أمر طبيعي أن نرى الكتبة الموظفين يهرعون، وبصوت واحد للوقوف وراء ولي نعمتهم، فعلوا هذا يوم طلعت برأس فاروق المُبجل أن يكون خليفة المسلمين وأمير المؤمنين، يومها ضجّت الصحف التي تكاد تكون إياها، والتي أصبح بعضها فيما بعد يُسمى صحف قومية بالثناء العاطر على الملك المؤمن، التقي، الورع، حامي حمى الإسلام والمسلمين، تماماً مثلما فعلت مع بطل كامب ديفيد الرئيس المؤمن، ومثلما كانت تفعل مع بطل القومية العربية طيب الذكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي تحوّلت عنه لتكيل له كل التهم وكل النعوت السيئة بعد تحول السيد النائب الذي كتب كتابه الذي تملق فيه مشاعر الملايين في مدح الراحل العظيم والذي عنونه (يا ولدي هذا عمك جمال)، والذي سرعان ما انقلب على عم ولده الذي ارتقى سدة الحكم بالتملق له وهو ميتاً، وبعد أن ثبت أقدامه في الحكم جر خلفه قطيع الكتبة ليقولوا في حبيب الملايين ما لم يقله أحد في أحد، ومن ثم جرّ مصر، كل مصر لمسالك الاستسلام لإملاءات العدو، الذي أصبح بمرور السنين صديقاً وحليفاً استراتيجياً. وبذا أرخ لقطيعة مصر مع جغرافيتها وتأريخها. وبهذا الفعل الخياني من العيار الثقيل أفقد مصر دورها الريادي والقيادي، وحجّمها بحيث أصبحت تابعاً هامشياً يدور في فلك قزم لقيط، أين منه قامة مصر الفارهة وتجذرها وتأصلها، ليأتي بعد هذا نائبه مبارك الذي ادعى في بداية أمره أنه سوف لن يحكم سوى دورة واحده يتفرغ بعدها لشؤونه الخاصة إلا أنه بعد أن ذاق متعة الفرعونية قرر أن يكون رئيساُ مدى الحياة، ليس هذا فقط، بل أن يورث المحروس ابنه الحكم بعده. مبارك وما أدراك ما مبارك، هو من القلائل الذين رافق حكمهم كله قانون الطوارئ، وهو الرئيس الوحيد الذي ظل طوال سنوات حكمه المديدة بدون نائب له، وحجته في هذا أنه لا يريد أن يعيّن شخصاً يكون ملطشه، فهل يا ترى كان السيد الرئيس يوم كان نائباً ملطشة؟! أم السيد الرئيس يتطيّر من وجود نائب له، كي لا تؤل الرئاسة بعده عند حدوث مكروه له، وتلقائياً لنائبة، أنه لا يريد هذا ليس تشاؤما، وإنما لأنه يروم شيئاً آخر، يروم نقل السلطة لأقوى الأشخاص بعده، وأقوى الأشخاص لا يمكن أن يكون إلا من صلبه. فمصر التي عقمت عن إيجاد نائب للرئيس، ستكون عقيمة عن إنجاب رئيس إلا إذا كان من صلب الرئيس الفلتة، أو الضرورة! لن نثقل على القارئ في سرد إنجازات الرئيس، ولا تعداد نعم الحياة في مصر مبارك. فلقد تم بعهده والحمد لله القضاء التام على الفقر والبطالة، وأصبح لكل مصري بيته الخاص، وليس كما كان الحال زمن ناصر حيث كان الناس يشاركون الأموات في قبورهم، وقضي قضاءً مبرماً على الفساد وسرقة المال العام، كما تم تقليم أظافر القطط السمان، وقضي على المحسوبية والمنسوبية، وتم التقيد الصارم بحقوق الإنسان بحيث أصبح البوليس والأمن العام والمخابرات في خدمة الشعب، بحيث اشتكى رجال المباحث بأنهم ما عادوا يخيفون المواطن، لأنه ممنوع عليهم وبأمر السيد الرئيس، إلا استعمال مفردة السيد المواطن عندما يخاطبون ليس المتهم، وإنما حتى المجرم. وشكى حرس السيد الرئيس من كون السيد الرئيس يربكهم عندما يقرر دائماً السير لوحده ومن دونما حراسه بين أبناء شعبه المحبين له في حارات وأزقة القاهرة التي أضحت قطعة من الجنة في عهده الميمون، وتنفيذا لخطط القائد المبارك فقد حققت مصر الاكتفاء الذاتي، من الغذاء، وبالأخص القمح، والاكتفاء الذاتي ليس بالمواد الاستهلاكية وإنما حتى بالمواد الصناعية، وتلك التي تدخل في التصنيع، بحيث أن الصين والهند، وأيضاً إيران ترسل بين الفينة والأخرى خبرائها كي يتعلموا طرائق تحقيق الوفرة والاكتفاء الذاتي بكل شيء تقريباً عبر تعرفعهم على تجربة المبارك مبارك. لقد أصبحت المخدرات والإدمان عليها من أخبار الماضي، أما عن دور مصر عربياً وأفريقياً ودولياً فحدّث ولا حرج، إذا قال مبارك قال زعماء العالم، وإذا قالت مصر مبارك قال العالم كله، شرقه وغربه، شماله وجنوبه. لقد أعاد المبارك لمصر مكانتها، وبات الكل يحسب حساب مصر، وزعيم مصر، ولم يعد الأمر مثل زمن ناصر الذي لم يكن سوى زعيماً لما سُمي بدول عدم الانحياز، وما سُمي بحركة التحرر العالمي. الأمر الآن مختلف فالمبارك مبارك زعيم كوني، له كلمة مسموعة عند النتن ياهو وبيريز ورئيس الموساد، وهو على علاقة وطيدة مع عباس، ولا قيمة للصغار الذين يختلفون معه مهما كثر عددهم، ثم أليس هو أقدم رئيس منتخب على وجه البسيطة؟! الحديث عن مبارك ذو شجون، والحديث عن جوقة المُطبلين من كتبة السلطة مضيعة للوقت، ولكن الأمر المُحير، هو موقف هذا النفر من الكتاب القوميين الذين دسوا أنوفهم وبرضانا في كل صغيرة وكبيرة من شؤون أوطاننا، والذين لم يتركوا قائداً عربياً، غير مصري إلا وتناوشوه بالذم والتجريح لخيانته لقضايا الأمة، لكنهم عندما يتعلق الأمر بالحديث عن فرعون مصر، الذي تتصاغر أمام خيانته كل الخيانات، يصرخون منفعلين: (لا نسمح، مصر خط أحمر). فيا أيها الأخوة، خبرونا يرحمكم الله: هل مصر هي الفرعون، وهل الفرعون هو مصر؟ أليس مبارك رئيساً، شأنه شأن الرؤساء العرب، لا بل هو أكثر منهم جميعاً، لأنه مدان من رأسه حتى أخمص قدميه، وبما هو واضح لكم أنتم قبل غيركم، وأنتم قبل غيركم تعرفون من فرعن الفرعون!