زيارة الصحافي لموقع عسكري تخضع لشروط كثيرة أولها حسم المشاعر المتناقضة التي تنتابه حيال «رحلة منظمة» يرى كثيرون أنها تعكس وجهة نظر واحدة هي في هذه الحالة وجهة نظر الجيش الأميركي. فمن ناحية هناك موقع لا يمكن دخوله إلا بموافقة مسبقة من المشرفين عليه، وبالتالي الاكتفاء بما هو «متاح» للرؤية، ومن جهة أخرى هناك مسعى لا يكتمل دائماً للبحث في غير «المتاح».هنا بعض شروط التغطية الصحافية والتصوير في معتقل غوانتانامو، ولائحة الممنوعات التي فرضت علينا، علماً أن «الحياة» التقت محامين تطوعوا للدفاع عن المعتقلين في محاولة لنقل الرواية الأخرى. مساء كل يوم، وبعد التجول في مختلف أقسام المعتقل، يجمع الصحافيون في قاعة خشبية قرب المعسكر حيث تخضع كاميراتهم للتدقيق على يد خبراء عسكريين وآخرين «مدنيين». على رغم الجلسة الافتتاحية الأولى التي تم إطلاعنا فيها على ما لا يمكن تصويره، فاتتنا تفاصيل كثيرة أدت إلى إلغاء صور من كاميراتنا وتسجيلات صوتية من مسجلاتنا. أما المسموح تصويره مبدئياً فهو لقطات ضيقة لأيدي المعتقلين وأرجلهم وظهورهم. كذلك يسمح بتصوير المعتقلين مجموعات في المعتقل أو في ردهات الفسحة على أن تكون صورة بعيدة لا تظهر فيها تقاسيمهم في شكل يسمح بالتعرف إليهم. وآخر ما يسمح تصويره الأماكن الفارغة وغير المستعملة كمعتقل إكس- راي أو بعض الزنزانات التي أخليت من نزلائها على ألا تحوي الصورة كاميرا مراقبة. كل ما هو غير ذلك ممنوع. صور الوجوه وأي تفصيل يكشف الهوية علماً أن كل شخص يتم تصويره عليه أن يعلن موافقته الصريحة. كذلك يمنع تصوير الشرائط اللاصقة التي تعرف الجنود والحراس، موقع المعتقل عبر لقطة واسعة، أبراج المراقبة الخالية، الشاطئ من القاعدة العسكرية وحتى ضفاف كوبا، الرادارات الخارجية وكاميرات المراقبة في الأروقة، أقفال الأبواب، بطاقات التعريف، الأحياء السكنية المحيطة بالقاعدة العسكرية حيث يقيم المدنيون، الحواجز العسكرية وغيرها. وكل صورة تحوي تفصيلاً من المذكور أعلاه مهما بدا بعيداً وغير واضح أو قابل للقص عبر تقنية «فوتوشوب» تحذف. والمهمة تصبح سهلة نسبياً مع كاميرات الصور التي ترافق الصحافة المكتوبة، فأقصى ما يمكن فعله في حال الشك هو الحذف. أما الصعوبة فمع كاميرات الفيديو. ذاك ان مشاهدة ساعات من التسجيل ومراقبة كل تفصيل فيها يستغرق وقتاً هائلاً، إضافة إلى ان حذف جزء من مقابلة أو من مشهد يقطع السياق العام الذي لا يمكن تعويضه بالكتابة عنه. مراسل «سي أن أن» الإسباني الجنسية كاد يفقد صوابه. صرخ في وجه «الرقيب» مراراً وهو يقول: «أكرهك يا رجل». سأله لماذا لم تقتصر الزيارة على الصحافة المكتوبة والإذاعة؟ ثم راح يرجوه تارة أخرى ألا يحذف له مقابلة هنا أو هناك. لكن لا انفعال في الجهة المقابلة. مجرد جملة تتردد «أنتم تقومون بعملكم ونحن نقوم بعملنا». مراسلة الإذاعة الفرنسية التي ظنت أنها التفت على الوضع بأن سجلت صوت المعتقلين يصرخون «كذابين كذابين» خضعت هي الأخرى لتدقيق في مسجلتها، واستحضار مترجمين للتأكد مما قيل بالعربية. ثم عندما عجز المترجمان عن فهم أي آية قرآنية تلاها أحد المعتقلين، وذلك لرداءة الصوت، تقرر حذف التسجيل. حاولت ان تفاوض بأن تلغي الآية ويبقى الصراخ. الإجابة كانت معروفة سلفاً. وحده مصور تلفزيون «رويترز» بدا مرتاحاً. فهذه ليست المرة الأولى التي يزور فيها المكان، وهو بات ضليعاً بالصور التي لا تظهر الوجوه، كما يعرف يقيناً أن النقاش أو الجدال لن يفيد. وهو على كل حال ما توصلت إليه المجموعة في الأيام اللاحقة للزيارة. فالمقاومة الشرسة التي ظهرت في اليوم الأول، تلاشت تدريجاً حتى الاستسلام التام. قبل الرحيل كنا كلنا تحولنا مجموعة «أكثر تجاوباً». الحياة