وسط أجواء من الحزن والألم نظمت في بغداد، أمس، جنازة رسمية مهيبة لحارث العبيدي رئيس كتلة جبهة التوافق البرلمانية، الذي اغتيل ظهر أول أمس الجمعة داخل احد المساجد بغرب مدينة بغداد، كما شيع مع العبيدي جثمان أحد أفراد حمايته الذي قتل في الهجوم نفسه، وطالب البرلمان في جلسة حزينة أمس بوحدة الصف ومحاربة التكفير وثقافة العنف. وجرت مراسم التشييع داخل بناية مجلس النواب العراقي في المنطقة الخضراء، وسط بغداد، وشارك فيها عدد كبير من المسؤولين الحكوميين وبرلمانيون من مختلف الكتل البرلمانية يتقدمهم رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس مجلس النواب إياد السامرائي ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي. وحمل حرس الشرف جثمان العبيدي وجثمان مرافقه وسكرتيره الشخصي وزوج أخته باسل فاضل الدليمي الذي قتل معه في الهجوم. ووضع الجثمانان على سيارة خاصة لتنطلق بهما إلى حيث مثواهما الأخير، فيما ارتدى معظم النواب ملابس سوداء تعبيرا عن حزنهم. وكانت الأوساط السياسية العراقية على اختلاف مشاربها قد نعت العبيدي واستنكرت الاغتيال. وقال المالكي في مراسم التشييع إن العبيدي “رحمه الله كان نقطة التقاء وكان دائم الحرص على سلامة المسيرة ووحدة الموقف ووحدة الصف”. وكان الرئيس العراقي جلال الطالباني والعديد من المسؤولين الحكوميين والسياسيين العراقيين قد نددوا بعملية الاغتيال التي أمر رئيس الوزراء نوري المالكي بتشكيل لجنة تحقيقية لمعرفة الجهات التي تقف وراءها. ونقل بيان رئاسي عن الطالباني قوله في رسالة تعزية إلى الشعب العراقي “ارتكبت قوى الغدر الأثيمة جريمة نكراء باغتيال الشيخ الدكتور حارث العبيدي نائب رئيس لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب”. وأضاف “أن ما يزيد هذه الجريمة فداحة إنها ارتكبت في يوم الجمعة المبارك عند باب المسجد الذي أمّ الشيخ العبيدي الصلاة فيه، ما يبرهن على ازدراء المجرمين بالحرمات الدينية”. وتابع “إننا إذ نستنكر بشدة هذه الجريمة وندعو الأجهزة المختصة إلى التحرك السريع لإلقاء القبض على مرتكبيها، نهيب بالجميع برص الصفوف وتعزيز الوحدة الوطنية”. كما عزا نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المجلس في رسالة مماثلة، بينما سارع التيار الصدري الذي يتزعمه الزعيم الشاب مقتدى الصدر إلى التنديد بعملية الاغتيال التي وصفها بالإجرامية، وطالب الصدر بإعلان الحداد على العبيدي. وقطعت فضائية بغداد التابعة للحزب الإسلامي العراقي برامجها لإذاعة سيل من برقيات التنديد بالحادث. ووصف السامرائي اغتيال العبيدي بأنه “ضريبة نحن نتحملها ومستعدون ان نمضي في تحملها”، وأضاف أن العبيدي كان الصوت “المعتدل الرافض للتطرف والتعصب للطائفية، وما يدعو للأسف أن هذا الصنف من الرجال هو الذي يستهدف ويتعرض للاغتيال والتصفية”. وعمل العبيدي نائبا لرئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية. وكان من اشد الداعين والمدافعين عن حقوق الإنسان. وانتقد العبيدي مؤخرا الاختراقات التي قيل انها تحدث داخل السجون العراقية وعمليات الاعتداء الجنسي والتعذيب وانتزاع الاعترافات بالقوة التي تمارس ضد السجناء. كما طالب العبيدي مرارا بإطلاق سراح جميع السجينات العراقيات من السجون. ووصف عبد المهدي العبيدي بأنه “كان احد أركان العملية السياسة وركنا مهما في جبهة التوافق”. واستنكر الحادث “أنها جريمة دنيئة”. وطالب عبد المهدي بتوخي الحذر قائلا “علينا أن نأخذ العبر من هذه الأحداث ويجب أن نكون يدا واحدة ضد هذه المجاميع الظالمة”. وكانت تحذيرات صدرت من قبل سياسيين ومراقبين عراقيين وأجانب حذرت من احتمال تزايد وتيرة العنف في المرحلة التي ستعقب انسحاب القوات الأمريكية من المدن والقرى العراقية بنهاية الشهر الجاري وقبل الانتخابات البرلمانية التي ستجري في بداية العام المقبل. وقال النائب المستقل الشيخ خير الله البصري إن اغتيال العبيدي يراد منه “إعادة العملية إلى سابق عهدها المتزمت”. ووصف الاغتيال بأنه “اغتيال للاعتدال واغتيال لحالة التوافق ولحالة الجمع المراد تحقيقها بين العراقيين”. ولم تعلن أي جهة حتى الآن مسؤوليتها عن الاغتيال. وبعد ان ووري الجثمان في مثواه الاخير في مقبرة الاعظمية (شمال)، عقد البرلمان جلسة خيم عليها الحزن واقتصرت على إلقاء كلمات التأبين. وقال النائب علي الاديب عن حزب الدعوة، ان “المخطط المعادي لا يريد للعراق ان يصل للاستقرار السياسي”. وخاطب النواب، قائلا “علينا والمسؤولين ان نحارب افكار وثقافة العنف، ولا بد من تولي هذه المهمة كي لا يبقى شيء من آثار النظام السابق”. وقال النائب خلف عليان رئيس كتلة مؤتمر أهل العراق ان “المستهدف الحقيقي هو الشعب العراقي بكل أطيافه”. وأشار إلى أن “الفاعل، جهات مأجورة تحاول أن تعكر صفو الأمن في البلاد، وتريد أن يبقى العراق في فوضى عارمة”. وقال النائب حميد مجيد موسى الأمين العام للحزب الشيوعي ان “الجريمة يراد منها عرقلة مسيرة شعبنا باتجاه الحرية والاستقرار والأمن”، فيما قال النائب رضوان الكليدار من القائمة العراقية التي يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي إن “اغتيال العبيدي محاولة لتدمير الوحدة العراقية” وطالب العراقيين ب”الوقوف صفا واحدا بوجه المؤامرات”.