مثلي كمثل كل أي تونسي فرح بالثورة و علق عليها أماله و أحلامه , بعد مرور زمن من عمرها أرد أن يقف وقفة تأمل مع نفسه سائلا إياها عن ماذا حققت له في زمن زاد عمره عن سنتين منذ فقدنا خيرة أبنائنا فداءا للوطن و استشهادا في سبيله , ثم ماذا تغير منذ هرب المخلوع بفعل فاعل إلي اليوم و هل فعلا سقط النظام كما أراده الشعب أن يكون ؟ أما إذا مازال الحال علي حاله بعد أن انقطع راس الأفعى و لكن حياة الإهانة مازالت رابضة و التعسف دمائه تنبض من ما تبقي من جسم الأفعى السام و المضر الذي كان يتجرجر وراء رأسها تتدفق منه سموم الطاغية و أتباعه وسيوفهم مسلطة علي رقاب الشعب و النظام العميل العنصري مستولي علي كل الخيرات و القرارات و جاثم علي قلوب شعبنا الذي طالب بإسقاط النظام و لكن النخبة السياسية التي تدعي الثورة بعد الثورة أوهمتنا بالمحافظة و العمل علي تحقيق أهدافها , و لكن نحن ما رأينا لا تغيير و لا تحول ولا شيئا يذكر و سمعنا و نسمع الكلام و الكلام و لا غير الكلام الفارغ و لا معني له و رأينا و نري الخصام بينهم لا علي ازدهار تونس وتنمية جهاتها الفقيرة الثائرة و اقتصادهم بل علي من ستكون له الكلمة الأخيرة و يتحكم في السلطة و تكون الشرعية بيده و يحصل علي المنافع له و لأقاربه كما كان في السابق القريب. الجهات الفقيرة ازدادت فقرا و تهميش و غبنا و قهرا و حسرة و ألاما و اليوم غلاء المعيشة بعد الثورة زاد في حيرتنا و خيبة أمالنا و الإفراط المشط في غلاء الأسعار لا يطاق و الزوالي ينضر بعينه إلي ما يريد و يكتفي بالسكوت و التألم . الفقير أزداد فقرا و الغني ازداد غناء و أغنياء اليوم يلهفون وراء سرعة الكسب خوفا من فوات الأوان و تحت شعار الحرية في كل شيء حتى في ترفيع الأسعار والتهريب و التخزين و السرقة و الغش و الكذب و الإعتصامات و طلب في الزيادات و الترسيم المظاهرات و تحريك المشاعر التي مأواها فوق فوهة بركان سينفجر يوما ما لقدر الله ,و أمام من يؤهلون أنفسهم بحراس الثورة و المحافظين عليها . في الجهات الفقيرة أهم شيء يحلمون به هي صحتهم و صحة أبنائهم في المعالجة علي مكانهم في المستشفي النظيف المجهز بما يحتاجون إليه في ظروف حسنة يتوفر لهم فيها الدواء و الطبيب و ألأخصائي و الممرض و المكان و المعدات الطبية و الإقامة المريحة و المساحة الخضراء ليتحركون في داخلها يستمتعون بالحيات كغيرهم ويرون السعادة رغم المرض ويستنشقون هواء الثورة من بعد غبن طويل يلتحقون بركب الحضارة كباقي إخوانهم التونسيين في الجهات الأكثر حظا و عناية واهتمام المسئول السياسي بهم لأن التونسي أصبح في حاجة إلي ما يستمتع به غيره و لا مانع لتلبية رغبته و هذا من حقه بلا مزايدة و لا مناقشة و من لم يعي هذه الرغبة فليترك مكانه لغيره و من يفرق بين التونسيين في الاحتياجات التنموية و الصحية و الترفيهية و العدالة و السياحة والبنية التحتية و كل ما يشغل بال التونسي فأولي به أن لا يكلف نفسه ما لا يستطيع و لا يحملها أكثر من ما هي قادرة عليه في خدمة الشعب و هو غير قادر علي تحقيق العدالة و لا نرضي إلا بالعدالة بمعناها القدسي الصحيح و كفانا إستهطار بالتونسي أين ما وجد و لا نريد مغالطة و لا كلام فارغ لا يغني و لا يسمن من جوع. نحن لن و لم نقبل بورقيبة جديد و لا مخلوع يشتاق إليه و لن نقبل بالتمييز الجهوي ثانية و لا بتفوق التونسيين علي بعضهم و لن نكون ثعالبا تنتظر فضلة السباع و لا نعاجا ترعاها الذئاب مقالتي الماضية كنت و عدت أحبتي بمواصلة الكتابة في موضوع ثورتنا و كيف عشناها بعشق المحب لحبيبته و وعد الحر دينا و أمنيتي أن أقاسم الكثير منكم في رؤيتي للثورة و أحلامي التي انتابتني وراودتني وكانت تراقصني يمنة ويسارا و فجأة وقفت علي اطلالها و من شاطئ الأمان الوهمية التي كنت أسبح في عرضها كثيرا أبحث عن الدفء بعد الصقيع و عن الهدوء بعد الصخب و الضجيج و عن الأمان بعد اليأس و عن الراحة بعد التعب و عن الحياة الهنيئة بعد الغبن والقهر و عن اللذة بعد المرارة و عن الحب بعد الكراهية . هذه كانت أحلامي عشتها مع باقي أبناء تلك المناطق النائية محصنة بالجبال الشامخة أيام الثورة الحلوة و كأنها عروسا لنا جميعا مقدسة لا يقدر الإنسان أن يمتلك لوحده بل كل منا يري وجهه في نظرات عيون شبابنا و شاباتنا المهمشين الحلوين و يستنشق عطر نسمات تنبعث من دغدغة الجماهير المتموجة في شوارع قرائنا و مدننا يعانقهم ظلام الليل و يمسح دماءهم نور النهار ويغتسلون بدموع المشيعين الأبرار مهللين مكبرين رافعين لواء التحدي لنظام كان يقمعهم و يمتص دمائهم و يستخدمهم عبيدا له يميز بين هم تمييزا عنصريا ساقط لا معني له في البلد الواحد و رغم هذا كانت حياتنا نوما فوق الجمر و قلوبنا تنزف دماء تنهمر و حياتنا حرمانا تحت ضوء القمر و عشقا لموت الجبان لو لا هو هذا القدر. من أحلامنا بعد الصحة و المعالجة و الصحة هي فرحة الحياة وسر العباد و قبل الحرية و الكرامة كان لانا أن نري شبابنا أصاحب الشهائد العليا و غيرهم أن يدخلون سوق الشغل و كسب حياتهم بأيديهم و إشتراء حريتهم و كرامتهم الاتي لا تهدي بل تؤخذ و ما راعنا إلا و تغيرت الأمور و أصبحنا نهتم بمن له عمل نزيده في الأجر و نرسمه و كان كل هذا في هدوء تام بلا مظاهرات و لا إعتصامات و هي هدية مقدمة من الذين يختطون للثورة المضادة و تهييج الجماهير علي من كانوا يتوقعون فوزهم و أصبح العمل علي الإطاحة بهم قبل حتى حلول تاريخ الانتخابات. و كانت رؤيتهم واضحة في فوز التيار الإسلامي و ما تبق إلا التفكير كيف نخلق لهم أجواء صاخبة مليئة بالعنف الذكي الذي لا يري إلا من المتعودين عليه كانوا علي يقين أن التشغيل هو الركن الأساسي للثورة بحيث أن تعطل هذا الملف فسيعطل مسار الثورة خاصة إذا لم تتم المحاسبة و هم من يتحكمون في هذا الملف و مع إتلاف ملف القناصة سيهيئون مناخ الغضب و العنف و الإحتجاجات و الإعتصامات و تشويه صمعة تونس لا تهمهم قدر ما تهمهم السلطة و بدءا في تدمير السياحة كجزء هام في الاقتصاد الوطني و تخويف المستثمرين عبر الإعلام الذي تبقي علي حاله كما كان وهو جزء مهم في النظام الفاسد ثم التحريض علي الإضرابات بمساندة قادة الإتحاد في أغلبهم أعداء لإسلام و حاملين لواء الشيوعية فقدموهم كمشعل للثورة المضادة و الضغط علي الحكومة و إفشالها و عرقلة مهاجمتها بالإضراب العام و تدمير الاقتصاد الفعلي لتونس إذا لم تستجب الحكومة و الأحزاب الحاكمة للجلوس علي طاولة المؤامرة تحت لواء السبسي المحتال و التجمع المنحل بقوانينهم و كانوا ا يرون من وراء حساباتهم الإطاحة بالحكومة و الرجوع إلي سلطة الفجور و الفسوق و التمعش من الحرام و العمل علي تغييب من كان مغيبا للفئات الداخلية من وطننا الغالي العزيز. إذا ننتقل من الأحلام إلي اليقظة حتى يتبين الغث من السمين و من استفاد و من قدر له أن ينتظر و هم الجهات الثورية و الفقيرة التي تبعد علي البحر وتحتضن الجبال فتبقوا علي قارعة الطريق في انتظار قطار المستشفيات الجامعية و تحسين الخدمات فيها ثم قطار تشغيل الشباب الذي عوضوا مطلبه الأساسي بالزيادات في أجور العاملين و ترسيمهم و تسمية الميئات من عيون السبسي و التجمع في المناصب القيادية و السيادة . فهل يحق لنا أن نركب قطار الحرية و الكرامة و نحن نعرف لا حرية بدون كسب الحيات و لا كرامة و الإنسان يتسول قوته و قوت أبنائه من الحظائر الحقيرة؟ للحديث بقية إن شاء الله