هل هي مصادفة، أن يشغل الرأي العام في مصر بالحرب ضد النقاب، في حين أن المتطرفين اليهود يتحفزون للانقضاض على المسجد الأقصى؟ السؤال ألقاه علينا خطيب الجمعة، وبدا من حديثه أنه لم يكن مستفهما عن طبيعة العلاقة بين الحدثين، وإنما كان مستنكرا ومعتبرا أن التزامن بينهما من «دلائل الخيبات»، لأنه جاء كاشفا عن مدى الخلل في ترتيب الأولويات عندنا. إذ بدلا من أن يشغل الناس بهمومهم الكبيرة وقضاياهم المصيرية، فإنهم صرفوا عن كل ذلك بمسألة فرعية وجانبية. ما قاله خطيب الجمعة أهون مما يردده غيره، لأنني سمعت أكثر من رأي لأناس محترمين رفضوا أن يعتبروا التزامن بين تهديد المسجد الأقصى وتفجير مسألة النقاب مجرد مصادفة. وذهبوا إلى أنها سياسة باتت متبعة في مصر، إذ كلما طرأ حدث جلل يصدم الرأي العام ويغضبه أثارت الأبواق الإعلامية ذات الصلة بالسلطة فرقعة جانبية، شغلت بها الناس وصرفتهم عن الحدث الأهم والأكبر. ملاحظة خطيب الجمعة وانطباعات المتشككين فيما يجري في كفة، والطريقة التي أثير بها الموضوع في كفة أخرى. ذلك أن موقف شيخ الأزهر منه كان بائسا حقا. حين وبخ تلميذة صغيرة وجدها منتقبة أثناء مروره بأحد المعاهد الأزهرية. واستخدم في ذلك عبارات قاسية وغير لائقة أساءت إلى الشيخ والمشيخة. وكانت تلك بداية للحملة التي شنتها المنابر الإعلامية والمؤسسات التعليمية، الأولى ظلت تقرع طبول «الحرب ضد النقاب»، والثانية عاقبت المنتقبات فمنعتهن من الانتظام في الدراسة ودخول الحرم الجامعي تارة، ومن الإقامة في المدن الجامعية تارة أخرى. واستخدمت في ذلك ذرائع خائبة، من قبيل التساؤل الساذج الذي طرحه وزير التعليم العالي أثناء زيارته لجامعة الزقازيق يوم الخميس الماضي (15/10) وقال فيه: ماذا لو استيقظت الفتيات داخل المدينة الجامعية، ووجدن رجلا متخفيا في زي منتقبة؟! حتى لا يلتبس الأمر على أحد فإنني ألخص موقفي من الموضوع في نقطتين. الأولى أنني لست مع النقاب لكني أعتبره من قبيل الحرية الشخصية التي لا ينبغي لأحد أن يصادرها مادامت لم تسبب ضررا للنفس أو للغير. علما بأن شيخ الأزهر الذي شغل نفسه بمسألة الزي وقاد الحملة ضد المنتقبات لم نسمع له رأيا في المايوه البكيني مثلا؟. الثانية أن النقاب باعتباره سلوكا اجتماعيا طارئا على المجتمع المصري لا يعالج بالأوامر والفرمانات. وإذا كان لرجل الأمن أن يسأل كيف يمكن ألا يكون النقاب غطاء لسلوك غير مشروع، فإن الغيورين على الدين ينبغي أن ينصب سؤالهم على الأسباب التي أتاحت الفرصة لاختراق الساحة المصرية بالنقاب وتحويله إلى ظاهرة شاعت بين المتدينات. إن أحدا لم ينتبه إلى خطورة الفراغ الذي يخيم على الساحة الثقافية المصرية وسمح لأفكار التشدد التي يمثلها النقاب بأن تتمدد فيها. وبالتالي فبدلا من الانتباه إلى ضرورة تحصين الشباب والفتيات بالثقافة الدينية الرشيدة، فإن الجميع تحولوا إلى رجال أمن، عمدوا إلى إجراءات القمع والمنع والطرد، فعقّدوا المسألة ولم يحلوها. لقد قرأت في جريدة «الأسبوع» (عدد 16/10) حوارا مع الفنانة المعتزلة شمس البارودي، تحدثت فيه عن أنها ارتدت النقاب بعد أداء العمرة لاعتقادها أنه فريضة، وحين رجعت إلى الشيخين يوسف القرضاوي ومتولي الشعراوي أخبراها بأنه ليس كذلك، فخلعته واكتفت بالحجاب. ولو أن الذين رأوا في الظاهرة مشكلة وتصدوا لها بمثل هذا الاسلوب الهادئ والرصين لكان العلاج أجدى وأنجع. لكن ثقافة الطوارئ التي نمت في ظلها عقلية المطرقة، لم تعد ترى سوى أن العصا الغليظة هي الحل لكل مشكلة سياسية أو اجتماعية. الرؤية الأحد, 18 أكتوبر 2009