أول تعليق من القاهرة بعد اختطاف 3 مصريين في مالي    المنتخب التونسي للبايسبول 5 يتوج ببطولة إفريقيا    ظافر العابدين في الشارقة للكتاب: يجب أن نحس بالآخرين وأن نكتب حكايات قادرة على تجاوز المحلية والظرفية لتحلق عاليا في أقصى بلدان العالم    عفاف الهمامي: المواظبة على التعلم تمنح كبار السن قدرات إدراكية تحميهم من الزهايمر    خطير: النوم بعد الحادية عشرة ليلاََ يزيد خطر النوبات القلبية بنسبة 60٪    هام: مرض خطير يصيب القطط...ما يجب معرفته للحفاظ على صحة صغار القطط    تحذير من تسونامي في اليابان بعد زلزال بقوة 6.7 درجة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاييس النصر والهزيمة في الثقافة العربية : د.أحمد أبو مطر
نشر في الفجر نيوز يوم 03 - 03 - 2009

الموضوعات الإشكالية في الثقافة والحياة العربية ليست قليلة، أقصد الموضوعات التي لا يمكن الاتفاق على خلفيات تحديد مفاهيمها بحيث يصبح هناك شبه إجماع على تعريفها ومواصفاتها، مما يجعل النظرة إليها واحدة عند الغالبية العظمى من الجماهير، وأقصد الغالبية العظمى فقط لأنه من المستحيل وجود إجماع كامل على أي موضوع ، بدليل أن القرآن الكريم عندما أنزل على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وجد من قومه وأهله من رفض الاعتراف والإيمان به، معتبرين أنه مجرد كلام شاعر أو ساحر، فما بالك بكلام و موضوعات الحياة اليومية التي هي من فعل البشر وسلوكهم اليومي الخاضع غالبا للمصالح الشخصية للفرد أو العشيرة أو الدولة. ولقد أوجد الصراع العربي الإسرائيلي في نصف القرن الماضي واحدا من أهم هذه الموضوعات الإشكالية التي لا يتفق على تحديد مفاهيمها الأشخاص والتنظيمات والدول، هذا الموضوع هو " النصر و الهزيمة " في المواجهات التي لم تتوقف منذ عام 1948 مع الاحتلال الإسرائيلي.
ما هو النصر ؟
في كافة تلك المواجهات ما عدا نتيجة حرب عام 1948 التي اتفق على أنها هزيمة تمّ تخفيف الاسم إلى نكبة ، وجدت نتائج كل المواجهات المريرة التالية من الأفراد والدول من يعتبر تلك النتائج انتصارات باهرة سوف يسجلها التاريخ بأحرف من نور، ويصنّف قادة تلك النتائج ضمن الأبطال الخالدين. وهذه أمثلة خلافية والحكم للعقل وليس العواطف والمهاترات.
العدوان الثلاثي عام 1956
وهو العدوان الذي شنتّه فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على مصر وقطاع غزة إثر تأميم مصر لقناة السويس التي كانت خاضعة للنفوذ البريطانية في يوليو من عام 1956 . وكانت إسرائيل قد بدأت العدوان في 29 أكتوبر 1956 بمهاجمة الحدود المصرية، وتظاهرت فرنسا وبريطانيا في البداية بدعوة مصر وإسرائيل بوقف الحرب على أن تبقى قوات البلدين على بعد أميال قليلة من جانبي قناة السويس، ولما رفضت مصر هذا العرض دخلت الدولتان الحرب مع إسرائيل ، فانسحب الجيش المصري من سيناء مما نتج عنه تقدم الجيش الإسرائيلي واحتلالها كاملة بالإضافة لاحتلال قطاع غزة.
نتجت عن ذلك مقاومة شجاعة خاصة في منطقة بورسعيد المصرية ، بينما احتل الجيش الإسرائيلي القطاع بدون أية مقاومة تذكر ، وارتكب في أغلب مدن القطاع جرائم ومجازر أكثر من بشعة. وأتذكر ذلك الوقت وأنا طفل في الثانية عشرة من عمري، وكنت أعيش مع عائلتي في مخيم رفح للاجئين في مدينة رفح ، الجريمة الوحشية التي ارتكبها جيش الاحتلال في مدينة رفح يوم الحادي عشر من نوفمبر لعام 1956 ، إذ نادت مكبرات الصوت من دبابات الاحتلال على الرجال من عمر العشرين وحتى الخمسين بالتوجه فورا لمدرسة رفح الأميرية. وخرج الشباب والرجال متوجهين للمدرسة ليجدوا جيش الاحتلال موزع على كل الطرق والشوارع المؤدية للمدرسة، ويطلقون الرصاص بشكل عشوائي ، فوصل للمدرسة من وصل وسقط ميتا من سقط ، وفي باحة المدرسة تمّ الفرز والبحث فاعتقلوا مئات وأعادوا البقية لمنازلهم، ليرووا أن العديد قد سقطوا قتلى ولكن عند العودة لم يجدوا جثثهم في الشوارع التي سقطوا فيها.
توجه المخاتير في اليوم التالي لمقر الحاكم العسكري الإسرائيلي ليسألوه عن المفقودين، فكان جوابه: إذهبوا إلى المنطقة الفلانية على شاطىء بحر رفح في المناطق الزراعية التي كنّا نسميها ( المواصي ) فمن تجدوا جثته فهو قد مات ومن لا تجدوا جثته فقد تم إرساله لمعتقل عتليت. توجهنا أطفالا ورجالا ونساء يوم الثالث عشر من نوفمبر لعام 1956 لنجد أكواما من الجثث لا تقل عن مائة وخمسين جثة . وارتكب الاحتلال مثل هذه المجزرة في كل مدينة من مدن قطاع غزة ، الذي كان يخضع منذ عام 1948 لما يسمى الإدارة العسكرية المصرية.
الموقف السوفييتي و الأمريكي المعارض
كان الموقف الأمريكي في زمن إدارة الرئيس أيزنهاور معارضا بقوة للعدوان الثلاثي ، مما نتج عنه مطالبة الدول الثلاثة المعتدية بالانسحاب من سيناء وقطاع غزة، وكذلك الموقف السوفييتي المهدد بالتدخل العسكري لوقف وردع العدوان ، مما أدى لرضوخ بريطانيا وفرنسا والانسحاب من منطقة بورسعيد المصرية، ووصول قوات الطوارىء الدولية وتمركزها للفصل بين مصر وإسرائيل مما ضمن أمن وحدود إسرائيل حتى حزيران من عام 1967 ، بينما تلكأت إسرائيل في الانسحاب من قطاع غزة حتى السابع من مارس لعام 1957 . ومن ذلك اليوم وقطاع غزة لسنوات لاحقة يحتفل في السابع من مارس كل عام بما أطلق عليه ( عيد النصر ).
فهل كانت النتيجة حيث التدمير وسقوط ألاف الضحايا في الجانبين المصري والفلسطيني ، ووصول قوات الطوارىء الدولية الضامنة أساسا لحدود وأمن إسرائيل نصرا يستحق الاحتفال به كل عام؟.
حرب الأيام الستة عام 1967
يطلق عليها الحرب الثالثة في سلسلة الصراع العربي الإسرائيلي ، وكانت بين مصر وسوريا والأردن من جهة ودولة إسرائيل من جهة أخرى. بدأت شرارتها الأولى في السادس عشر من مايو 1967 عندما طالب الرئيس المصري آنذاك جمال عبد الناصر قوات الطوارىء الدولية المتمركزة على الحدود بين مصر و إسرائيل وفي قطاع غزة منذ عام 1957 بالانسحاب الفوري الذي تمّ خلال يومين بقيادة الجنرال الهندي ريخي ، أعقبه إعلان الرئيس جمال عبد الناصر إغلاق مضائق تيران أمام الملاحة البحرية الإسرائيلية .
بدأت إسرائيل عقب ذلك الحرب صباح الخامس من حزيران 1967 بهجوم جوي مباغت على القواعد الجوية العسكرية المصرية ، حيث تمّ تدميرها بالكامل خلال ثلاث ساعات ، وأغلب طائراتها على المدرجات دون أن تتم أية مواجهة جوية بين الدولتين، رغم أن الإعلام المصري آنذاك بقيادة محمد حسنين هيكل وأحمد سعيد كان يزيد كل خمسة دقائق عدد الطائرات التي تم إسقاطها حتى زادت على مائة وخمسين طائرة ، ورغم انسحاب الجيش المصري بالكامل من شبه جزيرة سيناء وعودته إلى الجانب المصري فيما وراء قناة السويس في اليوم الثاني لبدء الحرب ، إلا أنه حتى اليوم الخامس من الحرب كانت إذاعة صوت العرب بقيادة أحمد سعيد وتوجيهات محمد حسنين هيكل ، تؤكد أن الجيش المصري على أبواب تل أبيب ، وتوسعت إسرائيل في هجومها على الجبهتين الأردنية والسورية ، مما نتج عنه احتلال كامل سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية وقطاع غزة والضفة الغربية التي كانت تعتبر جزءا من المملكة الأردنية الهاشمية.
هزيمة أم نكسة أم انتصار ؟
في الجانب المصري اخترع محمد حسنين هيكل صفة ( نكسة ) بدلا من ( هزيمة ) ، ومن الملاحظ أن صفة ( نكسة ) لا علاقة لها بالعلوم العسكرية ، فهي أقرب للتوصيف الطبي عندما تتراجع صحة مريض بشكل مفاجىء فيطلق على حالته أنه تعرض لنكسة مفاجئة. وعقب ذلك أعلن الرئيس جمال عبد الناصر استقالته معلنا مسؤوليته عن هذه النكسة ، فخرجت الجماهير المصرية والعربية بالملايين تطالبه بالعدول عن استقالته ، فاستجاب الرئيس عبد الناصر لمطالب الجماهير ، وأعقب ذلك تصفيات في القادة العسكريين المصريين من بينهم انتحار أو اغتيال المشير عبد الحكيم عامر قائد الجيش المصري آنذاك. وفي الجانب السوري تم إعلان الانتصار رغم احتلال كامل هضبة الجولان السورية ، وحسب تعليل هذا الانتصار من وجهة النظر البعثية ، لأن هدف الحرب كان إسقاط النظام الثوري التقدمي في دمشق ، وعندما لم يسقط هذا النظام فغرض العدو من حربه لم يتحقق ، فهذا نصر كبير ما بعده نصر.
حرب أكتوبر( تشرين )أو العبور أو الغفران( كيبور )
هي الحرب الرابعة التي بدأت صباح السادس من أكتوبر لعام 1973 بعبور مفاجىء للجيش المصري لقناة السويس حيث يتواجد الجيش الإسرائيلي في سيناء منذ حزيران 1967 ، وتم تدمير ما كان يسمى اسرائيليا خط بارليف ، وتقدم الجيش المصري موقعا خسائر جسيمة في الجانب الإسرائيلي عبر بطولات وتضحيات اعترف بها العدو قبل الصديق ، وفجأة تمكنت قوة اسرائيلية ليلة الخامس عشر من أكتوبر باجتياز قناة السويس إلى ضفتها الغربية حيث حاصرت الجيش المصري الثالث ، وكان هذا العبور الإسرائيلي قد عرف باسم ( ثغرة الدفرسوار ) ، وكانت النتيجة أن وافقت مصر في الثالث والعشرين من أكتوبر على وقف القتال، رغم استمراره في الجبهة السورية التي أبدى فيها الجيش السوري بطولات عظيمة للغاية موقعا خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي البرية والجوية ، حيث تم تحرير مدينة القنيطرة وأجزاء من هضبة الجولان .
واستمرت حرب استنزاف بين الطرفين حتى تمكنت الجولات المكوكية لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر من توقيع اتفاقية فك الاشتباك بين سوريا و إسرائيل في حزيران عام 1974 حيث وافقت إسرائيل على الانسحاب من مدينة القنيطرة التي كان الجيش السوري قد حررها وأجزاء أخرى من هضبة الجولان ، وقام الرئيس السوري حافظ الأسد برفع العلم السوري في مدينة القنيطرة المدمرة تماما يوم الرابع والعشرين من حزيران 1974 .
بطولات وتضحيات عظيمة ،
ولكن سيناء المصرية ظلت محتلة حتى انسحبت منها إسرائيل بعد توقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في مارس 1979 التي أعقبت زيارة السادات لإسرائيل في نوفمبر 1977 واتفاقية كامب ديفيد في سبتمبر 1978 بين السادات ومناحم بيجن برعاية الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، مع ضرورة التذكر أن من بنود معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية منع تواجد الجيش المصري المسلح في كامل سيناء المصرية و عبور السفن الإسرائيلية لقناة السويس بحرية كاملة واعتبار مضائق تيران وخليج العقبة مياه دولية . وما زال حتى اليوم الجزء الأكبر من هضبة الجولان السورية محتلا ، كذلك مزارع شبعا اللبنانية ، وأيضا قطاع غزة والضفة الغربية رغم الانسحابات الشكلية لجيش الاحتلال الإسرائيلي ، وللعلم فإن الدولة الفلسطينية المستقلة كان يجب أن تكون معلنة وقائمة حسب اتفاقية أوسلو في نهاية عام 2005 ، إلا أنها ما زالت بعيدة المنال حتى اليوم ولأعوام طويلة قادمة. فهل النتيجة لحرب أكتوبر 1973 بناءا على هذه النتائج نصر أم هزيمة أم نكسة ؟
حصار بيروت عام 1982
هذا الحصار الذي استمر 88 يوما دون أن يشهد معارك ومواجهات كبيرة كما يعتقد البعض ، كانت نتيجته خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان ، حيث تمّ توزيعها مدنيين وعسكريين على العواصم العربية ، ورغم ذلك عندما سئل الرئيس ياسر عرفات وهو على مدخل الباخرة التي أقلته إلى تونس : إلى أين أنت ذاهب ؟. أجاب: إلى فلسطين . وظلّ مغتربا في تونس حتى عاد لأمتار من فلسطين بعد اتفاقية أوسلو الموقعة في سبتمبر من عام 1993 ، وظل محاصرا من عام 2001 إلى أن توفي في باريس عام 2005 . فهل هكذا نتائج نصر أم هزيمة أم عودة لفلسطين لمجرد دفن ياسر عرفات في مبنى المقاطعة في رام الله ؟
النصر الإلهي الأول في تموز 2006
الحرب التي اندلعت في 12 يوليو 2006 بين حزب الله والجيش الإسرائيلي ، شهدت من طرف حزب الله بطولات عظيمة تعجز عنها الجيوش النظامية العربية ، وحسب تقرير ( فينوغراد ) الإسرائيلي وبالمقاييس الإسرائيلية كانت نتيجة الحرب التي استمرت 34 يوما هزيمة للجيش الإسرائيلي ، وتم تقريع قاس للعديد من المسؤولين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين . وفي الجانب الميداني اللبناني كانت النتيجة التي يعترف بها الجميع بما فيهم حزب الله نفسه:
1. التدمير والتهجير الذي لم يعد سرا ولا يحتاج لإعادة تكرار المعلومات الخاصة به، وما زال لبنان حكومة وشعبا يعاني من آثار ذلك بعد مرور أكثر من عامين على انتهاء الحرب، وقدرت خسائر البنية النحتية بما لا يقل عن ثمانية مليارات من الدولارات .
2. سقوط ما لا يقل عن ألف وخمسمائة قتيل و ألاف الجرحى والمعاقين ، وكانت إساءة كبيرة أن يعلن حزب الله آنذاك أن من بين هؤلاء القتلى لا يوجد سوى عدد قليل من مقاتلي الحزب وكوادره.
3. صدور القرار الدولي رقم 1701 الذي نتج عنه بسط سيطرة الدولة اللبنانية وجيشها النظامي فوق كافة الأراضي اللبنانية ، ووصول قوات اليونيفيل الدولية المسلحة ومن ضمنها قوات من حلف الناتو من فرنسا وأسبانيا وألمانيا وايطاليا وتركيا لمراقبة وقف إطلاق النار، وقيام البحرية الألمانية بمراقبة السواحل اللبنانية لضمان عدم وصول أسلحة جديدة لحزب الله.
4. تراجع مسلحي حزب الله لما وراء الحدود مع إسرائيل ، ولم يعد الحزب يتجرأ على إطلاق أية رصاصة ضد إسرائيل منذ وقف إطلاق النار في أغسطس 2006 رغم أن التجاوزات الإسرائيلية لم تتوقف بما فيها اختراق الطيران الإسرائيلي للأجواء اللبنانية ، حتى طوال الحرب الأخيرة بين حركة حماس وإسرائيل في قطاع غزة طوال ثلاثة أسابيع لم يتجرأ الحزب على إطلاق رصاصة أو صاروخا على إسرائيل تضامنا ونصرة لمقاتلي حماس رغم الخطب الرنانة والتهديدات النظرية لإسرائيل من قبل السيد حسن نصر الله.
5. النتيجة العامة الميدانية لما سبق تأمين كامل للحدود الإسرائيلية مع الجانب اللبناني بدليل الهدوء الكامل منذ وقف الحرب رغم استمرار احتلال مزارع شبعا اللبنانية ، بما يعني أن حزب الله لم يعد قادرا على إطلاق رصاصة بحجة تحرير المزارع. وهذا الهدوء الحدودي الشامل هو ما كانت تريده إسرائيل من حربها وليس كما ادّعت تحرير الجنديين المخطوفين . واستمر حزب الله في تبادل وقائع حسن النية مع الجانب الإسرائيلي من خلال صفقة تبادل الجثث واستمرار الحزب في نفي أن تكون له أية علاقة بالصواريخ البدائية التي تم إطلاقها من الحدود اللبنانية على إسرائيل أكثر من مرة .
بناءا على هكذا نتائج ميدانية ، هل ما تحقق في حرب تموز 2006 نصر إلهيا أم نكسة أم هزيمة ؟.لأنه إذا كانت هذه هي نتائج النصر الإلهي فما هي النتائج لو كان نصرا بشريا ؟.
النصر الإلهي الثاني في يناير 2009
وهو ما أعلنت عنه حركة حماس عقب انتهاء الاجتياح الإسرائيلي لقطاع غزة الذي توقف يوم العشرين من يناير الماضي ، وكانت نتائجه حسب المصادر الفلسطينية والدولية:
1. سقوط ما لا يقل عن 1500 قتيل فلسطيني وحوالي 5000 جريح ومعاق ، مقابل ما لا يزيد عن ستة أربعين إسرائيليا من المدنيين والعسكريين.
2. تدمير حوالي خمسين بالمائة من منازل ومباني القطاع خاصة المباني الحكومية والسكنية التي لم تعد صالحة للسكن بالمقاييس الإنسانية المتواضعة.
3. استمرار حركة حماس في المباحثات الخاصة بالتهدئة ووقف إطلاق النار مع الجانب الإسرائيلي من خلال الوساطة المصرية.
4. استمرار الانقسام الفلسطيني بين إمارة حماس في غزة ودويلة عباس في رام الله ، وتوسع شقة هذا الخلاف لدرجة اتهامات من الطرفين بالعمالة والخيانة والتجسس لصالح إسرائيل ، مما يعني أنه لا نجاح لأي حوار فلسطيني بعد فشل وسقوط اتفاقية مكة وصنعاء ، واستمرار إضاعة الوقت في الحوار الفلسطيني في القاهرة المستمر منذ ما لا يقل عن أربعة سنوات.
والملاحظ هو أن حركة حماس تماما مثل مفهوم حزب الله لا تعتبر القتلى المدنيين الفلسطينيين خسارة كبيرة طالما القتلى من كوادرها وعناصرها لا يزيد عن خمسين شخصا من بينهم القياديان نزيه أبو ريان و سعيد صيام ، وهذه ما ظلت قيادات الحركة بما فيها خالد مشعل تؤكده طوال الأسابيع الثلاثة للاجتياح الإسرائيلي من خلال تكرار مقولة أن المقاومة بخير وخسائرها محدودة جدا.
إزاء كل هذه النتائج ، هل النتيجة نصرا إلهيا ثانيا أم هزيمة أم نكسة أم نكبة ؟
الخلاصة والنتيجة
هذه هي نتائج الحروب السبعة منذ عام 1948 مع الاحتلال الإسرائيلي ، إذ ما تزال الضفة الغربية وقطاع غزة وهضبة الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية محتلة بالكامل ، فهل كانت تلك النتائج نصرا أم هزيمة ؟. هذا السؤال أطرحه للقراء أيضا للإجابة بوضوح : نصر أم هزيمة ؟ دون اللف والدوران حول الموضوع بما لا علاقة له به...وأنا لا أعتبر نفسي مصيبا وصاحب القول الفصل في الموضوع ، فكما قيل قديما: قولي خطأ يحتمل الصواب وقول الآخر صواب يحتمل الخطأ، وليتنا نطبق المقولة العربية: الخلاف في الرأي لا يفسد المودة بين الناس ، ويبقى السؤال مطروحا: نصر أم هزيمة؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.