فاقد الشيئ لا يعطيه.. هذا أول ما يخطر على البال لدى الإستماع إلى وعود حكومات غير منتخبة بتحقيق الديمقراطية. الوعود التي صدرت عن المهندس نادر الذهبي في هذا الخصوص، صدر ما هو أكثر منها عن جميع الحكومات السابقة، التي صارح رئيس احداها نفسه، والناس، في أنه لا يعرف لم جيئ به رئيسا للوزراء، ولم أخرج من هذا الموقع..! ويسجل هنا للمهندس الذهبي أنه صارح الناس (من خلال العشرة المبشرين بجنة الحكومات) أن حكومته مضطرة لتحقيق الإصلاح، لأن الإدارة الأميركية الديمقراطية الجديدة تريد ذلك، وأنها تعتزم الربط بين المساعدات التي تقدمها للدول، وخطوات الإصلاح التي تحققها هذه الدول. قياسا على ذلك، نرجو من دولة الرئيس التعامل مع هذا المقال باعتبار أن نشره يحقق مصلحة كبيرة للدولة الأردنية على صعيدين: تبرير تواصل المساعدات الأميركية، وتنوير الناس بضرورة انتخاب الحكومات، كي تتحقق مصالحهم..! الربط بين الأمرين غاية في الأهمية، على الأقل لأن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق بغياب حكومات منتخبة. نحن لا نتجنى على الحكومة الذهبية حين نقرر أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق في عهدها، ليس فقط قياسا على اخفاق، أو عدم رغبة جميع الحكومات السابقة في تحقيق ذلك، وإنما استنادا إلى حقيقة أخرى هي أن الحكومات.. رؤساء ووزراء، هم المكون الأساس لقوى الشد العكسي في البلد. الهدف الأساس للشد العكسي هو مواصلة تغييب الشعب عن تقرير السياسات الحكومية التي تخدم مصالحه، من خلال حكومات منتخبة. ورؤساء الحكومات يعرفون أنهم غير مؤهلين لأن يفوزوا في أية انتخابات برلمانية أو حتى بلدية..! هذه الحقيقة يعرفها الجميع، وتسعى الحكومات في ضوئها للتكيف مع منغصات منتجاب القوانين الإنتخابية المتعاقبة، وما تفرزه من مجالس نواب خدمية، غير برامجية، لأنها غير مسيسة، ولا تنتجها انتخابات تتم على قاعدة التمثيل النسبي، والتنافس الحزبي. هنا يكمن سبب رئيس آخر في محاربة الحكومات للأحزاب. فالأحزاب تريد أن يؤول الحكم لها عبر تداول سلمي للسلطة، يأخذ الحكم من الحكومات التي لا تمثل أحد..!! لكن، هكذا مجالس نيابية عشائرية خدمية جاهزة دوما لأن تنقلب على الحكومات لأحد سببين: الأول: رفع الضغط غير الحكومي عنها، كما حصل مع الحكومة الذهبية. الثاني: عدم تلبية الحكومات لمطالب النواب الخدمية. أما عن حرية الصحافة، فحدث ولا حرج.. آخر الصرعات الحكومية في هذا المجال العمل على "تنظيم" و"ضبط" وابتداع "رقابة ذاتية" داخل المواقع الألكترونية، كما تم تفريغها من شريط تسجيلي لمداخلة الرئيس..! للحق، أن دولة الرئيس الذهبي استخدم هذه المصطلحات الثلاثة بالتتابع، شجعه على ذلك تجاوب بعض الزملاء لأسباب لا علاقة لها بأي مقياس مهني. أكثر ما يهمنا في هذا المقام هو كلمة "تنظيم" التي شدد دولة الرئيس عليها كثيرا، قبل أن ينتقل إلى "الضبط" ثم إلى "الرقابة الذاتية".. "النظام" و "الأنظمة" هي التي تهدف إلى التنظيم.. هكذا يقول علم الحقوق، وهو ما فات زميلنا الحقوقي المتحمس الإشارة إليه في معرض تأكيد انحيازه للقانون، والقوننة..! يضيف علم الحقوق أن الأنظمة، وما تنتجه من تنظيم يجب أن تستند إلى قوانين سارية. وقد اتفقنا مع دولة الرئيس في هذا الصدد على أمرين: أمر اشرنا إليه نحن، حين لفتنا النظر إلى أن قانون المطبوعات والنشر لا ينطبق على المواقع الألكترونية. وقد فعلنا ذلك مستندين إلى القرارات الأخيرة لمحكمة الإستئناف. وأمر أشار إليه دولة الرئيس مؤكدا، أنه ليس في وارد وضع قانون للمواقع الألكترونية، أو تعديل قانون المطبوعات، بما يجعله شاملا المواقع. سبب موقف الرئيس ليس الحرص على الحريات، أو على تطبيق القوانين، بدليل أن دولة الرئيس يريد من رؤساء ومدراء المواقع الألكترونية أن يمارسوا رقابة ذاتية على انفسهم ومواقعهم، خارج قانون المطبوعات.. ذلك أن فرض تقييدات حكومية على المواقع الألكترونية يتعارض مع الإصلاح الذي تطلبه الإدارة الأميركية الجديدة. الحل يكمن إذا في تراجع المواقع الألكترونية عن حريتها من تلقاء ذاتها..! بالدفع الذاتي..!! ثم إنه لكل قانون ونظام أسباب موجبة يا دولة الرئيس.. ولقد سألناك عن الأسباب الموجبة للتنظيم الذي تطلبه من المواقع الألكترونية، فأشرت إلى أنك ستشرحها، لكنك اكتفيت على ما يبدو بالكلام المرسل الذي صدر عن بعض الزملاء، مشيرا دون شواهد، أو طرح أمثلة إلى اغتيال الشخصيات، والتمويل الأجنبي، والأجندات الخارجية المشبوهة..! هكذا يا دولة الرئيس..؟! للحق أنك لم تؤيد أيا من هذه الإتهامات غير المستندة لغير كلام انشائي أجوف، لكنك لم تعارضها أو تعترض عليها. وللحق يا دولة الرئيس أنك مع ذلك نفيت كل هذا بشكل غير مباشر، وربما عن غير قصد، بقولك إن طلب تنظيم المواقع هو خطوة استباقية قبل أن تحدث كوارث، كما حدث على يدي شركات المضاربة في البورصات العالمية..؟ حسنا دولة الرئيس.. إذا المواقع الألكترونية لم تقع بعد في أخطاء، ولم تتسبب بكوارث، ولم تفعل كل ما اتهمها به نفر من أهلها، فهل هذا هو السبب الذي تريد دولتك معاقبتها عليه..؟! وهل تمثل هذه المخاوف مسوغا قانونيا..؟ والأهم من كل هذا وذاك يا دولة الرئيس..هل يجوز، وهل من المنطق في شيئ أن يكون أول اجراء تقدم عليه حكومتك بعد التعديل، وبعد الإقرار بمتطلبات استمرار المساعدة الأميركية، وربطها بتحقق الإصلاح، هو السعي إلى فرض الرقابة الذاتية على المواقع الألكترونية..؟ وبعد كل هذا وذاك، هل يجوز مواصلة الحديث عن ضرورة أن يأتي الإصلاح من الداخل، في معرض رفض أن يهل علينا الإصلاح المنتظر من الخارج..؟!! حنانيك يادولة الرئيس.. لقد مللنا انتظار قدوم الإصلاح من الداخل يا دولة الرئيس..!! المصدربريد الفجرنيوز