مختار العيدودي تونس 11/02/2009 الصمت عن الحصار حصار هو شعار تبناه ولا يزال نخبة من المفكرين والناشطين والحقوقين بتونس مفاده أن الواجب المحمول على كل تونسي التنديد بالحصار المفروض على قطاع غزة و يقتضي التنديد صدور سلوك ايجابي سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل بشكل يقطع مع الموقف السلبي المتسم بعدم إصدار أي رد فعل تجاه عملية الحصار. منذ بداية الحصار على غزة إلى الآن نشطت الأقلام في ترجمة الشعار المرفوع إلى عدة مقالات وتحاليل ساهمت بشكل كبير في إبراز الجريمة الصهيونية المرتكبة على قطاع غزة بمشاركة النظام الرسمي المصري ومحمود عباس وجماعته كي لا أقول مجمل السلطة "الفلسطينية" برام الله.
إن ما يتعرض له قطاع غزة الآن هو بتعريف بسيط جريمة إبادة كاملة للشعب الفلسطيني الصامد بالإقليم المحاصر برا وجوا وبحرا وأنفاقا والإبادة البشرية تعني بالضرورة حرمان الناس من أغلى وأنفس حقوقهم الإنسانية هذا الحق هو الحق في الحياة . الحق في العيش الكريم هو حق مكرس في كل التشاريع الوضعية الخاصة بكل دولة وكذلك هو حق محمي بالعديد من الاتفاقيات الثنائية والاتفاقات الجماعية المبرمة على مستوى إقليمي أو دولي و من ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و ميثاق منظمة الأممالمتحدة. إن الحق في الحياة هو من المبادئ الأساسية لكل الفلسفات الإنسانية القديمة والحديثة بداية من العهد اليوناني إلى الثورة الفرنسية التي طالب خلالها الثوار الفرنسيين بالخبز أمام القصر الملكي وأجابتهم ماي أنطوانيت إجابتها الشهيرة " إذا لم تجدوا الخبز فكلوا البريوش " مثلما هو ثابت بكتب التاريخ القديمة و الحديثة وعليه تم ضرب رأس ماري أنطوانيت بالمقصلة لأنها لم تكن على العلم أن البريوش لا يوجد إلا في القصور كما هو الشأن بقصرها في ذلك الحين أما الآن فالبريوش بأنواعه متوفر بقصور مصر العربية والفيلات الفخمة لمحمود عباس وجماعته.
إن الحق في الحياة يشمل الحق في الأكل والشرب واللباس والسكن و الدواء ومتطلبات العيش الضرورية هذا في معناه الضيق لان المعنى والتعريف والمفهوم الواسع لحق الحياة يتعدى تلك المتطلبات لان الكائن البشري لا يحي بالمتطلبات البيولوجية فقط لأنه كائن مقدس له فكر وعقل وعليه فهو يحتاج للتعليم والتنظيم والتعبير والعمل والدين و البيئة السليمة إلى غير ذلك. وبالرجوع إلى قطاع غزة وأهلنا المحاصر فيه يتبين أنهم محرومون من حق الحياة في معناه الضيق فالمليون والنصف مليون ساكن ليس لهم أكل وماء صالح للشراب والرضع ليس لهم حليب والمنازل محطمة لا يتوفر معها السكن الصالح للبشر ونتيجة لتشريدهم فهم محرومون من اللباس الثقيل الذي يحميهم من برد الشتاء القارص هذا بالإضافة لفقدان الأدوية للعلاج و كل هذا يمر أمام أعين البشرية والإنسانية جمعاء فأي زمان ادركناه وأي إنسانية يدعيها الغرب والشرق وأي رحمة تدعيها البشرية على حد السواء.
لا أجد تبريرا لهذه القسوة و هذا التحجر والخطاب ليس موجها للكيان الصهيوني وشركائه في الحصار فهؤلاء هم مرتكبو جريمة الإبادة ولكن الخطاب موجه للنظام الأمريكي وللنظام الأوروبي الذين يزعمون أنهم أنصارا للإنسانية ومدافعين على حقوق الإنسان ، هؤلاء الذين يدعمون التقدم والحضارة ويرفعون شعارات القيم والمبادئ والأخلاق والحريات و قدسية الذات البشرية.
باراك حسين اوباما زار فلسطينالمحتلة قبل توليه الرئاسة الأمريكية ومن احد منازل الصهاينة صرح بالقول انه بعيدا على السياسة إذا سقط على منزلي صاروخ فاني أرى كل الوسائل مسموحة للرد وللدفاع على حقي في الحياة.
هذا التصريح الذي نشر بوسائل الإعلام يثير العديد من التعليقات أولها أن السيد اوباما مطالب بالجواب على وضعية الشخص الذي يحتل جزءا من البيت الأبيض بواشنطن ويقع إبلاغه بوجود محتل لأرضه فما هو نوع السلاح الذي سيضرب به السيد اوباما ذلك الشخص الذي احتل أرضه ؟
وهذا التساؤل يحيلنا إلى سؤال إنكاري آخر يتمثل في معرفة مدى علم السيد اوباما بان الصهيوني الذي ألقى بمنزله تلك التصريحات هو شخص محتل لأرض فلسطينية وان صاحب الأرض رماه بصاروخ ليعلمه انه متمسك بحقه في المقاومة إلى حين استرجاع أرضه المغتصبة .
والتعليق الثاني على تصريحات السيد اوباما يتلخص في أن الرئيس الجديد قبل توليه الرئاسة شرع للصهيوني المغتصب ضرب صاحب الأرض بكل الأسلحة المسموحة وغير المسموحة عند سقوط صاروخ على منزله.
وهذا ما تم بالفعل خلال أكثر من عشرين يوم من العدوان البشع على قطاع غزة فالضوء الأخضر تلقاه الصهاينة من السيد اوباما بتبرير مغالط وهو أن الصهيوني له الحق في حماية حياته بكل الوسائل ولو كان ذلك على حساب الحق في الحياة لمليون ونصف مليون فلسطيني يدافع على حريته وكرامته وقضيته العادلة المتمثلة في تحرير الأرض من المحتل.
هذا هو حق الحياة في غزة من منظار الغرب وعلى رأسهم السيد اوباما. فأي ابتلاء يعانيه شعبنا البطل في غزة فالأخ القريب من رام الله أعان على حصاره والجار الحبيب في مصر شارك في حصاره والأنظمة الغربية وعلى رأسها النظام الأمريكي تشرع لإبادته بصفة جماعية تحت تبرير إن الحق في الحياة حق مقدس لكل صهيوني محتل أما غزة فليس لها الحق في الحياة وشعبها ليس لهم الحق في العيش الكريم مثل بقية شعوب العالم .
وإذا كان هذا الابتلاء عظيم فان صبر شعبنا في غزة أعظم وصمودهم اكبر لان حصارهم المتواصل إلى الآن هو صفحة مظلمة في تاريخ البشرية ولكن هذه الصفحة ستطوى حتما بصفحات مضيئة يعود خلالها للبشرية رشدها وتسترجع الإنسانية صوابها وحينها سيسترجع المحاصر حقه في الحياة حقا سليما من كل شوائب هذا العصر المجنون انه عصر العولمة.