البحث عن أوسع توافق ممكن و طمأنة الفرقاء السياسيين مهما كانت حدّة انتقاداتهم ووضع خارطة طريق توافقية كافية لإيقاف حالة الإحتقان السياسي الحادّ الموجود في بلادنا . أدرك جيّدا أنّ بعض محاولات الإرباك ليست بريئة و لها خلفيات عقائدية لأنّ بعض القوى السياسية الإستئصالية أو التي تعرّضت لهزيمة مدوّية في الإنتخابات لم تهضم وجود حركة النهضة في السلطة و كأنها جاءت على ظهر دبابة . لكني أؤمن أنّ من يوجد في السلطة يجب أن يتجاوز كل الصغائر و يبحث عن المصلحة العليا للبلاد و يقفز على الجراح و لو كانت مؤلمة لأنّ السهام تتوجّه لمن يحكم . أستغرب من يهاجم مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل لأسباب إيديولوجية ليست خافية لكن الإتحاد هو الإتحاد وهو الرقم الصعب في المعادلة السياسية في تونس . لقد احتضن الثورة { أقصد كوادره الوسطى } و جمع كل القوى السياسية في مجلس حماية الثورة .إنّ تحديد موعد رسمي للإنتخابات القادمة بعد التشاور مع كل الفاعلين السياسيين و إقراره بصفة نهائية و ليس بتصريحات تلفزية يلقيها المسؤولين الحكوميين لقطع الشك باليقين ضروري لإزالة هواجس البعض { و قد تكون معقولة} حتى يتجه الجميع نحو هدف متفق عليه. إذا كان السيد رئيس الحكومة قد حدّد موعد 20 مارس للإنتخابات القادمة فمن سيشرف عليها؟ و الحال أنّنا لا نعرف الهيئة المستقلة التي ستديرها , فيجب الحسم في هذا الملف بصورة نهائيّة و لا أفهم لماذا تتردّد حركة النهضة في مواصلة هيئة السيد كمال الجندوبي لعملها و هي التي اكتسبت خبرة و تكوين متين و تضمّ مختلف الكفاءات الوطنية و الكل أثنى على عملها خلال انتخابات 23 أكتوبر بل و تفهّم الجميع يومها لماذا أجلت موعد 24 جويلية و التي تعرّضت خلاله لانتقادات عنيفة . و كما قال الرئيس المنصف المرزوقي:" لماذا نغيّر فريقا ناجحا" . السيد كمال الجندوبي مناضل من سنوات الجمر و بقي منفيا خارج البلاد لأكثر من 20 سنة لأنّه حقوقي أدان بشدّة انتهاكات النظام السابق لحقوق الإنسان. لابد لهيئة الإنتخابات أن تباشر عملها و تتّضح الصورة سواء بإحياء الهيئة السابقة أو تجديدها من خلال توافق وطني واسع داخل المجلس الوطني التأسيسي أو ضمن مبادرة الإتحاد العام التونسي للشغل. لقد أثبتت الأحداث أنّ الحكومة لا تمتلك جهازا إعلاميا قادرا على تبليغ خطابها السياسي و النوايا الحسنة لا تكفي في عالم السياسة المليء بالمناورات خاصّة أنّ المتربصون محترفون و لهم إعلام امتهن الدجل السياسي و النصب السياسي بعد دخول المال الفاسد على الخطّ . لقد خسرت الحكومة معركة الإعلام وهي أمّ المعارك رغم قاعدتها الشعبية الواسعة و أصبحت الأقزام السياسية تتطاول و تتجاسر عليها ليس بالنقد بل بالمزايدات و التحدّي أيضا . إنّ مظلّة الإتحاد العام التونسي للشغل هي ملاذ الجميع لإنجاح المرحلة الإنتقالية بعد الإنتهاء من كتابة الدستور يوم 23 أكتوبر 2012 , و لا ننسى أنّ بعض الموتورين ممّن لفظهم الصندوق الإنتخابي صاروا يتصرّفون كالصعاليك في المنابر الإعلامية و يهدّدون بالتظاهر يوم 24 أكتوبر بكل وقاحة و صفاقة و لا أدري أين كانوا سنة 2002 يوم تلاعب بن علي بالدستور و نصّب نفسه رئيسا مدى الحياة و للمفارقة فهؤلاء حقوقيون .طبعا هؤلاء لا وزن لهم لكن تحظى نشاطاتهم بتغطية إعلامية لم نعد في حاجة لتبيان أسبابها, و إعلامنا اليوم يقوم بتغطية من يتعثّر بدراجة هوائية ليحمّل الحكومة رداءة مسؤولية الطرقات. لقد كان يوم غرّة ماي 2012 يوما للوحدة الوطنية يوم التقت كل القوى السياسية للإحتفال بعيد الشغل و أثبت الإتحاد أنّه البيت الحاضن لكل ألوان الطيف السياسي و قد فوّتت حركة النهضة يومها الفرصة لمن يريد حشرها في الزاوية . وعلى الجميع أن ينظر لمصلحة تونس التي تبقى فوق الإعتبارات الحزبية . لقد حاورت المناضل الكبير و الوزير السابق أحمد بن صالح و قال لي :" لقد وقع استدعائي لدار الإتحاد بعد أكثر من خمسين سنة و عندما تحدّثت مع السيد حسين العباسي و رفاقه شعرت أن روح فرحات حشّاد قد عادت للإتحاد". فلا تضيّعوا هذه الفرصة التاريخية حتّى يرى التونسيون الدخان الأبيض يعلوا من جديد. و حفظ الله تونس. كاتب و محلل سياسي