سراييفو : عبدالباقي خليفة الفجرنيوز يعتبر المسلمون البوشناق إحياء ذكرى سريبرينتسا ، من كل سنة زيادة في الألم ، فالسنوات التي أعقبت الجريمة كانت بمثابة أكداس من الحجارة على قلوب أهالي الضحايا ، والشعب البوسني المسلم . أو بتعبير الدكتور مصطفى تسيريتش ، " صخرة جديدة توضع على صدورنا " . ولم تخل الذكرى 14 من الأذى فقد نشرت مجموعات صربية على الانترنت ، دعوة لاعتبار ، مجرم الحرب الجنرال راتكو ملاديتش ، المسؤول المباشر عن مجازر سريبرينتسا ،والفار من محكمة الجزاء الدولية الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة ، من سكان سريبرينتسا . وأطلقت المجموعة على الفايس بوك ، على نفسها " راتكو ملاديتش من سكان سريبرينتسا ". في وقت جددت فيه محكمة جرائم الحرب في لاهاي ، الاتهامات ال 15 الموجهة لملاديتش ومن بينها ارتكاب جرائم الابادة الجماعية ، والإزالة العرقية ، والقتل ، وإرهاب المدنيين ، واتخاذ المدنيين رهائن ، وكذلك 200 من قوات الاممالمتحدة . كما يعد ملاديتش مسؤولا عن جرائم الابادة وجرائم الحرب التي ارتكبها الصرب في مدن بوسنية أخرى مثل زفورنيك ، وبوسانسكي كروبا ، وبراتوناتس ، وبيالينا ، وبريدور ، وكوتر فاراش ، وسانسكي موست ، وجوراجدة ، وفلاسنيتسا ، وسراييفو ، وبنيالوكا وبريتشكو ، وكليوتش ، ودوبوي ، وروغاتيتسا ،ووفوغوتشا ، وفلاسينيتسا ، وتسليتش ، بوسانسكي غراديشكا غيرها . الأذى والألم : الأذى والألم الذي يشعر به المسلمون ، ولا سيما البوشناق منهم ، وبصورة أخص أهالي الضحايا ، هي من مظاهر الأذى التي يمارسها الصرب باستمرار ، ومن ذلك محاولة تحويل الجريمة إلى دفاع ، والعار إلى نصر ، والجناة إلى أبطال . ففي الذكرى 14 لمجازر سريبرينتسا لا يزال هناك الكثير من الصرب الذين يعتقدون بأن " الجنرال راتكو ملاديتش ( جزار سريبرينتسا ) ليس مجرم حرب " وأنه " حرر الصرب من المسلمين الارهابيين " ( هكذا ) . ولا يقف الأمر عند تصريحات وزير خارجية صربيا فوك يريميتش ، الذي قال بأن " البوسنة ليست دولة " وأنها " تحت الانتداب الدولي " ولا عند رفض الرئيس الصربي بوريس طاديتش للاصلاحات في البوسنة ، تحت ذريعة اتفاقية دايتون ، وإنما وصل إلى حد إحباط الصرب في البوسنة لمشروع قرار داخل البرلمان ، يعتبر يوم 11 يوليو ، ذكرى مجازر سريبرينتسا . ليس ذلك فحسب ، بل وصل الأذى إلى حد التهديد باعتقال عدد من ضحايا الابادة الذين لا يزالون على قيد الحياة . وقد هددت منظمات نسائية من سريبرينتسا مثل " أمهات سريبرينتسا " و" نساء سريبرينتسا " و" ضحايا الابادة " بالامتناع عن دفن الضحايا وهم 534 هيكلا عظميا غير مكتملة الأعضاء بمناسة الذكرى 14 للابادة في سريبرينتسا . 534 ضحية : وكان موكب توابيت ضحايا سريبرينتسا قد وصل إلى بلوتتشاري القريبة من المدينة المنكوبة يوم الجمعة ، حيث سيعاد دفن الضحايا ال 534 في مقبرة الشهداء ببلوتشاري السبت . وكانت الساحة على موعد مع الدموع التي نزلت مدرارا من عيون الضحايا ، بينما كانت الأمطار تنزل كالقرب من السماء . وقالت رئيسة جمعية " أمهات سريبرينتسا " خديجة مهميدوفيتش " " " كل يوم يمر على الامهات هو أصعب من الذي مضى ، ويبلغ الألم الذروة عندما تتسلم الأمهات توابيت أبنائهن ، فيوم 11 يوليو هو الأصعب في حياة الأمهات كل عام " . وقالت نييرة دجوكاز " أنتظر ابني وهوممن سيعاد دفنهم يوم 11 يوليو ، فأنا أعيش هنا ، حيث عدت إلى منزلي عام 2002 م ، ولم أفقد الأمل طوال السنوات الماضية في العثور على رفاته ، والحمد لله لم يذهب ( أملي ) سدى " وتابعت باكية " سيعود ابني في تابوت وكنت أتمنى أن أراه حيا " وذكرت بأنها فقدت زوجها أثناء العدوان سنة 1992 م أي في بداية الحرب . " فقدت زوجي وابني الثالث في بواكير العدوان سنة 1992 " وكررت باكية " عوض أن أحتفل بزواجه ، أقوم بإعادة دفنه في قبره " . وقد وضعت التوابيت في مستودع كان مصنعا للبطاريات ، وهو الآن من شواهد مجازر سريبرينتسا وعذابات أهلها المستمرة . ويبلغ عدد الذين أعيد دفنهم من ضحايا سريبرينتسا حتى الآن 3215 ضحية . تحديد هوية 6،186 ضحية : ولا يقف مجهود البحث عن المفقودين ، عند البحث عن المقابر الجماعية وإعادة دفن الضحايا وإنما هناك جهود كبيرة لمعرفة هويات الضحايا . وقد ذكرت اللجنة البوسنية للبحث عن المفقودين ، أنها حددت هوية 6،186 ضحية من ضحايا سريبرينتسا ، من أصل 8100 مفقودا منذ سقوط سريبرينتسا في يوليو سنة 1995 م .وقال رئيس اللجنة ،عمر ماشوفيتش " " " وفق نظام تحديد الهوية دي ان كي تم تحديد هويات 6،186 ضحية من ضحايا سريبرينتسا من أصل 8100 مفقود منذ 1995 " وتابع " عثرنا على الضحايا داخل مقابر جماعية في مختلف أنحاء البوسنة " وعن العدد الإجمالي للضحايا الذين تم تحديد هوياتهم وفق تحليل الحمض النووي دي ان كي قال " هناك 12،520 ضحية ممن عثرنا على عظامهم ورفاتهم في أكثر من 3 آلاف مقبرة ، وبعضهم عثرنا على أجزاء جسمه في أكثر من مقبرة وأحيانا في 3 أو 4 مقابر ، وهناك من وجدنا بعضه ، ولم نعثر بعد على بعضه الآخر " وعن كيفية تحديد هويات الضحايا ، وما معنى الحمض النووي ودي ان كي قال " نأخذ عيينات من دماء أهالي الضحايا الأحياء ونطابقها مع تحليل جزء من أجساد الضحايا ، ولذلك تعتبر المحافظة على الأنساب مهمة جدا في الانساب ، وهو ما يبرر العقوبات المختلفة وفق الشريعة الاسلامية بين العزاب والمتزوجين " وذكر بأنهم استعانوا ب 69،051 تحليل دم لتحديد هوية 25،033 هيكل بشري مكتمل وغير مكتمل .وأنهم يأخذون تحليل الدم لأكثر من عضو من عائلة الضحية لتحديد هويته ، فإذا تطابقت مع التحاليل تعلن هوية الضحية ويحضر أهله عملية إعادة دفنه . وقال إن " عائلات الضحايا في سريبرينتسا لا يزالون ينتظرون أنباء الكشف عن مصير ذويهم ، وحتى الذين علموا بمصير ذويهم فإن تلك المعلومات يتلقونها بالتقسيط ، أي يتلقون من حين لآخر نبأ العثور على بعض أجزاء ضحاياهم ، لأن الصرب قطعوا أجسادهم ودفنوها في مقابر جماعية مختلفة ، لذلك يتعذب أهالي الضحايا أكثر من مرة ، فضحايا الحروب بما في ذلك ضحايا النازية والفاشية والحروب الدينية السابقة في أوربا لم يتعرضوا لما تعرض له ضحايا التشتنيك الصرب في البوسنة بين 1992 و1995 . وقال إن الأمل معقود على أن يبادر من شارك في تلك المجازر بالاعلان عن أماكن المقابر الجماعية لينهوا مأساة الآلاف من أهالي الضحايا ، فالكثير من أجساد الضحايا عثر عليها متفرقة على أربع مقابر جماعية تبعد إحداهما عن الأخرى أكثر من 20 كيلومترا " . الابادة مستمرة : وشهدت الذكرى 14 لمجزرة سريبرينتسا فعاليات عدة . كما نظمت كلية الحقوق في توزلا ( 120 كيلومترشمال سراييفو ) ندوة بمناسبة الذكرى 14 لمجازر سريبرينتسا تحت عنوان " تريبينيا ، سريبرينتسا .. الابادة مستمرة " وشارك في الندوة الدبلوماسي ، أستاذ العلاقات الدولية الدكتور قاسم ترنكة ، وأستاذ الحقوق الدكتور إيدين موتابشيتش ، والدكتورة إيدينا بشيروفيتش ، والدكتور عزالدين حسانوفيتش .وأكد المشاركون على أن " نفي الإبادة هو استمرار في الاصرار عليها ، بل استمرار عملية الابادة من الناحية الذهنية والاستعداد أيضا لتكرارها " وقال الدكتور قاسم ترنكة " نفي الابادة ليس مقتصرا على بعض المجموعات الصربية ، وإنما هناك إنكار من قبل بعض السياسيين في الحكم ، وهذا ما يعني أن الابادة لم تنته طالما ليس هناك اعتراف بحدوثها وتراجع عن السياسات التي أدت إليها ، وهي سياسات توسعية فاشية بدرجة أولى " وقال الدكتور الدكتور إيدين موتابشيتش " الابادة لم تحدث في سريبرينتسا فقط ، كما يظن البعض وإنما في قرى ومدن بوسنية أخرى ، مثل زفورنيك وبيالينا وتريبينيا وجوراجدة وسراييفو وبيهاتش وغيرها " وتابع " إذا لم يتم الاعتراف بشكل واضح بالابادة ، فإن البوسنة بل منطقة البلقان بأسرها ستظل مهددة بجرائم وفضائع مماثلة " أما الدكتورة إيدينا بشيروفيتش فقد أكدت على أن "عدم الاعتراف بالابادة ، وبدون محاكمة المجرمين المتورطين في الابادة لن تكون هناك مصالحة حقيقية بين الاثنيات ، لأن أحدهما لا يزال يتألم من آثار الابادة ، والآخر ينكر أنه جنى عليه وعلى أعز أقربائه وأصدقائه وأبناء شعبه " .