ليس هناك رفض اسلامي للحوار من حيث المبدأ فنصوص القرآن واضحة في هذا السياق " ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ..." ودعوة الاسلام للحوار الحقيقي واضحة لا لبس فيها " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا وأن لا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأننا مسلمون " ثم " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعاوفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم " إذن هناك مستويان للحوار ، الاول حوار لمعرفة الحقيقة الازلية وهي عبادة الله وحده . والثاني حوار للتعايش مع الاختلاف . وإذا كان الحوار المطروح حاليا هو حوار من أجل التعايش ، فلا بد أن يعترف الغرب بحق المسلمين في العيش في ظل تعاليم دينهم سواء داخل ديارهم أو في بلاد المسلمين . وتطبيق المبدأ الاسلامي الانساني " لا إكراه في الدين " . وعدم اعتبار تمسك المسلمة بحجابها أو المسلم بدينه تهديدا للقيم الغربية ؟!!! وعلى المسلمين الخروج من حالة الدفاع المستمر طالما أن الحق معهم والواقع معهم . وكما سلف فإن النيات الطيبة وحدها لا تكفي . كما يجب أن يكون من يتصدى للحوار في مستوى الحوار ويمتلك آليات الحوار والثقافة المطلوبة لمثل هذه الحوارات . ومن الناحية الفكرية يمتلك المسلمون القوة الكافية ، لذلك يجب أن يدخلوا الحوار من هذا الباب ، وليس من باب التملق السياسي أو الثقافي أو البحث عن مشتركات استباحتها الاحتكارات الغربية ، والمفاهيم الغربية المنقسمة بين الكنيسة والمجتمع المدني وواقع الحداثة في الغرب . حتى ما يقال أنه مشترك خضع لنظرية القيمة وفق المصالح الاقتصادية والوطنية والثقافية ، وبالتالي فإن المشترك الوحيد هو " الحق في العيش وفق التصورات الذاتية الفردية والجماعية ، دون املاء أو اسقاط أو فرض تصور معين للفرد والمجتمع " . الحوار من حيث الواقع : والسؤال المشترك الذي ينبغي أن يسأله الجميع بصوت عال هو " إذا كنت تتصرف مع مجموعة من البشر بشكل قمعي ( المهاجرون والمسلمون المقيمون في الغرب أو المواطنون في البلاد الاسلامية والجماعات الاسلامية و الاحزاب السياسية ) لانهم خضعوا لسلطتك الغاشمة ، فما قيمة الحوار معك ، ومن ذا الذي يقنع المسلمين بتغير في سلوك الغرب تجاه المسلمين ، وهو الذي تحول إلى جلاد دولي بعد أن تمكن من امتلاك القوة . وحول ديكتاتوريته الداخلية ( التاريخية ) إلى ديكتاتورية خارجية ( راهنا ) . وهو تاريخ الامبريالية في كل مراحلها . وهو ما يؤكده تصرفه مع الشعوب والمنظومات الحضارية بنفس الشكل بعد أن تسنى له بسط هيمنته بالمطلق علينا . والحقيقية أن ذلك واقع في علاقتنا بالغرب اليوم ، والذي حول ديكتاتورية الغرب في القرون الوسطى إلى ديكتاتورية مع الخارج نحن أول ضحاياها . والغرب الذي يدرك طبيعة العلاقات بين السلط السياسية ونخبها وأحزابها وشعوبها ، يدرك بأن بعض من يحاورونه ويتبجحون بذلك يعاملون مواطنيهم بلغة القمع والقسر والفرض و الأمر وليس الحوار قطعا . لذلك لا يثق في الأساليب الرسمية للحوار ، وإنما يستخدمها لابتزاز أولئك الأغبياء المتذاكين . وعلى الجهات الرسمية مراجعة مواقفها الداخلية ليكون لها مصداقية في الخارج . وإلا ستكون حواراتها هلامية وبدون ملامح معروفة للجميع . وستتسم بروح الاستعلاء من قبل الآخر ، وروح الدونية من قبل المتحاورين غير الاكفاء من جانبنا . أمر هام هو أن الاعلام الدولي لم يسلط ما يكفي من الأضواء على قضايا الحوار . مما يجعل اللقاءات الحوارية دون الأثر المطلوب منها . وكثيرا ما تختلط الامور فلا يعرف من يحاور من ، إذ أن معرفة المحاورين لبعضهم البعض جيدا ، ومعرفة الناس للفريقين مهم لنجاح الحوارات . تماما كمعرفة مواضيع الحوار والنقاط المطروحة على بساط البحث والنقاش . فكثير من من المتحاورين في الضفة الأخرى أو المشاركين في الحوار لديهم سوابق اجرامية ضد الاسلام والمسلمين . وكثيرا ما يتم استضافة أعداء لدودين للاسلام والمسلمين لا يتحدثون عن الحوار وإنما يحاولون إدانة الأمة من خلال تضخيم جوانب على أخرى تتعلق بالدراسة الاكاديمية وغير ذلك ،ويتحدثون عن استنساخ الآخر والتماهي معه . ومن المضحكات أن يكون الرئيس الاميركي جورج بوش ، صاحب ( زلة لسان ) الحرب الصليبية ضد الاسلام والمسلمين ، وجزاري الكيان الصهيوني في فلسطين من بين أقطاب الحوار في الاممالمتحدة . بقي القول إن الحديث عن الارهاب سيبقى ترفا سياسيا وفكريا وضنكا أمنيا طالما لم يعترف بالحقيقة . وهو أن ما يصفونه بالارهاب هو الابن الشرعي لنوع من السياسات الداخلية في الشرق ولنوع من السياسات الخارجية في الدول الغربية . وأن تغيير السياسات وحده الكفيل بانهاء ما يوصف بالارهاب . ولن تفت المكابرة التي تحاول إظهار ما يوصف بالارهاب بالظاهرة العالمية ،أو نابع من الثقافة السائدة ، دون الحديث عن دور السياسات في بلورته وتفاقمه . وأن السياسات التي تم اعتمادها للقضاء على ما يوصف بالارهاب ، زادت الظاهرة اشتعالا . لا سيما بعد أن تحولت الحرب من ملاحقة مجموعات صغيرة ، إلى حرب ضد أمة تعدادها مليار وثلاثمائة مليون نسمة . وضد الاسلام المتجذر في الكون والنفس ، منذ ما يزيد عن 1400 عام . ومن المفارقات أن يقوم حزب بوش في حملة الانتخابات الماضية بتوزريع 25 مليون نسخة من فيلم معاد للاسلام ، ليتحدث بعد ذلك في الاممالمتحدة عن الحوار ، وعن حمايته للمسلمين في العراق وأفغانستان ، حماية يعرفها الجميع ، حماية لا طعام فيها ولا شراب ولا هواء ولا نور، وإنما دماء وأشلاء ، حماية في المقابر نتيجة القتل بالجملة .. هذا هو الحوار الذي يريدونه حرب فعلية ضد الاسلام والمسلمين ، وحديث عن الحوار والسلام أمام المنابر التي فقدت مصداقيتها منذ زمن بعيد . إن الحوار الحقيقي يتمثل في دعوة المولى عز وجل " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من الله ، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " . وما دون ذلك التعايش مع الاختلاف . فمن نحاورهم ليس في ثقافتهم حوار ، وإنما إخضاع وهيمنة وحروب لفرض الآراء وهذا ما يدل عليه سلوكهم في القديم والحديث . يقولون أن في دينهم عبارة " أحبوا أعداءكم ، باركو لاعنيكم " وهي طوباوية لم تتحق أبدا . فتاريخهم منذ الامبراطورية الرومانية ، ثم الحروب الدينية في أوربا ، وحتى الاستعمار المباشر ، ثم الاستعمار غير المباشر ، ثم الامبريالية ، واسمها الجديد العولمة ، والتغريب ، هو تاريخ الكراهية والهمجية والبربرية والدموية والاجرام . صحيح أن هناك زوايا مضيئة ، لكنها لا تساوي شيئا إذا وضعت إلى جانب تلك الجرائم وتلك الفضاعات . ومنها الحربين العالميتين ، وماجرى في ألمانيا ( برلين ومدن أخرى قتل في ليلة واحدة 200 ألف نسمة ) واليابان ، هيروشيما وناكازاكي ، ( 40 ألف قتلوا في ساعة واحدة بهيروشيما لوحدها ) وصبرا وشاتيلا ( 3 آلاف نسمة ) وفي بداية الالفية الثالثة قتل مليون عراقي ، وتدمير البنية التحتية للعراق ، تحت ذرائع كاذبة ( أسلحة الدمار الشامل ) وعندما انكشفت الحقيقة ، قالوا أنهم جاؤوا محررين ، أي محررين للعراقيين من أوراحهم وحتى من أجسادهم ، وكذلك الأمر في أفغانستان ، إلى درجة أغضبت عمدة كابل ،حامد كرزاي ، الذي خيرهم بين وقف المذابح ضد المدنيين ، ومحاوربة طالبان .. إلى هذا الحد !