ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    زيارة وفد نيابي الى المركب الصحي بجبل الوسط: تراجع خدمات المركب بسبب صعوبات عدة منها نقص الموارد البشرية وضعف الميزانية والايرادات    عاجل/ ايران تطلق دفعة جديدة من الصواريخ…    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    حماية المستهلك والتجارة الإلكترونية: تذكير بالقواعد من قبل وزارة التجارة وتنمية الصادرات    وائل نوار: الرهان المستقبلي لقافلة الصمود حشد مئات الآلاف والتوجه مجددا لكسر الحصار    وزيرة الشؤون الاجتماعيّة بحكومة الوحدة الليبيّة تدعو إلى تعزيز التعاون بين تونس وليبيا في مجالات العمل الاجتماعي لفائدة الطفولة الفاقدة للسند    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    إزالة مخيم ''العشي'' للمهاجرين في العامرة..التفاصيل    وزير السياحة يؤدي زيارة إلى ولاية جندوبة    مقترح قانون لتنقيح قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    بداية من 172 ألف دينار : Cupra Terramar أخيرا في تونس ....كل ما تريد معرفته    صلاح وماك أليستر ضمن ستة مرشحين لجائزة أفضل لاعب من رابطة المحترفين في إنقلترا    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    وزير الإقتصاد في المنتدى الإقتصادى الدولي بسان بيترسبورغ.    الحماية المدنية: 552 تدخلا منها 98 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    عاجل: اتحاد الشغل يطالب بفتح مفاوضات اجتماعية جديدة في القطاعين العام والوظيفة العمومية    عودة التقلّبات الجوّية في تونس في ''عزّ الصيف'': الأسباب    ''مرة الصباح مرة ظهر''.. كيف يتغيّر توقيت اعلان نتيجة الباكالوريا عبر السنوات وما المنتظر في 2025؟    بلومبيرغ: إيران تخترق كاميرات المراقبة المنزلية للتجسّس داخل إسرائيل    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    من مكة إلى المدينة... لماذا يحتفل التونسيون برأس السنة الهجرية؟    عاجل: القلق الإسرائيلي يتصاعد بسبب تأجيل القرار الأميركي بشأن الحرب على إيران    النادي الإفريقي يعلن عن موعد الجلسة العامة الانتخابية    صاروخ إيراني يضرب بئر السبع وفشل تام للقبة الحديدية...''شنو صار''؟    عاجل/ طهران ترفض التفاوض مع واشنطن    كأس العالم للأندية: الترجي الرياضي يواجه الليلة لوس أنجلوس الأمريكي    طقس اليوم: أمطار بهذه المناطق والحرارة في ارتفاع طفيف    بطولة برلين للتنس: أنس جابر توانجه اليوم التشيكية "فوندروسوفا"    ميسي يقود إنتر ميامي لفوز مثير على بورتو في كأس العالم للأندية    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    روسيا تحذّر أمريكا: "لا تعبثوا بالنار النووية"    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    ما تستهينش ''بالذبانة''... أنواع تلدغ وتنقل جراثيم خطيرة    عاجل/ سعيّد يكشف: مسؤولون يعطلون تنفيذ عدد من المشاريع لتأجيج الأوضاع    خامنئي: "العدو الصهيوني يتلقى عقابه الآن"    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    بالفيديو: رئيس الجمهورية يشرف على اجتماع مجلس الوزراء...التفاصيل    كأس العالم للأندية: أتليتيكو مدريد يلتحق بكوكبة الصدارة..ترتيب المجموعة    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    شارع القناص ...فسحة العين والأذن يؤمّنها الهادي السنوسي .. الثقافة وهواة اللقمة الباردة : دعم ومدعوم وما بينهما معدوم.. وأهل الجود والكرم غارقون في «سابع نوم»!    موسم الحبوب: تجميع4.572 مليون قنطار إلى غاية 18 جوان 2025    خطبة الجمعة... ذكر الله في السراء والضراء    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    وفاة أول مذيعة طقس في العالم عن عمر يناهز 76 عاما    أمطار أحيانا غزيرة ليل الخميس    إسناد المتحف العسكري الوطني بمنوبة علامة الجودة "مرحبا " لأول مرة في مجال المتاحف وقطاع الثقافة والتراث    بعد 9 سنوات.. شيرين تعود إلى لقاء جمهور "مهرجان موازين"    الخطوط التونسية: تطور مؤشرات النشاط التجاري خلال أفريل وماي 2025    اطلاق بطاقات مسبقة الدفع بداية من 22 جوان 2025 لاستخلاص مآوي السيارات بمطار تونس قرطاج الدولي    وفاة 5 أعوان في حادث مرور: الحرس الوطني يكشف التفاصيل.. #خبر_عاجل    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب الإعلامية "الإسرائيلية" الجديدة ... الحلقة الأخرة
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 07 - 2009


تأليف: دوني سيفير/ ترجمة وعرض: بشير البكر
يعتبر الصحافي والكاتب الفرنسي دوني سيفير من أكبر المتخصصين في قضايا الصراع العربي “الإسرائيلي” في فرنسا. وفي جعبته الكثير من الكتب التي تتطرق لهذا الصراع، وآخرها الذي صدر حديثا في باريس عن دار “لاديكوفيرت” تحت عنوان “الحرب الاعلامية “الاسرائيلية” الجديدة”، الذي يلقي الضوء على تغطية وسائل الاعلام، “بعد واحد وعشرين يوما من العنف الأشد، ما هو التأويل السائد لدى مواطنينا، ولدى المستهلكين المتوسطين للأخبار، وبشكل خاص لأخبار الراديو والتلفزيون أو القراء المنتظمين؟يرى الكاتب أن فرنسا معرَّضة لهذا المشكل بصفة مباشرة. وبسبب السوسيولوجيا والتاريخ فهي من دون شك البلد الغربي الأكثر إحساسا بقفزات الصراع الشرق الأوسطي: إذ إنها تستقبل على أراضيها أكبر جالية يهودية في أوروبا، وأيضاً أكبر جالية إسلامية. كما أنها تحمل في ذاتها الذاكرة الحية لماضيها الكولونيالي ولإبادة اليهود”.
“إسرائيل” ربحت الحرب الإعلامية وتوشك على خسارتها
في شهر ابريل/ نيسان من سنة 2008 أجرت صحيفة “بوليتيس” الأسبوعية الفرنسية (المؤلف دوني سيفير هو رئيس تحريرها) حوارا مع أحمد يوسف، مستشار رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية. وتطرق اللقاء للخلاف الفلسطيني الداخلي: “المستفيد الوحيد من حالة الانقسام هي “إسرائيل”. وسياسة الانقسام هذه تمنح ل”إسرائيل” مبرر مواصلة حصار غزة والضفة الغربية، وسياسة توسيع المستوطنات ومصادرة الأرضي، أي خسران الضفة الغربية”، ويواصل المسؤول الفلسطيني، واصفا حالة التشرذم الفلسطيني: “.. أي خسران أسس مشروع بناء دولة فلسطينية في حدود 1967 لأنه لن تتبقَّ أية أراضٍ لتقام عليها هذه الدولة” ويعلق سيفير على هذا الحوار وهذه الإجابات بالقول: “يمكننا دائما أن نقول بأن أحمد يوسف يلتجئ - حسب الرسوم التقليدية الغربية حين يتعلق الأمر بزعيم عربي- بخطاب مزدوج”، “إننا هنا، أي أمام تصريح أحمد يوسف، بعيدون عن “مجانين الله” وميثاق 1988 وبعيدا، ربما، عن ما كان نفس الشخص، أحمد يوسف، قد قاله سنة 1993”.
ودائما مع نفس الشخص، يتتبع المؤلّف مسار تحولات حركة حماس وتغيّر سياستها.ففي حوار أجرته مجلة نوفيل أوبسرفاتور، الأسبوعية الفرنسية، في 21 يناير/ كانون الثاني 2009 يذهب أحمد يوسف بعيدا، ويتوجه بشكل مباشر إلى الإدارة الأمريكية الجديدة ويطلب منها أن تكون “أكثر عدلا” في مقاربتها للصراع “الإسرائيلي” - الفلسطيني. وسيكشف، بعد عدة أيام، أنه أرسل، عن طريق الأمم المتحدة، رسالة إلى السيناتور الأمريكي جون كيري، خلال زيارته لقطاع غزة، رسالة موجهة الى باراك أوباما.
وينتقل الكاتب للحديث عن الحسم العسكري في يونيو/ حزيران ،2007 ويقول إن ما تم تقديمه باعتباره “حسما بالقوة” أو “انقلابا” لحماس، في يونيو/ حزيران ،2007 يظهر متناقضا بشكل كامل مع التطور السياسي الذي حلته القيادة من فوق. ولكن خلافا لما تناقلته وسائل الإعلام الغربية بقلق، فالكاتب سيفير يقدم رواية جديدة للحدث، في اليوم التالي للانتخابات الفلسطينية وجهت حماس دعوة من أجل حكومة وحدة وطنية، وبعد أن وُوجِهت برفض من قبل حركة فتح كوّنت حكومتها في 29 مارس/ آذار 2006 اللجنة الرباعية أصرّت على الاعتراف بشكل جلي ب”إسرائيل” وعلى قبول الاتفاقات التي وقعتها السلطة الوطنية الفلسطينية، وأن تتخلى حماس عن “الإرهاب” وهو ما رفضته الحركة، وقد تبع ذلك مقاطعة دولية ضربت المدنيين الفلسطينيين كما عزلت حماس. والحقيقة، كما يرى سيفير، هي أن المجتمع الدولي وحركة فتح رفضا نتائح الانتخابات. وتتالت المقاطعة والحصار على الشعب الفلسطيني. وتحت ضغط العربية السعودية قبلت حركة فتح في مارس/ آذار 2007 إنشاء حكومة وحدة وطنية “عابرة”. “لكن السلطة الوطنية الفلسطينية رفضت أن تضع الشرطة تحت وصاية وزير الداخلية الجديد من حركة حماس”. وهو ما دفع الحركة الإسلامية إلى خلق شرطة موازية. فبدأ التوتر وبدأت فتح في تقوية ترسانتها الرهيبة من الأسلحة. و”كان واضحا، بالنسبة لحركة حماس، أن “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية تسلحان رجال محمد دحلان. وهو ما اضطر رجال حماس إلى التعجيل بالحسم العسكري”. ويقول الكاتب ان حركة حماس ورثت، بعد الحسم العسكري، وضعية لم تكن تريدها. ولكن الوضعية التي سبقت استيلاء حماس على الأوضاع في غزة، كانت رهيبة: “الفوضى والفساد يسودان غزة. وأهالي غزة كانوا يتحدثون عن رجال مقنّعين، من حركة فتح، وآخرين غير مقنعين يقومون بسلب السكان. وعند اشتداد المعارك مع حماس لم تجد حركة فتح رجالا يدافعون عنها”.
المحن تتوالى على غزة وعلى حركة حماس وعلى حكمها في غزة: عشية الهجومين “الإسرائيليين” في ديسمبر / كانون الأول 2008 ويناير/ كانون الثاني 2009 عمّت فوضى في غزة، وترجمت عملية إعادة الأمن إلى القطاع من قبل حركة حماس بمطاردة لكل المتهمين بالعمل لصالح “إسرائيل”.
في موضوع الهدنة
يذكر الكاتب مشاهد على الاشتغال “الإسرائيلي” الجدي لتجميل وجهها، ويذكر على وجه الخصوص عمل دان غيليرمان سفير “إسرائيل” في الأمم المتحدة خلال خمس سنوات. كان كاريزميا وأنشأ علاقات ودية حتى مع المندوبين العرب والمسلمين المفروض فيهم أن ينصروا الحق العربي والفلسطيني ويُدينوا المواقف “الإسرائيلية”. ويذكر المؤلّف كيف أن السفير الباكستاني في الأمم المتحدة ودّع السفير “الإسرائيلي” المنتهية ولايته، في يوليو ،2008 بالدموع، في حين أن سفير السلطة الفلسطينية عانقه مودّعا كأنه وليٌّ حميم.وكان السفير سليطا حتى في التعامل مع أصدقاء “إسرائيل” أنفسهم. فهو وصف فرنسا “تقدّم الورود للإرهابيين” حين صوّت جاك شيراك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 على إدانة الغارة “الإسرائيلية” القاتلة في بيت حانون. ويرسم المؤلف بورتريها جذّابا لهذا السفير: “القادر على إغراء أعدائه. وكي نقول الأشياء من دون مداورة، إنه وزير التضليل الإعلامي”.
يستحضر المؤلف هذا الوزير “الإسرائيلي” ليتحدث عن انتهاك الهدنة في غزة. في حقيقة الأمر تم التخطيط لعملية غزة عشية الحرب “الإسرائيلية” على لبنان. والسبب هو أن حرب لبنان لم تكن سوى حادثا طارئا. ولكنه حادث طارئ مدمّر بلغة الصُّوَر. ومن هنا تم التشديد في الدوائر “الإسرائيلية” على عنصر الاتصال. وحين بدأ الهجوم “الإسرائيلي” على غزة كان لمجموعات الدبلوماسيين ومجموعات الضغط والمدوّنين وأنصار “إسرائيل” هدفٌ واحد: “تمرير الخطاب”. لكن أي خطاب؟ تعددية. لكن على الأقل تمرير خطابين يفرضان نفسيهما على العالم بأسره باعتبارها مسألة بدهية: الأول هو أن حركة حماس هي المعتديةُ وأن “إسرائيل” لا تفعل شيئاً سوى الدفاع عن النفس. الثاني يتعلق الأمرُ بإحدى معارك “صدمة الحضارات” الكبيرة، لأنه خلف حماس توجد إيران والإسلام الراديكالي، وخلف “إسرائيل” يجب أن يصطف العالمُ الغربي”.
من انتهك الهدنة؟
بشكل رسمي إن الصواريخ الفلسطينية التي تساقطت على سديروت وعسقلان هي التي تسببت في الهجوم “الإسرائيلي” يوم 27 ديسمبر على غزة.لكن الهدنة تتطلب، كما يقول سيفير، وقف كل عملية عسكرية أو ذات طابع عسكري. لكن ماذا يحدث لو أن هدنة ما تطول؟ “في الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، حماس هي التي انتهكت الهدنة. والسبب كامن في جنون هذه الحركة”،كما أن “إسرائيل” ليست هي التي انتهكت التهدئة، “لأن مسؤوليها ليسوا مجانين ولا تتحكم فيهم قوة دولية خارجية”، ويقول الكاتب ان الخطاب الرسمي “الإسرائيلي”، والسلطة السياسية “الإسرائيلية”، لا يريان في العمليات “الاستباقية” اعتداءً ولا انتهاكا لهدنة ما. ولكن “إسرائيل” ليست وحدها في الحلبة. ويرى الكاتب أنه “يكفي أن يرى الطرف الآخر رأيا مخالفا للنظرة “الإسرائيلية” - وهو حالة حماس- حتى يرى في الرد “الإسرائيلي” اعتداءً وانتهاكا للتهدئة”. وليست حركة حماس هي التي انتهكت التهدئة بالأفعال، ولكن حماس هي التي صرحت 19 ديسمبر/ كانون الأول 2008 أنها لن تمدّدها. وهو ما استغلته “إسرائيل” على الفور، وكما في المرات السابقة في تاريخ الصراع العربي “الإسرائيلي” تنجح “إسرائيل”، دائما، في تسويق جرائمها واعتداءاتها، وتحمل العرب المسؤولية. فعدم قبول حماس لتمديد الهدنة، يتحول في اللغة “الإسرائيلية” إلى انتهاك حركة حماس للهدنة.
ينقل جون- بيير بيران، وهو صحافي في صحيفة ليبراسيون الفرنسية في موقع الجريدة الالكتروني ما قاله ديبلوماسي غربي في القدس: مثل المرات السابقة، “إسرائيل” هي المسؤولة عن وضع حدّ للتهدئة, ولكن مسؤولي حركة حماس لا يتمتعون بذكاء سياسي كي لا يقوموا بالردّ، وهو ما يعني أننا لا نرى سوى صواريخ القسام ضد المدنيين “الإسرائيليين”، ويقول المؤلف ان الصحافة الغربية كررت الموقف “الإسرائيلي”. ونقرأ مقالا صدر في صحيفة ليبراسيون، بتاريخ 29 ديسمبر/ كانون الأول ،2008 بعنوان لافت: “من بدأ؟” ونقرأ فيه: “اتخذت حماس، في 18 ديسمبر/ كانون الأول، قرار عدم تجديد التهدئة ستة أشهر أخرى مع “إسرائيل”. وقد تبع هذه القطيعة إطلاق العشرات من الصواريخ والقذائف، وتسبب الأمر في الرد “الإسرائيلي”. ليوم السبت”. ويعلّق الكاتب بأن الأمور واضحةٌ وهي أن حماس، وحدها، هي التي وضعت حدا للتهدئة وهو ما تسبب في الرد “الإسرائيلي”.
أصوات نشاز
في خضم شبه إجماع على تحميل حركة حماس مسؤولية وضع حد للتهدئة، تعالت أصواتٌ ترسم كرونولوجيا تنحو باللائمة على “إسرائيل”. فقد كتب إيف دي لاميسوزيير، وهو مستعرب ومتخصص في المنطقة العربية، يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2009: “إن فحص كرونولوجيا للوقائع يرغمنا على أن نقول إنه بعد خمسة اشهر من وقف إطلاق النار تم احترامه بشكل مُرضٍ، تسببت عمليةٌ “إسرائيلية” ضد الأنفاق التي تربط غزة بمصر، في بداية وضع حد للتهدئة”. كما أن المؤلف يورد مواقف وتصريحات هنري سيغمان، وهو مدير سابق للمؤتمر اليهودي الأمريكي، وهو لا يمكن أن يُتَّهَم بالتعاطف مع الفلسطينيين، تذهب بعيدا في تحميل “إسرائيل” مسؤولية انتهاك التهدئة. فهو يرى انتهاك الهدنة لم ينتج فقط من الغارة “الإسرائيلية” في 4 ديسمبر/ كانون الأول. وإنما هي أيضا نتيجة التزام “إسرائيلي” لم يُطبَّق. وهو التخفيف من الضغوط الاقتصادية على غزة.
والحقيقة على الأرض كما يرى الكاتب هي أن حركة حماس لم ترفض وقف إطلاق النار وإنما رفضت أن يمتّ بصلة مع الاحتلال. وكي تبرهن على أن جهازها العسكري لم يتعرض للتفكيك، فقد واصلت إطلاق الصواريخ على سديروت،وحول آلة التضليل الإعلامي “الإسرائيلية”، يقول الكاتب من المؤكد أن “إسرائيل” تمتلك آلة إعلامية رهيبة، والهدف الأساس هو تمرير خطاب وحيد: حركة حماس هي المعتدية، و”إسرائيل” هي الضحية، ويرى سيفير أن “الحقيقة” القابلة للانتقاد لم تجد من ينتقدها. إن الاستراتيجيين “الإسرائيليين” كان لهم في حرب غزة هدف واحد وهو إدراج هذا الهجوم في منظور بعيد جدا. وقام المؤلف بتحليل للخطابات والرسائل “الإسرائيلية” التي عرفت نجاحا كبيرا لدى الرأي العام الغربي.ومن بين هذه الرسائل “الإسرائيلية” الكاذبة: “حماس، دمية إيرانية”. والكثير من المواقع “الإسرائيلية” لا تورد اسم حماس إلا مقرونا بجملة “مدعومة من إيران”، كما يفعل موقع The Israel Project أو “غزة، يد إيران” كما تكتب شهرية Tribune Juive وغيرها.
ولكن سيفير يفند تبسيط اتهام حماس بالتبعية لإيران وسوريا، وإن كان يرى فيه بعض حقيقة، ولكن ليس الحقيقة كلها التي تدعيها “إسرائيل”، فيكتب: “سوريا تدعم حماس وتوجد في دمشق مكاتب خالد مشعل. كما أن الشبكة الإيرانية ساهمت، خلال السنوات الأخيرة، في تسليح حماس التي تمتلك صواريخ كاتيوشا وصواريخ غراد طويلة المدى. ولكن ثمة شبكات أخرى، أفريقية لعبت دور التسليح. وتوجد شبكات أخرى قريبة من المافيا الروسية المرتبطة ببعض دوائر المجتمع “الإسرائيلي”. وفيما يخص التسليح “الإسرائيلي” فهو أمريكي ولم يمنع الأمر من أن تكون “إسرائيل” بلدا ذا سيادة”، ويضيف سيفير، وهو هنا لن يعجب المناصرين ل”إسرائيل”: “إن حركة حماس، قبل كل شيء، وبشكل عميق، حركة فلسطينية، بل وحركة غزاوية، ولدت من بؤس الشعب الفلسطيني في غزة، ومن فشل استراتيجيا الحلول الوسطى التي قادها ياسر عرفات ابتداء من سنة 1988.
ونصل إلى موضوع “صدمة الحضارات” الذي تستغله الدوائر الصهيونية وتستخدمه لمصلحتها. من منا ينسى تصريح أرييل شارون في اليوم التالي لتفجيرات نيويورك في 11 سبتمبر/ ايلول من سنة ،2001 حين قارن ياسر عرفات بابن لادن. “ومع تفجيرات 11 سبتمبر/ ايلول عرفت “الإسرائيلية” كيف يمكنها استغلال نظرية “صدام الحضارات” التي ابتدعها الأمريكي صموئيل هينتنغتون، وطبقتها في صراعها ضد الفلسطينيين”، ويعرج الكاتب على حماس والدروع البشرية:تتحدث “إسرائيل” عن نظرية “الدروع البشرية”. ومؤدّى النظرية أن حماس تقذف صواريخها من قلب التجمعات السكانية، من المدارس ومن المستشفيات. ويرى سيفير أن الأمر “يتعلق بنظرية “إسرائيلية” قديمة استخدمتها خلال الانتفاضة الأولى (1987-1993): يتم إرسال الأطفال في مقدمة التظاهرات - حماس حينها لم تلعب أي دور - كي يؤثر موتهم على الرأي العام الدولي”، ويرى الكاتب أن الهدف من الأمر هو “نزع كل طابع إنساني عن الفلسطينيين، الذين يتعلقون بأولادهم، بدرجة أقل، من الآخرين، الغربيين”، ويفند سيفير التهمة “الإسرئيلية”: إن نظرية “الدروع البشرية” أو “أخذ السكان رهائن” من قبل حماس تطرح العديد من الأسئلة على “إسرائيل” قدر ما تطرحها على حركة حماس. لأنها تشهد، من دون شك، على الصعوبة التي يواجهها جيش بالغ القوة والذي يعتمد على طيران بالغ الدقة في “إدارة” صراع لا تماثلي. كما أن هذا الخطاب يخون الإرادة - غير المُجدية - في جرّ العدوّ إلى صراع تقليدي. كما لو أنّ “إسرائيل” كانت تتوهم أن حماس سوف تخلي السكان كيف تمنح نفسها، وفي فضاء عار، لطائرات الأباتشي، ولكن الكذبة التي تصور حركة حماس تستخدم المدنيين “دروعا” لمقاتليها انكشفت، فقد “نفاها أطباء أجانب وأعضاء منظمات غير حكومية وموظفون للأمم المتحدة. هؤلاء نفوا أن تكون المستشفيات أو المدارس التي استهدفتها الطائرات العسكرية “الإسرائيلية” ملجأً لمقاتلي حماس ولا لمنصات إطلاق صواريخهم”.
التحدي الذي يواجه حماس في مثل هذه الظروف هو نفس التحدي الذي واجه جبهة التحرير الوطني الجزائرية في حرب التحرير (من 1954 إلى 1962). “من المؤكد أن حماس، في هذه المواجهة، ليس لديها من خيار آخر سوى أن تتحول إلى حرب عصابات. حرب عصابات مدينية. وكانت فرنسا الكولونيالية توجه نفس الاتهام لمقاتلي جبهة التحرير الوطني الجزائرية المختبئين في القصبة أثناء معركة الجزائر سنة 1957”.
الخاتمة
يرى المؤلّف وهو ينتهي من كتابه بأن حرب غزة تسببت في إنتاج كمية كبيرة من معان ميديوية معكوسة. وكما هو مبرهنٌ عليه فإن “هذه المعاني المعكوسة لم تكن مجرد صدفة. إنّها المنتوجُ المباشرُ لحرب ميديوية تُخاضُ بمنهجية وبمثابرة من قبل “إسرائيل”، ومن أجل تحقيق التأثير المرجوّ على الرأي العام، فإن هذه المعاني المعكوسة يجب أن تُقْبَل أيضا بوعي من قبل أنظمة الإعلام الكبرى. ويطرح الكتاب العديد من الأسئلة الهامة، التي تتجه معظمها نحو نقد السياسة الغربية أحادية الجانب، ومن بينها: “إلى متى ستبقى هذه السياسة أحادية الجانب مقبولة في نظر المجتمع الدولي، على الرغم من الفوضى التي تولدها في مجتمعاتنا كما في العالم العربي الإسلامي؟ إلى متى ستظلّ هذه الحجج التي تبرر هذا المنحى أحادي الجانب تشتغل في وعينا؟ إلى متى سنظل نعتبر إنشاء مستوطنات جديدة على أنقاض البيوت الفلسطينية محاولة للبقاء؟...”.
وماذا عن “إسرائيل”؟
يرى الكتاب أن “إسرائيل” بلدٌ تجذَّرَ، بعمق، في المنتظم الدولي. ليس ماضيها هو الذي يهددها، ولكن تصرفها الحالي الذي يتغذى دائما من نفس الالتباسات. ليس الفلسطينيون من يهدد “إسرائيل”، وليست إيران، وإنما احتلالٌ يتأبّدُ ولم يعُدْ يكفي إخفاءه أو تبريره بإعلام ذكي. لا تستطيع أيّة حجة أن تقاوم هذه المسألة البدهية: إن هذا الصراع هو صراع من نمط كولونيالي (استعماري) لا تتوقف “إسرائيل” عن تهييجه..
ويعلق سيفير على الواقع فيكتب: “الحرب الميديويّة (الإعلامية) نجحت قدر المستطاع في صرف الانتباه عن هذا الاستعمار الزاحف. ولكن إلى متى؟”. سؤال مخيف، لا يريد “الإسرائيليون” أن يطرحوه على أنفسهم، ولكنه بدأ يظهر على السطح.
والخلاصة: “حين نعرف حروب الصورة التي ربحتها “إسرائيل” خلال فترة طويلة، والتي هي بصدد خسارتها، الآن، نستطيع أن نقدّر إلى أي درجة يصبح فيها ضغط الرأي العام الدولي شرطاً مركزياً للعودة إلى طريق السلام”.
دار الخليج:الثلاثاء ,07/07/2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.