رمضان هو شهر الثورة الثقافية بامتياز .. حيث يقف الانسان أمام ذاته ..مراجعا لرؤيتها وعلاقاتها بالأشياء والمعاني .. يدخل في مواجهة مباشرة مع السائد والروتين .. ليدفع بروحه خارج محطات الشهوة وبعيدا عن مشغل العيش الباهت .. فيفتح آفاق التواصل الثري مع المطلق .. ويتحرر من ضغط الجسد .. لينفتح على الشفافية والصدق والسلام الداخلي والاجتماعي . لطالما استعبدَنا اليوميّ وانغمسنا في مطالب الاستهلاك فضاعت بوصلة الرؤية واستبد بنا التيه والقلق والحيرة من أجل العيش ومكاسبه .. فكم نحن بحاجة إلى مراجعة ذواتنا وحدود حركتنا ودورنا الاجتماعي والتاريخي .. الثقافي والحضاري الذي يمثل رسالة الاستخلاف وجوهر الأمانة التي كلفنا الله بها ..كأمة ..{ دون عنصرية أو استعلاء}.. رمضان محطة للتزود بالتقوى أي بالشحنة الانسانية اللازمة للاستمرار في الحياة على نحو لا يتحول فيه الانسان ذئبا .. فيحافظ على إنسانيته وأخلاقه ويقاوم الرغبة الجامحة في الاستغلال والسيطرة والظلم .. ويدعم نوازع الخير والصبروالمحبة والصدق والتعاون والعطاء .. ويبذل الجهد من أجل التعمير والبناء في سبيل سيادة قيم الحق والعدل والحرية . هي فرصة لاستنهاض أسس ومعاني المقاومة الثقافية في هذا الدين العظيم في زمن نحن فيه كالقصعة التي يتداعى إليها الأكلة من كل جانب ..فرصة نرفض فيها الاستسلام للدرهم { تعس عبد الدرهم } ونتحدى فيها قيم المادة وأسلوب العيش المبني على قيم الراسمالية التشييئية التي دمرت جوهر الانسان المعاصر وبعثرت شوقه لقيم الخير والتعاون والتكافل الانساني .. وحاربت رغبته في السمو النفسي والروحي والجمالي والأخلاقي . رمضان مدرسة عملية تشمل كل جوانب الوجود الانساني .. النفسي والفكري والجسمي .. وهو شهر خفيف الظل .. نبكي عند استقباله طمعا ورغبة ونبكي عند وداعه خوفا ورهبة .. وهو جدارنا الأخير للوقوف بكامل الكبرياء العفيف أمام دعوات الإلحاق والتعويم الثقافي .. ذلك أننا أمة مستخلفة لها ما تعمل .. ولها رسالة إنسانية نبيلة عليها أن تتحملها ..ميراثها نبوي ومشروعها كوني وطموحها أكبر من رغيف أو دولار .. كل حين ونحن أقرب إلى الله أي إلى الوعي برقابته وحمايته للصادقين المنافحين عن رسالته ووحيه العظيم .. والمقاومين للشروالقبح والرداءة بكل أشكالها ومسمياتها وألوانها .. على بصيرة وعقلانية وتروي ودون تشنج أو انفعال .. من أجل أن يكون الإسلام أجمل والرسالة أبهى والتعبير عنهما أصدق وأنقى .. سالم المساهلي