في تجاعيد ليالي السكون، وصباحات العطش، في مدننا الحالمة بفتات مواطنة التي لا تزال ضريبة عين تقتطع من أجساد وأعمار كل الواقفين في زمن السقوط، والحالمين في زمن الأرق بأن لا نكون مواطنين مع وقف التنفيذ، ومن أجل أن لا نكون مواطنين بالمجاز، وأن لا نكون مواطنين بالافتراض.. ففي واقع تمطط الأحذية الأمنية، وفي مناخ ملوث بأنفلونزا انخفاض الحريات، ومصابا بالتحنط والرسوب في نفس المكان، تنبلج من بين أخبار الملح مساحات للفرح والانتصار، ليكون التحدّي عنوانا من عناوين السير فوق المسامير، وتكون هديتنا من خلال هذه السطور الشاحبة لذاك الوطن، ولمن غادروه في أكفان المحن، وللمساجين القابضين على جراحات الألم، وللمهجّرين الذين يسكنهم تراب الوطن، وللمسرّحين الذين تحتجز رغيفهم فرق الأمن، وللصاحين هناك صحفيون، محامون ، حقوقيون، طلبة وموظفون، مواطنون ، وكل النسوة والرجال المنتفضين على واقع السهاد، لكل هؤلاء نقدم لهم نبأ نجاح ابنة صديقنا "عمر قرايدي " في امتحان " البكالوريا "، الذي نهنئه ونهنئ جميع أفراد عائلته، الذين استطاعوا صناعة الفرح فوق جماجم المعاناة والأحزان، ولمن لا يعرف "عمر قرايدي " فهو ذاك الرجل الذي رحّلته الجزائر سنة 1993 إلى تونس، وبقيت زوجته وابنتيه مشردين هناك في الجزائر، حتى قرّروا العودة إلى تونس رغم ما ينتظرهم هناك، حيث حوكم باثني عشر عام، قضاها وراء القضبان، ولمن لا يعرف " عمر قرايدي " مرة أخرى فهو ابن مدينة " قلعة سنان " الواقعة في الشمال الغربي من ولاية الكاف، والقريبة جدا من الحدود الجزائرية، كانت زمن الاستعمار من الحصون الخلفية للثوار، وفي زمن التغيير كانت جسر عبور فرّ منه مئات المهجّرين هروبا من السجون والمحاكمات والتعذيب، ولمن لا يعرف قلعة سنان فهي مدينة المهندس " أحمد العمري " شهيد الحركة الطلابية، وهي كغيرها من المدن التونسية التي أرهقتها محاضر التفتيش، وأتعبتها المراقبة الإدارية وطوابير الدوريات الأمنية، وهي بلدة " صالح بن عبد الله " ذاك الإطار السامي الذي قضى عشر سنوات في السجون والزنزانات، وهو الآن يشتغل ربع خضّار، يحمل على كتفيه صندوقي بصل وبطاطا يتنقل بهما في الأسواق، يبحث عن بعض رغيف حر في لون الزمن المر، وذاك ما جنته عليه دولة الاستقلال.. فتهانينا الحارة لابنة صديقنا "عمر قرايدي" عضو منظمة حرية وإنصاف على فوزها بشهادة الباكالوريا، ومن خلاله نقول لأهل حرية وإنصاف التي بلغتنا استغاثتهم بالصوت والصورة والبيان، لهؤلاء الحقوقيين المحاصرين في قوتهم في بيوتهم في مكاتبهم في تنقلاتهم، هؤلاء الذين يعيشون يوميا تحت المراقبة والحصار نقول لهم ما قاله "ضياء كوك" " كما أن هناك شمسا مشرقة تضيء على صفحة هذه السماء الزرقاء، فإن هناك شمسا أكثر بهاء على وشك البزوغ في أفق الإنسانية، تلك هي شمس الحرية.. الحق نورها، والحب حرارتها "