سعيد يجتمع بعدد من الوزراء ويؤكد على اهمية اصلاح التربية والتعليم    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    دراسة.. مواد غذائية بسيطة تقلل خطر السرطان بنسبة تقارب 60%    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    سفنه تنطلق من تونس يوم 4 سبتمبر .. 6 آلاف مشارك في أسطول الصمود إلى غزّة    عاجل/ واشنطن تعتزم فرض شرط جديد للحصول على تأشيرة عمل أو سياحة..    أخبار الحكومة    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    النادي الصفاقسي يعلن رسميا تعاقده مع علي معلول الى غاية 2028    الدكاترة المعطلون عن العمل: ضرورة توفير خطط انتداب ب5 آلاف خطة    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    القصرين: العثور على جثة كهل تحمل آثار عنف    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    مهرجان العروسة: جمهور غاضب وهشام سلام يوضح    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    التعاون بين تونس وإيطاليا : طاقة التفاوض وفوائض الطاقة    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    رونالدو يتحوّل إلى صانع القرار في النصر... ويُطالب بصفقة مفاجئة    488 تدخل للحماية المدنية في 24 ساعة.. والحرائق ما وقفتش!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    عاجل: ''تيك توك'' تحذف أكثر من 16.5 مليون فيديو ودول عربية في الصدارة    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوانسة حايرين والتجار زادا مترددين على الصولد السنة!    عاجل: الاتحاد العام التونسي للشغل يردّ على تهديدات الحكومة ويؤكّد حقّ الإضراب    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    في بالك ...الكمون دواء لبرشا أمرض ؟    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    نواب ديمقراطيون يحثون ترامب على الاعتراف بدولة فلسطين..#خبر_عاجل    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    استشهاد 56 فلسطينيا برصاص الاحتلال خلال بحثهم عن الغذاء    بنزرت: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    القبض على "ليلى الشبح" في مصر: سيدة الذهب والدولارات في قلب العاصفة    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    عاجل/ خلال 24 ساعة: استشهاد 5 فلسطينين جراء الجوع وسوء التغذية..    محمد عادل الهنتاتي: مصب برج شاكير كارثة بيئية... والحل في تثمين النفايات وتطوير المعالجة الثلاثية    البحر ما يرحمش: أغلب الغرقى الصيف هذا ماتوا في شواطئ خطيرة وغير محروسة    جريمة مروعة: امرأة تنهي حياة زوجها طعنا بالسكين..!!    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    عرض "خمسون عاما من الحب" للفنانة الفرنسية "شانتال غويا" في مهرجان قرطاج الدولي    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الإعلامية "الإسرائيلية" الجديدة ... الحلقة الأخرة
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 07 - 2009


تأليف: دوني سيفير/ ترجمة وعرض: بشير البكر
يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا. وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة. وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية. كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”.
“إسرائيل” ربحت الحرب الإعلامية وتوشك على خسارتها
في شهر ابريل/ نيسان من سنة 2008 أجرت صحيفة “بوليتيس” الأسبوعية الفرنسية (المؤلف دوني سيفير هو رئيس تحريرها) حوارا مع أحمد يوسف، مستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. وتطرق اللقاء للخلاف الفلسطيني الداخلي: “المستفيد الوحيد من حالة الانقسام هي “إسرائيل”. وسياسة الانقسام هذه تمنح ل”إسرائيل” مبرر مواصلة حصار غزة والضفة الغربية، وسياسة توسيع المستوطنات ومصادرة الأرضي، أي خسران الضفة الغربية”، ويواصل المسؤول الفلسطيني، واصفا حالة التشرذم الفلسطيني: “.. أي خسران أسس مشروع بناء دولة فلسطينية في حدود 1967 لأنه لن تتبقَّ أية أراضٍ لتقام عليها هذه الدولة” ويعلق سيفير على هذا الحوار وهذه الإجابات بالقول: “يمكننا دائما أن نقول بأن أحمد يوسف يلتجئ - حسب الرسوم التقليدية الغربية حين يتعلق الأمر بزعيم عربي- بخطاب مزدوج”، “إننا هنا، أي أمام تصريح أحمد يوسف، بعيدون عن “مجانين الله” وميثاق 1988 وبعيدا، ربما، عن ما كان نفس الشخص، أحمد يوسف، قد قاله سنة 1993”.
ودائما مع نفس الشخص، يتتبع المؤلّف مسار تحولات حركة حماس وتغيّر سياستها.ففي حوار أجرته مجلة نوفيل أوبسرفاتور، الأسبوعية الفرنسية، في 21 يناير/ كانون الثاني 2009 يذهب أحمد يوسف بعيدا، ويتوجه بشكل مباشر إلى الإدارة الأمريكية الجديدة ويطلب منها أن تكون “أكثر عدلا” في مقاربتها للصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني. وسيكشف، بعد عدة أيام، أنه أرسل، عن طريق الأمم المتحدة، رسالة إلى السيناتور الأمريكي جون كيري، خلال زيارته لقطاع غزة، رسالة موجهة الى باراك أوباما.
وينتقل الكاتب للحديث عن الحسم العسكري في يونيو/ حزيران ،2007 ويقول إن ما تم تقديمه باعتباره “حسما بالقوة” أو “انقلابا” لحماس، في يونيو/ حزيران ،2007 يظهر متناقضا بشكل كامل مع التطور السياسي الذي حلته القيادة من فوق. ولكن خلافا لما تناقلته وسائل الإعلام الغربية بقلق، فالكاتب سيفير يقدم رواية جديدة للحدث، في اليوم التالي للانتخابات الفلسطينية وجهت حماس دعوة من أجل حكومة وحدة وطنية، وبعد أن وُوجِهت برفض من قبل حركة فتح كوّنت حكومتها في 29 مارس/ آذار 2006 اللجنة الرباعية أصرّت على الاعتراف بشكل جلي ب”إسرائيل” وعلى قبول الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية، وأن تتخلى حماس عن “الإرهاب” وهو ما رفضته الحركة، وقد تبع ذلك مقاطعة دولية ضربت المدنيين الفلسطينيين كما عزلت حماس. والحقيقة، كما يرى سيفير، هي أن المجتمع الدولي وحركة فتح رفضا نتائح الانتخابات. وتتالت المقاطعة والحصار على الشعب الفلسطيني. وتحت ضغط العربية السعودية قبلت حركة فتح في مارس/ آذار 2007 إنشاء حكومة وحدة وطنية “عابرة”. “لكن السلطة الوطنية الفلسطينية رفضت أن تضع الشرطة تحت وصاية وزير الداخلية الجديد من حركة حماس”. وهو ما دفع الحركة الإسلامية إلى خلق شرطة موازية. فبدأ التوتر وبدأت فتح في تقوية ترسانتها الرهيبة من الأسلحة. و”كان واضحا، بالنسبة لحركة حماس، أن “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية تسلحان رجال محمد دحلان. وهو ما اضطر رجال حماس إلى التعجيل بالحسم العسكري”. ويقول الكاتب ان حركة حماس ورثت، بعد الحسم العسكري، وضعية لم تكن تريدها. ولكن الوضعية التي سبقت استيلاء حماس على الأوضاع في غزة، كانت رهيبة: “الفوضى والفساد يسودان غزة. وأهالي غزة كانوا يتحدثون عن رجال مقنّعين، من حركة فتح، وآخرين غير مقنعين يقومون بسلب السكان. وعند اشتداد المعارك مع حماس لم تجد حركة فتح رجالا يدافعون عنها”.
المحن تتوالى على غزة وعلى حركة حماس وعلى حكمها في غزة: عشية الهجومين “الإسرائيليين” في ديسمبر / كانون الأول 2008 ويناير/ كانون الثاني 2009 عمّت فوضى في غزة، وترجمت عملية إعادة الأمن إلى القطاع من قبل حركة حماس بمطاردة لكل المتهمين بالعمل لصالح “إسرائيل”.
في موضوع الهدنة
يذكر الكاتب مشاهد على الاشتغال “الإسرائيلي” الجدي لتجميل وجهها، ويذكر على وجه الخصوص عمل دان غيليرمان سفير “إسرائيل” في الأمم المتحدة خلال خمس سنوات. كان كاريزميا وأنشأ علاقات ودية حتى مع المندوبين العرب والمسلمين المفروض فيهم أن ينصروا الحق العربي والفلسطيني ويُدينوا المواقف “الإسرائيلية”. ويذكر المؤلّف كيف أن السفير الباكستاني في الأمم المتحدة ودّع السفير “الإسرائيلي” المنتهية ولايته، في يوليو ،2008 بالدموع، في حين أن سفير السلطة الفلسطينية عانقه مودّعا كأنه وليٌّ حميم.وكان السفير سليطا حتى في التعامل مع أصدقاء “إسرائيل” أنفسهم. فهو وصف فرنسا “تقدّم الورود للإرهابيين” حين صوّت جاك شيراك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 على إدانة الغارة “الإسرائيلية” القاتلة في بيت حانون. ويرسم المؤلف بورتريها جذّابا لهذا السفير: “القادر على إغراء أعدائه. وكي نقول الأشياء من دون مداورة، إنه وزير التضليل الإعلامي”.
يستحضر المؤلف هذا الوزير “الإسرائيلي” ليتحدث عن انتهاك الهدنة في غزة. في حقيقة الأمر تم التخطيط لعملية غزة عشية الحرب “الإسرائيلية” على لبنان. والسبب هو أن حرب لبنان لم تكن سوى حادثا طارئا. ولكنه حادث طارئ مدمّر بلغة الصُّوَر. ومن هنا تم التشديد في الدوائر “الإسرائيلية” على عنصر الاتصال. وحين بدأ الهجوم “الإسرائيلي” على غزة كان لمجموعات الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدوّنين وأنصار “إسرائيل” هدفٌ واحد: “تمرير الخطاب”. لكن أي خطاب؟ تعددية. لكن على الأقل تمرير خطابين يفرضان نفسيهما على العالم بأسره باعتبارها مسألة بدهية: الأول هو أن حركة حماس هي المعتديةُ وأن “إسرائيل” لا تفعل شيئاً سوى الدفاع عن النفس. الثاني يتعلق الأمرُ بإحدى معارك “صدمة الحضارات” الكبيرة، لأنه خلف حماس توجد إيران والإسلام الراديكالي، وخلف “إسرائيل” يجب أن يصطف العالمُ الغربي”.
من انتهك الهدنة؟
بشكل رسمي إن الصواريخ الفلسطينية التي تساقطت على سديروت وعسقلان هي التي تسببت في الهجوم “الإسرائيلي” يوم 27 ديسمبر على غزة.لكن الهدنة تتطلب، كما يقول سيفير، وقف كل عملية عسكرية أو ذات طابع عسكري. لكن ماذا يحدث لو أن هدنة ما تطول؟ “في الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، حماس هي التي انتهكت الهدنة. والسبب كامن في جنون هذه الحركة”،كما أن “إسرائيل” ليست هي التي انتهكت التهدئة، “لأن مسؤوليها ليسوا مجانين ولا تتحكم فيهم قوة دولية خارجية”، ويقول الكاتب ان الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، والسلطة السياسية “الإسرائيلية”، لا يريان في العمليات “الاستباقية” اعتداءً ولا انتهاكا لهدنة ما. ولكن “إسرائيل” ليست وحدها في الحلبة. ويرى الكاتب أنه “يكفي أن يرى الطرف الآخر رأيا مخالفا للنظرة “الإسرائيلية” - وهو حالة حماس- حتى يرى في الرد “الإسرائيلي” اعتداءً وانتهاكا للتهدئة”. وليست حركة حماس هي التي انتهكت التهدئة بالأفعال، ولكن حماس هي التي صرحت 19 ديسمبر/ كانون الأول 2008 أنها لن تمدّدها. وهو ما استغلته “إسرائيل” على الفور، وكما في المرات السابقة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” تنجح “إسرائيل”، دائما، في تسويق جرائمها واعتداءاتها، وتحمل العرب المسؤولية. فعدم قبول حماس لتمديد الهدنة، يتحول في اللغة “الإسرائيلية” إلى انتهاك حركة حماس للهدنة.
ينقل جون- بيير بيران، وهو صحافي في صحيفة ليبراسيون الفرنسية في موقع الجريدة الالكتروني ما قاله ديبلوماسي غربي في القدس: مثل المرات السابقة، “إسرائيل” هي المسؤولة عن وضع حدّ للتهدئة, ولكن مسؤولي حركة حماس لا يتمتعون بذكاء سياسي كي لا يقوموا بالردّ، وهو ما يعني أننا لا نرى سوى صواريخ القسام ضد المدنيين “الإسرائيليين”، ويقول المؤلف ان الصحافة الغربية كررت الموقف “الإسرائيلي”. ونقرأ مقالا صدر في صحيفة ليبراسيون، بتاريخ 29 ديسمبر/ كانون الأول ،2008 بعنوان لافت: “من بدأ؟” ونقرأ فيه: “اتخذت حماس، في 18 ديسمبر/ كانون الأول، قرار عدم تجديد التهدئة ستة أشهر أخرى مع “إسرائيل”. وقد تبع هذه القطيعة إطلاق العشرات من الصواريخ والقذائف، وتسبب الأمر في الرد “الإسرائيلي”. ليوم السبت”. ويعلّق الكاتب بأن الأمور واضحةٌ وهي أن حماس، وحدها، هي التي وضعت حدا للتهدئة وهو ما تسبب في الرد “الإسرائيلي”.
أصوات نشاز
في خضم شبه إجماع على تحميل حركة حماس مسؤولية وضع حد للتهدئة، تعالت أصواتٌ ترسم كرونولوجيا تنحو باللائمة على “إسرائيل”. فقد كتب إيف دي لاميسوزيير، وهو مستعرب ومتخصص في المنطقة العربية، يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2009: “إن فحص كرونولوجيا للوقائع يرغمنا على أن نقول إنه بعد خمسة اشهر من وقف إطلاق النار تم احترامه بشكل مُرضٍ، تسببت عمليةٌ “إسرائيلية” ضد الأنفاق التي تربط غزة بمصر، في بداية وضع حد للتهدئة”. كما أن المؤلف يورد مواقف وتصريحات هنري سيغمان، وهو مدير سابق للمؤتمر اليهودي الأمريكي، وهو لا يمكن أن يُتَّهَم بالتعاطف مع الفلسطينيين، تذهب بعيدا في تحميل “إسرائيل” مسؤولية انتهاك التهدئة. فهو يرى انتهاك الهدنة لم ينتج فقط من الغارة “الإسرائيلية” في 4 ديسمبر/ كانون الأول. وإنما هي أيضا نتيجة التزام “إسرائيلي” لم يُطبَّق. وهو التخفيف من الضغوط الاقتصادية على غزة.
والحقيقة على الأرض كما يرى الكاتب هي أن حركة حماس لم ترفض وقف إطلاق النار وإنما رفضت أن يمتّ بصلة مع الاحتلال. وكي تبرهن على أن جهازها العسكري لم يتعرض للتفكيك، فقد واصلت إطلاق الصواريخ على سديروت،وحول آلة التضليل الإعلامي “الإسرائيلية”، يقول الكاتب من المؤكد أن “إسرائيل” تمتلك آلة إعلامية رهيبة، والهدف الأساس هو تمرير خطاب وحيد: حركة حماس هي المعتدية، و”إسرائيل” هي الضحية، ويرى سيفير أن “الحقيقة” القابلة للانتقاد لم تجد من ينتقدها. إن الاستراتيجيين “الإسرائيليين” كان لهم في حرب غزة هدف واحد وهو إدراج هذا الهجوم في منظور بعيد جدا. وقام المؤلف بتحليل للخطابات والرسائل “الإسرائيلية” التي عرفت نجاحا كبيرا لدى الرأي العام الغربي.ومن بين هذه الرسائل “الإسرائيلية” الكاذبة: “حماس، دمية إيرانية”. والكثير من المواقع “الإسرائيلية” لا تورد اسم حماس إلا مقرونا بجملة “مدعومة من إيران”، كما يفعل موقع The Israel Project أو “غزة، يد إيران” كما تكتب شهرية Tribune Juive وغيرها.
ولكن سيفير يفند تبسيط اتهام حماس بالتبعية لإيران وسوريا، وإن كان يرى فيه بعض حقيقة، ولكن ليس الحقيقة كلها التي تدعيها “إسرائيل”، فيكتب: “سوريا تدعم حماس وتوجد في دمشق مكاتب خالد مشعل. كما أن الشبكة الإيرانية ساهمت، خلال السنوات الأخيرة، في تسليح حماس التي تمتلك صواريخ كاتيوشا وصواريخ غراد طويلة المدى. ولكن ثمة شبكات أخرى، أفريقية لعبت دور التسليح. وتوجد شبكات أخرى قريبة من المافيا الروسية المرتبطة ببعض دوائر المجتمع “الإسرائيلي”. وفيما يخص التسليح “الإسرائيلي” فهو أمريكي ولم يمنع الأمر من أن تكون “إسرائيل” بلدا ذا سيادة”، ويضيف سيفير، وهو هنا لن يعجب المناصرين ل”إسرائيل”: “إن حركة حماس، قبل كل شيء، وبشكل عميق، حركة فلسطينية، بل وحركة غزاوية، ولدت من بؤس الشعب الفلسطيني في غزة، ومن فشل استراتيجيا الحلول الوسطى التي قادها ياسر عرفات ابتداء من سنة 1988.
ونصل إلى موضوع “صدمة الحضارات” الذي تستغله الدوائر الصهيونية وتستخدمه لمصلحتها. من منا ينسى تصريح أرييل شارون في اليوم التالي لتفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر/ ايلول من سنة ،2001 حين قارن ياسر عرفات بابن لادن. “ومع تفجيرات 11 سبتمبر/ ايلول عرفت “الإسرائيلية” كيف يمكنها استغلال نظرية “صدام الحضارات” التي ابتدعها الأمريكي صموئيل هينتنغتون، وطبقتها في صراعها ضد الفلسطينيين”، ويعرج الكاتب على حماس والدروع البشرية:تتحدث “إسرائيل” عن نظرية “الدروع البشرية”. ومؤدّى النظرية أن حماس تقذف صواريخها من قلب التجمعات السكانية، من المدارس ومن المستشفيات. ويرى سيفير أن الأمر “يتعلق بنظرية “إسرائيلية” قديمة استخدمتها خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993): يتم إرسال الأطفال في مقدمة التظاهرات - حماس حينها لم تلعب أي دور - كي يؤثر موتهم على الرأي العام الدولي”، ويرى الكاتب أن الهدف من الأمر هو “نزع كل طابع إنساني عن الفلسطينيين، الذين يتعلقون بأولادهم، بدرجة أقل، من الآخرين، الغربيين”، ويفند سيفير التهمة “الإسرئيلية”: إن نظرية “الدروع البشرية” أو “أخذ السكان رهائن” من قبل حماس تطرح العديد من الأسئلة على “إسرائيل” قدر ما تطرحها على حركة حماس. لأنها تشهد، من دون شك، على الصعوبة التي يواجهها جيش بالغ القوة والذي يعتمد على طيران بالغ الدقة في “إدارة” صراع لا تماثلي. كما أن هذا الخطاب يخون الإرادة - غير المُجدية - في جرّ العدوّ إلى صراع تقليدي. كما لو أنّ “إسرائيل” كانت تتوهم أن حماس سوف تخلي السكان كيف تمنح نفسها، وفي فضاء عار، لطائرات الأباتشي، ولكن الكذبة التي تصور حركة حماس تستخدم المدنيين “دروعا” لمقاتليها انكشفت، فقد “نفاها أطباء أجانب وأعضاء منظمات غير حكومية وموظفون للأمم المتحدة. هؤلاء نفوا أن تكون المستشفيات أو المدارس التي استهدفتها الطائرات العسكرية “الإسرائيلية” ملجأً لمقاتلي حماس ولا لمنصات إطلاق صواريخهم”.
التحدي الذي يواجه حماس في مثل هذه الظروف هو نفس التحدي الذي واجه جبهة التحرير الوطني الجزائرية في حرب التحرير (من 1954 إلى 1962). “من المؤكد أن حماس، في هذه المواجهة، ليس لديها من خيار آخر سوى أن تتحول إلى حرب عصابات. حرب عصابات مدينية. وكانت فرنسا الكولونيالية توجه نفس الاتهام لمقاتلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية المختبئين في القصبة أثناء معركة الجزائر سنة 1957”.
الخاتمة
يرى المؤلّف وهو ينتهي من كتابه بأن حرب غزة تسببت في إنتاج كمية كبيرة من معان ميديوية معكوسة. وكما هو مبرهنٌ عليه فإن “هذه المعاني المعكوسة لم تكن مجرد صدفة. إنّها المنتوجُ المباشرُ لحرب ميديوية تُخاضُ بمنهجية وبمثابرة من قبل “إسرائيل”، ومن أجل تحقيق التأثير المرجوّ على الرأي العام، فإن هذه المعاني المعكوسة يجب أن تُقْبَل أيضا بوعي من قبل أنظمة الإعلام الكبرى. ويطرح الكتاب العديد من الأسئلة الهامة، التي تتجه معظمها نحو نقد السياسة الغربية أحادية الجانب، ومن بينها: “إلى متى ستبقى هذه السياسة أحادية الجانب مقبولة في نظر المجتمع الدولي، على الرغم من الفوضى التي تولدها في مجتمعاتنا كما في العالم العربي الإسلامي؟ إلى متى ستظلّ هذه الحجج التي تبرر هذا المنحى أحادي الجانب تشتغل في وعينا؟ إلى متى سنظل نعتبر إنشاء مستوطنات جديدة على أنقاض البيوت الفلسطينية محاولة للبقاء؟...”.
وماذا عن “إسرائيل”؟
يرى الكتاب أن “إسرائيل” بلدٌ تجذَّرَ، بعمق، في المنتظم الدولي. ليس ماضيها هو الذي يهددها، ولكن تصرفها الحالي الذي يتغذى دائما من نفس الالتباسات. ليس الفلسطينيون من يهدد “إسرائيل”، وليست إيران، وإنما احتلالٌ يتأبّدُ ولم يعُدْ يكفي إخفاءه أو تبريره بإعلام ذكي. لا تستطيع أيّة حجة أن تقاوم هذه المسألة البدهية: إن هذا الصراع هو صراع من نمط كولونيالي (استعماري) لا تتوقف “إسرائيل” عن تهييجه..
ويعلق سيفير على الواقع فيكتب: “الحرب الميديويّة (الإعلامية) نجحت قدر المستطاع في صرف الانتباه عن هذا الاستعمار الزاحف. ولكن إلى متى؟”. سؤال مخيف، لا يريد “الإسرائيليون” أن يطرحوه على أنفسهم، ولكنه بدأ يظهر على السطح.
والخلاصة: “حين نعرف حروب الصورة التي ربحتها “إسرائيل” خلال فترة طويلة، والتي هي بصدد خسارتها، الآن، نستطيع أن نقدّر إلى أي درجة يصبح فيها ضغط الرأي العام الدولي شرطاً مركزياً للعودة إلى طريق السلام”.
دار الخليج:الثلاثاء ,07/07/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.