بعيدًا عن حرارة اللحظة وما تستلزمه مهنة الصحافة في سياقها الحاضر من ركض وراء المعلومة، يتطلب منّا العقل أن نقف لحظة (على الأقل) لنلقي نظرة على تاريخ حركة النهضة (حين صارت خبز هذه الأيّام) وكذلك هذا المؤتمر الذي يأتي (كما كتب مصطفى الفارسي) «قنطرة» هي «الحياة»... كمثل القنطرة يأتي هذا المؤتمر فاصلا بين «عهدين»، عهد «قديم» قوامه الدماء والآلام وكذلك العثرات وأخطاء نعلم بعضها ونجهل جلّها من جهة، و«عهد جديد» قوامه نجاح انتخابي باهر وكذلك أخطاء لا تغفرها حرارة اللحظة... يمكن القول، بل الحزم أنّ راشد الغنّوشي يمثّل «الجسر» الأوّل (مع ما يلزم من احترام للشخص ومنصبه) حين جاء بقاؤه وترشحه في صورة من لا يريد فقط أن يكون رجل «العهدين»، بل كمثل بورقيبة الذي كافح المستعمر وشيّد البلاد... يريد «الزعيم» راشد الغنوشي أن يتجاوز أداء «الأمانة» إلى «الحفاظ عليها» حين يعلم يقينا (وهو داهية السياسة) أنّ التاريخ سيحفظ لمن «جاهد» زمن الظلم، لكن أكثر لمن «جاهد» من أجل تأسيس الدولة وتشييد المنظومة الجديدة، ومن ثمّة لا يأتي السؤال حول نوايا الرجل ومقاصده، بل حول قدرته على احداث «التحوّل» المطلوب، حين قلبت الثورة البلاد وجعلت معادلة الحكم على نقيض سابقها. كذلك لا يمكن أن نحصر المعادلة في بعدها القيادي قصرًا، حين تتطلب المعادلة، جمع أواصل الحركة، بين مهجر عاد بقوّة الريادة وسلطة المال، وداخل متراوح بين قداسة السجن وانغلاقه ومن راوحوا المحاصر داخل البلاد بين نصف حرية تراودهم وقمع تحطه السلطة السابقة حين تريد. لا يمكن لأمهر الجراحين أن يكفل رتق هذه الأجزاء الثلاث وجعل الكائن المنبعث من رماده كالفينق يسابق الريح ويركب الأمواج، خاصّة وأنّ سباق الأحزاب وصراعات السياسية لا تعترف بما يطلبه الوضع من «نقاهة» حين لا تحترم قواعد اللعبة أي قاعدة!!!