حالة التأزم السنية الشيعية لها انعكاساتها السلبية على الصعيد العام، لكنها على صعيد الأقليات المسلمة أشد سلبية.. هكذا أكد الدكتور محمد البشاري أمين المؤتمر الإسلامي الأوروبي، ورئيس الفيدرالية العامة لمسلمي فرنسا، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي. وقال البشاري: "على الرغم أننا في الغرب لا نعيش الفتنة السنية الشيعية، فإننا نعيش انعكاساتها في العالم العربي، والتي تخلق جوا مشحونا، يؤثر بالسلب على وجودنا". وأوضح أن هذا الخلاف يصور المسلمين على أنهم ما زالوا في مرحلة البداوة، ولا يمكن أن يحكموا هذا العالم، وكل هذا بالقطع يؤثر على مستقبل الوجود الإسلامي بالغرب. وأكد البشاري أن العلاقة السنية الشيعية في الغرب هي علاقة مذهبية، وليست طائفية تناحرية، وينبغي أن تظل كذلك، بل اعتبر أن التنوع الطائفي من أهم عوامل الإثراء للوجود الإسلامي في الغرب. على كلٍّ لنستمع في هذا الملف المأزوم إلى رؤية جانب آخر من الصورة، ربما لا يبدو حاضرا في حسابات أولئك الذي يديرون دفة هذا الصراع.. الخلاف التاريخي * بداية دعنا نتساءل: ما طبيعة العلاقة بين السنة والشيعة في الغرب؟ - الغرب الجغرافي أو ما يسمى العالم غير الإسلامي يوجد به الآن 450 مليون مسلم، وهم يعيشون في علاقة دائمة مع الآخرين، تنطلق في أساسها من توطيد العلاقة بين أطراف واتجاهات الوجود الإسلامي في الغرب، وبالتالي فموضوع السنة والشيعة والفِرَق، كلها موضوعات إستراتيجية حساسة لمسلمي الغرب، ولا يمكن العبث فيها سواء عبثا فكريا أو إعلاميا. وعندما نتكلم اليوم عن الوجود الإسلامي في أوروبا خاصة نراه مكونا من أصول عربية وتركية وفارسية، ومكونا كذلك من جميع المذاهب الإسلامية، فنجد السنة، ونجد الشيعة بجميع فرقها، ونحن نتعامل مع أفراد الطائفة الإسلامية على أساس مذهبي، وليس على أساس طائفي قومي. * هل معنى ذلك أنه لا وجود للخلاف السني الشيعي في الغرب؟ - الخلاف موجود بين المسلمين سنة أو شيعة، عربا أو أفارقة، وقد عقدنا مؤتمرا دوليا قبل فترة في العاصمة البريطانية لندن حول موضوع التقريب بين المذاهب الإسلامية. وأكدنا على أنه كفانا نقاشا حول الخلاف السني الشيعي التاريخي الذي يرتبط بأحداث تاريخية مرحلية، وألا نجعل هذا الخلاف منطلقا إسلاميا، وهذا نداء ليس موجها فقط إلى أهل السنة وإنما موجه كذلك إلى الشيعة، وإذا كنا ندين ونحارب كل الحركات والجماعات التكفيرية التفجيرية التي تكفر معتنقي أصحاب مذهب آل البيت، فإننا كذلك لا يمكن أن نقبل سكوت الآيات العظمى وأصحاب الشأن الإسلامي الشيعي عندما نرى بعض التافهين الذين يسبون أهل السنة والجماعة.. بل يكفرونهم. كما نرى بعض التافهين يصدرون بعض الكتب الرخيصة التي أعتبرها إحدى المؤامرات الكبرى على الإسلام والمسلمين مثل كتاب "ثم اهتديت" ومثل كتاب "مع الصادقين"، وكتاب "أصل أهل السنة شيعة والشيعة سنة"، فمثل هؤلاء التافهين يريدون تأجيج الصراع التاريخي، ويحولون الرأي العام العربي والإسلامي عن القضايا المصيرية الأساسية لنا. وما يؤدي إلى تزايد الصراع الطائفي السني الشيعي في رأينا أن هؤلاء التافهين الذين ينالون من أهل السنة والصحابة تعطى لهم العمائم السوداء، وتعطى لهم الرتب العلمية عند بعض الحوزات العلمية. وفي المقابل فنحن نرفض السلفية الجامدة والمتجمدة والداعية للتكفير، ولذلك ندعو العقلاء من السنة والشيعة إلى أن نفوت الفرصة على العدو الذي يريد بالفعل أن نظل في مرحلة الخلاف التاريخي، وفي مرحلة التحكيم، ونظل نختلف لنعرف من هو الصائب؟! ومن هو الأحق بالخلافة؟! ومع ذلك فنحن في الغرب لا نعيش الفتنة السنية الشيعية، ولكننا نعيش انعكاسات هذه الفتنة في العالم العربي سواء انعكاساتها الإعلامية التي تخلق جوا مشحونا. * لكن هل تعتقد أن إيران لها دور في مسألة تأجيج الفتن المذهبية؟ - إيران ليست لها مصلحة اليوم في تأجيج المسالة الطائفية، خاصة مع التهديد الأمريكي لها فهي بحاجة وكذلك الأمة إلى أن تقف جنبا إلى جنب في مواجهة التهديدات الأمريكية التي تريد القضاء وضرب إيران المسلمة بدعوى مخالفتها التقاليد العالمية، وألا يسمح لها بالحق الذي للهند وإسرائيل في تملك القنبلة الذرية. * هناك العديد من المناظرات التي تجرى بين علماء سنة وشيعية فهل ترى أنها مفيدة في المسالة الطائفية؟ - أرى أن الحوار مفيد، والعدل لابد أن يكون هو الأساس، وإن رأينا بعض الشطحات في لقاءات الحوار فذلك لا يعني بطلانه، ولكن علينا أن نزيد في موضوع الحوار، ونزيد في التقريب بين المذاهب الإسلامية ونعمل بالفعل في مجمع الفقه الدولي وغيرها، أو في بعض المجامع الأخرى كمجمع التقريب بين المذاهب الإسلامية أو من خلال المؤسسات الإسلامية كالأزهر على مسألة التقريب. تنقية المناهج مذهبيا * وما توجهاتكم لمواجهة تلك الانعكاسات؟ - نحن -وإن كنا نؤمن بأن الخلاف المذهبي أو خلاف الأفكار مسألة واردة- لكن لابد ألا يقوم بعملية الاجتهاد في هذا الخلاف إلا العلماء الصادقون العاملون، ولا ينبغي لأي جهة من الجهات أن تستغل أو تستعمل الصراع الطائفي، حيث إننا رأينا كيف ندفع الآن الثمن الباهظ في العراق؟ * ولكن كيف تحتوون تلك الأزمات التي تؤثر عليكم؟ - نحن نؤمن أولا بالحوار، فكما أننا نؤصل الحوار مع غير المسلمين بفرقهم كلها ندعو بالفعل إلى حوار جاد بين السنة والشيعة، ووضعنا إستراتيجية للتقريب بين المذاهب الإسلامية في أكثر من لقاء منها لقاء الإيسيسكو ولقاءات البحرين، ومؤسسة الإمام الخوئي، وتفيد تلك الإستراتيجية بضرورة العمل على تنقية المناهج الدراسية من العداءات المذهبية والعداوة التاريخية بين السنة والشيعة، مع أنني لا أكاد أجد عداوة عند أهل السنة للشيعة؛ لأننا كلنا نمتلك ثقافة آل البيت وحب آل البيت، ولا يمكن لأحد أن يتطاول علينا في هذا الموضوع أو يزايد علينا فيه. الأمر الثاني بعد تنقية المذاهب هو ضرورة أن تقوم الجهات الدينية باجتهادات داخلية، فنحن نؤمن بالإمام المهدي المنتظر، وعندنا 40 حديثًا صحيحًا، كذلك نطالب الشيعة أن يناقشوا موضوع الإمامة حيث لا يمكن أن تكون الإمامة جزءًا من الإيمان، لأن ذلك معناه تكفير الآخر على أساس أنه لا يؤمن بإمامة الإمام علي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن نقول أن لكل مرحلة تاريخها، وفقهها، ولا يمكن أن نكفر أحدا من أهل القبلة. * كيف نحمي أمتنا من التمزق المذهبي؟ - لابد أن نعمل على تأصيل مفهوم الوسطية عند كل المذاهب، كما ينبغي ألا نكفر أحدا من أهل القبلة، وأن نوقن أن مسئولية اليوم هي ليست مسئولية غزوة أحد أو التحكيم، ولكن مسئوليتنا أن نوجه المسلمين والدعاة إلى قضايا الأمة المعاصرة، وإلى قضاياها المصيرية، وكيف يمكن تكوين الجبهة الداخلية الخالصة القادرة على أن تواجه الحملة الصهيونية الصليبية، خاصة في فلسطين وما يحدث فيها من تمييز عنصري يحرق اليابس والأخضر. رؤية الآخر * إذا انتقلنا إلى رؤية الآخر، فما مدى تأثير الخلاف السني الشيعي على رؤية الحكومات الأوروبية والنخب كذلك للإسلام والمسلمين؟ - هذا الخلاف يعطيهم الفرصة السانحة لتأصيل فكرة أن الإسلام ليس خلاصا للبشرية، وأن تاريخ الإسلام هو تاريخ العداء والبغض والحروب، ولا يمكن لهذا الدين أن يكون مشروع الخلاص للبشرية. كما أن الخلاف الطائفي يصور المسلمين على أنهم ما زالوا في مرحلة البداوة وأنهم سذج، وأنهم لا يمكن أن يحكموا هذا العالم، وكل هذا بالقطع يؤثر على مستقبل الوجود الإسلامي بالغرب. * ما تقييمك لمواقف المؤسسات الدينية في الغرب من مسألة السنة والشيعة؟ - المؤسسات الدينية في الغرب، أو الغرب عموما عندما يرى في المسلمين عدم الفرقة، بل يفهم المسلمين ففي ذلك مصلحة للجميع، ولذلك في لقائنا الأخير مع رئيس المفوضية الأوروبية حيث كان الوفد الإسلامي مكونا من سنة وشيعة حرصنا على أن نؤكد أن الصورة العامة للمسلمين اليوم مكونة من كل هذه المذاهب. ولا ينبغي أن نعطي للغرب فرصة أن يضربوا طرفًا من الأطراف الإسلامية تحت بند الخلاف الطائفي لأن المثل العربي يقول: "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، لهذا فلا يفرح البعض عندما تضرب إيران لأن بعد إيران سوف تضرب دول عربية، ولا تفرح إيران اليوم بالتمزيق الطائفي ببعض كتابات التافهين؛ لأنه عندما يطلق العنان لهؤلاء التافهين فإن التافهين من الجهة الأخرى سوف يكتبون، فنحن نريد أن نوجه الطاقات الإسلامية وقوة المسلمين إلى القضايا المصيرية والوجودية؛ لأننا نعيش الآن مرحلة صعبة، وهي مرحلة الوجود أو عدم البقاء. صحافي مصري الاسلام اون لاين