كان مفاجئا أن تحولت قضية المراجعات الجهادية الليبية إلى محور تقاطب وجدل داخل السجون المغربية، بعد صدور بيان وقع ب «أسرى التوحيد والجهاد في السجون المغربية» ونشره من قبل مركز المقريزي للدراسات التاريخية في لندن، والذي يرأسه هاني السباعي المعروف بمناهضته الشديدة لفكر المراجعات، هذا البيان الذي جاء حاملا لمعارضة شديدة لموقف أحد أبرز قيادات المعتقلين في قضايا السلفية الجهادية بالمغرب الشيخ أبوحفص عبدالوهاب رفيقي، والذي كان موقفه بداية شهر سبتمبر الماضي مؤيدا لمراجعات الجماعة الليبية المقاتلة، ليتلو ذلك بيان نهاية شهر أكتوبر الماضي وقع باسم «معتقلو الرأي والعقيدة بالسجون المغربية» وحمل ردا على ما صدر في البيان الأول، مؤكدا على كون المبادرة المغربية لتسوية المشكل المغربي تختلف من حيث جوهرها عن المبادرة الليبية أو المصرية. الرد الآنف والذي تم تداوله في المغرب في الأسبوع الماضي، شكل أول بيان يكشف عن تبلور موقف جماعي يتوسع يوما بعد آخر، ولا يرتهن للموقف المغربي الرسمي المستنكف عن ترسيم أي حوار علمي فكري أو مشروع تسوية حقوقية، رغم ما صدر من تصريحات عن كل من الكتابة العامة للمجلس العلمي الأعلى بخصوص مبدأ الحوار، أو عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بخصوص المشكل الحقوقي، حيث حصلت محطات عفو كثيرة في الأشهر الستة الماضية، ولم يصدر أي شيء تجاه المعتقلين، بما حمل مخاطر فقدان الثقة في المشروع، وهدد بإمكانية توسع التيار المناهض لها، والذي ظهر في البيان المنشور من قبل مركز المقريزي، لكن جاء بيان الرد ليقول بوضوح إن «المبادرة التي نتبناها ليس فيها أي تأصيل أو مباحث شرعية، وإنما هي مواقف ثلاثة، كتبناها في ورقة ذات أسطر قليلة، بطلب من المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ننص فيها على نبذنا لتكفير المجتمعات الإسلامية، ورفضنا للعمليات العشوائية التي تستهدف الأبرياء، وعدم رفضنا لشكل النظام الملكي ما أقام الدين ووحد الأمة، ولم نزد على هذا شيئا، فأين هذا من سلسلة المراجعات والتأصيلات والمناقشات عند المصريين والليبيين». الواقع أن فكر المراجعة في الحالة الليبية أو التسوية في الحالة المغربية مستهدف بخطاب لتشويهه عبر اختزاله في مجرد استجابة إملاءات وضغوط أو تطلع لعفو، بما يؤدي إلى هيمنة القراءة السياسية التآمرية وإلى اختزال المراجعات في مجرد ركون ومهادنة. هذا في الوقت الذي كانت فيه المراجعات الليبية من الناحية الاستدلالية قوية؛ لأنها انطلقت في ظل وجود تراكم من المراجعات في مصر وشبه المراجعة في الأردن، كما استوعب قادة الجماعة الانتقادات وردود الفعل التي صدرت حول المراجعات التي سبقتهم، وهذا أتاح لهم خوض التجربة وهم محكومون بضرورة تعميق مراجعاتهم كي لا تكون استنساخا أو مجرد إعادة صياغة لمراجعات سابقة، وهو ما مهد الطريق لموقف مغربي مؤيد، أما في حالة المغرب فإن إرهاصات المواقف الداعمة لخيار تسوية كانت سابقة على ذلك الموقف المؤيد، وقبله انطلاق المراجعات الليبية نفسها، بل إنه حين أعلن خبر التحاق الجماعة الليبية المقاتلة بتنظيم القاعدة كان الشيخ أبوحفص قد أصدر وثيقته الشهيرة التي أعلن فيها حصول أخطاء، وجدد فيها رفضه لما عرفه المغرب من تفجيرات، بما يؤكد مبدئية خيار السعي لنزع فتيل توتر نتج عن تراكم من الانتهاكات الحقوقية بسبب من الحملة التي تلت تفجيرات 16 مايو 2003 الإرهابية بالمغرب. إن المطلوب حاليا هو إيقاف حالة النزيف والاحتراب، وما يرتبط بها من عمليات الإضعاف الداخلي بين الأنظمة والتيارات الإسلامية، والسعي لتقوية توجهات الغلو داخلها بما يخدم توجهات التطرف الاستئصالي في الجهة الأخرى، وهذا المنطق هو الذي يجمع الآن تيارا عريضا في الجماعات والقيادات التي تفاعلت مع الفكر الجهادي في التسعينيات، وانخرطت في مراجعات متفاوتة من حيث المدى الفقهي والسياسي، وهو المنطق الذي يحتاج إلى تدعيم وتعزيز، لما سيكون له من أثر على حال الأمة ككل. العرب القطرية 2009-11-06