من على خريطة العالمين العربي والإسلامي، حجب عدد من الدول مؤخرا موقع "فيس بوك" الاجتماعي الشهير؛ لأسباب ومبررات تفاوتت بين الدواعي الأمنية الرسمية التي تصل أحيانا لحد التخويف من عمليات اختراق إسرائيلية للشباب العربي، وبين الدوافع القمعية من وجهة نظر معارضة. ففي إشارة لافتة تعكس الأهمية التي اكتسبها موقع فيس بوك في العديد من الدول العربية والإسلامية، قررت السلطات الإيرانية يوم 23 مايو الجاري إغلاق موقع "فيس بوك"، بعد أن كثرت عليه في الآونة الأخيرة صفحات الدعم لمير حسين موسوي المرشح "الإصلاحي" والمنافس الرئيسي للرئيس أحمد نجاد مير حسين موسوي، في الانتخابات الرئاسية المقبلة. ولم يتم رفع الحجب إلا بعد ثلاثة أيام إثر تدخل نجاد الذي جاء في أعقاب احتجاجات للتيار الإصلاحي الذي اعتبر هذا الحجب يهدف لمنع المرشحين المنافسين للرئيس أحمدي نجاد من الوصول بحملاتهم الانتخابية للشباب عبر فيس بوك. الصورة في عدد من الدول العربية لم تكن بعيدة عن جارتها الإسلامية إيران، فمازال موقع فيس بوك محظورا في سوريا، وهو ما فسرته مؤخرا د. بثينة شعبان وزيرة المغتربين بأنه يعود "لأسباب أمنية". وأوضحت قائلة: إن "موقع فيس بوك كان مفتوحا في البداية أمام الجميع في سوريا لكننا اكتشفنا محاولات لجماعات إسرائيلية بفتح حوار مع مستخدميه من السوريين وهذا ما لا نسمح به". وجاءت تصريحات بثينة ردا على تساؤل وفد بريطاني برلماني زار البلاد الشهر الماضي، بحسب ما أورده عدد من المواقع والصحف الإلكترونية السورية في مقدمتها موقع "سيريا نيوز" الإلكتروني، وصحيفة "كلنا شركاء في الوطن". اختراق إسرائيلي! وتعليقا على تصريح الوزيرة، قال أحد المشاركين داخل موقع (شركاء في الوطن): "وفسرت الماء بعد الجهد بالماء، ألا يوجد غير نافذة فيس بوك ليطل منه الإسرائيليون على السوريين ويسعون لاختراق الشباب السوري؟، فهناك المئات من مواقع الدردشة المتاحة وتنافس الفيس بوك، والتي من السهل عليهم اختراقها". وأشار المشارك السوري الذي فضل عدم نشر اسمه أنه بالرغم من حجب فيس بوك فإن "السوريين مازالوا يستخدمونه عبر طرق مختلفة، واستخدامه ازداد بعد الحجب، على مبدأ كل ما هو ممنوع مرغوب". وهناك دول أخرى غير إسلامية مثل بورما والصين وكوبا تسير على النهج نفسه فتحجب عادة صفحات المعارضين السياسيين من على فيس بوك، بحسب ما كشف عنه جمال عيد المدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان. وقال لشبكة إسلام أون لاين.نت: "على الصعيد العربي، لاحظنا أن السعودية أيضا قامت في الفترة الأخيرة بحجب عدد كبير من صفحات مجموعات فيس بوك بعضها إباحي والآخر معارض". وفي البحرين، أفادت الجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبر موقعها الإلكتروني بأن عملية حجب المواقع والمنتديات الإلكترونية -التي تقوم بها وزارة الثقافة والإعلام- نالت عددا من مجموعات وصفحات فيس بوك التي تتناول الأمور السياسية. حيلة "الضعفاء" ووصف عيد الحكومات التي تقوم بحجب فيس بوك لدواع سياسية، ب"المتخبطة والفاشلة لأنها لجأت لحيلة الضعفاء، في حجب المعلومة عن الناس". ودعا عيد الحكومات العربية والإسلامية إلى "استغلال فيس بوك وتوظيفه كما تفعل دول مثل إسرائيل وبريطانيا كشبكات لجمع معلومات، والدفاع عن سياستها بدلا من حجبه". حجب فيس بوك في العالم الإسلامي لا ينطلق فقط من دوافع سياسية، ففي إندونيسيا أكبر دولة إسلامية في العالم حيث يبلغ عدد سكانها 225 مليون نسمة دعا علماء مؤخرا مستخدمي الإنترنت إلى التعقل في استعمالهم مواقع التواصل الاجتماعي من قبيل "فيس بوك" باعتباره "يشيع الفاحشة والنميمة". بحسب ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية. وفي أفغانستان أيضا، أعلنت الحكومة الأفغانية أول أمس إنها تدرس فرض قيود على شبكة الإنترنت بوجه عام لاسيما المواقع الإباحية منها التي لا تتوافق والقيم الإسلامية. وقال الناطق باسم وزارة تكنولوجيا المعلومات والاتصال أن بلاده ستضع قيودا بشكل أساسي على الأفلام الإباحية "وفي مرحلة ثانية نأمل التمكن من الحد من الوصول إلى المواقع التي توفر معلومات سيئة لاسيما التي قد تغش أطفالنا". ومن جهته، أرجع د. شريف درويش اللبان أستاذ الصحافة الإلكترونية بجامعة القاهرة حجب ال"فيس بوك" في العديد من الدول العربية والإسلامية إلى الأهمية المتزايدة للفيس بوك كأكبر شبكة اجتماعية في العالم حيث يزيد عدد مستخدميه حاليا على 200 مليون شخص، ثلاثة أرباعهم من خارج الولاياتالمتحدة. "نظرات ريبة" وقال ل"إسلام أون لاين.نت": "تنظر غالبية الدول في عالمنا العربي لفيس بوك نظرات الريبة والشك باعتباره منتجا أمريكيا فيأتي الحجب لأسباب سياسية وأمنية". وأوضح قائلا: "تتخوف بعض هذه الدول من توظيف الموقع من قبل معارضين لإحداث توترات واضطرابات داخلية على حد تصور بعض الأنظمة الحاكمة". ودلل بأن النظام السوري على سبيل المثال لديه حس أمني عال جدا ويتخوف من أن فيس بوك قد يوفر بيئة ومناخا للتواصل بين أي سوري مع إسرائيليين أو إرهابيين"، كما صرحت وزيرة المغتربين السوريين. غير أن اللبان شدد على استحالة تمكن الأنظمة الحاكمة العودة إلى الوراء في التعامل مع حرية الرأي والتعبير في الفضاء الإلكتروني، معربا عن ثقته بأن نشطاء الإنترنت سيتغلبون على تكنولوجيا الحجب بتكنولوجيا مضادة. أحمد فتحي