكبرى للمجتمع، إلى أشكال تعبيرية ضمن الأنواع الفنية، من رسم ونحت ونسيج وسيراميك وغيرها، إنما يسهم في الحراك الجماعي لبلورة رؤية تطورية متعددة المستويات، والتوجهات، تفضي إلى منجز يتميز بخصوصيته الحضارية، ويقطع مع ما سطر الآخرون من أساليب أوشكت على النفاد، بل نفدت لولا السطو على كنوز الحضارات الأخرى والإصغاء بعناية إلى نبضها. يخطىء من يعتقد أن الفنان متلبس بحالة واحدة هي السعي إلى ترويج أعماله، هذا واقع وحق لا يؤاخذ عليه، ويتنزل في صميم وظيفته كمبدع وإنسان وحامل رساالة عليه أن يوصلها إلى الجماهير، ولكنه بالموازاة مع ذلك، أو لعله قبل ذلك، مشدود إلى قضايا مصيرية بشترك فيها مع مختلف شرائح الشعب، الأمر الذي نرصده دائما وستتكشف آثاره أيضا في القادم من الأعمال، وقد تبرز فيها أكثر مما كانت قبل جانفي 2011 ، و لعل ملامح ذلك بدأت فعلا من خلال الندوة التي نظمها الاتحاد أخيرا بالحمامات. لقد شكلت الندوة التي أقامها اتحاد الفنانين التشكيليين، تحت عنوان: »واقع الإبداع التشكيلي وآفاقه بعد الثورة« بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات، يومي 11 و 12 جوان 2011 الجاري، مناسبة مميزة في طرح عديد القضايا المتعلقة باستقلالية الاتحاد ودوره في الإسهام في بناء تونس الثورة. كما كان اللقاء الذي جمع وزير الثقافة في الحكومة المؤقتة بمكتب اتحا الفنانين التشكيليين يوم 17 جوان الجاري مناسبة لطرح جملة من المشاغل والتصورات التي تهم القطاع التشكيلي ببلادنا، حيث استمع إليها باهتمام كبير. وبشّر الوزير كل الحاضرين في تطرّقه الى دعم جمعيّة الاتّحاد وشراكتها مع الوزارة بما يلي: 1) تخصيص مقرّ رسمي للاتّحاد سيكون بدار الكتب السّابقة : العطّارين. 2) استرجاع »قاعة الأخبار« لتصبح قاعة عروض فنيّة كما كانت في السّابق. 3) اعتبار اتّحاد الفنّانين التّشكيليّين همزة وصل بين الفنّانين والوزارة لمساندتهم في إقامة المعارض داخل البلاد وخارجها. 4) مساندة فروع الاتّحاد داخل الجهات ماديّا ومعنويّا وذلك عبر المندوبيّات واللّجان الثّقافيّة. 5) إشراك الاتّحاد في لجنة الجرد لكلّ التّراث التّشكيلي القابع منذ سنين في كهوف المتحف الوطني بباردو مع رقمنته. 6) إسهام الاتّحاد في تكوين لجنة لدى الوزير تعمل على التّعريف بالفن التّشكيلي التّونسي خارج البلاد. 7) تكوين لجنة داخليّة للاتّحاد يعزى لها النّظر في مشاريع معارض الفنّانين وذلك في إطار الصندوق المحدث لدعم الإبداع الفنّي : هذا الصّندوق وقع الاتّفاق على إنشائه من قِبَلِ وزير الثّقافة بالتنسيق والتّعاون مع وزير الماليّة الحالي. هذه فاتحة مُهمّة في سياق معالجة مشاكل القطاع التشكيلي التونسي. وتضمن تدخل الوزير عديد النقاط الهامة الأخرى، واعلم الوزير الحاضرين بان الأداء على العمل الفني لن يتجاوز نسبة 5 بالمائة بعد أن كان 15 بالمائة في السياسة الجبائية السابقة. ولعل المناسبة سانحة لتقديم بعض المقترحات التي نراها جديرة بالفحص وإمكانية التنفيذ صلب الاتحاد . من ذلك: أ - إيجاد خلية للبحث، تهتم بدراسة المستحدث من الأساليب والرؤى الإبداعية التشكيلية. ب بعث خلية النقد التشكيلي ومن مهامها قراءة الأعمال ذات المنحي التجاوزي وردها إلى أصولها ليتحدد حجم الإضافة فيها وهاتان الخليتان، يكون عملهما موضوع دراسات ونقاشات علمية مع وحدة البحث التي تعنى بدراسة الممارسات الفنية الحديثة بتونس صلب المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، وكذلك مع بقية المعاهد والجمعيات التشكيلية بالبلاد، وفق برامج توضع للغرض. ج - تكوين مكتبة تضم كل ما كتب وما يكتب عن الحركة التشكيلية بتونس، تصبح مرجعا لكل دارس وباحث في المجال التشكيلي التونسي. د تشجيع الدراسات المتعلقة بالميدان التشكيلي والمساعدة على طباعة الكتب التي تنجز فيه، كطباعة أعمال الندوات التي تقام في هذا الخصوص، حتى تتوفر نواة مرجعية أولية يتم استغلالها للاستفادة منها في إنجاز أبحاث ترتقي بالجانب التنظيري إلى مستوى المعالجة الشاملة.