ليس التاريخ البريطاني للإسلاموفوبيا ومفهومها كل تاريخ الإسلاموفوبيا وكل مفهومها. هناك جدال فرنسي بشكل خاص حول المسألة، وفي سياق ذلك تم عرض تاريخ الكلمة أو إيتيمولوجيتها بإرجاعها ربما إلى أقدم أصولها المعروفة. الاهتمام الفرنسي بالموضوع يرجع إلى ظرفية «منع الرموز الدينية» في المدارس الفرنسية وبشكل خاص الحجاب، لكن تأريخ المفهوم أصبح في نهاية الأمر نقاشاً حول شرعية استخداماته إثر انتشار استعمال الكلمة من قبل مسلمين فرانكفونيين على غرار طارق رمضان بالاستناد على التجربة البريطانية. نشرت ناشطتان فرنسيتان لائكيتان هما كارولين فوراست وفياميتا فينر مقالاً في صحيفة «ليبراسيون» (17 نوفمبر 2003) ينتقد ما يرونه «خلطاً بين اللائكية والإسلاموفوبيا». لكن في هذا الإطار تم التركيز على «تاريخ أصولي» للكلمة يبدأ مع سنة 1979 باستعمالها من قبل «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» ضد الذين رفضوا لباس الحجاب ثم فيما بعد من قبل «حركة المهاجرين» البريطانية خلال قضية سلمان رشدي. كما تم مقارنة هذا التمشي مع توجه «اليمين المتطرف» الفرنسي (الجبهة الوطنية) التي تلتجئ إلى تعبير «عنصرية معادية للمسيحية» لوصف ما يرونه «تعدياً» على المسيحية. كان هذا التركيب التاريخي الجديد موجهاً بالتحديد لمساءلة استعمال «المصطلح» حيث يتم تصويره على أساس أنه مجرد سلاح بيد «المتطرفين الإسلاميين» ضد «الناشطين النسويين والمسلمين الليبراليين». ومن ثم فإن عنوان «عدم الخلط بين الإسلاموفوبيا» وأي ظاهرة أخرى مقدمة للتشكيك في شرعية مفهوم الإسلاموفوبيا ذاته. لم تمر إلا أشهر قليلة (بحلول شهر مارس من العام 2004) حتى رد آلان غريش رئيس تحرير صحيفة «لوموند ديبلوماتيك» على هذا العرض التاريخي الموجه بتجريده من الاستعمال ذي البعد الواحد كما صورته الناشطتان النسويتان ووضعه ضمن سياق أقدم وذي استعمال أكثر تنوعاً. غريش أشار بشكل خاص إلى عدم وجود أي مصدر محدد لاستعمال المصطلح من قبل سلطة الملالي في إيران، كما أشار في المقابل إلى استعمال فرنسي للكلمة منذ بداية عشرينيات القرن الماضي لنقد «الإسلاموفوبيا» وليس من منطلق «أصولي». وتذكر مصادر أخرى تدقيقاً للمعطى الذي أشار إليه غريش، إذ تشير إلى كتاب نشره الرسام الاستشراقي الفرنسي إيتيان ديني («الشرق كما ينظر إليه من الغرب») لنقد انتشار رؤى «إسلاموفوبية» بمناسبة نشر كتاب للمستشرق البلجيكي واليسوعي الذي أقام سنوات في لبنان هنري لامينس حول الرسول. وقد تعرض لامينس منذ ذلك الوقت إلى نقد مستمر بما في ذلك من قبل مستشرقين فرنسيين آخرين مثل مكسيم رودنسون الذي وصف كتاباته بأنها «تحامل مقدس على الإسلام». يحيلنا ذلك إذاً على صراع أكثر تعقيداً لا يجعل «الإسلاموفوبيا» مجرد مطية «أصولية» ضد التعبير اللائكي مثلاً، كما أنه يكشف في نفس الوقت عن محاولة الخطاب الإسلاموفوبي لتعويم ذاته من خلال استباق أي توصيف ب «الإسلاموفوبية» بأنه مصطلح ذو استعمال «أصولي». لكن الأهم من ذلك يشير إلى صراع قديم انخرط فيه غربيون قبل حتى المسلمين ضد أحد التعبيرات الاستشراقية، أي الاستشراق الكولونيالي. وضمن هذا المفترق، أي مرجعيتي الاستشراق الكولونيالي والإسلاموفوبيا، نجد أكثر التعبيرات جلباً للاهتمام لما يمكن أن نطلق عليه «إسلاموفوبيي الخدمة» (Islamophobes de service) تبعاً لتسمية أوليغ غربار «مستشرقي الخدمة» المحليين. أي الإسلاموفوبيين الذين ينحدرون من عائلات أو أوساط اجتماعية مسلمة مثلما أشرت سابقاً، فالإسلاموفوبيا موقف وفكرة وليست بالضرورة تعبيراً عن انتماء عرقي محدد «أبيض» كان أو «غربياً». ولم يكن من المصادفة أن انتعشت ظاهرة «إسلاموفوبيي الخدمة» بشكل خاص مع نمو التيار النيومحافظ في السنوات الأخيرة بوصفها ظاهرة فكرية في الشكل وسياسية في المضمون. كان التعبير الأكثر بروزاً عن هذا التيار التظاهرة أو المنتدى الدولي «قمة الإسلام العلماني» (Secular Islam Summit) الذي تم تنظيمه في شهر مارس سنة 2007 في مدينة سانت بيترسبورغ في ولاية فلوريدا الأميركية من قبل مجموعة من الكتاب المنحدرين من أوساط مسلمة والذين قدموا أنفسهم بأنهم «مفكرون علمانيون». المنتدى كان تحت إشراف «المركز من أجل التقصي» (Center for Inquiry) المهتم بالبحوث اللادينية والإلحادية، لكن تم بالاشتراك خاصة مع ما يسمى ب «القمة الاستخبارية الدولية» (وكالة «كونا» تقرير بتاريخ 27 فبراير 2007). والأخيرة أي «القمة الاستخبارية الدولية» (International Intelligence Summit) منتدى للبحث والتفكير حول قضايا «الإرهاب والجهاد» يجمع موظفين سابقين في مخابرات دولية مختلفة لكن يمثل مجلس إدارته بالخصوص أعضاء سابقون في «وكالة المخابرات المركزية» و «الموساد» الإسرائيلي والمخابرات الهندية، ويتم النظر إليه حتى من قبل أعضاء مخابرات آخرين بأنه منتدى «مسيّس» ولا يمثل «الاتجاه الرئيسي والحرفي» للمنظمات الاستخبارية الدولية وبأن له رؤى قريبة من التيار النيومحافظ فيما يخص طريقة النظر إلى «الحرب على الإرهاب». تظاهرة «قمة الإسلام العلماني» التي استمرت يومين انتهت ب«إعلان سانت بيترسبورغ» والذي وقع عليه مشاركون فيها من بينهم الهولندية ذات الأصل الصومالي والعضوة مع غيرت فيلدرز في «الحزب من أجل الحرية» آيان هرسي علي، والكاتب ذو التوجهات النيومحافظة من أصل إيراني أمير طاهري، والسياسي العراقي مثال الألوسي، وكاتب باكستاني يحمل اسم «ابن الوراق» والأميركية من أصل سوري وفاء سلطان. الأمر الأول المثير للانتباه في هذه القمة أن عدداً هاماً من المشاركين فيها والموقعين على بيانها الختامي لا يعبرون مثلما يحاول أن يشير اسمها عن «إسلام علماني» أو «علمانيين مسلمين» بقدر ما يعبرون عن «علمانيين» يرفضون بالأساس توصيفهم بأنهم «مسلمون» حيث فيهم «اللاديني» وفيهم المنتقل من الإسلام إلى المسيحية وفيهم الملحد. غير أن الأهم هو الازدواجية في الخطاب المميز لهذه المجموعة التي ستتجمع في إطار «المعهد من أجل علمنة المجتمع الإسلامي» (Institute for the Secularization of Islamic Society) المنضوي تحت «المركز من أجل التقصي»، إذ بعكس علمانيين آخرين من مجتمعات إسلامية -والذين لا يحاولون تقديم أنفسهم من زاوية إسلامية ولكن يؤكدون على تركز مطلبهم العلماني على فصل الدين عن الدولة وليس معاداة الدين- تتميز هذه المجموعة برؤية مموهة تحيل عملياً خطاباً إسلاموفوبياً وليس معادياً للأديان فحسب، مما يفسر على الأرجح غياب علمانيين عرب معروفين عنها على سبيل المثال برغم ادعائها أنها «قمة» للناشطين العلمانيين في مجتمعات ذات غالبية مسلمة. تعتمد المجموعة إذاً لغة مزدوجة. فمن جهة أولى يحاول «إعلان سانت بيترسبورغ» التمييز بين نوعين من الإسلام حيث يتوجه إلى «المؤمنين» بأن «هناك مستقبلاً نبيلاً للإسلام بوصفه إيماناً شخصياً وليس نظرية سياسية» كما يتم التأكيد على ضرورة «تحرير الإسلام من ارتهانه لمطامح استبدادية». كذلك يقع التأكيد على أنه «ليست هناك كولونيالية أو عنصرية أو ما يسمى إسلاموفوبيا في إخضاع الممارسات الإسلامية للنقد أو الإدانة متى تخالف العقل والحقوق البشرية»، أي التركيز على «الممارسات» وليس «الإسلام» في ذاته أو في كليته. لكن في المقابل فإن الكتابات التي تمثل المتن النظري لهذه المجموعة والمتوفرة على موقعها الإلكتروني (www.centerforinquiry.net/isis) تحت عناوين «وجهات نظر» و «مقالات» تحيل على رؤى أخرى. حيث نجد تحت ركن «وجهات نظر» مقالات تحمل عناوين مثل «الطبيعة التوتاليتارية للإسلام» و «لماذا يجب على الإنسانية تحقيق الانتصار على الإسلام». والشخصية الفكرية المركزية في هذا التيار وأكثرها تأثيراً كاتب من أصول باكستانية يحمل اسما مستعاراً وهو «ابن الوراق» والذي تم وصفه من قبل منظمي منتدى «قمة الإسلام العلماني» بأنه «الشخصية المحركة» التي أدت لتنظيم المؤتمر، والذي تهيمن كتاباته كذلك على الأدبيات المنشورة على الموقع الإلكتروني لهذه المجموعة، وتمثل بدون منازع نموذجاً لمضمون خطاب «إسلاموفوبيي الخدمة» بما يجعلها تستحق تركيزاً خاصاً قبل العودة إلى مضامين مداخلات مشاركين آخرين في منتدى «قمة الإسلام العلماني». أستاذ «تاريخ الشرق الأوسط» في جامعة روتغرز العرب 2009-03-01