في ضوء الحديث المتزايد هذه الأيام عن إمكانية الانسحاب "الإسرائيلي" من الأراضي المحتلة يجب أن يعلم من ينادون بتطبيق هذا الحل عددا من الأمور المصيرية والهامة, أبرزها أن أي انسحاب من أي منطقة كانت "إسرائيل" تسيطر عليها يعني تعريض الأمن الإسرائيلي للخطر، ولا يوجد مثال أبلغ مما حدث في قطاع غزة, حيث انسحبت "إسرائيل" من هناك وأدت هذه الخطوة إلى المزيد من الصواريخ ومعها بعض العمليات العسكرية التي ينفذها الفلسطينيون في قلب "إسرائيل"، الأمر الذي جعل البعض يتأكدون عمليا من أن الانسحاب "الإسرائيلي" أدى إلى أزمات عسكرية وكوارث استراتيجية دفع ثمنها المواطن "الإسرائيلي" وحدة. وما حدث في غزة حدث في لبنان, الذي أدى انسحابنا منه إلى الكثير من المصائب والكوارث التي بدأت بخطف جنودنا والتحرش بهم, وانتهت بحرب لبنان الثانية عام 2006, ومن بعدها استقرار نسبي لهذه المنطقة التي ما زالت الصواريخ تلقى على قلب إسرائيل منها.اللافت أن الانسحاب "الإسرائيلي" من أي منطقة يفهم خطأ, حيث يعتقد العرب أن هذا الانسحاب يأتي لضعف "إسرائيل" وفشلها سياسيا, وهو ما يشجع العرب على القيام بالعمليات العسكرية ضد "إسرائيل" حتى بعد انسحابها من أراضيهم. اللافت أن التعامل مع العرب بحزم وثبات ينعكس إيجابيا على الأمن "الإسرائيلي"، وعلى سبيل المثال انخفضت العمليات العسكرية الفلسطينية بعد البدء في بناء السور الواقي، حيث بلغت حالات تسلل الفلسطينيين للقيام بعمليات في قلب "إسرائيل" ست عمليات فقط بعد البدء في بناء هذا السور, وبالتحديد بعد ربيع عام 2002، في حين كان متوسط عدد حالات التسلل إلى "إسرائيل" للقيام بعمليات يبلغ قرابة 132 حالة سنويا قبل بناء السور في المتوسط, والفارق واضح تماما. بالإضافة إلى ذلك لا ينكر أحد أن كمية الصواريخ التي كانت تلقى على مدننا الجنوبية بداية من سديروت وحتى أطراف مدينة بئر السبع قد قلت بصورة واضحة, إن لم تكن قد انعدمت بصورة تامة بعد عملية الرصاص المصهور، وهي العملية التي ما زال الفلسطينيون يدفعون ثمنها حتى الآن. وكذلك كان للاحتلال "الإسرائيلي" لهضبة الجولان السورية الأثر الواضح والبليغ في عدم قيام السوريين بضرب "إسرائيل" أو الدخول في مواجهات مباشرة معهم مهما كان الأمر. الأمر الذي يجعلنا نقول وبوضوح إن الاحتلال لا يخدم "إسرائيل" ويؤمن لها مصالحها الاستراتيجية والأمنية والوجودية فقط, بل أيضا يؤمن لها مستقبلها, خاصة إن وضعنا في الحسبان أن العرب أو أي طائفة أخرى يركزون فقط على دحر الاحتلال والقيام بعمليات ضد المحتلين في قلب المناطق المحتلة، وقلما يفكرون في القيام بعمليات خارجية في قلب "إسرائيل"، وحتى إن فكروا فإن هذه العمليات تكون محدودة وغير مركزة وتتسم بالرعونة والتخبط. وعلى سبيل المثال لم يفكر المصريون في الهجوم على "إسرائيل" عند احتلال سيناء, والأمر نفسه بالنسبة للسوريين عند احتلالنا الجولان, وكذلك الفلسطينيون في الضفة الغربية منذ ذلك الوقت حتى الآن. وبالتالي فإن الدعاوى التي تطالب بالانسحاب "الإسرائيلي" من هذه المناطق تعد بمثابة صيحات تنادي بدمار إسرائيل, وللأسف الشديد هذه الدعاوى ينادي بها الآن رئيس الوزراء وكبار قادة الحكومة من أعضاء حزب الليكود, ومن المفترض أنهم يأتون من أهم حزب سياسي في البلاد ينادي باستمرار الاحتلال وحماية أمن المواطن "الإسرائيلي" ألا وهو حزب الليكود، غير أن المصالح السياسية التي أربكت القادة والسياسيين هي التي دعت برئيس الوزراء وزعيم الحزب بنيامين نتنياهو إلى المناداة الصريحة بتجميد الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة, بل والأخطر أنه نادى بالانسحاب من الأراضي المحتلة إن كان هذا ثمنا للسلام مع العرب. وهذا كلام خطير ينسجم مع البنود المثيرة لمبادرة السلام العربية التي لا يجب وبأي حال من الأحوال أن ننفذها نظرا لما بها من مخاطر قوية على "إسرائيل"، وهي المخاطر التي تهدد وجودها وتهدد بإزالة الدرع الكبيرة من بين يديها وهي الأراضي المحتلة التي تحميها من مخاطر العرب.