ذكرنا في مقالات سابقة و بدون حياء أن قيادات النهضة تغلب عليها صفة الطيبة السلبية و الأخلاق الحميدة فضلا عن المثالية المطلقة عبر الحدود و أنها بكل صراحة هاوية للسياسة و ليست محترفة و ذلك لعدة أسباب منها قلة التجربة من جهة و التصحر السياسي بمنطقة شمال إفريقيا بفعل الديكتاتورية...إذن هو داء جماعي لم ينجو منه أحد تعاني منه جماعات عدة أما إذا تحدثنا عن الطرف المقابل من رجال الثورة المضادة فهم غير مستثنين من هذه القاعدة و إن يظهر للمشاهد من الوهلة الأولى أنهم أكثر حرفية و أكثر دهاء و لكن في حقيقة الامر ما هم سوى صعاليك سياسة و عاطلين عن العمل يكسبون قوت يومهم من القيل و القال و كثرة السؤال و الوشاية و المكيدة التي ورثوها عن البوليس السياسي ....و لكن في أحسن الحالات رجالات النهضة أفضل حال منهم ...و لكن ....؟ و لنبدأ من الأخير .....لقد طفح الكيل هذه المرة ...ففي كل زلة من زلات النهضة نقول لعلها الأخيرة هذه المرة و سوف يتعلمون من أخطائهم و لن يكرروا الخطأ مرتين فهم ليسوا بعيال صغار و لكن للأسف أصبح الخطأ و التخبط صفة ملازمة لهم في كل تحرك سياسي و تم تتويج هذا التخبط بزلة لا تغتفر ...بزلة قاتلة لا تنجو منها هذه المرة حركة النهضة أبدا إلا بصدمة خارقة . حركة النهضة تنكرت لأصوات الشعب و الثقة التي منحتها إياهم عبر صناديق الاقتراع و دارت ظهرها للثورة و للشهداء و للشباب الباسل الذي استقبل بصدره العاري رصاص أمن بن علي في مشهد لم يسبق له مثيل في العالم العربي و لا في العصر الحديث حركة النهضة الضعيفة في قيادتها و في قاعدتها المشلولة الباهتة التي لا تسمع و لا ترى و هي صماء الا من رحم ربك ....كان حري بقيادة النهضة ان ترجع لقاعدتها و لمجلس الشورى- هذا المجلس العجيب - قبل الحسم في وثيقة الحوار ...كان أولى بها أن تأخذ الثقة من قواعدها و تناطح المعارضة بقوة و بأس شديدين و لكن ليس بعد ان توقع أمام الاشهاد و آخر من يسمع مجلس الشورى . كما اننا نعيب على سوء ادراة الحوار الوطني و الفوضى التي عمت المشهد بأسره و الصياح و العراك و كأنهم في حمام تركي بليلة عيد و هذا المشهد الذي يشخص لنا شكل العقلية التي ستدير البلاد على شيك موقع على بياض نعيب أيضا على حركة النهضة في طريقتها لإدارة البلاد دون أن تأخذ بعين الاعتبار لقاعدتها و مؤسساتها و مكاتبها الاقليمية التي تعاني من أثار الزلزال الذي فاجأهم و هم نيام على وعود قيادات زارتهم سابقا بقطع الوعد الصادق الذي لا يأتيه الشك مطلقا و مفاده ان لا يتم تسليم السلطة للمجهول إلا بعد الاطمئنان على مستقبل البلاد . و كان حري على ممثلي النهضة في جلسات الحوار أن ينسحبوا لما فوجؤوا بفخ التوقيع على الوثيقة قبل بدء الحوار . ان من شيم المعارضة و هو المعلوم من العرف السياسي بالضرورة أنهم أهل نفاق و حيلة و خديعة و انه أيضا أن رجال النهضة رضي الله عنهم أهل عهد و ميثاق و احتراما للمواثيق و العقود و لذلك هم ملتزمون بعهد التنازلات و التنكر لأصوات الشعب و عدم الوفاء لثوابت الثورة . وقعت حركة النهضة طواعية على وثيقة جاء فيها قرار إعدامها و مرسوم دفنها حية و ذلك من خلال الموافقة على تشكيل حكومة كاملة الصلوحية و لا تقبل و لو مجرد لائحة لوم ضدها – انها ساعة تصفية الحسابات و الانتقام من الربيع العربي الذي نكد حياة الجميع و أنه من الأكيد ان سيناريو التصفية جاهز و قائمة الاتهامات جاهزة و السجون فارغة تنتظر زوارها و أنه لا نفاجئ بعودة المخلوع بعد اطلاق سراح حسني مبارك . لا أطيل في الكتابة فان جماهير الشعب التونسي و شباب الثورة و قواعد النهضة غير مستعدين أن يبسطوا رقابهم لسيف الجلاد من جديد و غير مستعدين أيضا أن يسلموا أرواحهم لسياسيين هواة غير مؤهلين لانقاذهم من شبح عودة الازلام من جديد و عليه فان وثيقة الحوار الوطني لا تمثلنا مطلقا و هي تمثل فقط أصحابها و إن أصرت النهضة على سلك درب الاستسلام فان قاعدة النهضة لها وجهة نظر أخرى و هي الان بالصدد التفكير بسحب الثقة من ممثليها في الحوار الوطني . حمادي الغربي