بعنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس" قال د. علي الصلابي، الكاتب والمفكر الإسلامي الليبي، إن الجماعة الليبية المقاتلة انتهت من كتابة مراجعاتها الفقهية، وقامت بتسليمها للدولة ولمؤسسة القذافي للتنمية بقيادة سيف الإسلام القذافي الذي يشرف على ملف المراجعات. وأكد الصلابي الذي يلعب دور الوسيط بين "المقاتلة" والدولة الليبية أن المراجعات حملت عنوان "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، وتم تسليمها إلى لجنة علمية ضمت علماء من داخل ليبيا وآخرين من خارج ليبيا، ففي الداخل تسلمها ستة من العلماء، منهم الصادق الغرياني، ود.حمزة أبو فارس، ود. سليمان البيرة، ود.عقيل حسن عقيل، ود. محمد أحمد الشيخ. وأما من خارج ليبيا فتسلم المراجعات كل من د.سلمان بن فهد العودة من السعودية، والشيخ محمد الشنقيطي من موريتانيا، ود.أحمد الريسوني من المغرب، ومن المقرر أن يتسلم الشيخ يوسف القرضاوي نسخة لمراجعتها وإبداء الرأي الفقهي فيها. ونفى الصلابي في حديثه ل"الإسلاميون.نت" أن يكون تشكيل هذه اللجنة العلمية نوعا من الوصاية على المراجعات للجماعة المقاتلة، وأن الغرض منها هو الاستفادة والمراجعة العلمية والفكرية والشرعية لما جاء فيها من أحكام وآراء جديرة بالدراسة والبحث. وأشار الصلابي إلى أن التقييم العلمي سيوضح إذا ما كانت هذه المراجعات والآراء تمثل رأي جمهور العلماء أم لا، مؤكدا أن هذا التقييم يعود إلى رغبة قادة الجماعة المقاتلة حتى تطمئن قلوبهم وحتى يستفيدوا من آراء كبار العلماء والفقهاء في العالم العربي والإسلامي. وعن أهم قادة الجماعة المقاتلة الذين شاركوا في إعداد المراجعات ذكر الصلابي الشيخ عبد الحكيم بلحاج وشهرته أبو عبد الله الصادق، والشيخ أبو المنذر الساعدي وأبو حازم واسمه خالد الشريف، ومفتاح الدودي وشهرته الشيخ عبد الغفار، ومصطفي قنيفيد "الزبير" والشيخ عبد الوهاب قايد، مؤكدا أن المراجعات ستنشر باسم هؤلاء القادة بعد إجازتها. وأثنى الصلابي على مراجعات المقاتلة، مؤكدا أنها تنطلق من منطلقات دينية وشرعية، وأنها دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنزال الأحكام، مؤكدا أنها اعتمدت على مؤلفات كبار العلماء والمحققين أمثال الإمام النووي والشاطبي وابن القيم وابن تيمية وابن رشد وابن حزم العسقلاني وغيرهم. وأوضح الصلابي أن المراجعات تقع في 421 صفحة، وتتوزع على تسعة أبواب، وتنتهي بالآية الكريمة: "لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"، وأكد أن هذه الآية الكريمة كانت محور اللقاء الأول الذي جمعه مع قادة المقاتلة لتدشين المراجعات. وعن تقييمه للمراجعات كباحث إسلامي يقول الصلابي إن قادة المقاتلة لم يخرجوا فيها أبدا عن رأي جمهور العلماء، وإنها تميزت بالاعتماد على الآراء الصحيحة والوسطية لكبار العلماء والمحققين، كما تميزت بالتأصيل العلمي الدقيق للآيات والأحاديث والاستشهادات من آراء العلماء.
يرى الصلابي أن قادة المقاتلة لم يعتمدوا على المراجعات المصرية
ويؤكد الصلابي أن المراجعات الليبية تتميز بالشجاعة الأدبية، خصوصا في مقدمتها واعترافهم بأنهم حملوا السلاح ضد الدولة لعدة مبررات، وعندما اكتشفوا أن الطريق غير صحيح فإنهم عدلوا عنه، وأنهم يعترفون بأخطائهم بشجاعة دون الدخول في معارك جانبية، مشيرا إلى أن نبذهم للسلاح كان واضحا بالتصريح وليس بالتلميح، وأنهم يرون حرمة الخروج على الدولة. وفي مقارنة بين مراجعات الجماعة الإسلامية والجهاد والتي صدرت في مصر خلال السنوات الماضية وبين مراجعات الجماعة الليبية المقاتلة قال الصلابي من الملاحظ أن قادة المقاتلة لم يعتمدوا على المراجعات المصرية في كتابتهم ولم ينقلوا منها أي شيء. وأضاف أن مراجعات المقاتلة أكثر شمولا ودقة وتأصيلا من الناحية العلمية، وأنها اعتمدت على مناقشة الأفكار والعقائد دون الدخول في المسائل الشخصية والهجوم على بعض الشخصيات، وهذا من الممكن أن يعطيها القبول لدى كافة التيارات الإسلامية، وأرجع الصلابي ذلك إلى خصوصية تجربة الجماعة الليبية المقاتلة" عن غيرها من الجماعة في المنطقة العربية. ويرجع الصلابي الفضل في خروج هذه المراجعات بهذه القوة إلى رعاية السيد سيف الإسلام القذافي للملف، وتوفيره مكتبة ضخمة من الكتب والمراجع الدينية داخل السجن لقادة المقاتلة، وهو ما أعطاهم فرصة للاطلاع والبحث العلمي الدقيق حتى تخرج المراجعات على ما هي عليه، مؤكدا أن قادة المقاتلة قاموا بطبع المراجعات بأنفسهم على الكمبيوتر داخل السجن وأنهم يحتسبون هذا الجهد لله ويتنازلون عن كل حقوق الطبع والنشر وجعلوها مشاعا لكل المسلمين ولم يطلبوا أي مقابل مادي لها، وأنها ستنشر لجمهور المسلمين بعد رأي العلماء والإذن من قبل الدولة. وأما عن المستفيد من مراجعات المقاتلة فيقول الصلابي إن الجماعة استفادت منها، كما أن الدولة الليبية استفادت والشعب الليبي والأمة الإسلامية بشكل عام سوف تستفيد من هذه المراجعات ومن انتهاء الصدام بينها وبين الدولة. ومن المتوقع أن يكون لهذه الدراسات التصحيحية للجماعة المقاتلة أثر كبير على فكر الجماعات الإسلامية المسلحة على امتداد العالم الإسلامي، خاصة في بلاد المغرب العربي. وكان الحوار بين الدولة و"المقاتلة" قد بدأ منذ عامين، وكان من ثماره الإفراج عن حوالي 136 عضوا من عناصر الجماعة بعد أن تراجعوا عن أفكارهم وحمل السلاح في وجه النظام، بينما ظلت بقية العناصر داخل السجون، ويشرف على الحوار أبو عبد الله الصادق أمير، وأبو منذر الساعدي المسئول الشرعي في الجماعة، ومؤلف كتاب "خطوط عريضة في منهج الجماعة الإسلامية المقاتلة" وعدد آخر من قادة الجماعة في السجون. وقد تكونت الجماعة الليبية المقاتلة في ليبيا بعد عودة الأفغان الليبيين من الحرب ضد الروس في أفغانستان عام 1990، وعملت الجماعة في جو من السرية واضعةً نصب عينها الإطاحة بنظام القذافي لإقامة دولة إسلامية، إلا أن السلطات الليبية تمكنت من كشفها 1995؛ وهو ما دفع الجماعة إلى الإعلان عن نفسها لتستمر المواجهات المسلحة مع النظام حتى عام 1999 حينما أعلن القذافي قضاءه على الجماعة. الإسلاميون