خلافا لمعظم المؤسسات الاقليمية والدولية تتضاءل عاما بعد آخر, رغم شحّتها وتدنّي قيمتها السياسية,إنجازات الجامعة العربية. ففي الأوقات العصيبة,عندما نكون بامسّ الحاجة الى موقف واضح ومشرّف, تكاد جامعة عمرو موسى تفقد كلّ تأثيرها وسلطتها وتضيع في خضم صراعات وتناحرات لا نهاية لها سواء على مستوى ممثّلي الدول أم على مستوى الزعماء والرؤساء العرب. الى درجة أن قاعات الجامعة العربية أصبحت بالنسبة لهم المكان المفضّل لنهش لحم بعضهم البعض. وقد تأكد من خلال رصد ومتابعة عشرات القمم العربية إن الخلاافات والخصومات السياسية والقبلية والشخصية, ويدخل من ضمنها الحسد والغيرة والاستحواذ على معظم مساحات البث التلفزيوني ونشرات الأخبار, تطغي في الغالب على المواضيع الرئيسية التي يُفترض أن القمّة إنعقدت من أجلها. وقد لا تقع جميع الأسباب في ضعف وتقصير وعدم تأثيرالجامعة العربية على كاهل السيد عمرو موسى. فالرجل توصّل الى قناعة راسخة بإن عليه أن يسيرعلى سكّة الأنظمة العربية التي هي سبب ونتيجة في نفس الوقت في الشلل والكساح الذي تعاني منه الجامعة العربية. ولا يغيب عن بال أحد بأن السيد عمرو السيد هو في الحقيقة ممثّل الحكومات والأنظمة العربية التي منها يستمد مقومات بقائه وإستمراره السياسي والوظيفي الغيرمجدي للشعوب العربية. وجولاته في العواصم العربية, والتي تكون عادة بلا صولات, لا تعد ولا تحصى. وقد قيل إن الهدف من جولته الحالية في بعض الدول العربية هو ترطيب أو تلطيف الأجواء وحلحلة الوضع المتأزم بين الحكام العرب, وكذلك وبين الأخوة الأعداء الفلسطينيين في رام الله وقطاع غزّة. وشأن جميع رفاقه أصحاب السعادة والجلالة والسمو من حكامنا الأشاوس يبدو أن السيد عمرو موسى مولع باللقاءات والمؤتمرات والوقوف بعد ذلك أمام عشرات المكروفانات وكاميرات التلفزة ليقول كلاما سرعان ما ينتاساه السامع لأنه سبق لفخامته وأن قاله في مناسبات مختلفة وفي ظروف وأحداث متشابهة. وهاكم الدليل" يجب أن تكون المصالحة العربية وفق تفاهمات وعلى أسس واضحة ومناقشة المواقف من النقاط محل الخلاف". ومن نافلة القول إن كلاما مثل هذا سبق وان سمعناه مئات المرّات من عمرو موسى أو من أحد رفاقه الحكام العرب. وهنا تجدرالاشارة بوضوح وشدة بان السيد عمرو موسى في تصريحه السابق لم يكتشف نظرية جديدة في علم السياسة أو الاجتماع أو الفلسفة. فحتى راعي الغنم, مع إحترامنا الشديد لهذه الفئة من الكادحين, يدرك إن المصالحة بين الأفراد أو القبائل أو الدول أو الأحزاب السياسية لا تتم الاّ وفق"تفاهمات وعلى أسس واضحة ومناقشة المواقف من النقاط موضع الخلاف". والسيد عمرو موسى لا يقدّم لنا أية حلول أو وسائل لبلوغ الهدف المنشود له وللحكام العرب, أي المصالحة العربية. لكنه يكتفي بتذكيرنا, ربما تمهيدا لفشل محتوم ينتظرالقمّة العربية المزمع عقدها بعد أقلّ من شهرين في دولة قطر, بان"المصالحة العربية صعبة وتعترضها الكثير من العقبات لكنها ليست مستحيلة". وأغلب الظن, وبعض الظنّ إثمُ, إن السيد عمرو موسى لم يتخلّص لحد الآن من تبعيته الى النظام المصري. وما زال يعتبر نفسه موظّفا كبير لدى وزارة الخارجية المصرية. فنادرا ما تراه يشذّ عن جادة الخطأ القاتل التي يتبعها نظام الفرعون حسني مبارك منذ عدة سنوات خصوصا في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية عموما والحصار الجائر والحرب العدوانية على قطاع غزّة خصوصا. تلك الحرب التي خلّفت آلاف الشهداء والجرحى والمشرّدين. وحتى في موضوع معبر رفح, الذي يصرّ النظام المصري بكل وقاحة وغطرسه على غلقه, لم يكن للسيد عمرو موسى صوتا مسموعا أو كلمة عتاب. وكأن غزّة المحاصرة الذبيحة ليست جزءا من الأمة العربية وجامعتها الموقّرة. وكم كنّا نتمنى, كما تمنّينا في أوقات أخرى بلا طائل, أن يكون للسيد عمرو موسى بعضا من شجاعة وجرأة وصدق رجب طيب أردوغان, رئيس وزراء تركيا, الذي كسب قلوب وعقول العرب والمسلمين في عدّة دقائق في موقف نبيل ومشرّف عندما تحدى فاضحا زيف وأكاذيب الصهاينة ورئيسهم المجرم شيمون بيريس. بينما عجزعمرو موسى,الذي بقيَ جالسا مرتبكا في مكانه, عن أن يصنع لنا لحظات إنتصارمعنوي بسيطة لا في دافوس ولا في أي محفلٍ دولي آخر. فلم يبٌق لنا والحالة هذه غيرأن نقول له إذهب أنتَ وجامعتك يا عمرو موسى إنّا لكَ ولها لكارهون.