سحب، أو طلب محمود عباس تأجيل بحث مجلس حقوق الإنسان لتقرير لجنة غولدستون بشأن الإنتهاكات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني خلال العدوان واسع النطاق على قطاع غزة، يثير تساؤلا اوليا، كفكرة نظرية نعرف أنها غير قابلة للتطبيق: ولم لا تطلب أي دولة عربية أخرى مواصلة بحث التقرير..؟!
نعرف أن مثل هذا التساؤل يفسح المجال لاتهامنا بالسذاجة السياسية..!
القدر المتاح من المعلومات، يفيد أن أسباب اتخاذ عباس لهذا القرار تتلخص في التالي:
أولا: ضغوط اميركية تعرض لها عبر اتصالين هاتفيين من قبل هيلاري كلينتون وزيرة خارجة اميركا، بدعوى أن بحث هذا التقرير من شأنه أن يعمق الفجوة التي قل اتساعها مؤخرا بينه وبين الإسرائيليين، ويلحق ضررا بعملية السلام..!
وهل توجد هناك عملية سلام..؟!!!
بالطبع، لا معلومات تفيد أن عباس رفض طلب كلينتون في اتصالها الهاتفي الأول، كما لا معلومات عن سبب اتصالها الثاني. قد يكون سببه الرغبة في الإطمئنان إلى الصيغة التي كتب بها قرار فخامة الرئيس..!!!!
ثانيا: ضغوط مارسها عليه رئيس وزرائه سلام فياض محذرا من:
1. إننا لا نستطيع الوقوف بوجه أميركا وإسرائيل..! 2. إن اسرائيل قد تقدم على الغاء منح ترددات لشبكة الهواتف الخليوية العائدة للمحروس إبن عباس..!!
ثالثا: الخشية من كشف مسؤولين اسرائيليين المزيد من المعلومات عن دور عباس وسلطته في العدوان على غزة.
للتذكير:
صرح الجنرال غابي اشكنازي رئيس اركان جيش الإحتلال الإسرائيلي بتاريخ 11/5/2009 أن السلطة ممثلة برئيسها محمود عباس خاضت مع اسرائيل حرب العدوان على غزة..!!!!!
فقد كشفت القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي ضمن إحدى نشراتها الإخبارية في ساعة متأخرة من مساء الاثنين 11/5/2009 عن تصريحات لإشكنازي يعترف فيها لأول مرة بأن "اسرائيل وسلطة رام الله قاتلتا جنباً إلى جنب أثناء عملية الرصاص المسكوب على قطاع غزة".
وكشفت صحيفة اسرائيلية أن غابي اشكنازي أرسل رسالة إلى المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية كشف من خلالها عن التعاون غير المسبوق بين الجيش والسلطة الفلسطينية في رام الله ممثلة برئيسها خلال الحرب على غزة.
وأوضح اشكنازي أن مشاركة السلطة كانت أمنية بالدرجة الأولى، ثم محاربة ميدانية مشتركة بالدرجة الثانية خلال عملية الرصاص المسكوب، مؤكدا على أن الجيش والسلطة عملا جنبا إلى جنب ضد حركة "حماس" خلال الحرب.
وذكرت صحيفة "معاريف" أن سلطة رام الله ضغطت على اسرائيل لإسقاط حُكم "حماس" قبل العملية العسكرية في غزة.
وكشفت وثيقة أُعدّت في مكتب وزارة الخارجية الإسرائيلية في عهد الوزيرة تسيبي ليفني أن عناصر فلسطينية رفيعة المستوى ضغطت على اسرائيل بشكل كبير لإسقاط حُكُم "حماس" في قطاع غزة.
وتُظهر الوثيقة الإسرائيلية أن سلطة رام الله دفعت الإحتلال الإسرائيلي وبقوة للخروج لتنفيذ عملية الرصاص المسكوب في غزة وضرب "حماس"، وبحسبها "فإنه وخلال الفترة الأخيرة بدأت تصرفات السلطة في عدة مواضيع تُثير القلق الإسرائيلي، كونها لا تسير في طريق واحد من التعاون والتفاهمات مع اسرائيل".
وأوضحت الصحيفة الإسرائيلية أن ما دفع وزارة خارجية الإحتلال الإسرائيلية للكشف عن هذه الوثيقة، هو ما شرعت به شخصيات في سلطة رام الله في أعقاب عملية الرصاص المسكوب، للبدء في التحقيق مع القادة الإسرائيليين في جرائم الحرب التي ارتكبوها خلال الحرب.
أغلب الظن أن هذه الشخصيات الفلسطينية في السلطة تصرفت من وراء ظهر عباس..
بدوره أبدى مسؤول سياسي اسرائيلي كبير في حينه استغرابه قائلا: "طلبوا منا الهجوم على غزة، والآن يطالبون بتقديم ضباطنا للمحاكمة..!".
تصريحات اشكنازي كان سبقها قبل ذلك بشهرين كشف وزارة الداخلية في غزة تواطؤ سلطة عباس في الحرب، بما في ذلك الكشف عن شبكةٍ من العملاء والمتآمرين تابعةٍ للأجهزة الأمنية التابعة لسلطة رام الله، تعاونت مع جيش الإحتلال أثناء العدوان على غزة.
وتبين من خلال التحقيقات في حينه أن سلطة عباس قامت بتشكيل مجموعات سرية تهدف إلى زعزعة الأمن في القطاع، وذلك بإعداد كشوف لأماكن التصنيع والأنفاق وأماكن التدريب لأبناء الأجهزة الأمنية والمقاومة، ونقل هذه المعلومات إلى رام الله، ومن ثم يتم نقلها إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي كان يقوم بدوره باستهداف هذه المواقع، بناءًا على هذه المعلومات التي كان يتلقاها قبل وأثناء الحرب على غزة.
وقد ظهر أفراد الشبكة على شاشات الفضائيات وهم يدلون باعترافاتهم هذه.
التصريحات الإسرائيلية السابقة خلت من التفاصيل، إذ أنها لم تكشف اسماء المسؤولين في سلطة رام الله الذين قاموا بهذه الأفعال. ومن حق هذه السلطة أن تقلق من امكانية قيام اسرائيل بإعلان الأسماء في هذه المرة، وربما تبث تسجيلات صوتية لهذه الإتصالات..!!!
يؤكد وجود التسجيلات:
1. استحالة عدم قيام الإسرائيليين بتسجيل الإتصالات وتوثيقها، بهدف ارغام السلطة على تقديم المزيد من التنازلات في أية مفاوضات تحت وطأة التلويح بفضح المفاوضين لشعبهم.
أليس هذا ما يتعرض له جميع الذين يتم اسقاطهم للتعامل مع الشاباك والشين بيت والموساد، فلم يتم الإستثناء هنا..؟
2. حرص جميع مسؤولي السلطة على عدم نفي وتكذيب تصريحات اشكنازي في حينه. وقد بلغ الأمر بزياد أبو عين، العضو الجديد في المجلس الثوري لحركة "فتح" حد تجاهل عرض مباشر قدمته له على الهواء مباشرة خلال برنامج حواري اشتركنا فيه معا في خضم أزمة "محضر القدومي" أن ينفي اتهامات اشكنازي، مفضلا التزام الصمت..!!!!!!
3. فتح افيجدور ليبرمان وزير خارجية اسرائيل الحالي لهذا الملف مؤخرا، وخلال اللقاء الذي جمع عباس مع نتنياهو في نيويورك بوجود باراك اوباما الرئيس الأميركي، حيث واجه ليبرمان عباس أمام اوباما بأن سلطته طلبت من الحكومة الإسرائيلية المضي قدماً في حربها الأخيرة على قطاع غزة بهدف إسقاط حركة المقاومة الإسلاية "حماس". وصرح ليبرمان بعد انتهاء اللقاء: "قلت لأعضاء الوفد الذي يمثل السلطة الفلسطينية إنها هي من مارس ضغوطاً على اسرائيل للذهاب حتى النهاية في الحرب على غزة في إطار عملية الرصاص المسكوب".
ما لم يكشفه اشكنازي، قد يكشفه ليبرمان..!
تلك هي المسألة. ولذات الأسباب أعلاه، تمتنع سلطة عباس عن النفي أو الرد أو التوضيح..!!!
ما تقدم يفرض الوصول إلى الإستنتاجات التالية:
الإستنتاج الأول: أن مكان محمود عباس الطبيعي ليس كرسي رئاسة السلطة، وإنما قفص الإتهام.
الإستنتاج الثاني: أن عدم شرعية رئاسة محمود عباس للسلطة لا يعود فقط لانتهاء ولايته، وإنما كذلك، وهذا هو الأهم، لفقدانه الأهلية الوطنية، ولحين صدور قرار نزيه في هذه القضية.
فالرجل يحيط نفسه، بل يحرص على احاطة نفسه، بظروف تجلب الشبهة..!!
الإستنتاج الثالث: ما ينطبق على محمود عباس ينطبق كذلك على اللجنتين المركزية لحركة "فتح" والتنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
أوليس عباس من انفرد باختيار اعضاء اللجنتين، بعيدا عن ديكورات مؤتمر بيت لحم واجتماع المقاطعة في رام الله..؟!
الإستنتاج الرابع: أن ما ينطبق على عباس واللجنتين المركزية والتنفيذية ينطبق كذلك بالتأكيد على قادة الفصائل الذين امتنعوا حتى الآن عن ادانة قرار عباس تأجيل بحث تقرير لجنة غولدستون.
المعني هنا تحديدا نايف حواتمة، وتفريخات الجبهة الديمقراطية ممثلة في ياسر عبد ربه وحزب (فدا).
الإستنتاج الخامس: أن محمود عباس وسلطته واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لا يمكن أن تصلح لتمثيل الشعب الفلسطيني في أية مفاوضات أو مباحثات مع اسرائيل أو غير اسرائيل. هؤلاء جميعا فقدوا الصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني لأسباب غير قابلة للحصر، فضلا عن أنه ثبت بالملموس أن عباس لا يرفض فقط مبدأ المقاومة المسلحة للإحتلال، لكنه يرفض كذلك حتى العمل السياسي المناوئ للإحتلال، ويطلب وقفه. ثم إن جميع الذين اختارهم عباس لمواقعهم هم جميعا عباس..!!
الإستنتاج السادس: ضرورة اجراء انتخابات فلسطينية شاملة لانتخاب ممثل شرعي حقيقي للشعب الفلسطيني، تحظى برقابة مؤسسات حقوق انسان دولية مشهود لها بالنزاهة، وتخلو من أي مشاركة عربية.
الإستنتاج السابع: ضرورة بدء مرحلة انتقالية تسبق اجراء الإنتخابات، لأن من يزور انتخابات حركته، لن يتردد في تزوير ارادة الشعب كله.
الإستنتاج الثامن: عدم الحاجة إلى مصالحة وطنية بين قوى المقاومة الفلسطينية، وقوى الخيانة الوطنية. هؤلا تم اسقاطهم بالتسجيلات الإسرائيلية..!!!
الإستنتاج التاسع: عدم صلاحية المجلس الوطني الفلسطيني للقيام بأي دور في المرحلة الإنتقالية، ما لم يعلن سليم الزعنون رئيس المجلس موقفا واضحا صريحا من كل هذه المخازي والخروقات الوطنية التي تجتاح عواطف جميع الفلسطينيين والعرب والمسلمين وعقولهم.
الإستنتاج العاشر: ضرورة اتخاذ موقف معلن من الهيكلية الحالية للمجلس الوطني الفلسطيني كصيغة انتقالية في ضوء صدور أو عدم صدور الموقف المطلوب منه.
وبعد، فإننا نطالب، وسنبادر إلى التحرك لتشكيل محكمة شعبية فلسطينية عربية اسلامية تتولى محاكمة كل المشبوهين المتورطين في خيانة الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، وإعلان قرارها للرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي والدولي. ونعتبر هذا المقال بمثابة دعوة علنية لجميع قوى المقاومة الفلسطينية، وفي المقدمة منها حركتي "حماس" والجهاد الإسلامي، لبدء التحرك والعمل في هذا الإتجاه.