يدور صراع سياسي خفي حول موقع رئيس الجمهورية في لبنان العماد ميشال سليمان الذي يحاول تعزيز دوره بعد الانتخابات النيابية بعد عام على انتخابه إثر اتفاق الدوحة. ويسعى سليمان إلى لعب دور أبرز والحصول على حصة أكبر من حصته في الحكومة الحالية حيث نال ثلاثة وزراء "الداخلية والدفاع ووزير دولة" من أصل ثلاثين وزيراً نتيجة صفقة تمّت في الدوحة قبل 14 شهراً. وتبدي أوساط الرئيس سليمان رفضاً قاطعاً لتحوّل موقع رئاسة الجمهورية إلى مجرّد "موقع رمزي" أو "ساعي بريد". والمثير في هذا الرفض، اقترانه بما هو أبعد من استياء رئاسي جاء وليد التراجع الواضح عن عهود ووعود قُطعت خلال الأشهر الماضية وخاصة خلال المعركة الانتخابية بإعطاء ثلث أعضاء الحكومة الجديدة لرئيس الجمهورية. هذا الواقع يشي بخيبة أمل رئاسية وبأكثر من استنكار نظرة هذا الفريق أو ذاك، والتي توحي بأن رئيس الجمهورية لا يشكل "الضمانة" داخل الحكم وداخل مجلس الوزراء! لكن أوساط الرئيس تذكّر الفرقاء السياسيين بقرار رئيس الجمهورية باستخدام حقّه الدستوري بوضع "فيتو" على أية تشكيلة حكومية لا تراعي الوفاق الوطني، أو تشكيلة من لون واحد... إلا أن الأهم في هذا السياق، هو تأكيد هذه الأوساط أن الرئيس متمسك "بحصة دسمة" في الحكومة، وأكثر من ذلك، كما يقول مطلعون على الموقف الرئاسي، فإن سليمان يريد حصة من ستة أو سبعة وزراء، بما يعني حصول رئيس الجمهورية على ما يُسمّى "الثلث الضامن" أو الثلث الراعي للوفاق الوطني. على أن أهم ما تقوله هذه الأوساط هو أن رئيس الجمهورية دخل عملياً في مرحلة السعي لامتلاك "كتلة وسطية وزارية" في حكومة سعد الحريري، وهو مصرّ على إحداث نقلة نوعية في موقع ودور رئاسة الجمهورية. غير أن تشكيل الحكومة الجديدة يواجه عقبات أخرى متعددة الجوانب؛ فالمعادلة القائمة الآن، هي أن الأكثرية النيابية لن تمنح المعارضة "الثلث الضامن" مباشرة، ولا يستطيع أحد أن يجادلها بحقّها في تأليف حكومة من لون واحد، باعتبار أنها ربحت الانتخابات، وهي قادرة تقنياً على ذلك... هذا بالمطلق، لكن من الواضح أنها لا تريد ذلك، ولا هي قادرة على إدارة البلاد بلون سياسي واحد. أصلاً لا يستطيع أي فريق أن يدير البلد وحده، فلبنان الصغير، مشاكله أكبر من مساحته وعدد سلطاته. إذا كانت القناعة لدى الفرقاء السياسيين مشتركة بحكومة مشاركة وطنية، فلا بدّ من حَكَم يستخدم "صفّارة الحسم"، وليس أفضل من رئيس الجمهورية لهذه المهمة، فماذا يُفترض بالرئيس أن يفعل إذا جرّدوه من دوره كرمز لوحدة البلاد واستقرارها السياسي والأمني. إن الرئيس سليمان يمتلك من الحكمة ما يكفي لكي يعرف ماذا يفعل، ولا أحد من اللبنانيين يخاله بحاجة إلى نصيحة من هنا أو من هناك؛ وبالطبع إن هذا ليس حلا للأزمة اللبنانية التي باتت تتفاقم يوماً بعد يوم، إنها تسوية لإدارة الأزمات المتفاقمة في لبنان، والتعايش مع أزمة، أو أزمات المنطقة، بانتظار حلول كبيرة تكون في حجم الأزمات التي تعصف بلبنان ودول المنطقة منذ عقود.