تتألق السينما التونسية مجددًا على الساحة الدولية، حيث فاز الممثل محمد مراد، مساء الجمعة في الدار البيضاء، بجائزة أفضل دور رجالي ضمن فعاليات مهرجان الفيلم العربي، عن أدائه المذهل في فيلم "جاد"، وهو عمل مؤثّر من إخراج جميل نجّار. ويُعدّ هذا التتويج استحقاقًا جديرًا بفنان لا يتوقف عن تعميق أدواته الفنية، حاملاً راية الإبداع التونسي عاليًا في المحافل العربية والدولية. أداء استثنائي يجسّد المعاناة والكرامة في "جاد"، يجسّد محمد مراد شخصية رجل يواجه قسوة وتغوّل النظام الصحي، مُعبّراً عن الألم والغضب والصمود بقدرٍ عالٍ من التجرّد والواقعية. دون مبالغة أو افتعال، قدّم أداءً نادرًا في شدّته، حيّاه أعضاء لجنة التحكيم بإجماع باعتباره قمة في الصدق العاطفي. وعلّق أحد أعضاء اللجنة قائلاً: "دور صعب نُفّذ بصدق يلامس القلب ويجرد الدفاعات". رسالة إنسانية وإدانة ناعمة لفشل المؤسسات الفيلم المستوحى من أحداث واقعية، هو بمثابة إدانة ناعمة لكنها قوية لإخفاقات المنظومة الصحية في تونس، وهو قبل كل شيء تحية صادقة للمرضى المجهولين الذين يقبعون في هوامش اللامبالاة. المخرج جميل نجّار، المعروف بنظرته الثاقبة للقضايا الاجتماعية، اعتمد أسلوبًا إخراجيًا بسيطًا، شبه صامت، أفسح المجال للأنظار والصمت ليقولا ما تعجز عنه الكلمات. وكأن الفيلم يهمس بأن ما لا يُقال قد يكون أبلغ من أي حوار. صمت الجمهور… أبلغ من التصفيق منذ عرضه الأول، ترك "جاد" أثرًا وجدانيًا عميقًا لدى الجمهور. صمت القاعة بعد نهاية العرض كان أبلغ تعبير عن قوّة الفيلم؛ عمل يُحرّك المشاعر، يُقلق الضمير، ويظل حاضرًا في الذاكرة. إلى جانب محمد مراد، ساهم أداء ياسمين الديماسي المتوهّج وعبد الكريم بناني المتميّز، في تعميق قوّة هذا العمل الجماعي، الذي يتناول معاناة الإنسان بصيغة سينمائية راقية. منعطف دولي في مسيرة محمد مراد يشكّل هذا التتويج منعطفًا بارزًا في مسيرة محمد مراد، الذي بات يُثبت أكثر فأكثر مكانته كممثل ملتزم، قادر على حمل أدوار ذات عمق ورسالة إنسانية. أما المخرج جميل نجّار، فقد رسّخ حضوره كأحد أبرز الأصوات السينمائية في المغرب العربي المعاصر. "جاد": فيلم يتجاوز الحدود يتجه "جاد" ليصبح من أبرز أفلام السنة، ليس فقط بفضل رسالته الكونية، بل أيضًا بسبب جودة الأداء والإخراج. إنه نجاح تونسي يشرّف وطنًا بأكمله، ويؤكّد مجددًا على قدرة السينما في أن تكون مرآة للواقع الاجتماعي ومحفزًا للوعي الجماعي.