بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    آخر ملوك مصر يعود لقصره في الإسكندرية!    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    قيس سعيد يستقبل رئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم    قيس سعيد: الإخلاص للوطن ليس شعارا يُرفع والثورة ليست مجرّد ذكرى    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    جهّزوا مفاجآت للاحتلال: الفلسطينيون باقون في رفح    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    تعزيز الشراكة مع النرويج    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    هذه الولاية الأمريكيّة تسمح للمعلمين بحمل الأسلحة!    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مؤامرة أم انتصار؟
عودة الحزب حاليا:
نشر في الشعب يوم 19 - 02 - 2011

يعتبر السيد سالم الحداد من الحقوقيين القلائل الذين تجرّعوا مرّ النضال وعذاب التضحية من أجل الإصداع بالرأي السديد والموقف الشجاع وما يستدعيه ذلك من تسديد فاتورة تتراوح بين الزنزانة والكلام المحبوس... وكان ذلك على امتداد حقبتي بورڤيبة وبن علي... لم يعدل فيها بين أضلاع حياته الثلاث: الأسرة، النقابة والرابطة حيث حاز النضال الحقوقي الجانب الأكبر من الاهتمام من أجل الدفاع والتصدّي لكل أشكال الحيف والظلم والتسلّط..
في رحلة مريرة على مدار عقود صدرت له خلالها مجموعة من المؤلفات من بينها »صراع الهوية بين الأنا والآخر: المغرب العربي أنموذجا«. »الحركة النقابية بين الاستقلالية والتبعيّة« الاتحاد العام التونسي والاشكالات الصعبة« كما سيصدر له قريبا »الاتحاد ونظام بورڤيبة« في جزئين.
في هذا اللقاء كانت »الثورة« عنوانا لكلّ أسئلتنا عسى أن يحقّق السيد سالم الحداد الاضافة إلى الجميع...
❊ بداية هل ما حدث في تونس انتفاضة أم ثورة؟
من الأكيد أن الإقدام على عملية تقييم للانتفاضة أو الثورة ولم يمر عليها إلا حيز زمني محدود عمل متسرّع، ولن يفضي إلى نتائج موضوعية ، ولكنه في اعتقادي ضروري حفظا للذاكرة التي سترتسم فيها ملامح المشهد السياسي والنقابي والحقوقي والإعلامي بكل مكوناته وأطيافه ومواقفه وتحركاته في لحظة تاريخية مفصلية، تقاطعت فيها الآمال والآلام. انطلاقا من هذه القناعة سأحاول أن أقدم مقاربة لما حدث عساني أوفق في لفت انتباه إلى بعض القضايا التي تتعلق ليس بحاضرنا فحسب بل بمستقبل شعبنا وأمتنا العربية التي هزها وشغلها ما يحدث في تونس .
❊ الانتفاضة تحرك سلمي احتجاجي رافض تنهض به قوى جماهيرية ضد عدو مشترك وأوضاع سائدة طابعها الاستبداد السياسي والظلم الاجتماعي، أما الثورة فهي تغيير للعلاقات الاجتماعية الظالمة وإرساء منظومة قيمية جديدة أساسها الحرية والعدالة الاجتماعية. ومن هنا كانت الانتفاضة هي المرحلة الأولى للثورة. ذاك هو مفهوم الثورة والانتفاضة فهل ما نهض به الشعب التونسي انتفاضة أم ثورة؟
لم تكن هذه المرة الأولى التي عرفت فيها تونس الانتفاضة فأول انتفاضة تعود إلى سنة 1864 عندما انتفضت قبائل الفراشيش (ولاية القصرين) بقيادة على بن غذاهم باي الشعب على البايات الحسينيين ضد استفحال الضرائب. وكانت الثانية في أواخر ديسمبر 1983 عندما التهبت أسعار رغيف الخبز وهو الأكلة الرئيسية للمواطن التونسي، وقد انطلقت الانتفاضة من حيث يجب أن تبدأ من الجنوب التونسي الذي قلت لديه موارد العيش ثم توسعت وصعد لهيبها من الجنوب إلى الوسط فالساحل حتى وصلت للعاصمة يوم 3 جوان 1984،أما انتفاضة سيدي بوزيد فإنها كانت أشمل وأعمق فهي نتيجة لتراكم اجتماعي اقتصادي وسياسي وثقافي جعل الشعب التونسي بكل شرائحه ينتفض على النظام ويعمل على إسقاطه
لم تتجاوز الشعارات الأولى للانتفاضة المطالب المادية الاجتماعية التي تعبر عن رغبة الشباب في الشغل وكان أكثر الشعارات ترديدا هو »الشغل استحقاق يا عصابة السراق«.
فهذا الشعار اختزل الهدف المركزي لحركة الشباب وهو »التشغيل« وموقفهم من السلطة وزبائنها إنها »عصابة سراق« اغتصبتهم حقهم. ولم تطرح في هذه المرحلة شعارات سياسية لدى أغلبية المحتجين على الأقل.
وبانتشار لهيب الغضب أفقيا وعموديا ودخول شرائح أخرى من المثقفين مثل المحامين اقتحم الساحة شعار سياسي مركزي رفع سقف مطالب الانتفاضة الشعب يريد أن يسقط النظام " وبهذا التحول في مكونات حركة الاحتجاج وفي الشعارات بدأت الانتفاضة تأخذ طابعا شموليا هو أقرب إلى الطرح الثوري.
ويمكن اختزال الحصاد الأولى إلى يوم 14 جانفي فيما يلي:
1 إسقاط الرمز الثاني للنظام الدكتاتوري الذي أرسى قواعده الفلسفية وآلياته العملية بورقيبة ولم يكن بن علي سوى تلميذ رديء له
2 إزاحة كابوس الرعب الذي كبل الشعب طيلة أكثر من نصف قرن فلأول مرة في تاريخ تونس الحديث يستنشق المواطن بملء رئتيه نسيم الحرية ويرفع رأسه عاليا دون خوف أو طمع
3 تمكن الشعب من استعادة ثقته بنفسه بعد أن تفجرت لديه طاقته النضالية الكامنة فيه
تلك هي اللحظة الفارقة التي وصلت إليها الانتفاضة لتبدأ الثورة .
بصفتك ناشطا في المجتمع المدني: نقابيا وحقوقيا كيف تُقيّم مساهمة المجتمع المدني قي الثورة؟
ج توصف هذه الثورة بأنها ثورة الشباب، وفي اعتقادي أن هناك نوعا من التعميم لا يخلو من المبالغة . صحيح أن الضحية الأولى " محمد البوعزيزي "شاب وقبله كان الشاب عبد العزيز التريمش في المنستير وقبلهما ضحايا الحوض المنجمي الذين عبدوا الطريق، وأن الذين استفزهم الحدث كانوا من الشباب. غير إن وعي الشباب في هذه المرحلة مازال حسيا سطحيا تأسس على الحاجة ولم يكن نتيجة لتراكم ،وإن ذاكرته في أحسن الظروف لا تتجاوز عقدا أو عقدين ولم تختزن تراكم التضحيات التي قدمتها أجيال متلاحقة من القوميين والشيوعيين والإسلاميين طيلة نصف قرن لنظام بورقيبة وابن علي. إن شبابنا الذي تعود على الأكلات السريعة في غذائه المادي والروحي في حاجة إلى إعلام واع بعيدا عن الإثارة أو الاستجداء.
غير أن الذي أطر المتظاهرين وشرّع التحركات وأضفى عليها طابعا سلميا ووفر لها غطاء قانونيا مما منحها زخما عماليا وشعبيا هو المجتمع المدني هو الاتحاد العام التونسي للشغل بل إنه كان أول تنبأ بخطورة تردي الأوضاع الاجتماعية في سيدي بوزيد مما ينذر بالانفجار . وقد كانت مقرات الاتحاد منطلقا للمسيرات والتجمعات وتولت الإطارات الجهوية والمحلية قيادتها وأهم حدث يمكن أن يسجل للقيادات النقابية الوطنية فهو تشريع الإضرابات الجهوية ومنها الإضراب الجهوي بتونس الذي أنهى نظام ابن علي يوم 14 جانفي .
المكون الثاني الذي نزل بجلابيبه السوداء البيضاء لأول مرة للساحة الشعبية وضخ فيها دما سياسيا هو عمادة المحامين،يلي هؤلاء مناضلو الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على مستوى المركزية والفروع ثم العديد من المناضلات من جمعية النساء الديمقراطيات ولا ننسى المناضلين السياسيين وخاصة من الأحزاب غير المعترف بها.
أخلص إلى القول أن الثورة هي من صنع شرائح الشعب التي اكتوت بنار البطالة والتهميش والإقصاء. وكان للمنظمة الشغيلة فضل التأطير السلمي الذي ضمن لها التوسع في المكان والزمان فحققت أكبر انتصار تاريخي لها ولشعبنا ولأمتنا.
ومن هنا كان استغرابي من الذين استغلوا هذا الانتصار ليعلنوا عن تأسيس منظمة موازية بالرغم من أن البعض منهم ناضل في صفوفها وتكبدوا الويلات من أجلها . ومما يقلل من أهمية المبادرة أنها أتت في الزمن الخطأ .
ما هو تصورك للثورة وما هي آليات إنجازها وكيفية حمايتها من أعدائها ومن انحرافات صانعيها؟
إن تصوري للثورة ينبع من النتائج المدرة التي آلت إليها السياسة الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للنظام السابق والتي يمكن اختزالها في:
1 احتكار الحزب الحاكم للسلطة طيلة أكثر من نصف قرن وإقصاء كل مكونات المجتمع السياسي والمدني منها بل غابت منه أبسط قيم المواطنة
2 تكديس الثروة عند شريحة طفيلية همها أن تربح أكثر ما يمكن في أقل وقت ممكن متوخية كل الأساليب اللاأخلاقية في تركيمها
3 استفحال ظاهرة البطالة خاصة في المناطق الداخلية لدى عمال الساعد والفكر
4 تهميش الشباب من خلال الترويج لثقافة استهلاكية في مجتمع ما زال يفتقر إلى غذاء الفكر والجسد تقوم على الإغواء والاتكالية وإغراقه بكل أنواع المخدرات المادية والمعنية حتى أصبحت " الزطلة ترويجا واستهلاكا " لدى أحد المتدخلين على شاشة إحدى قنواتنا الإعلامية من القضايا التافهة التي لا يجب أن نثقل بها كاهل العدالة ونعبئ بأصحابها السجون.
ومما ضاعف من مأساة الشباب هو أنه فقد نصيبا هاما من ثقافته العربية الإسلامية التي تستند إلى مرجعية قيمية يحاسب بها الإنسان ذاته وهذا ما نمى ظاهرة الانتحار كشكل من أشكال الهروب
إن هذه الثقافة جعلت طموحات الشباب فوق مستوى إمكانياتهم مما ولّد لديهم الإحساس بالعجز وهو ما انجر عنه الشعور باليأس، فكان شبابنا بين خيارين لا ثالث لهما:
أ الانخراط في اللصوصية والانتهازية والوصولية والنفاق والرشوة وهي القيم التي أفرزتها هذه الثقافة حتى يلبي حاجياته
ب الهروب من المواجهة، مواجهة السلطة ومواجهة التحديات، فاتجه إلى كل أشكال الانتحار بما في ذلك : ركوب زوارق الموت وإضرابات الانتحار البطيء وأخيرا الاحتراق أمام مؤسسات الدولة
فالتصور الثوري البديل يحتم تقويض هذا البناء علاقات وقيما ، حسا ومعنى، وإعادة بناء مواطن جديد مريد وفاعل انطلاقا من برنامج اقتصادي اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار الواقع المحلي والتحديات الخارجية وترسم فيها الأولويات في التنمية والتشغيل . وهذا التصور لا يمكن أن تنفرد به منظمة أو تنظيم مهما كانت تمثيليته، فهو عمل جماعي تنهض به كل فعاليات المجتمع وتسهر على إنجازه سلطة تنفيذية ثورية مؤمنة بأهداف الثورة مسؤولة أمام مجلس شعبي يقع انتخابه بصفة حرة ونزيهة وشفافة. وبذلك يستعيد الشعب ثقته بنفسه ويتوفر للثورة صمام الأمان الذي يحميها من أعدائها من الخارج والمزايدين عليها من داخلها، فالثورة معرضة للمناقصة وللمزايدة.
وبالإضافة إلى هذه المؤسسات الدستورية الشرعية فإن الثورة في حاجة أكيدة إلى مؤسسات أخرى تصونها ومن أبرزها :
(1 قضاء مستقل ومطهر
إن القضاء في تونس فقد الكثير من مصداقيته لدى الشعب التونسي منذ فجر الاستقلال فقد تحول إلى جهاز قمعي يوظفه النظام للتخلص من مناوئيه بالإعدامات والسجون. كما أن الكثير من عناصره سقطوا في الفساد وتورطوا في الارتشاء فصار مكملا لدوائر الأجهزة الأمنية. وحتى تزول أزمة الثقة وتعود للقضاء مكانته لابد من القيام بعملية جراحية يتخلص بها جسم القضاء من أدرانه ولا جدوى من التعامي عن هذه الحقيقة المرة بدعوى قدسية القضاء أو علويته.
(2 إعلام حر وواع وجريء
كل تغيير في حاجة إلى إعلام يدافع عنه ويُروّج له ، غير أن الأنظمة الدكتاتورية تتجاوز هذه الحاجة لتحتكر كل وسائل الإعلام وتحولها إلى أبواق دعائية وهذا ما قام به نظام بورقيبة منذ فجر الاستقلال فقد تمت السيطرة الكلية على كل وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة منذ بداية الستينات وخاصة بعد اكتشاف المحاولة الانقلابية سنة1962 فقد أصبح المواطن التونسي تحت ضغط إعلامي أحادي تبريري يتوخاه النظام للهرسلة والتدجين لفرض الأمر الواقع وكأنه قدر حتمي.
وقد خاضت الثورة معركتها دون هذا الغطاء، إذا استثنينا الإعلام الألكتروني الذي برع فيه الشباب، فهذه الصحافة العنكبوتية السيارة السريعة هي التي عبأت جماهير الشباب من البنين والبنات ودفعت بهم إلى واجهة الأحداث . ولم يدخل الإعلام الرسمي على الخط إلا بعد أن رفع النظام الراية البيضاء . فدخلها خائفا مرتبكا ولم يكن مستوعبا لمبادئها ولا مهيئا لهذا الدور. وحتى يساير الأحداث ركب موجة الشباب وصار يدغدغ عواطفه ويعزف أوتارا ديماغوجية ، فاستعمل لغة شعبوية وليست شعبية كقول بعضهم " إنها ثورة الشباب ولا أسمع إلا لأصواتهم نحن نعيش عصر الشباب". وقد كان قبل ذلك يلهج باسم ابن علي فصار بعد الثورة يكيل المدائح لها. فالثورة ليست بحاجة إلى المدائح والأذكار بقدر ما هي في حاجة إلى خطاب نقدي يرصد أخطاءها ويوجهها .
أما إحدى المذيعات وعلى نفس الشاشة فقد اتجهت إلى شاب جامعي كان يخاطبها بلسان عربي مبين" لماذا هذه اللغة الخشبية " ولم تقدم أية ملاحظة لمن كان يحادثها بلغة فسيفسائية مالطية ملوثة، ولا ألومها على ذلك فهي مازالت تعيش على وقع لغة صاحب
" فهمتكم راني فهمتكم " ولا تعلم أنها إحدى النصائح التي تقدم بها المستشارون ولا أستبعد أن يكون من جماعة " الكتيب الأصفر1968" ممن عايشوا قولة الجنرال ديغول
للفرنسيين المعمرين الذين كانوا ينادون سنة 1957 " بالجزائر الفرنسية " فتلاعب على عواطفهم وقال لهم قولته الشهيرة je vous ai compris
ومن مظاهر التردد والخوف أنه مازال يتوخى الانتقائية على مستوى المتدخلين المدعوين وعلى مستوى القضايا المطروحة بل إنه ما زال مسكونا بالخوف غير واثق من المستقبل يتحسس توجهات الحكومة والمكونات الفاعلة خوفا من التورط في المزالق السياسية.
ومتى كان الإعلام حرا ونزيها ومستقلا فبإمكانه أن يكون إحدى ضمانات الثورة، وهذا ما ليس متوفرا في الظروف الراهنة. ومع ذلك فقد بدأ يدب دبيبا نحو الحرية والاستقلالية.
❊ كيف تقيّم الوضع الانتقالي للحكومة الحالية؟ما مدى قدرتها على الوصول بالبلاد إلى بر الأمان ؟
في اعتقادي أن هذه الحكومة لا علاقة لها لا بالانتفاضة ولا بالثورة، مع احترامي لكل مكوناتها ، بل إن البعض كان يشكك في الانتفاضة ويرى أن نظام ابن علي مازال قويا بل يرفض حتى مقارنتها بانتفاضة 1984 ولا يرى مانعا من المشاركة في أية حكومة إيتلافية تحت مظلته. ومع أنها حكومة انتقالية منذ البداية فإن مهمتها كانت التحكّم في سيرورة المسار السياسي المستقبلي لتونس لذا رأيناها محل تجاذب بين عدة أطراف سعت لركوب القطار وهو يطوي طريق المستقبل. وقد ضمت ثلاثة مكونات
(1 فريق التواصل ومهمته طمأنة الأوساط المالية والسياسية الدولية التي تسعى لتأمين مصالحها
(2 فريق الكفاءات المستقلة وقد أتت استجابة لرغبة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي عمل منذ البداية على إبعاد الحزب الحاكم عن مراكز القرار الحكومي وتوفير الحد الأدنى من الضمانات لقطع خط الرجعة على الارتداد.
(3 فريق معارض رأى أن مصلحته تقتضي أن يكون قريبا من مركز القرار حتى لا تفوته الأحداث وحتى يكون مستعدا للمرحلة الانتخابية القادمة
هذه الحكومةبحكم تركيبتها الايتلافية والأهداف الخاصة لمكوناته من الصعب إن لم أقل من المستحيل أن تكون صمام آمان للثورة. لذا رأينا العديد من الفعاليات الاجتماعية والسياسية تتنادى لتكوين مجلس لحماية الثورة بقطع النظر عن كيفية صياغة هذا المجلس ونوعية المساهمين فيه.
❊ هناك أحاديث عن أخطار تتهدد الثورة فإذا سلمنا بذلك فكيف السبيل إلى تجنبها؟
نعم إنها عديدة وخطيرة وسأكتفي باستعراض أبرزها وأخطرها.
1 تدهور الوضع الأمني
إن الثورة في حاجة أكيدة إلى إعادة الطمأنينة إلى المواطن، فبلادنا لا تملك طاقات أو مدخرات يمكن أن تعول عليها عندما تتعطل الدورة الاقتصادية: إنتاجا واستهلاكا وخدمات، فالإحساس بالارتياح والثقة بالمستقبل هما أكبر ضمانة لنجاح الثورة
2 تيقظ المطلبية المشطة
تشهد بلادنا مطلبية مشطة تبررها المنظومة القانونية الشغلية الساري بها العمل من ناحية وأساليب القهر والتهميش التي تعرض لها العاملون والعاطلون من الدولة وأجهزتها من ناحية أخرى . وما أن تقلص ظلها وخف ضغطها أو زال حتى استيقظت المطلبية المتعلقة بالتشغيل والترسيم، وتجلت في الاعتصامات والإضرابات بل حتى إزاحة المسؤولين عن مواقع عملهم. إن هذا الوضع صار مرعبا للمؤسسات الخاصة والعمومية . وبقدر ما أربكت هذه التحركات البعض، فقد عالجه البعض بحنكة. وأذكر على سبيل المثال بعض ما وقع في قطاع البناء بمنطقة زرمدين في ولاية المنستير. لما علم أحد الأعراف أن عماله يطالبون بالترسيم والزيادة في الأجر لم يتردد لحظة في الاستجابة قائلا: إن كل تكاليف هذين المطلبين لا تساوي شيئا أمام ما كنت أدفعه لصندوق 26/26 ولغيره سرا وعلنا. فكان ذلك حافزا على المزيد من الإنتاج وتحسين الإنتاجية. لكن البعض الآخر ما زال يستغل الفرصة للتعلل بالصعوبات الاقتصادية لابتزاز الدولة. ومع ذلك فإن عملية التشغيل تقتضي عدم إرهاق كاهل الاقتصاد التونسي في هذه الظروف وإتاحة الفرصة أمام الاستثمارات الداخلية والخارجية. وهذا جوهر نداء الأمين العام للاتحاد.
3 السماح للحزب الحاكم بالعودة للساحة الوطنية في المستقبل المنظور
من المعلوم أن التجمع الديمقراطي الدستوري يسعى حاليا للتبرؤ من الرئيس السابق ويحمّله وعائلته مسؤولية الفساد والاستبداد. ويستعد لطلب تأشيرة لتنظيمين أو أكثر تحت عناوين جديدة وبذلك يتمكن من العودة للحياة السياسية في انتظار المساهمة في المحطات الانتخابية.
إن السماح لهذا الحزب بالعودة لممارسة نشاطه في الظروف الراهنة خطر قاتل للثورة. وهذا ما لم ينتبه إليه الحزبان المعارضان في السلطة بتعلة التسامح وعدم السقوط في نفس الممارسة التعسفية إن القياس الفلسفي الصوري عقيم.صحيح أن هذا الحزب مفرغ من أي مضمون منذ وجوده سنة 1934 ولم تزده التصفيات المتلاحقة إلا فراغا ولكنه مع الزمن تحول إلى أداة للكسب والابتزاز والتمعش، فالجميع يعرف أنه صار السبيل لكل من ينجز عملا حتى ولو كان قانونيا وشرعيا. فبالإضافة إلى المليونين من أعضائه الذين حشرهم في الشعب المهنية والبلديات والجمعيات الثقافية والتربوية والمنظمات التي فاقت 8000 منظمة فإنه أوجد شرائح هامة من أصحاب المصالح الذين منحهم الرخص والمساعدات والوظائف وأفسد أخلاقهم بالارتشاء وتزييف الانتخابات ومصادرة إرادة الشعب،لذا فإنه من البلاهة أن نعتبر أن هؤلاء تابوا وذابوا، إنهم نار تحت الرماد ينتظرون هدوء العاصفة حتى يعودوا إلى مواقعهم. وإذا استمر تدهور الوضع الاجتماعي والاقتصادي فستكون ظروفهم للعودة للسلطة أوفر ويدخلونها من الباب العريض، بعد أن ينزعوا ثوب الزين كما نزعوا ثوب بورقيبة . وإذاك تعود البلاد إلى المربع الأول وتصبح الثورة حلما لذيذا ضائعا. وهذا ما أوحى به السيد كمال مرجان عندما أكد أنه سيلعب دورا في المستقبل ويتماشى هذا التوجه مع ما كان قد تسرب قبل سقوط نظام بن علي من أن مرجان هو رجل المستقبل. ومع احترامي لهذه الشخصية فإن عودة الحزب الحاكم السابق تتجاوز شخصه لتشكل إجهاضا للثورة. وإذا أردنا صيانتها علينا أن نخرج هذا الحزب وكل ما فرخه من مشاتل من دائرة العمل السياسي فترة لا تقل عن دورتين تسمح للتيارات السياسية المبعدة أو الناشئة من إثبات وجودها على الساحة الوطنية. وبذلك نخلق نوعا من التكافؤ في الفرص بين مكونات المشهد السياسي في تونس وإذاك لا يكون هناك أي مانع من تمكينه من النشاط السياسي دون اجتثاث أو إقصاء والسماح له بالعودة للحياة السياسية تحت أي عنوان من العناوين السابقة أو اللاحقة في مثل هذه الظروف ما هو عملية إجهاض للثورة.
4 النزعات الجهوية
إن تونس دون الأقطار العربية وحّد التاريخ والجغرافيا نسيجها الاجتماعي لغويا وثقافيا فلم تعرف صراعات عرقية أو دينية أو مذهبية. لكن السلطة الحاكمة قد تحول الصراع عن وجهته العمودية ضد النظام إلى صراعات أفقية بين الجهات والمناطق تجنبا للتصادم معه . وهذا ما صار يتردد ليس لدى عامة الناس فقط بل تسرب إلى ألسنة بعض السياسيين الذين يبحثون عن الشعبية بأي ثمن فكان التفاوت الجهوي من أهم محاور خطابهم الالسياسي . والواقع أن هذه الظاهرة لا يمكن أن يتغاضى عنها ذو بصر وبصيرة ، لكن إهمال العامل الجغرافي وتضخيم العامل السياسي والذاتي لا يخلو من بعض المبالغات التي لم تكن دوما بريئة . فالمستثمرون المنتصبون على الشريط الساحلي من الجنوب إلى الشمال ومن شرق البلاد إلى غربها لا ينتمون إلى منطقة واحدة وإن كان معظمهم يحظى بدعم النظام، ومن هنا الأزمة في تونس ليست جهوية بين الساحل والداخل، فكلاهما في البطالة واحد، إنها أزمة اقتصادية اجتماعية سياسية، فهي بين من يملك الثروة ويحتكر السلطة وبين من يصبو إلى عدالة التوزيع ويطالب بالممارسة الديمقراطية ويسعى إلى إقامة نظام اقتصادي متوازن جهويا واجتماعيا تتحمل فيه الدولة دور الشريك والمعدل والمستثمر.وهو كذلك صراع ثقافي بين من يروج لثقافة الانبتات والاستنساخ لقيم الرداءة ومن يؤسس لتحديث الأصالة وتأصيل الحداثة
❊ ما تأثير الثورة التونسية في مسيرة الديمقراطية للأمة العربية ومستقبلها؟
إن الثورة في تونس أكدت مجموعة من الحقائق على المستوى الوطن العربي
(1 إن الوطن العربي يشكل امتدادا ثقافيا وليس امتدادا جغرافيا أو تاريخيا فحسب فالثورة التي حدثت في سيدي بوزيد تواصل معها شباب مصر والجزائر واليمن.
والأردن رغم الحملات الانبتاتية المركزة التي خضع إليها شباب تونس وآخرها الأنشطة المكثفة التي قام بها الوزير الفرنسي فريديريك متيران مع أيام قرطاج الدولية فالثورة سفهت أحلام التفكك والقطيعة التي يراهن عليها أنصار التبعية الثقافية والسياسية للقوى الاستعمارية.
(2 إن الأفكار والقيم والمبادئ المحركة للتاريخ لا تستمد فاعليتها من المركز ولا تتوقف على ثقله الاستراتيجي والبشري والحضاري بل إنها تخترق الحواجز التاريخية والجغرافية والسياسية.وهذا ما اتضح من جاذبية الثورة التونسية للجماهير العربية في مصر، إنها لم تكن عملية تصديرية بقدر ما هي نموذج لثورة شعبية سلمية استعاد بها المواطن العربي في تونس كرامته المهدورة بأقل الأثمان الممكنة في أقل حيز زمني ممكن.
(3 إن التاريخ سيسجل أن الثورة في تونس جسدت بصفة عملية ومباشرة مقولة الشابي »العلاقة الحتمية بين الإرادة البشرية والإرادة الإلهية« وهذا ما أنجزته الجماهير العربية في تونس يوم 14 جانفي وما أنجزته الجماهير المصرية في الشهر الموالي، وسقطت إلى غير رجعة مقولة عجز الشعوب وعدم أهليتها للديمقراطية. فالطريقة السلمية التي تحققت بها الثورة والمناخ التعاوني بين مكوناتها والوعي الذي رافقها، كلها عوامل موضوعية سفهت ما كانت تروج له الأنظمة حول دورها في مقاومة الإرهاب. وبسقوط الصنمين في تونس وفي مصرسقطت الدكتاتورية وتبخرت مقولة التوريث التي كادت أن تعم الأنظمة الجمهورية إلى غير رجعة.
(4 إن هذه الثورة فتحت الطريق أمام شعوب الأمة العربية حتى تأخذ بزمام المبادرة في تقرير مصيرها ورسم اختياراتها وعطلت سطوة حكامها الذين صار لزاما عليهم أن يخافوا وأن يحسبوا قبل الإقدام على أية خطوة فيها استبلاه للشعوب.
(5 إن نجاح الثورتين العربيتين في حيز زمني لا يتجاوز شهرا سفه استخلاصات مراكز البحوث الاستعمارية التي كانت تؤكد أن الشعب العربي ليس جديرا بالحرية والديمقراطية ولا يفرّخ إلا الإرهاب ويكفيه ما يتمتع به من حق الصحة والتعليم والشغل إن وجد.
(6 إن هاتين الثورتين ستغيران الخارطة السياسية للوطن العربي وستجبران الاستراتيجيين الاستعماريين على إعادة النظر في مواقفهم من الأمة العربية ومن القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية.تصادية. كما تحمل هذه المؤسسات ميزة فريدة تجعلها قادرة على الحفاظ على مواطن الشغل خلال الأزمات عكس الشركات الكبرى والأمر بسيط إذ أنّ صاحب الشركة الصغرى والمتوسطة يكون مباشرا للعاملين معه بصفة يوميّة ويكون قريبا منهم لذلك يكون من الصعب أن يتخلّى عن الموظفين أثناء الأزمات ويحاول بالتعاون معهم ايجاد الحلول أمّا صاحب الشركة الكبرى فلا تربطه أي علاقة مع الموظفين لذلك لا يجد حرجا في اصدار مرسوم اداري بتسريح المئات منهم خاصة وأنّ هذا الاجراء يكون عادة الأسهل لتحسين الأمور المالية للشركات الكبرى. لذلك أعتقد أنّ الاقتصاد المتين هو الذي يرتكز على المؤسسات الصغرى والمتوسطة وعلى الدولة مزيد العناية بهذه الفئة من الشركات لأنّها الحلّ الأمثل للنمو الاقتصادي ولأنّها لا تتمتّع بأي امتياز جبائي أو مالي. وقد لا أبالغ بالقول إنّ قوانين الاعفاء الضريبي والامتيازات التي تمنح للشركات الكبرى قد وضعت على القياس خدمة لأشخاص معيّنين..
❊ ماهي الحلول التي تقترحها؟
إنّ الحلّ الاداري الذي أراح ملحّا هو تخصيص كتابة دولة للمؤسسات الصغرى المتوسطة تساعد الباحثين الشبّان وتمكّن الادارة من التعرّف عن قرب لمشاكل القطاعات وتسهيل نشاط هذه المؤسسات وأؤكد لك أنّ مراجعة التكاليف الاجتماعية للمؤسسات الصغرى تمكّنها من انتداب عدد اضافي من العمّال والموظفين قد يصل مجموعه على الصعيد الوطني عشرات الآلاف لأنّ هذه المؤسسات هي الأكثر تشغيلية وطنيا وعالميا.
❊ هناك جدل قائم حول دور الدولة في الاقتصاد فماهو تعليقك؟
أنا لست من دعاة تدخّل الدولة في الاقتصاد بصفة الفاعل الاقتصادي وأرى أنّ دورها يقتصر على تعديل السوق وتوجيه الاقتصاد وأعتقد أنّ من واجب الدولة خلق مواطن شغل لأنّ ذلك قد يفتح الباب لخلق مؤسسات ذات مردوديّة ضعيفة همّها الوحيد التشغيل قد تصبح في ما بعد حملا وعبئا على الاقتصاد. فعلى الدولة أن تحفظ حق التعليم المجاني والصحة وأن تلعب دور المعدّل والمراقب الشفاف والنزيه للاقتصاد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.