أصبح من المؤكد أن العلاقات الإيرانية-العربية ليست في وضع جيد، ويُخشى أن تكون قد دخلت في مسار ضيق من شأنه أن يجعلها تزداد سوءاً يوماً بعد يوم. فقضية التجسس لصالح طهران التي نظر فيها القضاء اليمني، والتي سممت العلاقات بين البلدين، هي آخر الأخبار المزعجة في أوراق هذا الملف. وإذا صحت حيثيات هذه القضية، فإننا لا ندري ما الجدوى والضرورة التي تدفع إيران إلى التجسس على بلد مثل اليمن. وقبل ذلك بقليل اتخذ المغرب قرارا مفاجئا وخطيرا تمثل في قطع علاقاته الدبلوماسية مع طهران. وجاء في حيثيات هذا القرار أنه اتُخذ على خلفيتين: الأولى، تعبيرا من المغرب عن دعمها لمملكة البحرين، والثانية، احتجاجا من الرباط على ما اعتبرته تدخلا إيرانيا في شؤونها الداخلية. وقد أعقبت ذلك القرار حملة إعلامية تناولت مسألة التشيع داخل المغرب، إذ تحدث بعض الصحف المغربية عن استجواب بعض الذين انتقلوا إلى المذهب الشيعي، كما أشارت إلى حجز كتب شيعية تمت مصادرتها من بعض المكتبات الخاصة أو التجارية، وهو ما انتقدته المنظمات الحقوقية المغربية، خاصة أن ذلك من شأنه أن يسيء إلى التجربة السياسية الثرية في المغرب. قبل الأزمة مع المغرب وارتباطا بها، تلقت الحكومات العربية بدهشة تصريحات أدلى بها علي أكبر ناطق نوري، رئيس التفتيش العام في مكتب مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي في مدينة مشهد، ادعى فيها أن البحرين جزء من إيران. ولم تكن تلك التصريحات الأولى من نوعها، حيث سبق أن ورد في افتتاحية صحيفة «كيهان» الإيرانية المحافظة والموقعة من قبل المدير العام للصحيفة حسين شريعتمداري «أن البحرين جزء من الأراضي الإيرانية، وقد انفصلت عن إيران إثر تسوية غير قانونية بين الشاه المعدوم وحكومتي الولاياتالمتحدة الأميركية وبريطانيا». وأضاف صاحب المقال أن المطلب الأساسي للشعب البحريني حاليا هو إعادة هذه المحافظة التي تم فصلها عن إيران إلى الوطن الأم والأصلي، أي إيران الإسلامية. وقد أحدثت تلك التصريحات مزيداً من التصدعات في العلاقات الإيرانية-العربية، وزادت من حجم الشكوك والمخاوف، وكادت أن تعيد العلاقة بين طهران والرياض إلى نقطة الصفر لولا التحرك السريع للدبلوماسية الإيرانية، خاصة أن الخلاف مع الإمارات حول الجزر الثلاث لا يزال مطروحا برمته. والمعلوم في نفس السياق أن كل المحاولات لإنجاز تطبيع كامل بين إيران ومصر لم تسفر حتى الآن عن نتيجة مرضية، حيث تستمر المناوشات بين الطرفين من حين إلى آخر. يضاف إلى ذلك الجدل الدائر حول الدور الإيراني في العراق منذ سقوط بغداد، والتحالف الاستراتيجي بين النظام الإيراني وحزب الله، وهو تحالف يقره الطرفان وتعترض عليه أطراف لبنانية وأنظمة عربية ذات وزن في المنطقة. وإذا أضفنا الخلاف الحاد الذي طفا على السطح حول مسألة التشيّع، مما دفع بشخصية في حجم الشيخ يوسف القرضاوي إلى إطلاق النار على الشيعة باسم الجبهة السنية، فإننا بذلك نجد أنفسنا أمام حصيلة من الخلافات وسوء التفاهم المشحون الذي لا يزال يلغم العلاقات الإيرانية-العربية، وهو ما يستوجب القيام بجهود ملموسة وعاجلة من أجل إعادة صياغة هذه العلاقات وفق أهداف استراتيجية تضع مصالح الطرفين في مقدمة الاهتمامات والآليات. ويمكن في هذا السياق عرض الملاحظات التالية: أولا: لن يكون من مصلحة العرب الانخراط في محور إقليمي أو دولي ضد إيران، لأن الدبلوماسية العاقلة هي تلك التي تأخذ بعين الاعتبار الجغرافيا ولا تدخل في تناقض معها. ثانيا: على العرب ألا يسقطوا من حساباتهم التناقضات التي تشق الساحة الإيرانية، وبالتالي ألا يحوِّلوا خلافاتهم مع أحد الأطراف الإيرانية إلى خلاف مع كل الإيرانيين. ثالثا: على الدولة الإيرانية أن تحول دون أن تنعكس التباينات الداخلية والمزايدات بين الخصوم والفرقاء المتنافسين على سياستها الخارجية، فالمنطقة مشحونة بالقلق والمخاوف، وأي تصريح أو إجراء يصدر عن أحد مراكز القوى داخل إيران، سيوظف آليا من أجل مزيد من عزل إيران إقليمياً ودولياً. رابعا: «كل دولة تقوى، يصبح لها نزوع توسعي».. هذا قانون تاريخي. وبما أن إيران تتجه بنسق سريع لكي تصبح دولة إقليمية قوية، فإن عليها أن تتحكم في رغباتها التي ستكبر معها. وهنا عليها ألا تستهين بالعالم العربي، الذي رغم ضعفه وتشتته، فإنه يبقى قادرا على الإضرار بالمصالح الكبرى لإيران. ولهذا، فإن الاستراتيجية والمصلحة والإسلام كلها عوامل يفترض أن تدفع الإيرانيين نحو جعل العرب حلفاء، أو على الأقل ألا تجعل منهم أعواناً عليها. 2009-04-06 العرب القطرية