لسائل أن يسأل من هم السّاسة في تونس؟ هل أنتجت تونس سياسيّا واحدا؟ خرجت تونس من الفترة الاستعماريّة بوثيقة استقلال لم يرها أحد الى اليوم باستثناء من كتبها و من أمضى عليها و شهود الزّور الذين باركوها و خرجت من الفترة البورقيبيّة بانقلاب "مبرّر" بتقرير طبّي قاده عسكريّ سابق الى فترة نوفمبريّة بنفسجيّة لا صوت يعلوا فيها فيق صوت "معا لرفع التّحدّيات" متحالفا مع عدد من الخونة و مقدّما للمتفرّجين من الشّعب مثلا عن البطش الذي قد يطالهم في صورة معارضة "الرئيس" راح ضحيّته الآلاف من أبناء الشّعب على اختلاف ألوانهم السياسيّة و كان للاسلاميّين الحظ الأوفر و انقسم المتدخّلون في الشّأن السياسي الى ثلاث "مباركون" و "سجناء" و "منفيّون" و سرعان ما أمسكت عصابة الشّأم عصب البلاد مستغلّة قربها من مؤسّسة الرّئاسة التي حرّمت السّياسة و نشرت الفساد و الاستبداد حتّى صارت للحيطان في البلاد آذان تصغي بها و أصابع تصوغ التّقارير. هناك مقولة قديمة عند العرب تقول "الشّعب أبقى من حكّامه" و هذا ما حدث فعلا في ثورة مهّدت لها مقدّمات دمويّة حتّى موعد 17 ديسمبر 2010 باندلاع مواجهات بين الشّعب الذي كتم الغيض سنين و أجهزة الأمن المبرمجة مسبقا على حماية الطّاغية و زبانيته و مرّت بمراحل عدّة كان أهمّها هروب الطّاغية و زمرة من حاشيته. في غياب قيادات للحراك الذي أطاح بالمخلوع لم يكن هناك بديل سياسي وطني قادر على ترجمة أهداف الثّورة في ظلّ نخب سياسيّة لم تتجاوز بعد حدود المقولات الايديولوجيّة و الشّعارات المثاليّة التي لا يقولها منهم الاّ الانتهازيّون. كان قدر الثّورة و الثّوّار في تونس أن لا يكون فيها سياسيّين يعلمون حقيقة الوضع و يتعاملون معه انطلاقا من نقطة التقاء موضوعيّة بين المبدئيّة و الواقعيّة، حتّى أنّ رؤوس الفساد في الدّولة العميقة استعادوا زمام المبادرة و دخلوا في سياسة ليّ الذّراع مع الجميع على حدّ السّواء. الأغرب من هذا كلّه أن تنصاع البلاد برمّتها الى قوانين لعبة يقال أنّها سياسيّة ظاهرا تديرها نفس المافيا التي قامت ضدّها الثّورة في حدّ ذاتها. في غياب عقل سياسي يدير المرحلة تخندقت كلّ النّخب (الظّاهرة على الأقلّ) في صفّ الثّورة المضادّة بعلم أو بغير حتّى صار مجرم يتباهى بثورة قامت ضدّه و يسوّق برامجه اللّعينة لتحقيق أهدافها و الحال أن محاسبته من أوّلها. قدر الثّورة في زمن غابت فيه السّياسة أن يتحوّل الجميع منظّريق لها و كلّ حسب تصوّره لها حتّى أصبح التّعامل معها أشبه بتعامل الصيّاد مع فريستنه و لا أستثني من هذا أحدا ممّك زكّموا أنوفنا طوال فترة مضت. في غياب السّياسة حدثت ثورة قد يدفع ثمن غياب الأولى الشّعب و لو مؤقّتا و لكنّه حتما يعرف كيف يحافظ عليها حتّى يكون قادرا على انتاج عقول سياسيّة لا ديكة كمن نراهم اليوم، قادرين على استكمال المسار. ----الصغيّر شامخ----