نجاة شناعة - عمّان في زاوية غير بعيدة عن المسجد الحسيني وسط العاصمة عمان، وعلى مرآى من المارة أسند الشاب الثلاثيني ظهره للحائط، وبلا حرج أخرج من أكياسه حبات البطاطا المقلية، وشرع بأكلها دون أدنى وجل من الخلق أو الخالق في نهار أيام الشهر الفضيل. وليس سائق " السرفيس " على إحدى خطوط منطقة شمال عمان بأفضل حالاً من سابقه؛ إذ وضع علبا من "البسكويت" بطريقة تكاد تخفى إلا عن ذوي البصر الحاذق، من غير مبالاة لنظرات الركاب إليه استهجاناً من فعلته؛ ولسان حالهم يقول له: "إن كان ولا بد ..لم لا تَستتر ".سائقُ تاكسي آخر يقول: إن أغلب من يستقل حافلته هم من غير الصائمين، ويسألونه على استحياء إن كان بالإمكان " توليعة سيجارة بالعقل". ما سبق من حالات تعبر عن ملاحظات عامة يستنتج منها تراجع نسبة الصائمين في كل عام، خاصة عند فئة العمالة والشخصيات المتمردة العدائية، بحسب أستاذ الصحة النفسية في جامعة البتراء د. محمود عطا.وفي هذا الصدد يشير د.عطا إلى عدة أسباب تدفع بعض الناس للإفطار في رمضان، تتمثل في ضعف القيم الدينية في نفوسهم، والتقليد الأعمى لبعض المتمردين من فئة الشباب، إضافة لبعض العمالة الذين يحتاج عملهم إلى جهد عضلي. وفي الوقت الذي تغيب فيه الإحصائيات الرسمية حول نسب غير الصائمين في رمضان، يشدد د. عطا على أن غياب الرقابة الوالدية وضعف القيم الدينية تعد أسبابا رئيسة لعدم الصيام واحترام المكانة الدينية للشهر الكريم.اجتماعياً يعد الإفطار في نهار رمضان لغير أصحاب الأعذار والأمراض المزمنة، أمراً معيباً لا تبرره الأعذار بحسب د. عطا. قانونياً، حدد قانون العقوبات الأردني في المادة 274، عقوبة من يفطر في شهر رمضان علناً، بالحبس حتى نهاية العيد، مع أقصى عقوبة لشهر واحد أو غرامة مالية تصل إلى خمسة عشر ديناراً. وباستثناء تلك المادة لم ترد إشارة أخرى تتعلق بحرمة شهر رمضان، ويأمل قانونيون في أن يشدد المشرع الأردني عقوبة من ينتهك حرمة الشهر الفضيل بما يحقق الردع لمن يجاهر في إفطار نهاره. ويعد رمضان فرصة لتعويد النفس على الصبر والقناعة والتحمل، في وقت تتلخص فيه حجج غير الصائمين هذا العام في ارتفاع درجة الحرارة و العطش المستمر. ويعلق الداعية إبراهيم اليماني أن المجتمع والعالم الإسلامي يعيش حالة دينية طيبة بشكل عام، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود بعض الأفراد الذين لا يلتزمون بشرع الله. ويعتقد اليماني أن حرمة شهر رمضان ينبغي الحفاظ عليها، ما يقتضي تغليظ العقوبة على من يجاهر بإفطاره أمام الناس. و قبل عامين كشف بحث ميداني استهدف طلاب الجامعات وموظفي القطاعين العام والخاص وبعض رجال الأعمال من كافة مناطق العاصمة، أن جزءا كبيرا من سكان العاصمة عمّان لم يصوموا شهر رمضان في ذلك العام.وبيّن البحثُ أن نسبة الصائمين في الأيام الخمسة الأولى من شهر رمضان وصلت إلى نحو 78 في المائة، لتتراجع هذه النسبة بسرعة بعد ذلك وتصل إلى نحو 40 في المائة. وشملت عينة البحث نحو 2300 مواطن أردني من الجنسين، ولوحظ أن نسبة الصائمين من الإناث فاقت نسبة الصائمين من الذكور بنحو 22%. وفي حينها أرجع الباحث الذي أعد الدراسة، أسباب تراجع نسبة الصائمين في الأردن، إلى حلول شهر الصوم في فصل الصيف حيث ساعات النهار الطويلة، قياسا إلى ساعات النهار القصيرة خلال السنوات الماضية حينما كان الشهر يحل في فصل الشتاء. وحمل البحث توقعات في أن يواجه الصائمون مزيداً من الصعوبات خلال السنوات المقبلة، حينما يتوسط شهر الصوم فصل الصيف الحار في الأردن. وفي الوقت الذي تضمن البحث كذلك إشارةً الى أن الأردنيين، مازلوا يظهرون احتراماً كبيراً لشهر رمضان؛ حيث يجاهر القليل فقط بإفطارهم، فيما يفضل بقية المفطرون عدم إظهار إفطارهم، وتناول طعام الإفطار مع عائلاتهم وأصدقائهم بصورة طبيعية، مما يُنبه علماء الدين والمتخصصين بالتحرك السريع لمعرفة سبب ذلك التراجع "الديني" الذي لا يتماشى مع "الصحوة الإسلامية التي يشهدها الشارع الأردني حاليا" وفق ما يرون. الجزيرة توك