حجز أطنان من القمح والشعير والسداري بمخزن عشوائي في هذه الجهة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    القيروان: الأستاذ الذي تعرّض للاعتداء من طرف تلميذه لم يصب بأضرار والأخير في الايقاف    قيس سعيد يعين مديرتين جديدتين لمعهد باستور وديوان المياه المعدنية    هيئة تنظيم الزيارة السنوية لمعبد الغريبة: الطقوس الدينية ستكون داخل المعبد فقط    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح معرض الكتاب    ارتفاع حصيلة شهداء قطاع غزة إلى أكثر من 34 ألفا    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    النظر في الإجراءات العاجلة والفورية لتأمين جسر بنزرت محور جلسة بوزارة النقل    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    حامة الجريد: سرقة قطع أثرية من موقع يرجع إلى الفترة الرومانية    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    الترجي الرياضي: يجب التصدي للمندسين والمخربين في مواجهة صن داونز    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 5 آخرين في حادث مرور    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    انتخاب عماد الدربالي رئيسا للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    عاجل/ مفتّش عنه يختطف طفلة من أمام روضة بهذه الجهة    القصرين: تلميذ يطعن زميليْه في حافلة للنقل المدرسي    وزارة التربية تقرر إرجاع المبالغ المقتطعة من أجور أساتذة على خلفية هذا الاحتجاج ّ    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    كأس تونس لكرة السلة: البرنامج الكامل لمواجهات الدور ربع النهائي    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    تفاصيل القبض على 3 إرهابيين خطيرين بجبال القصرين    كميّات الأمطار المسجلة بعدد من مناطق البلاد    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الجمعة 19 افريل 2024    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    القيروان: هذا ما جاء في إعترافات التلميذ الذي حاول طعن أستاذه    تجهيز كلية العلوم بهذه المعدات بدعم من البنك الألماني للتنمية    الاحتلال يعتقل الأكاديمية نادرة شلهوب من القدس    طيران الإمارات تعلق إنجاز إجراءات السفر للرحلات عبر دبي..    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    جوهر لعذار يؤكدّ : النادي الصفاقسي يستأنف قرار الرابطة بخصوص الويكلو    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    محمود قصيعة لإدارة مباراة الكأس بين النادي الصفاقسي ومستقبل المرسى    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    وزير الصحة يشدد في لقائه بمدير الوكالة المصرية للدواء على ضرورة العمل المشترك من أجل إنشاء مخابر لصناعة المواد الأولية    "سينما تدور": اطلاق أول تجربة للسينما المتجولة في تونس    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشورى عصب الحضارة الإسلامية *
نشر في الفجر نيوز يوم 10 - 08 - 2009

تحاول هذه الورقة أن تلقي اضواء على مجتمع الشورى في حياته الاقتصاديه والاجتماعيه من طريق إبراز الاسس والمبادئ والسياسات العامة للنظام الاسلامي في العلاقة الضرورية بين البعد السياسي والبعد الاقتصادي الاجتماعي للشورى.
ليست الشورى في الاسلام، أي الاشتراك في الامر العام، بديلا عن الانفراد بالقرار فيه مجرد عنوان للنظام السياسي في الاسلام ، فلقد ورد ذكر ها في القرآن المكي سابقا لولادة النظام السياسي للجماعة في المدينة.
فقد وردت باعتبارها وصفا ثابتا للاجتماع الاسلامي في سياق جملة من الأوصاف الثابتة: بالايمان والتوكل واجتناب الفواحش والاستجابة لله بإقامة الصلاة والالتزام بالشورى في كل الامور والانفاق وتنتهي بالانتصار من البغي ، بما يوحي "أن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن تكون نظاما سياسيا للدولة فهي طابع اساسي للجماعة كلها"(الظلال ج5 ص3160دار الشروق 12)
الشورى أول الدروس في لحظة التكوين
ويمكن الاستدلال على أهمية الشورى بما ألمع اليه صاحب (التحريروالتنوير) من اعتبار الشورى أول درس تعلمه آدم وزوجه في الملإ الأعلى إذ أشهدهما ربهما إخباره سبحانه لملائكته الخبر الذي ورد في شكل استشارة وتعليم أنه "جاعل في الارض خليفة" "ليسوقهم إلى معرفة فضل الجنس الانساني على وجه يزيل ما في نفوسهم من سوء الظن بهذا الجنس.وعندي أن هذه الاستشارة جعلت لتكون حقيقة مقارنة في الوجود لخلق أول البشر حتى تكون ناموسا أشربته نفوس ذريته "(ج1 ص400الدار التونسية للنشر)
الشورى مقصد عام من مقاصد الشريعة
لقد ورد النص على الشورى وصفا ثابتا للجماعة المسلمة."وأمرهم شورى بينهم"/الشورى37/ كما ورد النص عليه في سياق الادارة الاسرية" عن تراض منهما وتشأور"/ البقرة/وورد أمرا للرسول عليه الاسلام بوصفه السلطاني ومن باب أولى الامر لمن بعده من الحكام، ألاّ ينفرد ذو سلطان بالامر دون رعيته..
ومع ذلك فإن مكان الشورى في البنية الاسلامية أوسع واعمق من أن يستدل عليه بنصوص محدودة معدودة فقد اعتبره علماء مقاصد الشريعة كالعدل مقصدا من مقاصده العظمى(مقاصد الشريعة ابن عاشور)غمط حق وواجب الشورى في الثقافة الإسلامية: ملفت للنظر أنه لئن تجادل الفقهاء حول إيمان تارك الصلاة من عدمه تأكيدا لأهميتها فإنه لم يثر جدل مماثل حول إيمان تارك الشورى من عدمه وحول إيمان تارك الزكاة ، مع أن حملة القرآن على فرعون رمز الطغيان وعلى حليفه قارون رمز الجشع الرأسمالي وعلى أعوانهما ، وعلى تحالف رجال الدين معهما بلغت من التكرار والشدة أن جاء تعريف الدين تعريفا اجتماعيا (أرأيت الذي يكذب بالدين..).
ولقد كان جليا في حروب الردة الوجه الاجتماعي ممثلا في الامتناع عن دفع الزكاة، حق الفقراء، والبعد السياسي ممثلا في رفض السلطة المركزية للدولة ، حتى عد الاسلام أول من شن حربا لا هوادة فيها دفاعا عن حق الفقراء (يوسف القرضأوي)، مع أن معظم الحروب القديمة والحديثة يشنها الاغنياء لسلب أموال الفقراء.
والمرجح أن هذا الغمط لحق وواجب الشورى في الثقافة الاسلامية عائد إلى ضغط الواقع في أعقاب انقلاب حكم الخلافة الشورية إلى ملك عضوض خانق للانفاس الحرة، فحظيت مسائل شعائرية جزئية من الاهتمام ما لم يحظ به الركن الأعظم للحكم والحياة الإسلاميين، الشورى.
وسرعان ما شرّع لحكم التغلب، وتفرق دم الشورى في الجدل حول الامر بالشورى هل هو للوجوب أم لتطييب الخواطر؟ وهل الأخذ بنتيجتها واجب أم على التخيير، ومن هم أهل الشورى كيف يتم فرزهم في مجتمع مترامي الاطراف كثير النفوس؟ وحتى عندما طور الغرب شورانا ونقلها من مستوى الموعظة كما انتهت اليه إلى نظام يكفل قوامة الشعوب على حكامها واستبدالهم النظام المعروف بالديمقراطية فقد تجهمه بعض أهل الدين وكل الحكام تقريبا.
مع أنه ليس في أدوات الديمقراطية ما يصادم إسلامنا كما أوضح المحققون أمثال القرضأوي وبن بية وغيرهما. الاستخلاف في المال كالاستخلاف في الحكم إن المال فى الاسلام كالحكم لله سبحانه، استخلف فيه الجماعة فيما تحت أيدى الأفراد من مال وسلطة، وهو مع إقرار ما بين أيدى الأفراد من حكم ومال، اشترط أن يقع التصرف فيهما وفقا لنظرية اسخلاف الله للجماعة عليهما، يديرهما الأفراد نوابا عنها، بما يجعل كل خروج للمال أو الحكم عن حدود الشريعة أو مصلحة الجماعة هو تصرف مردود يقتضى نصحا وارشادا، فإن لم يجد فالعزل والإبعاد (1) (ولا تؤتوا السفهاء اموالكم التى جعل الله لكم قياما) (2 ).
المال إذن وظيفة اجتماعية اؤتمن عليه الفرد لتنميتها اصلاحا لحاله بالاستعفاف والاسغناء وخدمة للجماعة (يسالونك ماذا ينفقون قل العفو) (3)، أى أن تصرف الجماعة في أموال الأفراد يمكن أن يتجاوز مقادير الزكاة إلى ما زاد عن حاجة الأفراد عند الاقتضاء. وفي الحديث: "في المال حق سوى الزكاة"صحيح مسلم إن حفظ المال مقصد أساسى من مقاصد الشريعة، فالله لم يتعبدنا بالإعراض عن الدنيا، ولكنه تعبدنا بامتلاكها وتطويرها واسثمارها (4 ) . وهذا المقصد يأتى ترتبيه فى قائمة مقاصد الشريعة بعد حفظ الدين والنفس، أى أنه فى خدمتهما، فما يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يضن بمال أونفس من أجل إقامة الدين ولا أن يمسك ماله وفى الناس من يجوع ويعرى ويضحى، ولا أن يتكاسل ويعطل طاقته أو طاقات الطبيعة متواكلا على غيره.
لا معنى للشورى حيث المال دولة بين الأغنياء
إن تفظيع الاسلام لمنكر الإستبداد والإنفراد بالقرار السياسي في الجماعة وتأكيده واجب وحق مشاركة الجميع "وأمرهم شورى بينهم" في تقرير الشئون العامة، ما ينبغى أن يكون عملا معزولا عن جملة توجهات المجتمع واختياراته، لأن الشورى ليست أسلوبا في إدارة الشئون السياسية فحسب، بل هي نهج عام في الحياة، ينطلق من أصل الاستخلاف العام للبشر ووحدة الأصل البشري والمصيري وأوليةّ الجماعة على الفرد واعتبار الفرد ضعيفا بنفسه، قويا بأخيه، خطّاء بنفسه، مهديّا إلى أرشد أمره بأخيه. فالحياة الاجتماعية في التصور الإسلامي ذات بنية عضوية، ترتبط كل وظيفة فيها بجملة الوظائف الأخرى التي تقوم بمقامها وتختل باختلالها.
فمن غير الواقعي إذن أن نتصور إمكان قيام مشاركة سياسية في السلطان السياسي مع استمرار السلطان المالي دولة بين صفوة من اللصوص الدوليين القوارين، في شكل احتكارات كبرى صناعية وزراعية وخدمية، سرعان ما تفرز على صعيد كل مجتمع نمطين متناقضين من العمارة وأساليب العيش العامة، يغدو معهما الحديث عن الأخوة "إنما المومنون أخوة"، وعن الوحدة الوطنية والقومية والدينية "وأن هذه أمتكم أمة واحدة".
كما يغدو معها الحديث عن الشورى بمعناها السياسي أي المشاركة السياسيه في شكل انتخابات أو حريات سياسية عامة، كما تفرز على الصعيد الدولي عالمين متباينين متصارعين متباغضين تنعدم بينهما الوشائج الانسانية، بل الأخوة الانسانية المنبثقة من وحدة الأصل ووحدة الخالق "الذي خلقكم من نفس واحدة"، وذلك هو ما آلت له العلاقات الدولية الاقتصادية لعالمنا، بما يغدو معه الحديث عن مجتمع دولي إنساني وأخوة دينية أو وطنية أو إنسانية نوعا من الهزل والخداع وغسيلا يوميا للمخ تقوم به أجهزة الإعلام فى الأنظمة الراسمالية وأذرعها الأخطيوطية التابعة الممتدة في العالم.
اتساع المشاركة في الحكم والثروة
إن اتساع الشورى فى المجتمع بشكل جاد يقتضى ضرورة اتساع نظام المشاركة فى الحياة المالية والتكافل فى المغنم والمغرم، كما يقتضي طرازا من الحكم والسلطة يقوم على المشاركة في القراريناظر شكل إدارة الشركات التعاونية بحيث لا احتكار في قرار الإدارة ولا ظلم في أنصبة الربح والخسارة (5 ) .
إنه ما ينبغي في التصور الاسلامي أن تتمحور فلسفة الاقتصاد حول تحقيق الربح لحفنة من اللصوص ولو على أنقاض البيئة والحاجات الاساسية للجماعة، بل يجب أن تتمحور حول المصلحة العليا للجماعة بل للإنسانية، بما يحفظ كيان أمنا الطبيعة سليما معافى ويوفر الكفاية للجميع فيتحقق التقارب بين كل فئات المجتمع وأعضاء الاسرة البشرية ويقضي على آفة الفقر قرين الكفر، وعلى التفاوت الذي يحكم العلاقات المحلية والدولية في شكل احتكار تداول المال في فئة قليلة لا تتجأوز2أو3% من السكان على المستوى الاقليمي والدولي، وما يثمره ذلك ضرورة من أحقاد وحروب وأوبئة وتدمير للبيئة وتمزّق في النسيج الاجتماعي وصراعات وحروب في العلاقات الدولية، وانهيارات للإقتصاديات العملاقة فضلا عن الصغرى وانعكاساتها الكارثية على الجميع، وما ذاك إلا بسبب التنكب عن مبادئ العدالة التي جاءت بها النبوات والانسياق مع غرائز الجمع والمنع "وأحضرت الانفس الشح".
إنه في مجتمع الشورى ما يحل أن يكون مجرد الربح الرأسمالي هو الهدف الأسمى لأي برنامج اقتصادي واجتماعي يحرص على شرف الانتساب إلى الإسلام والالتزام بتعاليمه ومقاصده، ذلك إذا كنا جادين حقا في بناء أخوة اسلامية ووطنية وإنسانية حقيقية تقوم على المشاركة في المغنم والمغرم، وفي العسر واليسر، أى على الشورى، فقد كان ما يمارسه أثرياء مكة القساة من حيف مشط – بعد الاشراك بالله- أول ما استهدفته رسالة النبي عليه السلام في مكة، بحرب لا هوادة فيها، ذلك أن إشباع الحاجات المادية الروحية والمادية للبشرية يعتبر جوهر الارادة الالهية، ومن ثم جوهر الدين (6 ).
لقد كان أول عمل للرسول، صلى الله عليه وسلم، وهو يرسي أول تجربة للشورى في التاريخ، هو بناء المسجد وإصدار الدستور وإقامة المؤاخاة (دراسات في السيرة: عماد الدين خليل)، دلالة على الترابط بين الحياة الاجتماعية والثقافية من جهة، والحياة السياسية من جهة ثانية، والحياة الاقتصادية من جهة ثالثة. وكانت الروح الجماعية الشورية أساسا في كل منها لحياة الأخوة والحرية والعدل.
ولذلك يحق لنا أن نشك عظيم الشك في كل شعار ديموقراطي يرفع نفاقا ضمن مجتمعات متفجرة يتجاور فيها الحرمان والبؤس والبطالة والمرض مع الترف الفاجر والاستطالة على الله وعباده..
الامر الذي يجعلنا نوقن أن كل بناء اجتماعي يقوم على مثل هذه الأسس، لا محالة مهما ارتفع مهدوم.
وكم من بناءات اقتصادية عظمى تكشفت حقيقة بيوتها العنكبوتية بسبب قيامها على التنكر لواجب الواجد سبحانه وما تولد عن ذلك من طغيان الجشع والاحتكار والغش ونهب الاقوياء لموارد الضعفاء، وهو ما يفرض على دعاة البناء الجديد أن تكون دعوتهم هدما وبناء، في مستوى شمول الاسلام، وفي وحدة لا تنفصم بين معاني التوحيد على المستوى العقدي والعدل على الصعيد الاجتماعي والشورى على الصعيد السياسي ، اذ كما أنه لا معنى لإيمان لا ينتج عملا , فإنه لا معنى لعقيدة التوحيد إن لم تثمر مجتمع العدل والشورى، مجتمع الاخوة والمشاركة والتكافل في مصادر الرزق الاساسية " والارض وضعها للأنام" { الرحمن: 10} (سواء للسائلين) {فصلت :10}، " الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار "/أحمد وأبو دأود/ اى مصادر الرزق الاساسية.
ويكفينا هنا التأكيد على أن المشاركة السياسية تقتضي ضرورة مشاركة اجتماعية. إن الشورى والعدالة هما وجهان لعملة واحدة هي التوحيد (7 ) . ودعوة الإسلام المتكررة للأفراد أن ينفقوا في مصالح الجماعة ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى يفترض إباحة التملك الفردي، إذ أن الإسلام يستهدف الإرتفاع بالجميع من خلال التشجيع على عمارة الارض وعلى التكافل المجسّد للأخوة، إلى المساواة في الغنى وليس تردي الجميع في منكر الفقر..
الضمان الاجتماعي بين الرأسمالية والإسلام
لم تتضمن الدساتير وقوانين حقوق الإنسان في الغرب مفهوم الضمان الإجتماعي إلا في وقت متأخر، وتحت ضغط الواقع فتحدثت عن ضمان الحقوق الإجتماعية للمواطن من تعليم وصحة وعمل وأسرة. أما غير القادر على العمل أو الذي لا يكفيه عمله لتوفير العيش الكريم فمسكوت عنه.
ولذلك يلاحظ الفرق جليا في موضوع الضمانات الاجتماعية بين المجتمعات الاروبية التي تعرضت لأخطار التهديد الشيوعي والاشتراكي فتصدت له عسكريا بالأحلاف واجتماعيا بالضمانات الاجتماعية في الصحة والتعليم والبطالة والشيخوخة، وبين المجتمعات الرأسمالية التي لم تتعرض لتهديد اشتراكي مما ثل مثل الولايات المتحدة، فلا يزال ملايين محرومين من ضمانات ولو في حدها الادنى بما يؤكد تجرد النظام الرأسمالي من البعد الاخلاقي الإنساني، فهو في أصله لا يعترف بغير حق الاقوياء، الأصلح هو الاقوى.. مجتمع دارويني.
وحتى إعلانات حقوق الإنسان لم يتضمن جيلها الأول التنصيص على الحقوق الاجتماعية، وإنما جاء ذلك متأخرا بعد الحرب العالمية الثانية تحت طائلة التهديد الشيوعي، عندئذ جاء التنصيص على "حق الإنسان في مستوى من المعيشة كاف للمحافظة على الصحة والرفاهية له ولأسرته وفي تأمين معيشته في حالة البطالة والمرض والعجز والترمل والشيخوخة"( 8 ). إن ما يسمى بالديمقراطيات الإجتماعية ودولة الرفاه كلها، وهي ثمرة ضغوط أكثر منها ثمرة اعتراف بكرامة الإنسان، جاءت متأخرة جداً في الفكر والممارسة عن الإسلام نظرية وممارسة.
لقد أقام الإسلام مجتمعه على أساس الأخوة والمساواة والعدالة وما يقتضيه ذلك من تعاون وتضامن وإيثار (إنما المؤمنون إخوة)( 9)، وفي الصحيح: [المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله]، ويعلن ابن حزم في المحلي تعليقاً على هذا الحديث الصحيح يقول فيه: "من تركه يجوع ويعرى وهو قادر على إطعامه وكسوته فقد أسلمه"، إن الأخوة ليست مجرد عاطفة ولكنها قد تكافل تعاون وتآزر، وهو عقد طرفه الأساسي الأمة ممثلة في مستويات متراتبة تبدأ بالأسرة، حيث أوجب على أفرادها التكافل في الإرث والوصية والنفقة وأولوا الأرحام بعضهم أولي ببعض"(10 )، ثم أهل الجيرة والجار ذي القربة والجار الجنب( 11 )، وفي الحديث: [ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه]، [ليس منا من بات شبعان وجاره جائع وهو يعلم].
ثم يأتي أهل الحي ثم المجتمع كله عن طريق الزكاة وهي فريضة ملزمة ثم النفقة التطوعية "في المال حق سوى الزكاة"، وفي الصحيح يرسم النبي القائد نموذجاً لمجتمع مؤمن صغير كيف يتعامل معالأزمات الاقتصادية: [نعم القوم الأشعريون كانوا إذا أرملوا في الغزو أو قل عيلا طعامهم بالمدينة جعلوا ما كان عندهم في ثوب وأحد وقسموه بينهم بالسوية، فهم مني وأنا منهم].مسلم عن جابر.
وصيغة الوصف النبوي لهذا المجتمع ناطقة بتحبيذه، والرغبة للمسلمين وللبشرية جمعاء أن تتأسى به في تجسيد الأخوة وقهر الأنانية ومغالبة الأزمات. ويتجاوز النبي القائد هذه الصيغة التي تعتمد الإيحاء إلى الإعلان العام المباشر ذي الصيغة التشريعية" (من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل). صحيح أخرجه مسلم وأبو دأود وأحمد من حديث أبي سعيد الخدري، وللمسلم المعاصر أن يعدد من صنوف البيوت والسيارات والمصانع والحقول... الخ.
ولقد تقدم حديث النبي صلى الله عليه وسلم [من كانت له أرض فليزرعها أو ليمنحها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه]م/مسلم/، وليس له أن يمسكها أكثر من ثلاث سنوات إذ "ليس لمحتجز حق بعد ثلاث سنوات"، كما ورد في حديث أخر.
ولقد تشبع خلفاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الروح الاجتماعية الإنسانية، فمنع ابن الخطاب أن يتحول الفاتحون إلى إقطاعيين، فقرر منع توزيع أرض الفتوح على الفاتحين وجعلها ملكاً عاماً للمسلمين إلى يوم القيامة( 12 ).
ومع ذلك تبين له في أواخر أيام حكمه وجود تفاوت عزم على القضاء عليه، فقال: "لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين". وكان الخليفة الثائر علي بن أبي طالب واضح الرؤيا في تحليله لمشكل الفقر، أنه ثمرة لأنانية الأغنياء"ما جاع الفقراء إلا بمنع الأغنياء".
"يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"
وإذا كان غبار التاريخ المتطاير من حمأة الحضارات الفارسية والرومانية القائمة على الإقطاع والاستقلال قد غشي كثيراً أو قليلاً أنوار العدالة والإنسانية التي أشعت بها نصوص الكتاب والسنة وتجربة التطبيق النموذجي في الصدر الأول للإسلام، فخالطت تلك الأنوار الساطعة ظلمات الجاهلية وتأثر التنظير الفقهي بذلك قليلاً أو كثيراً، فإن تاريخ الإسلام لم يخل من المجددين الثائرين الذين كسروا أطواق التاريخ ونفضوا غباره المتراكم فاتصلوا بالنبع الصافي وأطلقوا أنواره مجدداً.
وكان أشهر أولئك علامتنا المغربي الثائر الفقيه السلفي ابن حزم الذي لا يشك أحد في تمسكه الحرفي المتشدد بظواهر النصوص. وكان ذلك كافياً لو صح تحليل خصوم السلفية ليجعل من ابن حزم أكثر فقهاء الإسلام رجعية وجموداً وخصومة لحقوق المستضعفين من الرجال والنساء، ولكن الواقع يشهد بعكس ذلك تماماً لدرجة أن رافعي لواء التحرر من سلطان النصوص لحساب العقل – وذلك شرط التحرر والتقدمية عندهم – إذ التقدم بزعمهم والمنهج النصي (أو السلفي) نقيضان لايجتمعان.
ولا يكادون يعثرون خلال تنقيبهم في التراث على مواقف تحررية في مجال الاقتصاد أو المرأة والفن وغيرها أعمق وأجلى وأغزر من مواقف الموغلين في السلفية أمثال ابن تيمية وابن القيم، وابن حزم، وهو زعيم المنهج السلفي بلا منازع... وكان على هؤلاء أن يذعنوا للحقيقة التي كشف عنها تاريخ الحضارة الإسلامية، تلك التي أعلن عنها الفكر الإسلامي المعاصر(13 )، ألا وهي أنه لا تجديد إلا في إطار السلفية.
المقصود أنه انطلاقا من الاعتزاز بالذات الحضارية للأمة والاطمئنان الكامل إلى دينها وتراثها...فإنما انطلق تاريخنا من النص المقدس، فلا تجديد حقيقياً إلا في إطاره وانطلاقاً منه. بل إن التجديد في كل حضارة كان بهذا المعني سلفياً، أي عودة إلى الجذور انطلاقاً منها من أجل تخطي الحاضر الهابط نحو مستقبل أفضل، مع ملاحظة أن السلفية هنا تعني التمسك بنصوص الإسلام ومقاصده في مواجهة محاولات العبث العلماني، وليست بحال رفض التجديد ورفض مقاصد الشريعة، مع التنبيه أيضاً أن مصطلح السلفية لا يحمل دلالة إلزامية، بل يمكن الإستغناء عنه والاستعاضة عنه بغيره، لأن السلفية ليست مفهوماً واحداً(14 ).
لنقرأ بانتباه، ونحن بصدد تقرير حق الضمان الاجتماعي في الإسلام، هذا النص الرائع للثائر السلفي ابن حزم: "وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات بهم ولا في سائر أموال المسلمين بهم فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بد منه ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنهم من المطر والشمس وعيون المارة. ومن كان على فضلة، ورأى أخاه جائعاً عريان فلم يغثه فما رحمه بلا شك"، بل يفرض ابن حزم على الجائع أن يأخذ ما يسد به حاجته، ولو مع استعمال القوة( 15 ).
ويصل الفقيه السلفي ابن تيمية (في كتابه الحسبة في الإسلام) إلى النتيجة نفسها انطلاقاً من النصوص: "إذا قدر أن قوماً إلى السكن في بيت إنسان إذا لم يجدوا مكاناً يأوون إليه إلا ذلك البيت،فعليه أن يسكنهم وكذلك إذا احتاجوا إلى أن يعيرهم ثياباً يستدفئون بها من البرد أو إلى آلات يطبخون بها أو يبنون أو يسقون يبذل هذا مجاناً وإذا احتاجوا إلى أن يعيرهم دلواً يسقون به أو قدراً يطبخون فيها أو فأساً يحفرون به" فهل عليه بذله بأجرة المثل أم بزيادة. وهناك قولان للعلماء في مذهب أحمد وغيره. والصحيح وجوب بذل ذلك مجاناً إذا كان صاحبها مستغنياً عن تلك المنفعة كما دل عليه الكتاب والسنة، وقال تعالى: فويل للمصلين. الذين هم عن صلاتهم ساهون. والذين هم يراؤون. ويمنعون الماعون(16 ).
إن مسؤولية الفرد على إخوانه تصل إلى حد مقاضاته إذا فرط ولم يقم بحاجتهم مع القدرة؛ يذكر الفقيه المالكي الدردير: "يضمن من ترك تخليص مستهلك(أي هالك) من نفس أو مال قدراً على تخليصه بقدرته أو جاهه أو ماله فيضمن من النفس الدية وفي المال القيمة"( 17 ).
إن تفرد الإسلام بجعل ضمانه الاجتماعي شاملاً للغارمين حتى تسدد ديونهم وتفرج كروبهم، وللرقيق حتى يتحرروا، ولأبناء السبيل من المسافرين والمنقطعين مهما كانت ثرواتهم في بلدانهم التي يقيمون فيها، كما تفرد الإسلام بجعل التزامات الدولة الاجتماعية شاملة لولاية الأطفال القصر الذين لا أولياء لهم ومراقبة أولياء هؤلاء إن وجدوا، وتزويج من لا أولياء لهم أو لا مال لهم. ولقد اتخذ الخليفة عمر بن الخطاب دار السويق فجعل فيها الدقيق والسويق والتمر والزيت وما يحتاج إليه المحتاج.
الوقف من أعظم مؤسسات الشورى
واضح عمق وأصالة الضمان الاجتماعي في مجتمع الشورى على صعيد التطور والتطبيق في الإسلام، وواضح كذلك طابع التفرد في هذا التصور من حيث ارتباط تلك الحقوق بتكريم الله للإنسان باستخلافه له، ومن حيث تعدد مؤسسات ذلك الضمان: الأسرة، الجوار، الحي، أو العشيرة، المسجد ،الوقف ، المجتمع، الدولة... وذلك وفق تصور الإسلام لعلاقة الفرد والمجتمع بالدولة.؟ إن عقيدة التحرر والعبودية لله، وهي أساس التصور الاجتماعي الإسلامي، تأبى حصول وضع اجتماعي تتغول فيه الدولة ويتضاءل الفرد والمجتمع تجاهها فيرتبط مصير المجتمع كله بتلك المؤسسة أو الشخص أحياناً(الدولة).
إن الإسلام يحرص على تحقيق قدر كبير من الاستقلال للفرد والمجتمع عن السلطة في الدولة الإسلامية، وذلك من خلال التكريم الإلهي للإنسان بما يكسبه حقوقاً ويفرض عليه واجبات لا سلطان لأحد غير الله عليها، ومن خلال حرصه على إقامة المؤسسات الشعبية المستقلة عن السلطة، كالأسرة والعشيرة وأهل الحي ومؤسسة التعليم والتعبد، وأنواع كثيرة من المؤسسات الاجتماعية الشعبية التي يمولها الشعب عن طريق مؤسسة الوقف التي استوعبت أعظم إبداعات ومؤسسات الحضارة الاسلامية التي بلغت من الاتساع ما استوعبت في كثير من المجتمعيات معظم الملكية. وكان ذلك كله ثمرة لمبادرات المجتمع تقربا إلى الله عز وجل بما أرسى سندا عظيما لاستقلال الأمة عن الدولة، وخاصة في عهود فسادها.
إن أشد ما نكبنا به الغزاة الغربيون، هو نهبهم جزءاً كبيراً من المؤسسات الشعبية وتدميرهم البنية التحتية لمجتمعنا، حتى إذا ورثهم المستعمرون الجدد في عهد (الاستقلال) استكملوا الغزو، وأتموا السيطرة والاستيلاء على ما تبقى من تلك البنية التحتية فارتهن الفرد والمجتمع لأهوائهم وتقلباتهم، وضمن مشروعهم التسلطي الشمولي دأبوا على تفكيك بنية المجتمع الفكرية والمؤسساتية الشعبية تيسير السيطرة والتحكم.
والخلاصة من ذلك أن الإسلام يسعى جهده لضمان حرية الناس وإخلاصهم عبوديتهم لله، ومن وسائله منع احتكار سلطة الحكم أو سلطة المال في يد فئة قليلة، بل قد يسعى إلى توزيعها على أوسع نطاق ممكن حتى ينحصر تدخل الدولة المباشر في أضيق نطاق ممكن (أنا ولي من لا ولي له) أي حيث يعجز المجتمع ويختل توازنه.

في ظل الاسلام لم تعجز مجتمعاته عن انتاج حاجاتها: إن الاسلام الذي قاد اجتماع أمتنا وعصور ازدهارها الحضاري المديدة وظل مرجعيتها العليا التي استوحت منها كل مناهج حياتها الثقافية والتشريعية والاقتصادية وتأسست في ظلها مجتمعات راجت فيها أسواق الدنيا جنبا لجنب مع اسواق الاخرة تجسيما للمثل الاسلامي الجامع بين المادي والروحي، وحتى في عصور انحطاط هذه المجتمعات ظلت منتجة لحاجياتها وزيادة حتى كانت تصدر الاقوات للدول الأوروبية وتسدي لها القروض (مصر أقرضت انجلتر والجزائر أقرضت فرنسا، وكلاهما قبل الاحتلال).
إن هذا الاسلام ما عجز طيلة القرون التي حكم فيها، وقبل أن ينحى بقوة السيف عن عرشه ويدفع إلى الهامش ويستبدل بإيدولوجيات أخرى، لا يزال أهم مقوم في هوية الأمة ومحرك لطاقاتها لو أنها وظفت في مشاريع التنمية كما حصل في تجربة ماليزيا.
إن الاسلام الذي قاد اجتماع أمتنا وشكل وعيها وضميرها، لايزال رجاله الأقدر على تعبئة شعوبنا لأي مشروع تنموي وتجسير الهوة الشاسعة التي شقتها المناهج التغريبية بين نخبة الحكم والثقافة من جهة وبين جمهرة الناس. ورحمته وسعت كل شيء
مع أن الاسلام لا يعطي ثماره اليانعة إلا لمن سلم له قياده بالكلية: "ادخلوا في السلم كافة"، وذلك جوهر ما يحرص عيه دعاته، إلا أن رحمته السابغة لا تستثني أحدا ولا يتوقف عطاؤها عند حد ولا تنتظر شيئا، فهو الريح المرسلة بالخيرات في كل اتجاه وحين.
فلم ينتظر النبي يوسف عليه السلام إيمان ملك مصر وقومه وتخليهم عن الشرك حتى يقدم لهم خطته لإتقاذهم من هلاك في الآفاق محقق، بل لإنقاذ الاقتصاد العالمي يومئذ، بل ويطلب الاشراف بنفسه على تنفيذها حرصا على نجاحها: "اجعلني على خزائن الارض إني حفيظ عليم"، وذلك سبيل أقوم من سبل الدعوة إلى الله عبر غمرهم برحمة الله.
وتلك سابقة مهمة للأقليات المسلمة أن تجعل نهج دعوتها للاسلام عبر الإسهام في تقديم حلول للمشكلات التي تتخبط فيها مجتمعاتها مثل مشكل تفكك الاسرة ومشكل المخدرات ومشكل الانهيارات الاقتصادية بسبب صنوف المضاربات والمعاملات المنافية لقيم الشريعة مثل المعاملات الربوية.
ويقدم نظام المصارف الاسلامية نموذجا حيا للدعوة الإسلامية في الغرب، ما جعل الدول الغربية تتنافس في فتح هذا النوع من المصارف الذي يجمع بين الجدوى الاقتصادية وبين احترام مبادئ العدل وقيم الاخلاق. ولقد سطع نجم الاقتصاد الاسلامي حتى غدت مصارفه ملجأ لرأسمال المذعور في ظل الانهيارات الاقتصادية الرأسمالية الكبرى التي تجتاح عالما يقوده الجشع القاروني.كما أكد ذلك الامين العام لمجلس الخدمات الاسلامية في قوله: "أثبتت المصرفية الإسلامية جدواها وأداءها المالي المتميز بشهادة الكثيرين من خبراء المال والاقتصاد في العالم الغربي والشرقي، فقد بدأت كثير من التحديات التي كانت تواجهها في بداية مسيرتها في طريقها للزوال، غير انه بلا شك هناك تحديات متبقية وقد تكون برزت نتيجة لإفرازات وانعكاسات الأزمة المالية العالمية التي أصبحت فيما بعد أحد أهم أسباب تقديمها للعالم كأحد الحلول الناجعة لمشكلات النظام المالي العالمي.
وفي اعتقادي أن أهم هذه التحديات يكمن في كيفية تمكين الصناعة المصرفية الإسلامية في أن يكون لها أثر وحضور قوي في إعادة بناء النظام المالي الدولي الذي يتهأوى الآن، إذ إن الأزمة المالية العالمية أثبتت فشل النظام المالي العالمي، وهناك مشأورات لإعادة بناء هذا النظام، وهذه فرصة حقيقية للمصرفية الإسلامية للمساهمة في عمليات معالجات أبعاد تلك المشكلة، التي أصبحت الآن مطلبا مصرفيا عالميا لإعادة هيكلة النظام المالي العالمي المتهالك، خاصة أن لدى المصرفية الإسلامية الكثير من المقوّمات التي يمكنها أن تقدم نموذجا ماليا عالميا محصنا بموانع الانهيار. السبيل أون لاين28-6-2009.
الإسلام قدم عطاءه حيثما توفرت له فسحة من الحرية: ومع أن الإسلام لا يزال مقصى غالبا من شؤون الحكم في وضع المعارض المعترف به أو الذي تدور عليه رحى الطغيان من قبل العلمانيةالحاكمة، فليس مسؤولا عن أوضاع الأنهيارات الاقتصادية والكوارث البيئية ، ومع ذلك ففي الاحوال التي أتيحت فيها للإسلاميين فسح ولو كانت محدودة فقد قدموا رصيدا معتبرا من التجارب التنموية الناجحة، وبالخصوص ضمن مؤسسات المجتمع المدني؛ فقد طوروا على الصعيد الفكري والفلسفي فكرة الاقتصاد الاسلامي حتى تبلورت في علم تقوم على تدريسه كليات في كثير من الجامعات وبعضها في الغرب مثل جامعة "لافبرا" في انجلترا، وتنعقد له المؤتمرات العلمية وتقوم على خدمته موسوعات ومجلات ومئات من المؤلفات، كما تجسّده في الواقع الاقتصادي المحلي والدولي مالا يقل عن مائتي بنك إسلامي تدير مئات المليارات من الدولارات، وتمثل قطب جذب وإغراء كبير للرأسمال ليس الاسلامي فحسب، بل غير الاسلامي أيضا لما يوفره النظام المالي الاسلامي المتطهر من سوأة الربا من ضمانات بالمقارنة مع الاقتصاد التقليدي أي الربوي.
وهو ما دفع بلدا يتوفر على ثالث اقتصاد عالمي "انجلترا" على افتتاح بنك إسلامي بريطاني، كما دفع كبريات البنوك الدولية مثل سيتي بنك وباركليز بنك وغيرها على فتح فروع لها تعمل وفق الشريعةالاسلامية.
ومن جهة أخرى أمكن للاسلاميين الذين قادوا كبريات النقابات المصرية مثل نقابات الاطباء والمحامين والصيادلة والجامعيين.. الخ، أن يثبتوا جدارة متميزة في الارتقاء بمستوى الخدمات في تلك النقابات وهوما أكسبهم ثقة في قواعدها، ولولا أن الإخوان حدّوا من مستوى مشاركتهم ونزلوا بها إلى الثلث لوقعت كل النقابات بأيديهم، ولا يختلف ذلك عن مستوى إدارتهم للمدارس الخاصة، وهو ما يفسر شدة التنافس والطلب عليها.
أما إدارتهم للبلديات ونهوضهم بها فالمثال التركي ناصع تشهد عليه بلدية استنبول التي رفعهم أداؤهم الراقي فيها، وفي المدن التركية الكبرى التي كانت بلدياتها تعاني حالة البؤس والافلاس زمن القيادات العلمانية اليسارية واليمينية، إلى سدة الحكم بانفراد، ليحققوا في المستوى الاقتصادي نهوضا غير مسبوق أمكنهم به أن يعيدوا للعملة التركية اعتبارها حتى حذف منها ست أسفار لم تكن تعني شيئا مذكورا، وخفضوا ديون تركيا بنسبة الثلث خلال ثلاث سنوات، وكذلك فعلوا مع التضخم والبطالة.
وليس وراء هذه النجاحات من سبب واضح غير الإسلام، باعتباره العنصر الفارق. فالاسلاميون مثل زملائهم العلمانيين درسوا في نفس الجامعات متمكنون مثلهم من نفس العلوم والتقنيات والمعارف الحديثة، غير أنهم يتفوقون عليهم بأمرين: خطابهم هو الأقرب لأوسع قطاعات الجماهير، لأنهم يخاطبونهم بمفاهيم وقيم ومواريث متغلغلة في أعماقهم، بينما العلماني كأنه يخاطبهم من مكان بعيد فلا يحرك فيهم شيئا كبيرا وتتقاصر عن الإسلامي قدرته على تعبئتهم وتحريكهم في اتجاه ما يريد من أهداف.
والعامل الثاني: أن سلوك الإسلامي يوحي بالثقة أكثر من غيره لأنه يجسم النموذج المستقر في أعماق الجماهير لما ينبغي أن يكون عليه الانسان المسلم، برّا بوالديه وأقاربه وجيرانه صادقا في معاملاته، مؤثرا على نفسه، تقيا ورعا، يؤمهم في المساجد ويشهد جنائزهم وأفراحهم، ويجدونه إلى جوارهم كلما حزبهم أمر وحلّت بهم النكبات وما أكثرها.وكل ذلك راجع إلى الاسلام. والعامل الثالث هو الفارق المنحدر من الإسلام كعامل تربوي قيمي يتمثل فيما يمتلكه من قدرات على ضبط الاندفاع نحو الاستهلاك بما لا يدع نصيبا للادخار الضروري لكل نمو.
وغالبا ما لا يقف النهم للاستهلاك عند حد الدخل المتوفر للأفراد بمن فيهم القائمون على مؤسسات الدولة، فتمتد أيديهم لتوظيفها لمنافعم الشخصية وأسرهم وأحزابهم، بينما الاسلام يربي أهله على التقلّل ويلزمهم بالحلال شرطا لقبول عباداتهم، فيكبح جماح الاستهلاك، وينذرهم بأشد العقاب إذا هم ولغوا في الحرام، مما يشكّل عاملا تنمويا مهما جدا لا يمتلكه غير الإسلاميين، إضافة إلى وسائل الرقابة في المجتمعات الديمقراطية، التي لم تجد كثيرا في الحد من كبح الفساد آفة النظم المعاصرة.
أما في ظل الانظمة الديكتاتورية، فيجتمع غياب الرقابة القانونية مع غياب الرقابة الدينية فتكون كارثة الانهيار محتمة ولو بعد حين. إن نجاح الشيخ نجم الدين أربكان وتلاميذه غير المسبوق في تركيا في القضاء على آفة الفساد التي اجتاحت طبقة سياسية في جملة أحزابها الفساد المستفحل، سواء أكان ذلك خلال نهوضهم بتنمية بلديات مفلسة أم كان من خلال توليهم سلطة البلاد فرفعوا خلال سنوات معدودات من مستويات الدخول الفردية وحدّوا من مستويات التضخم المتصاعدة ومن البطالة ووضعوا تركيا اقتصاديا وسياسيا وحقوقيا على طريق التمدن الحديث، يمثل شهادة نيرة للاسلام وما حققه من تجديد وتشبيب للنخبة السياسية الهرمة، وهو ما ينجزه في كل مكان اليوم، بما يفرض اعتبار البرنامج الاقتصادي ليس مجرد مخططات أيا كانت دقتها وجماليتها بقدر ما هو قبل كل شيئ مشروع ثقافي تربوي انساني.يجمع بين الثقافة والسياسة والاقتصاد بين الصلاة والزكاة والشورى.
رابعا: تحأول حكوماتنا تحت ضغط خارجي صارم إقامةنظام اقتصادي رأسمالي حر، ومعنى هذا في لغة الغربيين إيجاد نظام سياسي ديموقراطي يتسم بحرية الفرد في إبداء رأيه وفي اختيار ممثليه وفي مزاولة مهنته وفي معاملاته الماديه مع غيره، وفي إصدار قراراته الخاصه بانتاجه واستهلاكه.
لذلك كان أول ما يتوحب عليها إن كانت جادة في الخروج من وهدة التخلف وكانت منطقية مع نفسها أن تزاوج بين الحرية الاقتصادية والحرية السياسية (الشورى الديمقراطية) وبين الزاد الضروري لكل انطلاق وخوض أي معركة بنجاح "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى"، إذ بدون ذلك لن تتمكن من تحقيق ما تعد به الشعب من رخاء اقتصادي وإن قل، فالحرية لا تتجزأ.ومقومات التنمية كذلك لا تتجزأ.
لا تنمية مستدامة على أساس البعد الواحد
هذا منطق البديهة، وهو ما قال به أصحاب المذهب الليبرالي في القرن التاسع عشر، وهو عين ما يقوله معتنقوا هذا المذهب في هذا القرن، وهو ما قال به الإسلام في القرن السابع، على أن يتأسس المشروع التنموي في سياق فلسفة خلقية تعطي الأولوية للإنسان فردا وجماعة بما يعنيه ذلك من رعاية التوازن بين حاجاته المادية والروحية والخلقية، واعتباره جزء من أسرة وجماعة ومجموع إنساني وفي علاقة ضرورية ومصيرية بالبيئة، فما ينبغي التمركز حول بعد واحد منها في مشروع تنموي جاد مثل الربح المادي مقابل إهمال بقية الأبعاد، كما فعلت وتفعل النماذج الراسمالية أو الاشتراكية.
ولأن السياسة الاقتصادية هي في أرفع مفاهيمها مشروع إنساني، فإنها تحتاج مع التخطيط ومع التشريعات ومع الاستثمارات ومع التعليم والتكوين المهنى.. وربما قبل ذلك كله إلى جو سياسى مشجع، ومناخ نفسى مساعد، وظروف اجتماعية هادئة، وقوانين عادلة.
ويمكن تلخيص كل ذلك فى ما اصطلح على الإسلام بالشورى في معناها الواسع: المشاركة والتعاون والعدل والمساواة، وهي المعاني التي انتهت إليها تطور الديمقراطية الاجتماعية فى معناها الواسع والشامل، فعلى قدر ما تكون الحياة السياسية شفافة وواضحة يعرف كل فرد ومؤسسة وتنظيم وهيئة مكانه ووحدوده وواجباته وحقوقه، تكون الحياة الاقتصادية والانشطة المنتجة كذلك.
لهذا نقدر أن الشرط الاساسى لنجاح سياسة اقتصادية أن يسود المجتمع جو الجدية والثقة والأمان والطمأنينة، إلا أن ذلك لايكفى وحده لإنتاج القمح والأدب والمواد الاسهلاكية، بل هو مجرد حافز لاغنى عنه.
نحن نكتفى فى السياسات الاقتصادية بالتأكيد على ارتباط الإقتصاد بجملة المفاهيم العقائدية الإسلامية التى تؤطر كل مؤسسات المجتمع الثقافية والتربوية وسياسات الدولة الداخلية والخارجية.
سياسات لا تستشار فيها الشعوب مآلها الفشل
إن السياسة الاقتصادية المثلى هي التي تسن لصالح السواد الأعظم من المواطنين وبموافقة غالبيتهم فى جو من الحرية والشفافية، وإن كل ماعدى ذلك استبداد بجمهرة الناس لصالح القلة المسيطرة المدعومة من مراكز القوة الدولية مما يهدد التوازن والسلم الاجتماعى ويدمر مؤسسات المجتمع والبيئة ويضع بلادا عدة فى حرب أهلية أو على حافتها، وهو عين ما يحدث الآن فى معظم بلاد العرب باسم الإصلاح الهيكلي تحت ضغوط منظمات دولية بدعاوى تحرير الاقتصاد.
تلك هي السياسة ذاتها التى اقتضت الدعم الغربي لأشد الانظمة ديكتاتورية وفسادا، فطبقت سياسات الطوارئ – معلنة أو غير معلنة- في أكثر من بلد مثل مصر وتونس وسوريا والعراق والجزائر، وسحقت صناديق الاقتراع ومعها الفائزين مثل جماعة الجبهة في الجزائر والنهضة في تونس والحركة النقابية والجمعياتية والصحافة.. والإعداد لسحق الإخوان في مصر وفي فلسطين وغيرها جار.. من أجل تسهيل تمرير السياسات الرأسمالية الدولية والتسويات الظالمة وسحق أمل الشعوب في تنمية مستقلة لصالح الشعوب وحرياتها وانعتاقها من التبعية.
مع أن الكثير من ذلك قد جرب ولم يفض شيء منه لا إلى تنمية حقيقية ولا كان له انعكاس إيجابي على العلاقات الدولية وبالأخص علاقة الاسلام بالغرب، بل كان الوقود الاساسي المفجر لموجات الإرهاب، فليس على غير العدالة الإلهية يمكن أن يرتفع بناء ويدوم ويسعد.
الأولوية للحرية المسؤولة
ان أولى الإجراءات الواجب اتخاذها في حكومة ديمقراطية، هى إعادة الكلمة للمجتمع والمواطن لتنظيم صفوفه من أجل المساهمة الحقيقية فى تطوير الحياة الاقتصادية وإطلاق المبادرة فى إطار قيم الإسلام وعدالته، وفرض الحريات العامة والخاصة،ودعم مؤسسات المجتمع، والحد من هيمنة الدولة، وتعبئة عناصر المقاومة والتحدى لدى شعوبنا من أجل تنمية مستقلة متوازنة فى أطر وبواعث عقدية وسياسية معبرة عن إرادة وضمير أمتنا، تعيد التوازن بين الدولة والمجتمع لصالح هذ الأخير، واستقلاله واكتفائه واستغنائه عنها فى معظم مقومات حياته.
وبذلك ينهض العمل الاقتصادي ضمن نهضة شاملة، تضمن تحرير الفرد والمجتمع من هيمنةالدولة ومن نهم التنين الرأسمالي العولمي، بما يقصر تدخل الدولة على سد الثغرات، ولكن دون المس بحريةالأفراد ومبادراتهم الفردية والاجتماعية، بل يؤسس ويدعم سلطة الأمة على حكامها وتحريرها من التبعية للخارج، وتحقيق عزتها ووحدتها، وتحرير أراضيها وإرادتها، ونصرة كل مظلوم، وإطعام كل جائع وستر كل عار ودواء لكل مريض وتعليما لكل جاهل..
على أن تتم عملية تحجيم الحكومة بالتدرج على قدر ما يحققه المجتمع من استقلال واستغناء.. ذلك أن عدم توافر الكفاية للمواطن يفرض وضعا استثنائيا تستباح فيه الملكيه الخاصة – كما سبق–وتعطل الحدود أو بعضها، إذ الأولوية في مثل أوضاعنا وأوضاع العالم هي للحرية المسؤولة (الشورى)، أي المشاركة في اتخاذ القرار على كل المستويات بدء بالاسرة إلى المسجد والنقابة والحزب وانتهاء إلى الدولة وإلى المؤسسات الدولية، الأولوية كذلك للعدالة والوحدة في كل المستويات ومقاومة نزوعات الهيمنة في كل أشكالها.
سأل الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أحد عماله وهو يودعه: (ماذا تفعل إذا جاء سارق)، قال: (أقطع يده). فرد عليه عمر: (فان جاءني منهم عاطل أوجائع فسوف يقطع عمر يدك ياهذا، إن الله استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونوفر لهم حرفهم، فاذا أعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم شكرها، ياهذا، إن الله خلق الأيدي لتعمل، فاذا لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية).
زعيم حركة النهضة التونسية
(1)حسن البنا ، مجموعة الرسائل .
(2) " سورة النساء " الاية 5
(3)" سورة البقرة " ، الاية 219.
(4)هويدي ،القران والسلطان ،ص 225.
(5) الترابي ، " الشورى والديموقراصيه : اشكالات المصطلح والمفهوم ".
(6)انظر : اسماعيل الفاروقي في :المسلم المعاصر، العدد 22 . ولا شك ان الفاروقي لا يتحدث عن اى اشباع وانما الاشباع الطيب لجميع الناس. وتاتي اهميته من انه مما يزيل هم الدنيا والتنافس حولها ويوفر مناخا ملائما لزرع معاني الاخوة والرحمة والترقي الروحي والفكري والخلقي على أوسع نطاق ممكن.
(7)..الحريات العامة في الدولة الاسلامية للمؤلف...
( 8) فتحي عثمان، أصول الفكر السياسي الإسلامي، ص294.
(9 ) القرآن الكريم، "سورة الحجرات" الآية 10.
(10 ) المصدر نفسه، "سورة الأنفال" الآية 75.
(11 ) المصدر نفسه، "سورة النساء" الآية 36.
( 12) أبو عبيدة، كتاب الأموال، ويعقوب بن إبراهيم أبو يوسف، كتاب الخراج(بولاق: المطبعة السلفية، 1352ه).
( 13) انظر على سبيل المثال: منير شفيق، أطروحات علمانية(تونس: دار البوارق)، ومحسن الميلي، ظاهرة اليسار الإسلامي(قرطاج: مطبعة تونس، 1985).
( 14) يقول عبد الاله بن كيران: "إن الوهابية ليست إلا سلفية من بين سلفيات أما بالنسبة إلينا فالسلفية هي النظر الموضوعي في نصوص الإسلام". نقلاً عن:
Francois Burgat .ed., L'Islamisme au Maghreb: La Voix dusud, les Ariques (Paris: Kartala, 1988) ,p. 33.
(15 ) قال ابن حزم: "من عطش فخاف الموت فرض عليه أن يأخذ الماء حيث وجده، وأن يقاتل عليه، ولا يحل لمسلم اضطر أن يأكلميته أو لحم خنزير وهو يجد طعاماً فيه فضل عن صاحبه، لأنه فرض على صاحب الطعام إطعام الجائع، فإذا كان ذلك كذلك بمضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وله أن يقاتل عن ذلك فإن قتل(الجائع) فعلى قاتله القود(أي القصاص) وإن قتل(المانع)فإلى لعنة الله، لأنه منع حقاً وهو طائفة باغية... قال تعإلىفإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله ... ومانع الحق باغ على أخيه الذي له الحق، انظر: ابن حزم، المحلى.
( 16)القرآن الكريم، "سورة الماعون" الآيات 4-7.
( 17) أحمد بن محمد الدردير، الشرح الكبير على متن خليل، وعثمان، أصول الفكر السياسي الإسلامي ، ص 300.

*ورقة تقدم بها الشيخ راشد الغنوشي للمجلس الأوربي للبحوث والافتاء في دورته الأخيرة
/ 10-08-2009
مدارك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.