صحيح أن عقد مؤتمر فتح تحت الاحتلال وتحت هيمنة أجهزة الأمن التي بناها الجنرال كيث دايتون يفقد المؤتمر شرعيته. فهو مؤتمر مسلوب الإرادة. وقد تمّ تعيين مكانه بعد قرار محمود عباس عضو اللجنة المركزية حلّ اللجنة التحضيرية وما تبع ذلك من تداعيات أدّت إلى مساومات وتدافعات فرضته فرضاً. وهو ما أخرج فاروق القدومي أمين سر اللجنة المركزية عن طوره وأجبره على إعلان الوثيقة الشهيرة التي أودعها لديه الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات قبل استشهاده، وذلك لكي يعلن براءته من قرار عقد المؤتمر في بيت لحم والذي اعتبره غير شرعي. ومع ذلك فإن غالبية كبيرة من قيادات فتح وكوادرها سيشاركون في المؤتمر ما دام سينعقد في كل الأحوال، ما جعلهم يرون الحضور أفضل من المقاطعة مع أن الكثيرين منهم كانت لهم مواقف متشدّدة ضد عقده في بيت لحم. وبهذا تكون مشاركتهم بسبب الاضطرار، في محاولة للتحرّك داخل المؤتمر وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو قُل من أجل عدم ترك الميدان لأبي حميدان، فوجودهم سيكشف عن كل تهديد أو ابتزاز أو تزوير. وهنالك من سوّغوا الحضور لإسقاط محمد دحلان وفريق محمود عباس، مع تحييد محمود عباس نفسه، إلى جانب السعي لإدخال معارضين في اللجنة المركزية والمجلس الثوري لإسقاط الخط السياسي الذي انتهجه محمود عباس، رغم تحييده (لأسباب تاريخية). لا شك في أن عدداً من الحضور سينشغل بموضوع انتخابات اللجنة المركزية والمجلس الثوري أكثر مما سينشغل بالقضايا الأكثر أهمية. وذلك تحت الأمل، أو التوهّم، بأن وصول أعضاء فتحاويين مخلصين لفتح وتاريخها إلى تلك المواقع سيكون مقرِّراً لمستقبلها ومستقبل القضية، وهو رأي له وجاهته إذا أمكن استبعاد محمود عباس من موقع قيادة اللجنة المركزية، ومن ثم قيادة فتح. ولكن إذا تمكن محمود عباس من أن يفرض قراراً على المؤتمر يسمّيه «رئيساً للحركة» أو «أميناً عاماً لها» أو حتى «قائداً عاماً» (ولو بلا قوات مسلحة يقودها)، فعندئذ لن يكون هنالك من قيمة لأي بيان سياسي يصدر عن المؤتمر، وسوف يُصادَر دور اللجنة المركزية والمجلس الثوري من خلال الهيمنة على قرار اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئاسة السلطة، كما هو حاصل الآن، وكما دلت تجربة رئاسة السلطة واللجنة التنفيذية خلال السنوات الخمس الماضية. فإذا حلّ اللجنة التحضيرية المعيّنة من اللجنة المركزية ثم فرض عليهما ما يريده وهو مجرد عضو في اللجنة المركزية فكيف إذا مُنِحَ صلاحية الرئيس أو الأمين العام أو القائد العام من المؤتمر؟ فعندئذ على فتح السلام، لأن مصير أي عضو معارض لن يختلف عن مصير فاروق القدومي رغم أسبقيته وأولويته في اللجنة المركزية على محمود عباس. على أن المؤتمر سيكون مواجهاً بعدد من الاستحقاقات تقرر مدى هزاله أو جدّيته ناهيك عن عقده غير الشرعي في بيت لحم. أولاً: هنالك استحقاق أمام المؤتمر يوجب على محمود عباس أن يجيب عن الأسئلة التالية: كيف قرّر أو تقرّر تحويل 7 آلاف ضابط من فتح إلى التقاعد لتطلق يد الجنرال دايتون لإعادة بناء الأجهزة الأمنية بما أفقد فتح سيطرتها على تلك الأجهزة، وجعل ولاءها الفعلي لدايتون وسلام فياض رغم شكلية الولاء للرئيس؟ هنا وجهت ضربة قاتلة لفتح. وقد وعد سلام فياض أن يفعل الشيء نفسه في المؤسسات الأخرى التابعة للسلطة. إنها سياسة تحويل غالبية أبناء فتح إلى متقاعدين يكبّلهم استمرار الراتب. ثانياً: كيف يفسّر الرئيس محمود عباس سياسته بعد مؤتمر أنابوليس بالانخراط في مفاوضات سريّة ثنائية مع استمرار الاستيطان في القدس وخارجها واستمرار الحفريات بل تصعيد الاستيطان بوتائر عالية جداً. فإذا كان شرطه الآن للتفاوض وقف الاستيطان فما تفسير عدم وجود مثل هذا الشرط طيلة مرحلة المفاوضات الثنائية التي دامت أكثر من سنة ونصف السنة؟ فهنالك الكثير من الأراضي الفلسطينية طارت مع الجدار ومع المستوطنات تحت غطاء المفاوضات الثنائية. أفلا يوجب هذا أن يحاسب محمود عباس إلى حد مطالبته بالتنحي عن قيادة السلطة وعدم التجرؤ بفرض قيادته مجدداً على فتح؟ والأهم: كيف يدّعي أنه يريد إقامة دولة على أراضي ما قبل يونيو 1967 فيما سلم بمبدأ تبادل الأراضي الذي سيكرّس المستوطنات الكبرى في الضفة والقدس. وقبِلَ سلفاً أن تكون القدسالغربية عاصمة لإسرائيل؟ ثالثاً: كيف يفسّر الرئيس محمود عباس صراعه مع ياسر عرفات إلى حد وصل إلى القطيعة وإلى استخدام الضربات تحت الحزام والرئيس عرفات تحت الحصار؟ فقد انضم إلى جوقة نزع صلاحيات ياسر عرفات، وإلى ضرب قيادته الفعلية لحركة فتح وتحويله إلى «رمز» لا دور فعلياً له غير التوقيع وتغطية التنازلات. والسؤال: أوَلمْ يؤدِّ ذلك إلى رفع الغطاء الفتحاوي- الفلسطيني عن ياسر عرفات ومن ثَمَّ شجع أو سوّغ رفع الغطاء العربي عنه، فالدولي، ما سمح، عن وعي أو من دون وعي (سيّان) لشارون بالتجرؤ على اغتياله؟ رابعاً: كيف يفسّر موضوع لفلفة التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات بل معاملة ما جرى كأنه موت طبيعي وليس اغتيالاً واستشهاداً؟ ثم كيف يمكن للمؤتمر السادس أن ينعقد تحت راية ذكرى ولادة ياسر عرفات ولا يفتح ملف الذين اعتبروه فاقد القدرة على القيادة أو «منتهي الصلاحية» وطالبوا بتجريده من كل صلاحياته واستخدموا العنف الجسدي والكلامي ضد الذين وقفوا إلى جانبه وبقوا مخلصين له؟ وعلى ذلك شهود كثر بين أعضاء المؤتمر. وبالمناسبة يمكن العودة بسهولة إلى وسائط الإعلام المختلفة التي رافقت تلك المرحلة التي كان فيها ياسر عرفات تحت الحصار حتى استشهاده وما أعلن من مواقف ضده. فالمسألة هنا ليست تقارير سريّة ولا محاضر وإنما وقائع ومواقف أسود على أبيض وبالصوت والصورة كذلك. خامساً: ألا تستحق السياسة التي أدّت إلى ارتهان الميزانية الفلسطينية للدول المانحة وعملياً للقرار الأميركي- الإسرائيلي أن تُدان من المؤتمر. فمحمود عباس لم يثر هذه القضيّة حتى في مؤتمر القمة العربية الأخير وهو ارتهان يهدّد القضيّة الفلسطينية برمتها. أما الاستحقاق السادس بالغ الأهميّة فيوجب نقد الخط السياسي الذي تبنّاه، وبإصرار، محمود عباس، من اتفاق أوسلو مروراً برئاسته مجلس الوزراء وانتهاء برئاسته للسلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية بما في ذلك الموقف من العدوان على قطاع غزة، ومن تسليم أمور السلطة في الضفة الغربية لسلام فياض، والأمنية لدايتون، وانتهاء بالمواقف السياسية التي عبّر عنها في مؤتمر أنابوليس والمفاوضات الثنائية إلى جانب المسؤولية التي أسهمت في الوصول إلى الانقسام والقطيعة داخل الصف الفلسطيني. وأخيراً وليس آخراً إذا كان المؤتمر، وبشبه إجماع، يرثي للحالة التي وصلت إليها فتح ودورها في الساحة الفلسطينية. أفلا يعود جزء أساس في تحمّل مسؤوليته للخط السياسي الذي تبنى «استراتيجية المفاوضات والمفاوضات فقط» وقد أقذع في الهجوم على المقاومة وكل أشكال الممانعة الشعبية؟ وهو ما مورس عملياً ولم يمارَس عداه حتى في أدنى مستوياته. فقد استبعدت تماماً كل مقاومة وكل ممانعة شعبية نضالية. طبعاً ثمة استحقاقات أخرى تحتاج من المؤتمر أن يقف عندها وهي المتعلقة بالوحدة الوطنية الفلسطينية وبإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وإنقاذها من حالة اللاشرعية التي تتسّم بها لجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي ومجلسها الوطني. وذلك، وقبله، استراتيجية المقاومة والانتفاضة في مواجهة الاحتلال والجدار والاستيطان وتهويد القدس ومعارضة مشروع حلّ الدولتين التصفوي الذي يتضمن إلغاء حق العودة لتُحل مشكلة اللاجئين بالتعويض والتوطين والوطن والبديل والاعتراف بيهودية دولة الكيان والتسليم بتجزئة الضفة الغربية على ضوء ما حدث من استيطان وما ابتلعه الجدار من أراضٍ، ومن استيلاء على الأغوار والشواطئ الغربية لنهر الأردن والبحر الميت مع السيطرة على الحدود والأجواء والسياسات الأمنية والتسليحية. العرب القطرية 2009-08-02