جدل جديد يطفو على السطح في تونس حول ظهور المد الشيعي وتغلغله بين صفوف فئات المجتمع. في الوقت الذي يرى فيه البعض ان المذهب الشيعي موجود منذ القدم في تونس وبالتحديد منذ دخول الفاطميين اليها وقيام الدولة الفاطمية التي اتخذت من المهدية عاصمة لها في القرن الثالث عشر يعتقد شق أخر ان هذا المذهب دخيل على المجتمع التونسي السني المالكي وخطر يهدد هويته الدينية يستوجب وقفة حاسمة. المتشيعون الجدد في تونس من هم؟ تقدم مجموعة من التونسيين بطلب الى وزارة الشؤون الدينية للترخيص لهم بتأسيس جمعية ثقافية شيعية هدفها احياء التراث الشيعي التونسي. الجمعية تطلق على نفسها اسم "المودة الثقافية الشيعية" وتتخذ من تونس العاصمة مقرا لها. لم تحصل الجمعية على ترخيص إلا انها بحسب البعض تمارس أنشطتها بشكل عادي وتوزع الكتب وتستقطب المهتمين. ويرى المعارضون لظهور هذا المذهب أن المتشيعون الجدد في تونس يعملون على نشر العقيدة الشيعية عبر وسائل متنوعة منها تكوين جمعيات ظاهرها ثقافية وباطنها عقائدية ويوزعون الكتب لهذا الغرض مسخرين مكتبتين بالعاصمة. "إضافة الى أنهم يندسون بين الجمعيات والأحزاب ويبذلون الأموال". بدأت قصة التونسيين مع التشيع بعد الثورة الإيرانية أي في الثمانينات. والجميع يعرف التيجاني السماوي صاحب الكتب الغزيرة في هذا المجال وعماد الدين الحمروني. وهما أبرز متشيعين تونسيين زارا إيران والتقيا بقادتها. ويرى المتابعون في تونس ان هذين الرمزين يعتبران مرجعين روحيين يعملان على تأطير باقي المتشيعين ونشر المذهب بين الناس. و يوجد معظم المتشيعين الجدد في بالجنوب التونسي في مدن قابس وقبلي. يقول عبد الحفيظ البناني أحد المتشيعين أن اعتناقه المذهب الشيعي قديم وجاء بعد دراسة وتعمق شديدين بحثا عن أجوبة لأسئلة طالما ظلت تؤرقه" أكتشفت بعدا أخر وحقائق اخرى وقمت بمقارنة للمذاهب وتعرية التاريخ من القداسة الوهمية التي أصبغت بها الكثير من المذاهب". ويضيف "وجدت فيه ( المذهب الشيعي) الاسلام الحقيقي الصافي النقي، باقي المذاهب لا تمثل الاسلام الا بمنسبة مئوية معينة .المالكي مثلا لا تتجاوز هذه النسبة لديه 20%". الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس امام هذا الجدل والادعاء بوجود الاف من التونسيين ممن يعتقنقون المذهب الشيعي وهو ما يؤكده عبد الحفيظ البناني، احد المتشيعين التونسيين وباحث في مسائل الاديان والمذاهب، أقدم محام تونسي في الاونة الأخيرة على تأسيس رابطة تونسية لمناهضة المد الشيعي في تونس "بعد ان اصبح الخطر الشيعي مستشريا في البلاد ويستوجب وقفة حاسمة" كما يقول. أحمد بن حسانة الذي سبق ان دخل في سجالات ومشادات فكرية أخرها القضية العدلية التي رفعها ضد المخرجة التونسية نادية الفاني متهما اياها بالكفر و التشهير بالدين الاسلامي يعود مجددا مدافعا هذه المرة عن المذهب المالكي السني الذي تدين به البلاد التونسية منذ مئات السنين متهما الشيعة الجدد في تونس بالعمالة لإيران ونشر الفتنة. " رابطتنا وطنية ثقافية تناضل من أجل الدفاع عن هوية تونس وتسهم للتصدي لكل تدخل أجنبي في عقائد شعبنا بشكل حضاري ينبذ العنف والتطرف ويقوم على احترام سيادة القانون". مخطط ايراني يقول بن حسانة: " قمنا يوم 23 أبريل الماضي بالإعلان عن تأسيس الرابطة التونسية لمناهضة المد الشيعي تزامنا مع زيارة وزير الخارجية الإيراني الى تونس وافتتاح أسبوع السينما الايرانية. أردنا من خلال هذا التزامن أن نحدث رمزية باعتبار ان رابطتنا توجه أصابع الاتهام لإيران بنشر التشيع الجعفري في البلدان العربية السنية، وتونس منها، عبر مخطط يقوم على رصد الأموال وتجنيد الأشخاص". و يقول "هناك أجندة سياسية تقف وراءها إيران ولنا فيما يحدث في اليمن ولبنان والعراق ادلة على ذلك... ايران لن تتوانى عن تسليح هذه الخلايا النائمة متى ما دعا الأمر الى ذلك لخلق الفتنة في إطار ما يسمى بتصدير الثورة الإيرانية " في المقابل يرى عبد الحفيظ البناني أن هذه التهم باطلة القصد منها الاساءة للمذهب ومتبعيه ويقول "هذه تهم قديمة حديثة لا يتوانى البعض عن اطلاقها مجانا. علاقتنا بايران مثل علاقتنا بباقي الدول التي تدين بالمذهب الشيعي وتقتصر على الرابط الروحي بيننا وبين اخواننا في ايران". حرية المعتقد ينص البند الأول من الدستور التونسي على ان تونس دولة مستقلة ذات سيادة لغتها العربية ودينها الاسلام، دون تحديد لاي مذهب أو اشارة الى المالكية السنية باعتبارها المذهب الوحيد الذي يعتنقه غالبية التونسيون، كما ان القانون التونسي يؤكد على حرية المعتقد وعدم التفريق بين المذاهب والأديان. رغم كل ذلك يرى بن حسانة انه لا يعوز الركيزة القانونية التي يستند اليها لمعارضة ومناهضة تسرب المذهب الشيعي إلى تونس ويقول "بقدر ايماننا وتمسكنا بحرية المعتقد واحترامنا لكل الأديان وايماننا بقيم التسامح وحق الاختلاف فاننا نعتبر من الخطر بمكان ان تعمل اطراف تونسية وبايعاز من جهات خارجية على نشر المذهب الشيعي بيننا نظرا لما يمثله ذلك من تهديد لامن بلادنا واستقرارها ومن شأنه ان يزرع فتنة طائفية بين متساكنيها كان شعبنا طيلة تاريخه بمنأى عنها وسيؤول الأمر في النهاية الى اغراق البلاد في دوامة من العنف والاحتقان". و يرى بن حسانة ان الدستور التونسي وان لم يشر الى مذهب بعينه فمن باب تاكيد ما هو امر واقع ويقول: "معنى ان ينص الدستور التونسي على أن تونس دولة مسلمة المقصود منه هو اسلام تونس وليس اسلام الشيعة. أصيل أم دخيل يرى عبد الحفيظ البناني ان المذهب الشيعي أصيل في تونس وليس دخيلا عليها وموجود منذ القرن الأول الهجري ويقول "وجد الباحثون والمدققون ان المذهب الاثني عشري كان اسبق من الشيعي الاسماعيلي في الوصول الى بلادنا وأبو الضياف يرى ان حب أهل البيت هو ديدن سائر سكان تونس". في المقابل يرى المحامي أحمد بن حسانة ان هذا الكلام " حق يراد به باطل" وأن "الدولة الفاطمية كانت دولة اسماعيلية سبعية ولا علاقة لها بالمذهب الذي نتصدى له اليوم وهو المذهب الاثني عشري الجعفري. وحتى أبان حكم الدولة الفاطمية كانت السلطة شيعية إسماعيلية اما الشعب فقد كان سنيا . لم يسبق للشعب التونسي ان تشيع أبدا . تاريخ النشر : 3 June 2012 -