ربما من المبكر الحديث عن فائزين وخاسرين بعد ساعات من الانقلاب على الشرعية في مصر ولكن تسارع الأحداث وردود الأفعال تساعد على تحليل مآلات الأمور. منذ أسابيع التقيت أحد مساعدي مرسي وأعلمني بأن أحد بلدان الخليج عرضت عليهم المساعدة المادية المباشرة إضافة لامتصاص أعداد هامة من اليد العاملة المصرية من خلال إيجاد مواطن شغل لها وتخفيف الضغط على الحكومة ولكن محدثي رفض العرض الذي يتضمن تراجع مصر عن بعض مواقفها القومية والوطنية والبقية يعرفها الجميع... ولا أحد يجادل بأن أداء الحكومة والرئيس مرسي لم يكن بمستوى الانتظارات وبحصول أخطاء نتيجة عدة عوامل اعترف الرئيس مرسي نفسه بجزء كبير منها ولكن أن يتدخل الجيش بمساعدة الكنيسة ومؤسسة الأزهر التي لا تزال تحظى باحترام جزء هام من العالم الإسلامي لإيقاف المسار الديمقراطي وحبس المسئولين وكأنهم أجرموا في حق الشعب والدولة فهذا ما لا يقبله عاقل. وليس خافيا بأن التحولات الديمقراطية في المنطقة أزعجت بشكل كبير قوى إقليمية ودولية عدة. فإسرائيل جعلت من ديمقراطيتها المزعومة ورقة تلوح بها كلما طلب منها احترام حقوق مواطنيها من غير اليهود وصورت على أنها واحة الديمقراطية والحرية في منطقة انقلابات عسكرية وحكومات بدائية...وربطت أمريكا المساعدات التي تنظمها اتفاقية "كامب دافيد" بمدى التزام الإدارة المنتخبة من طرف الشعب بما تم الاتفاق عليه أو فرضه على السادات-مبارك وربما رأت في تمشي الحكومة الجديدة التي عبرت أكثر من مرة عن رغبتها في تحقيق اكتفائها الذاتي من الحبوب والتخلي عن المساعدات تهديدا للتوازنات وكان تهديد مرسي شخصيا لأثيوبيا التي تحاول الاستيلاء على جزء من نصيب مصر من مياه النيل رسالة واضحة بأن الأمن الغذائي للشعب المصري أصبح أولوية...أما السعودية والإمارات فقد كانت تربطهما بمبارك علاقات حميمة فأصبحتا موضع اتهام مباشر. إذ يرى البعض أن الإمارات تحاول وأد التحركات المطالبة بالإصلاح وهي متهمة من أكثر من جهة بمحاولة تخريب المسار الإصلاحي والديمقراطي في المنطقة العربية. ويشير هؤلاء إلى وجود أشخاص مثل محمد دحلان وأحمد شفيق على أرضها واستعملاهما للإمكانات المادية الهائلة المتاحة للإضرار بالتمشي الجديد في المنطقة. أما السعودية التي يرى آخرون أنها نجحت نسبيا في قمع وإسكات المحتجين فهي تصارع بشكل منتظم المنظمات الحقوقية الدولية التي تتهمها بقمع الحريات بشكل ممنهج ومنظم وتقدم أمثلة على ذلك منها حقوق النساء والأقليات وغياب المؤسسات المنتخبة. أما نظام بشار الأسد فهو يرى في ثورة شعبه امتدادا ونتيجة لما حصل في كل من تونس ومصر وهو يصارع من أجل البقاء ويرى في نكسة الشرعية والديمقراطية انتصارا للتمشي الذي انتهجه مع شعبه رغم قتل ما يزيد عن 100 ألف شخص ووجود خمس سكان البلاد تحت خط الفقر بحسب الأممالمتحدة. أما معظم الدول الغربية فقد لازمت الصمت باستثناء ألمانيا التي أدانت صراحة الانقلاب على الشرعية. فالدول الغربية لم تستسغ وصول الإسلاميين إلى السلطة وكان هذا واضحا من خلال السكوت على حصار غزة ومحاولة تضخيم الاحتجاجات في تركيا مقارنة بما حصل في اليونان مثلا وتجني البعض على التجربة التونسية الفريدة ومنها تصريحات وزير الداخلية الفرنسي على سبيل المثال. وليس من السهل على النخب الغربية المتشبعة بمفاهيم الديمقراطية والحرية أن تدافع على انقلاب عسكري مدعوم من الكنيسة ومن مؤسسة دينية رسمية هي الأزهر إضافة إلى مشاركة من تعتبرهم متشددين دينيا من أتباع حزب النور المنبثق عن الجماعة الإسلامية التي كثيرا ما اتهمها الغرب بالاعتداء على السياح ورفض الآخر. ولكن غريب السكوت على مثل هذه الجرائم التي ترتكب أمام الكاميرات وقتل الناس في الساحات وتسليم الأمن المتظاهرين المناصرين للشرعية للبلطجية وقاطعي الطرق للانتقام منهم بأساليب وحشية لا تليق بمفاهيم الإنسانية فضلا على أنها تعبر على غياب سلطة الدولة والقانون وعجز الجيش عن بسط سلطته. وبقي دور المنظمات الحقوقية التي يسعى البعض منها إلى جلب الانقلابيين أمام العدالة ومتابعة مساعديهم. فالجميع يذكر أنه لما أعلن شيخ الأزهر السابق المرحوم سيد طنطاوي عن دعمه لحصار غزة وسانده في ذلك عدد من الأئمة والمسئولين وقتها، سعت منظمات أوروبية لاعتقال مشائخ الأزهر الذين يأتون إلى أوروبا خلال شهر رمضان ونظمت منظمات أخرى حملات لمنع منحهم تأشيرات الدخول واعتبرتها شركاء في جريمة حصار غزة وقتل أهلها. ويلاحظ المتابعون للشأن المصري وبعدما رأوا إصرار الشعب على التمسك بالشرعية والدستور أن الخلافات الاتهامات بدأت تظهر بين أطراف الانقلاب وبدت عليهم علامات التردد مقابل إرادة قوية لدى أنصار الشرعية والدستور الذي صوت عليه الشعب. ويتبين مما سبق أن الخاسرين من الانقلاب المؤقت كثر ولعل أهمهم: 1. النخب والأحزاب والمنظمات المصرية والعربية عموما التي ساندت انقلاب العسكر/الكنيسة/ الأزهر الذي يقحم البعد الديني واللامدني في المنافسة على السلطة كما أنه يعطي انطباعا بأن إرادة الشعب لم تحترم. 2. الأطراف التي وقفت مع الانقلاب سواء عبر التمويل المادي أو الاعتراف بسلطة الانقلابيين أو الترويج لنهج غير ديمقراطي في الوصول إلى السلطة ولعل أكثر من طالتهم أصابع الاتهام سفيرة أمريكا في مصر وحكومة إسرائيل وحكومة بشار الأسد والسعودية والإمارات. 3. المؤسسات والمنظمات التي لم تدن الانقلاب الدموي الذي أزاح رئيسا منتخبا وإسكات الإعلام غير التابع للانقلابيين ومداهمة المقرات الإعلامية واعتقال أشخاص بدون تهم إضافة إلى قتل الناس في الشوارع. 4. الحكومات الغربية التي كثيرا ما نددت بتدخل الدين في السياسة فإذا بها لا تقوى على التنديد بانقلاب عسكري بمساهمة فعالة ومباشرة من الكنيسة والأزهر وحزب النور الديني. وأما المستفيدون من الانقلاب المؤقت فلعل أهمهم: 1. الديمقراطية الناشئة التي يتوقع أن يقوى عودها إذا ما نجحت في إرجاع الجيش إلى الثكنات ومحاسبة المتآمرين على البلد 2. الشعب المصري الذي سيعرف من خلال هذه المحنة من هو الصديق ومن يتاجر بدمه وقضاياه التي لا شك أن أغلبها عادلة ووجب الانتباه إليها ومعالجتها 3. الدول التي وقفت ضد الانقلاب وساندت الشعب في محنته وربما استفاد الأتراك من تجربتهم مع العسكر والألمان من تاريخهم والحكومتين التونسية والليبية المنبثقتين من إرادة شعبية وحكومة فلسطينبغزة التي عانت أيضا من الانقلاب على الشرعية بالإضافة إلى الاتحاد الأفريقي الذي سارع إلى تجميد عضوية مصر فيه كرد أولي على الانقلاب. وسوف يذكر التاريخ بأن الشعب المصري رفض أن يحكمه العسكر بمباركة الكنيسة والأزهر الذين ساندا نظام مبارك طيلة فترة حكمه. ولكن رغم التضحيات التي سيدفعها الشعب لنيل كرامته من جديد فمن المهم التذكير بأن مصر للجميع وأنه ليس من مصلحة أي طرف بأن يهيمن على مقاليد السلطة ولعل المثال التونسي في الحكم الجماعي يبقى صمام أمان ودرعا واقيا في وجه الثورة المضادة والمتضررين من التحولات الديمقراطية. أنور الغربي حقوقي وسياسي