هل كانت المعارضة تريد حقّا تحييد وزارات السّيادة ؟ للإجابة على هذا السؤال لابدّ من طرح سؤال آخر : ماالّذي ربحته المعارضة بعد التّحييد وما الّذي كانت ستخسره لو بقيت وزارات السيادة بيد النّهضة؟ الإجابة بعد التّفكير تبدو صادمة نسبيّا : لا شيء يذكر .. إذا ما هو الدّاعي لكلّ هذه الحملة منذ أشهر ؟ ومن كان البادئ بها ؟؟ للتاريخ ، أوّل من بدأ بها هو السبسي ، استيحاء من تجربته الانتقاليّة ، وهو الوحيد في البداية من كان يعرف مآلاتها ، هذا الطّعم سرعان ما التقطه خصوم النّهضة وغرّدوا على منواله ، مدركين أو غير مدركين لحقيقة ما وراءه .. من الثّابت أيضا أنّ المعارضة تورّطت وأحسّت أنّها تسرّعت في الاعتراف بنتائج انتخابات أكتوبر ( لأنّه بعد ما رجعلهم شاهد العقل وجدوا الكثير من القراءات الانقلابويّة على تلك النتائج مازلنا نذكر الكثير منها : مليون ونصف أصوات ضايعة ، 5 ملاين ماصوتوش ، مليون ونصف صوتوا للمعارضة ، أمّيين ، مال سياسي .. يعني باللسان الدّارج النهضة قريب يخرجوها مُوسالهْ .. لا علينا .. نرجعوا لموضوعنا وبالفصحى ..) نعود إلى السّؤال المركزيّ : لماذا إذا دمّروا أعصابنا بهذه الحملة منذ أشهر لتحييد وزارات السيادة إذا لم يكونوا يريدون فعليّا هذا الأمر؟ الجواب أنّهم كانوا يراهنون بشكل قاطع على رفض النّهضة لهذا الأمر لكلّ ما نعرفه من أسباب ، .. ما الّذي كانوا يريدونه بالضّبط من وراء ذلك ؟ جوابي سيكون صادما مرة أخرى : مطلبهم الحقيقيّ كان عدم تحييد وزارات السيادة وليس تحييدها ... كيف ذلك ؟ مدار الصّراع في هذه الفترة لم يعد حول ما بقي من المدّة الانتقاليّة ، وإنّما حول الفترة المؤسّسية القادمة ، فالمعارضة والحكومة ، كلاهما يعرف أنّه ماعاد بإمكانه تحقيق أيّ إنجاز يذكر فيما تبقّى من عمر المرحلة الانتقاليّة والأسباب معروفة .. لذلك أصبح كلّ طرف يسعى إلى تحسين شروط بقائه في المرحلة القادمة .. المعارضة تعرف أنّها تذهب إلى هذه الانتخابات بدون حظوظ حقيقيّة ، وأنّ نتائجها لن تشكّل مفاجأة تذكر ، فالنّهضة ستفوز ن بقوتها أو بضعف الآخرين ، والتّهرّؤُ الّذي حصل في شعبيتها ، حصل لدى معارضيها أضعاف أضعافه ، وهي الحزب الوحيد الّذي حافظ على تماسكه والوحيد القادر على التّعبئة القصوى في مثل هذه المواعيد ، .. ولذلك كان مخطّط هذه القوى هو السّعي إلى إسقاط الشّرعيّة القادمة منذ الآن ، وذلك بخلق كلّ مبرّرات التّشكيك والطّعن في نتائج الانتخابات ، وبدأ الإعداد لذلك والتّرويج له بحشر النّهضة في الزّاوية ، وإظهارها بأنّها تتمسّك بوزارات السّيادة للسيطرة على البيئة والمسلك الانتخابيّين النّهضة فهمت أنّ المستهدف هو الشّرعيّة القادمة وليست الشرعية القائمة ، وفهمت أنّ رهانهم الوحيد هو على رفضها لهذا الطّلب ، ولذلك تحديدا قررت الاستجابة ، وبذلك وضعت هذه القوى في مأزق استراتيجيّ لم تقرأ له حسابا .. ماذا سيبقى بعد ذلك لدى هذه القوى من أوراق ؟؟ مسألة تحييد المساجد ؟ حل رابطات حماية الثورة؟ مراجعة التعيينات ؟ كلّها مسائل تصلح للتّشويش والتّزيّد السياسي ، ولكنّها ليست دعامات قوية للمطالبة بإلغاء نتائج الانتخابات القادمة والإطاحة بالشرعية المنبثقة عنها .. الخلاصة الموضوعيّة لكلّ ما تقدّم : أنّ المطلب الحقيقيّ للمعارضة كان عدم تحييد وزارات السيادة ، وأنّ طلب خلاف ذلك كان لتوريط النهضة وإقامة الحجّة عليها وتحضيرا لإسقاط الشرعية القادمة ، وأنّ النّهضة أسقطت باستجابتها لهذا الأمر خطّة التّجمّع ( لأنّها مبادرة السبسي أساسا ) لإدخال البلاد في فوضى مؤسّسية بعد الانتخابات ( والسبسي يستبق بذلك قرار التّحصين ..) استنتاج أخير لا بدّ منه : من كان يظنّ أن خصومه الإسلاميّين هم مجموعة من الدّراويش والمجاذيب والمدبيّه أصحاب النوايا العبيطه ... سيضطرّ إلى دروس مكثّفة في فنّ الإدارة السّياسيّة ، وهي دروس ستكون طبعا مدفوعة الثّمن سياسيّا .. ********* عبد اللطيف علوي