لإن كان أصل اليسار ثوريا ضد مجمل مظاهر الظلم ولفائدة الكادحين فقد انحرف مسيرة حتى صارفي حالات يتآمر على العامل وكل مكونات المجتمع في إجرام يبدو في مجمله قصورا ذهنيا وتكلسا فكريا عجز منظروه عن سلامة تحليله وتشخيصه وطرح المفيد لعلاجه يرى الكاتب اللبناني كريم مروة في كتابه «نحو نهضة لليسار في العالم العربي»:«لا خيار أمام هذا اليسار سوى الدخول في التجربة من جديد، بواقعية قصوى، وبنفس طويل، ومن دون أوهام، وعلى أسس مختلفة في أمور جوهرية عن التجربة السابقة، في الصواب وفي الخطأ فيها، التي خاضها اليسار القديم (..) فإذا كانت تلك التجربة قد اعتبرت أن الطبقة العاملة في مفهومها القديم هي حاملة مشروع التغيير، وأن بعض شرائح المجتمع من الفقراء ملحقة بها، فإن وقائع العصر تشير إلى أن الأمور اختلفت عن السابق، وأن الشرائح المعنية بالتغيير قد كبرت، وتنوعت، وتعددت، حتى وهي تختلف فيما بينها في بعض المصالح». تساؤلات يفترض على اليساريين طرحها على أنفسهم : - لماذا نجح المشروع الماركسي بتفرعاته الٍرّئيسية الثلاث خارج الوطن العربي فكانت اللينينية والتروتسكية والماوية ؟ - بني الفكر اليساري على حق فلماذا صار في مجمل تطبيقاته في الوطن العربي على باطل؟ - لماذا تبرجز طرحهم وصار حاملوه مما يقال عنهم "نخبة " فنأى كثيرا عن واقع المجتمع البروليتاري الحقيقي؟ - أين اليسار العربي من اعتبار الطبقة العاملة هي الحاملة لمشروع التغيير ؟ ولماذا يعتبر اليسار أن الطبقات الفقيرة ملحق وليس جزءا من الأساس؟ - أليسوا على وعي أن السلاح النقابي ذو حدين؟ - أكانت مواقفهم أحيانا ضد الحراك الثوري العربي في حالات اللاوعي؟ أم هو الإدراك التام بالفعل وعجز عن إدراك المآل ؟ نختزل وضع اليسار في الوطن العربي وفي مجمل العالم الإسلامي في أنه بذرة لا تنمو في تربة إسلامية لمساوىء أخلاقه وما تفرزه ولماديته المفرطة وتميزه بالأنانية والوصولية وهذا ما لم يرق إلى إدراكه عموم اليساريين من منظرين ومفكرين ومستهلكين... ناضل رواده ضد الكنيسة وعلى جهل تام بالإسلام وسعوا لحقوق البروليتاريا دون أن يرقوا إلى قوله صلى الله عليه وسلم "أعط الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" بل أغلقوا مؤسسات إقتصادية تشغيلية مختلفة في تونس ما بعد الثورة وتسببوا في آلاف العاطلين الجدد ...تاريخ يساري نتن بالتآمر مع النظام البورقيبي-النوفمبري التغريبي الصهيوني لضرب الإسلام والعروبة ...فمن الغباء أن يحمل لهم التونسيون محاسن الأحاسيس ...ومن البديهي أن يقبل بهم عن مضض ولروابط أسرية واجتماعية ولقول يردده الجميع " ربي يهديهم" لقناعة في الثقافة الشعبية بأنهم على باطل تام ما داموا لا يؤمنون بالله وبالتالي لا يخافونه ويفعلون كل شيء من أجل مآربهم الشخصية الدنيوية ...ويتابعهم المواطنون فتبرهن سلوكاتهم على كل مساوىء الأخلاق من مساهمتهم في قتل وتعذيب وسجن الإسلاميين ( وهم من وجهة النظر المواطناتية تونسيون قبل إنتمائهم الإيديولوجي ) إلى التغريب التربوي الذي قام به محمد الشرفي إلى تآمرهم مع التجمعيين ضد الثورة إلى سلوكاتهم اليومية بعيدا عن السياسة والعمل النقابي فهم مساهمون معهم في إهدار المال والوقت الوطنيين وفي السرقة و الرشوة و الزنى ... فيتدعم الرفض الواعي وفي اللاشعور ويزيد المجتمع منهم نفورا و لا يؤمنهم على أي أمر مهما بسُط فكيف يسلّمهم مقاليد الحكم؟ اليسار جسم دخيل على العالمين العربي والإسلامي ومدى القبول به في جدلية بمدى احترامه للمقدسات ومدى ارتقائه لإدراك الوطنية وتبجيلها على المصالح الخاصة والإلتقاء عندها وفيها مع الجميع دون وقبل الإيديولوجيات والأمثلة بينة في الغرب العلماني حيث مؤشر الوطنية تام لدى أي كان مما يفتقده كثيرون من العرب الذين حازوا أعلى الشهادات الجامعية المنخرطون في الصراع الوجودي الدنيوي ضد الخير . وتبقى الخشية ممن لا يؤمن بأن قتل نفس مؤمنة واحدة بغير حق قد تخرج صاحبها من رحمة الله فيخلّد بإذنه في النار ومن لا يتورع عن القتل لا يستكثر ما دونه من إجرام ويعلم الجميع العبرة من قصة القط الذي لم تتغير طباعه بعد أربعين سنة من حسن التربية... فالحل الحقيقي دون نعامتية هو التخلق بالإسلام نوايا وأفعالا وأقوالا...