عندما أستمع إلى نخب و قيادات في الساحة و الأحزاب الوطنية تذكر بأن عنوان المرحلة اليوم هو التبشير بالمشروع المجتمعي الجديد و توجيه بوصلة الفعل الحزبي و الجمعياتي نحو بنائه التمكين له في الأرض أشعر بالاطمئنان على مصير الثورة رغم المؤامرات . تساقط الأنظمة العربية الراهنة في سياقات المسار الثوري العربي الحالي لم يكن سوى نتاج لانهيار "المشروع المجتمعي البائس" الذي اشتغلت عليه "الدول اللقيطة" منذ موجات ما سمي بالاستقلال الوطني منذ قرابة نصف القرن .لم يكن فشل هذه النظم في التنمية السياسية و الاجتماعية الاقتصادية و لم يكن سمتها الاستبدادي القهار و خياراتها الاجتماعية الاقتصادية المنتجة للظلم و الفقر و الجوع و الهوان بين الأمم سوى نتاج لفشلها في بناء الإنسان العربي المسلم المتجذر في عزة هويته الثقافية ومنظومته القيمية التي تحصنه كائنا فاعلا عاملا في عصره الخصوصي و الكوني و شاهدا شريكا فيه . تونس المقبلة لن يبنيها سوى من أدرك أنها لن تكون سوى تونس العروبة و الاسلام و التحرر و التعدد الخلاق ...لن تكون سوى تونس المتصالحة مع ذاتها الأصيلة حتى تتمكن من التصالح مع عصرها من موقع الفعل لا التبعية . المشروع المجتمعي الوطني الجديد ليس مشروع حزب ولا طائفة و لا نحبة بعينها بل هو مشروع جميع من وضع نفسه فيه ومعه ... المولعون الأبديون بالاقتداء بغالب لم يغلب إلا لأنه كان هو هو بعد أن سلبنا الحق في أن نكون نحن ...الكارهون لأنفسهم (ثقافة وتاريخا) ممن لا يرون لتونس خلاصا إلا بأن تكون حديقة خلفية لتاريخ الآخر .. المهووسون بمغالبة الخصم الحزبي المزعوم من أجل مغانم عاجلة حتى على حساب المشروع الوطني الباقي ..هؤلاء جميعا لن يضعوا أنفسهم إلا في ذمة حقبة ذهبت ولن تعود ...أما من نذروا أنفسهم لبناء مشروع عزة أهلهم و ذويهم فليتوقفوا عن تقليب وجوههم في السماوات ..وليأخذوا الكتاب بقوة أو تستبدلهم حكمة التاريخ بمن هو أهل للكتاب ...