الصوناد: نظام التقسيط مكّن من اقتصاد 7 % من الاستهلاك    جلسة عمل وزارية حول ملف الهجرة    عاجل/ بعد حادثة مسبح رادس: هذا ما أمر به رئيس الدولة..    تمديد الاحتفاظ بسعدية مصباح    مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص أضحية العيد    حالتهما حرجة/ هذا ما قرره القضاء في حق الام التي عنفت طفليها..#خبر_عاجل    عاجل/ ديلو: قوات الأمن تحاصر عمادة المحامين للقبض على سنية الدهماني..    ترغم التحسّن الملحوظ : تعادل لا يرضي احبّاء النادي الصفاقسي    الكريديف يعلن عن الفائزات بجائزة زبيدة بشير للكتابات النسائية لسنة 2023    تصويت بغالبية كبرى في الجمعية العامة تأييدا لعضوية فلسطين في الأمم المتحدة    قليبية : الكشف عن مقترفي سلسلة سرقات دراجات نارية    طقس الليلة    عاجل/ يستهدفان النساء: القبض على نفرين يستغلان سيارة تاكسي للقيام بعمليات 'براكاج'    وزير الخارجية في زيارة رسمية إلى العراق    بالصور/بمشاركة "Kia"و"ubci": تفاصيل النسخة الثامنة عشر لدورة تونس المفتوحة للتنس..    قريبا ..مياه صفاقس المحلاة ستصل الساحل والوطن القبلي وتونس الكبرى    عاجل/ القسّام تفجّر نفقا بقوة تابعة للاحتلال في رفح.. والأخير يعلن عن قتلاه    عاجل/ الإحتلال يوسّع عملياته في رفح    نحو تنظيم مهرجان عالمي للكسكسي بهذه الولاية    قوافل قفصة تفوز على مستقبل سليمان...ترتيب مرحلة تفادي النزول للبطولة الوطنية    في تونس: الإجراءات اللازمة لإيواء شخص مضطرب عقليّا بالمستشفى    تونس ضيف شرف مهرجان إيزيس الدولي لمسرح المرأة بمصر    وزارة الشباب تفتح تحقيقا في واقعة حجب علم تونس بمسبح رادس    جندوبة: حريقان والحماية المدنية تمنع الكارثة    القطاع الغابي في تونس: القيمة الاقتصادية وبيانات الحرائق    السلاطة المشوية وأمّك حورية ضمن أفضل السلطات حول العالم    قفصة: تأثيرات إيجابية لتهاطل الأمطار على مواسم الزراعات الكبرى والغراسات المثمرة والخضروات والأعلاف    الكاف: عروض مسرحية متنوعة وقرابة 600 مشاركا في الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    البنك المركزي التركي يتوقع بلوغ التضخم نسبة %76    رادس: إيقاف شخصين يروجان المخدرات بالوسط المدرسي    اليوم: فتح باب التسجيل عن بعد بالسنة الأولى من التعليم الأساسي    بقيمة 7 ملايين دينار: شركة النقل بصفاقس تتسلم 10 حافلات جديدة    بلطة بوعوان: العثور على طفل ال 17 سنة مشنوقا    بطولة روما للتنس: أنس جابر تستهل اليوم المشوار بمواجهة المصنفة 58 عالميا    وزير السياحة يؤكد أهمية إعادة هيكلة مدارس التكوين في تطوير تنافسية تونس وتحسين الخدمات السياحية    نرمين صفر تتّهم هيفاء وهبي بتقليدها    الأمطار الأخيرة أثرها ضعيف على السدود ..رئيس قسم المياه يوضح    لهذه الأسباب تم سحب لقاح أسترازينيكا.. التفاصيل    61 حالة وفاة بسبب الحرارة الشديدة في تايلاند    دائرة الاتهام ترفض الإفراج عن محمد بوغلاب    منبر الجمعة .. الفرق بين الفجور والفسق والمعصية    خطبة الجمعة .. لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما... الرشوة وأضرارها الاقتصادية والاجتماعية !    اسألوني ..يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    بسبب خلاف مع زوجته.. فرنسي يصيب شرطيين بجروح خطيرة    إتحاد الفلاحة : '' ندعو إلى عدم توريد الأضاحي و هكذا سيكون سعرها ..''    بلا كهرباء ولا ماء، ديون متراكمة وتشريعات مفقودة .. مراكز الفنون الدرامية والركحية تستغيث    عاجل/ مفتي الجمهورية يحسم الجدل بخصوص شراء أضحية العيد في ظل ارتفاع الأسعار..    أضحية العيد: مُفتي الجمهورية يحسم الجدل    بلاغ هام للنادي الافريقي..#خبر_عاجل    أبناء قرقنة ...سعداء بهزم الترجي ونحلم بالعودة إلى «الناسيونال»    المغرب: رجل يستيقظ ويخرج من التابوت قبل دفنه    دراسة: المبالغة بتناول الملح يزيد خطر الإصابة بسرطان المعدة    بنزرت.. الاحتفاظ بثلاثة اشخاص وإحالة طفلين بتهمة التدليس    نبات الخزامى فوائده وأضراره    قابس : الملتقى الدولي موسى الجمني للتراث الجبلي يومي 11 و12 ماي بالمركب الشبابي بشنني    تظاهرة ثقافية في جبنيانة تحت عنوان "تراثنا رؤية تتطور...تشريعات تواكب"    سلالة "كوفيد" جديدة "يصعب إيقافها" تثير المخاوف    سليانة: تنظيم الملتقى الجهوي للسينما والصورة والفنون التشكيلية بمشاركة 200 تلميذ وتلميذة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المياه العربية في خطر ... الحلقة الأولى
نشر في الفجر نيوز يوم 14 - 08 - 2009

القاهرة - أحمد أبوالمعاطي وأحمد رجب وأسماء الحسيني:
1/3
ينظر كثير من الخبراء والمراقبين إلى أزمة المياه المتفجرة حاليا في العديد من مناطق العالم العربي باعتبارها واحدة من أخطر وأهم أسباب التوتر الدائر حاليا بين دول المنبع من جهة، ودول المصب من جهة أخرى، ولا يستبعد هؤلاء وجود طرف ثالث يقف دائما وراء خلق تلك الحالة من التوتر الذي ما إن يختفي عن السطح حتى يعود ليطل برأسه من جديد، بهدف تحقيق عدد من الأهداف في مقدمتها الحصول على نصيب وافر من تلك الغنيمة، حتى لو تطلب الأمر إشعال حروب وإراقة أنهار من الدماء، وتلعب “إسرائيل” في منطقتنا العربية دوراً خطيراً في هذا الاتجاه من حيث السعي المستمر للاستحواذ على المياه العربية وسرقتها، أو محاولة العبث بمصادر مياه أخرى كما في حالة نهر النيل، حيث تعمل على تحريض دول إفريقية لتجاوز اتفاقات تحدد نصيب دول المنبع والمجرى والمصب .وتنظر كثير من الدول الأطراف في هذا الملف ومن بينها مصر، إلى المياه باعتبارها “قضية أمن قومي” و”خطاً أحمر” لا يتعين تجاوزه أو العبث به، وهو الأمر الذي يشير بوضوح، حسبما يرى العديد من الخبراء الاستراتيجيين الى أن أزمة المياه التي تضرب العديد من المناطق في العالم الآن قد تكون هي السبب الرئيسي وراء اندلاع العديد من الحروب خلال القرن الحالي، ما لم تصل الدول الأطراف على مائدة المفاوضات إلى “قسمة عادلة” ونصيب وافر من اكسير الحياة .وتتجلى تلك الأزمة خلال العقد الأخير في العديد من بلدان العالم العربي، فعلى الرغم من جريان العديد من الأنهار في المنطقة العربية، إلا أنها تصنف على أنها واحدة من أفقر المناطق في مصادر المياه العذبة، إذ لا يتعدى نصيبها أكثر من 1% فقط من كل الجريان السطحي للمياه، فضلا عن 2% من إجمالي الأمطار في العالم .في هذا الملف تسلط “الخليج” الضوء على أزمة المياه في المنطقة العربية والمخاطر التي تهدد الدول العربية جراء مشاريع مشبوهة ومحاولات مستمرة لسرقة المياه العربية .
صراع في وادي النيل بين دول المنبع والمصب
تشير الإحصاءات والتقارير الصادرة عن الجهات ذات الشأن في هذا الملف إلى تضاؤل حصة الفرد من المياه في الوطن العربي مقارنةً بالمعدل العالمي، حيث لا يزيد متوسط حصة الفرد في معظم البلاد العربية على ما يقارب خمسمائة متر مكعب في العام، فيما تصل هذه الحصة عالميا ألف متر مكعب سنويا .
وتقدر التقارير الدولية عدد الدول العربية الواقعة تحت خط الفقر المائي أقل من ألف متر مكعب للفرد سنويا بنحو 19 دولة، منها 14 دولة تعاني شحا حقيقيا في المياه، إذ لا تكفي حصصها المقررة من مصادرها الطبيعية لسد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها .
وتعد مصر “هبة النيل” خير تجسيد لتلك الأزمة المتوقعة خلال سنوات قليلة، ويقول تقرير لمجلس الوزراء المصري إن البلاد ستكون في حاجة إلى نحو 2 .86 مليار متر مكعب من المياه بحلول العام ،2017 في حين أن الموارد المتاحة لها لن تتجاوز 4 .71 مليار متر مكعب، وهو ما يعني حسب تقديرات مجلس الوزراء تراجع نصيب الفرد إلى 582 مترا مكعبا سنويا، “ما لم تتخذ إجراءات مضادة” .
وتعتمد مصر اعتمادا رئيسيا على مياه النيل في مواردها المائية، حيث تصل حصتها السنوية من مياه النهر وحده بنحو 5 .55 مليار متر مكعب سنويا، وقد كانت هذه النسبة كافية إلى حد كبير حتى بدايات القرن الماضي قبل أن يبدأ متوسط نصيب الفرد من المياه في التناقص سنويا بسبب الزيادة السكانية، حتى بلغ في العام 2007 أقل من 800 متر مكعب، بعد أن كان يصل في بداية القرن العشرين في العام 1907 حيث كان عدد سكان مصر لا يزيد وقتئذ على 11 مليون نسمة حوالي 4400 متر مكعب . وتستند مصر في حصتها المقررة من مياه النيل إلى بروتوكول وقع في العام 1891 بين بريطانيا وإيطاليا كدولتين مستعمرتين، حيث تعهدت الحكومة الإيطالية في البند الثالث من هذا البروتوكول “بعدم إقامة أي إشغالات على نهر عطبرة لأغراض الري، يكون من شأنها تقليل تدفق مياهه إلى نهر النيل على نحو ملموس” .
أول أزمة
وتفجرت أول مشكلة تتعلق بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل في العام 1925 عندما طلبت بريطانيا من حكومة سعد زغلول الموافقة على إطلاق يد حكومة السودان المصري البريطاني حينذاك في زيادة مساحة أراضي مشروع “الجزيرة”، لغرض التوسع في زراعة محصول القطن، الذي تحتاجه المصانع في بريطانيا من 300 ألف فدان إلى مساحات غير محددة، تبعا لما تقتضيه حاجة تلك المصانع، لكن حكومة سعد زغلول رفضت الطلب البريطاني رفضا قاطعا، باعتباره سوف يؤدي إلى إضرار كبير بمناوبات بالري في مصر، وقد أدركت بريطانيا حينذاك حجم المشكلة، وأبلغت حكومة سعد زغلول رسميا “بأن لمصر حقوقا تاريخية وطبيعية في مياه النهر، وأنها بريطانيا تعترف بها، لكنها ترى في الوقت ذاته تشكيل لجنة تضم خبراء من الجانبين المصري والبريطاني تكون مهمتها اقتراح عدد من القواعد لغرض توزيع عادل لحصة مياه النيل بين مصر والسودان، وقد انتهت تلك اللجنة إلى توقيع اتفاقية في العام ،1929 كان أهم ما نصت عليه هو الإقرار بحق مصر التاريخي في مياه النيل، وضمان تدفقه لاحتياجات الزراعة .
وأقرت اتفاقية العام 1929 حق مصر في نصيب عادل من كل زيادة تطرأ على موارد النهر، في حالة القيام بمشروعات جديدة فوق النيل أو روافده مستقبلا، وقد حددت هذه الاتفاقية حصة مصر بمقدار 48 مليار متر مكعب سنويا، وحصة السودان بمقدار 4 مليارات متر مكعب .
وينظر كثير من الخبراء إلى الاتفاقية التي وقعت في العام 1929 بين مصر من جهة وبريطانيا من جهة أخرى ممثلة للسودان باعتبارها تسوية تاريخية حصلت بموجبها مصر على إقرار قانوني مكتوب بحقوقها التاريخية المكتسبة، وحصل بموجبها السودان كذلك على حصة أكبر من المياه، اعتبرت حينها كافية لتوسعاته الزراعية في إطار نظام الري الدائم .
مفاوضات شاقة
دخلت مصر في مفاوضات شاقة مع حكومة السودان استمرت عدة شهور قبل أن يتوصل الطرفان إلى توقيع اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ،1959 وهي الاتفاقية المعروفة باسم “اتفاقية السد العالي” وقد نصت هذه الاتفاقية على: “تقسيم المياه عند السد العالي بين الدولتين على أساس متوسط إيراد النهر الطبيعي عند أسوان، والمقدر بحوالي 84 مليار متر مكعب سنويا، وتستبعد من هذه الكمية الحقوق المكتسبة للدولتين وقدرها 52 مليار متر مكعب سنويا، كما يستبعد فاقد التخزين بالبخر والتسرب في السد وقدره 10 مليارات متر مكعب سنويا، ويتم توزيع الصافي على أساس 5 .14 مليار متر مكعب للسودان و5 .7 مليار متر مكعب لمصر، ويُضم هذان النصيبان إلى حقهما المكتسب، ليصبح نصيب السودان من صافي إيراد النهر بعد تشغيل السد العالي 5 .18 مليار متر مكعب سنويا، ولمصر 5 .55 مليار متر مكعب، فإذا زاد الإيراد فإن الزيادة في صافي الفائدة الناتجة عن زيادة الإيراد، تُقسّم مناصفة بين الدولتين، وتكون الكميات المذكورة محل مراجعة الطرفين بعد فترات كافية يتفقان عليها بعد تشغيل خزان السد العالي بالكامل .
وقعت مصر والسودان على تلك الاتفاقية ولم تتقدم وقتها أي من دول الحوض رسميا بأي اعتراض لفترة طويلة، وهو ما يعني في عرف القانون الدولي أن الاتفاق “أصبح حائزا لقرينة التسامح العام، التي تؤكد أن الحصول على حصة من مياه نهر مشترك بشكل ظاهر، ومستمر ومتسق بكميات متساوية تقريبا كل عام، دون اعتراض من أي من دول الحوض، يؤكد ويرسخ الحق التاريخي الذي لا يمكن المساس به طبقا لأحكام محكمة العدل الدولية الصادرة في العام 1951 ولاتفاقية فيينا الموقعة في العام 1878 والمتعلقة “بالتوارث الدولي للمعاهدات” حيث تؤكد هذه الاتفاقية على استمرار الاتفاقيات الدولية وعدم جواز المساس بما ترتبه من حقوق والتزامات، بغض النظر عن تغير الأنظمة الحاكمة للدول الموقعة حرصا على استقرار النظام الدولي .
كان للدور الكبير الذي لعبته مصر خلال الحقبة الناصرية ودعمها لحركات التحرر الإفريقية أثر كبير في تهدئة الأوضاع في دول حوض النيل العشر، قبل أن تبدأ المشاكل في الانفجار مع بداية السبعينات، بعد أن نفضت مصر يدها عن الملف الإفريقي لتترك الساحة مفتوحة تماما أمام قوى أخرى في مقدمتها “إسرائيل”، التي سعت وبقوة لإشعال الموقف طمعا في الحصول على نصيب من مياه النهر تستفيد به في زراعة صحراء النقب، وقد اعتبر كثير من المراقبين الدور الذي تلعبه “إسرائيل” في عدد من بلدان دول الحوض خلال الفترة الأخيرة، مقدمة لتكريس مزاعمها بأنها الدولة الحادية عشرة في منظومة حوض النيل، لتشارك في وقت لاحق بالمفاوضات حول اقتسام المياه .
فتن “إسرائيلية”
ويتجلى الدور “الإسرائيلي” في إشعال الموقف في دول الحوض خلال الفترة الأخيرة، في ضوء العلاقات الوطيدة التي تربط بين دولة الكيان من جهة وإثيوبيا من جهة، وهي العلاقات التي توجت بالإعلان قبل فترة عن خطة تستهدف بناء 26 مشروعا مائيا في إثيوبيا، تتضمن أربعة سدود لحجز المياه وتوليد الكهرباء، وضبط حركة المياه في اتجاه السودان ومصر، فضلا عما أثارته كينيا وتنزانيا من مشكلات تتعلق بإعادة تقسيم حصص دول الحوض من مياه النهر .
في العام 1999 أعلنت مصر عن “مبادرة حوض النيل”، التي تمثل الآلية الحالية التي تجمع كل دول الحوض تحت مظلة واحدة، وهي تقوم على مبدأين أساسيين: تحقيق المنفعة للجميع وعدم الضرر، عبر تعظيم موارد النهر، وتوطيد علاقات الثقة والمصلحة المشتركة بين دول الحوض، والتشارك في إدارة موارد النهر لمصلحة جميع دوله، وتقاسم الفوائد التي تترتب على زيادة موارده .
ويقول الدكتور مفيد شهاب وزير الدولة للشؤون القانونية والمجالس النيابية: رغم قناعة مصر بأن الاتفاقيات القائمة توفر لها غطاءً قانونيًا قويًا يضمن لها حقوقها، إلا أن التوصل إلى اتفاق شامل كان يمثل في وجهة النظر المصرية أفضل الأوضاع والخيارات، ليس فقط لسد الطريق أمام أي خلافات مع دول المنبع بشأن الاتفاقيات القائمة، ولكن أيضا لأنه يؤمن لأجيال المستقبل حقوقها المائية، ويؤدي إلى اتفاق دولي ملزم لجميع دول الحوض .
ضغوط على المصب
في يونيو/ حزيران من العام 2007 تم الاتفاق بين دول الحوض على رفع بند الأمن المائي إلى مستوى رؤساء الدول والحكومات، في محاولة لحل الخلافات حول صياغته، وإحالة بند الإخطار المسبق عن المشروعات للهيئة الفنية الاستشارية لدول الحوض، قبل أن يفاجأ الوفد المصري المشارك في الاجتماع الوزاري غير العادي لوزراء النيل بدول حوض النيل والذي عقد في كينشاسا في 22 مايو/ أيار الماضي، بأن دول المنابع السبع قد توصلت إلى ما يشبه الاتفاق فيما بينها، وتحاول بكل السبل ممارسة كافة أنواع الضغط على دولتي المصب، وقد اقترح وزراء الهضبة الاستوائية في هذا الاجتماع توقيع اتفاق الإطار دون مصر والسودان، والمضي قدما في إنشاء مفوضية حوض النيل مع ترك الباب مفتوحا لإمكان الاتفاق مع البلدين على صياغة حلول لنقاط الخلاف الأساسية الثلاث، وقد انتهى هذا الاجتماع بتصميم مصر على موقفها الرافض لتوقيع الاتفاق، ما لم يتضمن البنود الأساسية الثلاثة المتعلقة بحصة مصر التاريخية، وضرورة الإخطار المسبق لدول المصب بأي إنشاءات تقام على النهر، ونظام التصويت على تغيير بنود الإطار القانوني للاتفاق .
في يوليو/ تموز الماضي انتهت اجتماعات المجلس الوزاري السابع عشر لدول حوض النيل والتي عقدت بالإسكندرية إلى مجموعة من القرارات أهمها مد فترة المفاوضات بشأن توقيع اتفاق الإطار لمدة ستة أشهر، يتم خلالها الانتهاء من حسم جميع نقاط الخلاف، للوصول إلى اتفاق موحد بين دول حوض النيل جميعا، وقد اشترط الاجتماع ألا تقوم أي دولة من دول الحوض خلال فترة التفاوض بالتوقيع على أي معاهدة جديدة بشكل منفرد، دون الرجوع إلى دولتي المصب مصر والسودان وإلا فستكون باطلة، انطلاقا من أن الاتفاقية النهائية لدول النيل سوف تكون مرهونة بموافقة جميع الدول المعنية على الاتفاقية، وقد أعلنت مصر أنها تنظر بصورة إيجابية نحو مبادرة دول الحوض، وأنها سوف تواصل دعم المشروعات المشتركة التي يجري تنفيذها حاليا من خلال المبادرة سواء على مستوى الحوض كله أو مستوى الهضبة الاستوائية، أو الإثيوبية، وأنها تفتح ذراعيها لجميع دول الحوض من أجل المصلحة العامة للجميع .
رأي الخبراء
وصلت “إسرائيل” إلى حد الخطر المائي كما يقول ل”الخليج” دبلوماسي عربي رفيع المستوى، إذ انخفض منسوب بحيرة طبرية التي تعد المصدر الرئيسي للمياه في تل أبيب إلى 213 مترا تحت سطح البحر، وهو ما يعني تجاوز العلامة الحمراء التي تضعها الدولة العبرية في البحيرة كدليل على حد الخطر المائي .
ومنذ أسابيع قليلة مضت اتخذت “إسرائيل” عددا من الإجراءات للحد من استهلاك المياه، ووضعت قيودا على استهلاك المياه لكافة الأغراض .
وتمتلك “إسرائيل” حصة مياه سنوية قدرها 2120 مليون متر مكعب من المياه، منها 1500 مليون متر مكعب من بحيرة طبرية، و450 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي، و470 مليون متر مكعب من مياه الأمطار .
وقبل أيام افتتحت “إسرائيل” قنصلية في أوغندا لتلحق بتمثيل دبلوماسي كامل في كل دول حوض النيل باستثناء السودان، وبحسب المصدر العربي فإن “إسرائيل” لديها تواجد دبلوماسي في نحو 33 دولة إفريقية، ويعمل مركز التعاون الدولي “الماشاف” التابع لوزارة الخارجية “الإسرائيلية” على تنمية العلاقات “الإسرائيلية”، مع دول حوض النيل بشكل مطرد منذ العام ،1958 وفي سبيل ذلك أرسل أكثر من 10 آلاف خبير “إسرائيلي” في مجالات مكافحة التصحر وتطوير المناطق الريفية والزراعة، كما تدعم جامعة بن جوريون “بير سبع” مشروعات للزراعة في دول الحوض إضافة إلى إرسال مهندسين في الري، وإجراء دراسات عديدة حول مشروعات للسدود على نهر النيل، وفي دارفور يدعم مركز “الماشاف” بعض منظمات المجتمع المدني في دارفور .
الأهم أن تل أبيب تعاني حاليا أزمة حادة في المياه، وأصاب التملح آبارها، والتلوث مصادر عدة للمياه، فإذا ما أضفنا إلى ذلك النقص الخطير لمياه طبرية، وعدم قدرة “إسرائيل” على تحلية مياه البحر بكلفة اقتصادية فإن الأمر يصبح خطيرا .
وحاولت “الخليج” تقصي وجهة نظر الخبراء حول خطورة الأزمة الأخيرة حول مياه النيل التي حاولت خلالها دول المنبع إعادة توزيع أنصبة كل دولة، ورفضت الاتفاقية الإطارية التي تلزم أي دولة تريد القيام بمشروع على نهر النيل بالحصول على موافقة باقي الدول بالإجماع، أو على الأقل الحصول على موافقة الأغلبية على أن تضم إحدى دول المصب مصر والسودان .
الدور “الإسرائيلي”
يختلف الخبراء حول الدور “الإسرائيلي” في هذا الأمر فالدكتور مغاوري شحاتة دياب خبير المياه العالمي ورئيس جامعة المنوفية الأسبق يقول: “البعض يقول إن الإعلام يضخم هذا الخطر، ولكن الحقيقة أن الخطر قائم بالفعل”، ويحذر شحاتة من الدور “الإسرائيلي” قائلا: ““إسرائيل” تحاول أن تضع يدها في الأمر، حتى إنها تسعى لأن تصبح مراقبا في دول حوض النيل” .
وينبه خبير المياه العالمي إلى أن ““إسرائيل” تقوم بعمليات تحريض ضد مصر، وتعزز تواجدها عبر مشروعات تعاون كبيرة بعضها زراعي أو متعلق بالري والمياه وآخر عسكري، حيث تستغل كثرة النزاعات في هذه المنطقة للقيام بتعاون عسكري مع أنظمة هذه الدول وحتى قوى المعارضة فيها”، لافتا إلى أن “أغلب الشركات “الإسرائيلية” العاملة في هذه المناطق هي شركات استخباراتية بثوب مدني”، ويقول شحاتة: سياسة مصر هي سياسة تعاون الجميع مع الجميع أما سياسية “إسرائيل” فهي تحريض الجميع على الجميع” .
* من جهته يرى الدكتور خالد محمود مسؤول برنامج المياه بمنظمة “سيدراي” أنه “ليس هناك دلائل محددة على دور “إسرائيلي” في تحريض دول المنبع على مصر في الأزمة الحالية” . ويضيف خالد: “هناك مشروعات أخرى يمكن أن تقيمها دول المنبع أكثر جدوى وأقل تكلفة من مشروعات إنشاء سدود على المجاري المائية المغذية للنيل، كما أنها أقل ضررا على البيئة من هذه السدود، ومنها إنشاء سدود صغيرة للاستفادة من الكهرباء، واستخدام المياه الجوفية، كما أن الري المطري أكثر فاعلية وأقل تكلفة من الري من المياه السطحية بالنسبة لهذه الدول، بينما مصر ليس أمامها إلا مياه الري السطحية القادمة من النيل” . ويقول: “هناك كميات كبيرة من المياه تسقط على هذه الدول خارج حوض النيل، ولا تتم الاستفادة منها، فنهر الكونغو يلقي كل عام ألف مليار متر مكعب من المياه في المحيط الأطلنطي دون الاستفادة منها” .
* لكن الدكتور مغاوري دياب يلفت إلى أن “حصة مصر من المياه التي تبلغ 55 مليار متر مكعب تمثل أقل من 5% من إجمالي المياه المتساقطة على حوض نهر النيل، إذ إن هضبة الحبشة يسقط عليها سنويا نحو 840 مليار متر مكعب، و1660 مليار متر مكعب تسقط على هضبة البحيرات التي يوجد فيها أوغندا، وكينيا وأغلب دول المنبع الأخرى” .
ويشدد الدكتور دياب على أن “مصر تسعى لحل الموضوع عن طريق التفاوض ولكن الوضع غير مطمئن، فالدول الإفريقية لم تتجاوب مع مبادرة تنمية حوض النيل التي كانت تتضمن تعاونا متكاملا يتضمن تعاونا في مجال الكهرباء والزراعة والتعليم إضافة إلى زيادة موارد في حوض نهر النيل من خلال إنشاء قنوات تضخ المياه في مجرى النهر وربط المنخفضات ببعضها بعضاً، وتحويل مسارات المياه، وتقليل الفائض عبر التخلص من النباتات الضخمة التي تستهلك المياه، والمستنقعات”، لافتا إلى أن “هذه العملية لها جوانبها في المجال الصحي” .
أزمة إدارة
يرى رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الدراسات السياسية بالأهرام هاني رسلان أن الأزمة في حوض النيل ليست أزمة مياه، وإنما هي أزمة في إدارة مياه النيل، موضحا أن جملة إيرادات نهر النيل تبلغ 165 مليار متر مكعب من المياه وما يصل إلى كل من مصر والسودان 84 مليارا بما يوازي نسبة 5 في المائة فقط من هذه الإيرادات، فيما تضيع ال95 في المائة الباقية في المستنقعات وغيرها، مشيرا إلى أن مصر كانت ولا تزال طرفا رئيسيا راعيا للمبادرة المشتركة لدول حوض النيل، والتي تقوم فكرتها على توفير احتياجات هذه الدول العشر من المياه وهي المبادرة التي أبرمت منذ عشر سنوات .
ويرى الكاتب الصحافي السوداني عمار فتح الرحمن، الذي تابع اجتماعات دول حوض النيل بالإسكندرية مؤخرا عن كثب، أن الأزمة الأخيرة التي فجرتها بعض دول الحوض، لعبت دورا كبيرا في عودة الدفء إلى العلاقات المصرية السودانية، ويقول: كان واضحا أن السودان يقف قلبا وقالبا مع مصر في هذه المعركة، وقد تجلى ذلك عندما قالت وزيرة الموارد المائية الأوغندية إن السودان يدعم مصر “ظالمة كانت أو مظلومة”، وتجلى أكثر عندما تقدم السودان بمبادرة دعا فيها إلى تأجيل التوقيع على الاتفاقية الإطارية لمدة ستة أشهر، يتم فيها بحث الأمر بشكل مستفيض ومطول، والاتفاق على معالجات جديدة ترضي جميع الأطراف، وقد لعب هذا الاقتراح دورا كبيرا، في نزع فتيل أزمة كانت قادرة على إزالة جميع أشكال التعاون والتنسيق بين دول الحوض .
* ويقول المهندس كمال علي وزير الموارد المائية والري السوداني: نحن نرى أنه من الممكن أن تتحقق المنفعة للجميع وخاصة أن البنك الدولي الذي عوّل عليه كثيرا في حسم الخلاف، كان له دوره بعد أن تحدث ممثله في الاجتماعات “ديفيد جراي”، مؤكدا أن البنك لن يقوم بتمويل مشاريع طالما كانت تضر بدول أخرى من دول الحوض، وأنه يقوم بدراسة المشاريع بصورة جيدة قبل أن يحدد موقفه، وقد أكد “جراي” ذلك بشكل قاطع عندما قال: لن ندخل في مشاريع دون توقيع المبادرة من قبل جميع الأعضاء من دون استثناء .
السفير إدريس سليمان نائب رئيس البعثة السودانية بالقاهرة وعضو الوفد السوداني المشارك في اجتماعات وزراء الري بدول حوض النيل يقول: شعوب دول حوض النيل في منبع النهر هم إخواننا وأشقاؤنا وامتدادنا الطبيعي ومصالحنا معهم، فعدد سكان هذه الدول يبلغ حوالي 400 مليون نسمة، فلماذا لا ننشط معهم حركة التجارة والاستثمار وننمي المصالح المشتركة؟
ويصف سليمان الصيغة التي انتهى إليها الاجتماع بأنها مقبولة، وفيها اتفاق على استمرار التعاون والشراكة والعمل على التوصل إلى حلول عبر التفاهم والتوافق، مؤكدا أن “إسرائيل” تستفيد من علاقاتها بهذه الدول .
ويرى ياسر عرمان نائب الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان أن مصالح دول المنبع في حوض النيل مع مصر والسودان أكبر، ويضيف: هذه المصالح بحاجة إلى تفهم أكبر من قبل مصر والسودان، والحقيقة أن هذه الدول لا تحتاج مياها بقدر ما تحتاج منا إلى تعاون مشترك، ومن ثم فلا بديل عن العودة إلى المشروعات الكبرى التي نادى بها في الستينات قادة التحرر الوطني في القارة الإفريقية، أمثال جمال عبد الناصر وكوامي نكروما وغيرهما، وعدم تعليق قصورنا دائما على شماعة “إسرائيل” .
وينظر الدكتور حسن مكي المفكر السوداني والخبير في قضية مياه النيل، ورئيس جامعة إفريقيا العالمية إلى التعاون الوثيق بين دول الحوض باعتباره جسرا إلى المستقبل ويضيف: مشروع القرن بالنسبة لمصر والسودان يبدأ من الكونجو في هضبة رونزري، حيث يمكن شق قناة من خط تقسيم المياه تحمل أكثر من مياه النيل الحالية، لأن عشرة أضعاف هذه المياه تذهب هدرا عبر أنهار الكونجو إلى المحيط الأطلسي، ولو شقت قناة من خط تقسيم المياه من رونزري حتى وادي هور الذي يمتد من تشاد إلى دارفور، فإنه يمكن أن يسقي كل المنطقة الممتدة في مصر والسودان وليبيا، وهذا هو مشروع المستقبل بحق .
* ويقول الدكتور مصطفى الفقي الكاتب والمفكر المصري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب المصري: توجد ثوابت في السياسة المصرية الخارجية تجاه دول حوض النيل، ونحن نحاول أن نقوم بمشروعات تنموية في هذه الدول، لأن هذا هو الضمان الوحيد لاستقرار قضايا مياه النيل، وأن يشعر الجميع بأنهم مستفيدون، ويضيف الفقي: مصر تسعى بكل الطرق إلى تأكيد أحقية الجميع، والقانون الدولي يكفل حقوقا متساوية لكل الدول في حوض النهر من المنبع إلى المجرى إلى المصب، فلا أحد سيأتي لإغلاق المياه على مصر أو السودان .
ويرى عطية عيسوي الخبير المصري المتخصص في الشؤون الإفريقية أن ما خلصت إليه اجتماعات الإسكندرية يعني ترحيلاً للخلافات، ومحاولة حلها خلال الستة أشهر المقبلة، ويضيف: رفض مصر التوقيع على اتفاقية الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل، إلا إذا ضمنت عدم المساس بحقوقها التاريخية وحصتها من المياه، رفض يستند إلى أسباب موضوعية وقانونية متعارف عليها دوليا، وليس بهدف التميز عن غيرها من دول الحوض العشر، أو رغبة منها في عدم التعاون معها، للنهوض باقتصاداتها، فالمبادرة من الأساس هي اقتراح مصري تم طرحه عام 1997 بهدف الاستفادة بأكبر قدر ممكن من فاقد المياه، الذي يقدر بنحو 96% من خلال إقامة مشروعات مشتركة وتبادل المعلومات، وعدم نقل مياه النهر إلى خارج الحوض أو بيعها، وإنشاء هيئة مشتركة لإدارتها مع تأكيد حق كل دولة في الحوض في مياهه، وعدم قيام أي منها بالإضرار بحقوق الدول الأخرى وعدم المساس بالحقوق التاريخية لها .
ويؤكد عيسوي أن مصر في موقفها تستند إلى أسباب موضوعية، فهي أولا تعتمد على مياه نهر النيل بنسبة 95% على الأقل، وتقع في حزام الدول الفقيرة مائيا، في حين أن إثيوبيا تعتمد على مياه النهر بنسبة 1% فقط، وكينيا بنسبة 2% وتنزانيا بنسبة 3%، وبوروندي بنسبة 5%، وهي الدول التي تطالب بتعديل الاتفاقيات المنظمة لاستخدام مياه النيل وخاصة اتفاقية العام ،1929 ويتضح من هذا أن هناك بونا شاسعا بين النسبة التي تحتاج إليها مصر، والنسب التي تحتاجها تلك الدول، حتى السودان لا يزيد اعتمادها على مياه النهر على 15% .
ويرى الدكتور أيمن السيد عبد الوهاب الخبير في قضايا مياه النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن الحاجة أصبحت ملحة اليوم لصفقة متكاملة، تنهي الخلافات القائمة وتضع أسساً قانونية لإدارة مياه النيل، ويقول: لا يمكن بالطبع عزل الإطار التفاوضي الذي تجري فيه المفاوضات، عن البيئة المحيطة بدول الحوض، وخاصة الصراعات في القرن الإفريقي ومنطقة البحيرات، ولا عن الدول المتطلعة لدور إقليمي أكبر، وفي رأيي أن الصفقة المتكاملة هي الحل المناسب الوحيد للخروج من الحلقة المفرغة، التي تدور فيها المفاوضات منذ فترة ليست بالقصيرة، وذلك لن يتحقق إلا بالتعاون الجماعي ومحورية الدور المصري في صياغة جماعية تحقق مصلحة كل دولة على حدة، وتتجاوز القضايا العالقة وتأخذ في الاعتبار التأثيرات الخارجية وخاصة الأزمة المالية العالمية وتؤكد على التنمية المستديمة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.