عظيمُ أثر الأسماء والمعاني والألفاظ في بناء الفهم والرأي والإقناع والحجة. نقف اليوم على شاطئ المعاني والأسماء والألفاظ والدلالات وأثرها في الانتصار في معركة التاريخ والحق الفلسطيني. في معركة المعاني الأولى في تاريخ البشرية " وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا" [البقرة : 31]، انتصر آدم عليه السلام بعلم الله تبارك وتعالى ليحقق التقدم الدائم وسجد الملائكة لآدم عليه السلام وفق أوامر الله تبارك وتعالى. " قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا" [البقرة : 32] . احتلال الأرض واغتصابها قد يكون سهلاً ومؤقتاً كذلك، ولكن في معركة الأسماء والمعاني يريد الاحتلال اغتصاب التاريخ وتهجير الوطن من الذاكرة "فالكبار يموتون والصغار ينسون" وفق قاعدة إخراج فلسطين من العقول والقلوب. وتتحقق الهزيمة الأكبر في سقوط المعاني والأسماء والدلالات. والأحلام هنا أيضاً مرفوضة ومطلوب التحول من أحلام التحرير إلى أوهام التحرير، والأحلام والأماني لا مكان لها تحت شمس المعاني المهزومة والتاريخ المسلوب، وبدلاً من الرسو على شاطئ الأحلام بتحويلها إلى مشاريع وحقائق "أحلام اليوم حقائق الغد" تغدو هزيمة الأحلام مستحيلة (لدى أرباب الهزيمة) ولا شطئان لرسوها على جزيرة الحقائق. وتتجاوز قضايا هزيمة الأسماء والمعاني تحولها من عالم الأحلام بل تغدو الأحلام بالتحرير والعودة لدى البعض أُس المشكلة ولُب الصراع ويغدو الحالمون بهزيمة الاحتلال في مشروعه ووجوده أصل النكبات والذين يشكلون "الخطر على أمن المنطقة". ويغدو النظام العربي والإعلام الرسمي للأسف جزءاً من معركة الأسماء والمعاني حين يغدو مصطلح "العدو" مثلاً لا يحمل الدلالة بأن المقصود بذلك الاحتلال الصهيوني وإنما "عدو آخر"؟! وحين لا يُستخدم مصطلح "الإرهاب" للدلالة على إرهاب الدولة وقطعان المستوطنين والعدوان المسعور على غزة الجريحة والضفة المحاصرة بين حراب الاحتلال ووثائق الذل والعار، وإنما للدلالة على أسماء وأشياء أخرى؟! وحين تستقبل قيادة الاحتلال تهنئة بالعربية الفصحى في "ذكرى الاستقلال"؟! وحين يغدو "خيار السلام" وثقافته دلالته التوقيع على بياض بكل الحق الفلسطيني، في إطار ما يسمونه "تحرير العقل" السياسي الفلسطيني والعربي. وحين تتعالى رطانة إسمها "الخطر الإيراني"؟! وأن هناك "وسيط عربي محايد" يسعى إلى إيقاف "العنف المتبادل" وعلى قاعدة "حقوق متنازع عليها"؟! وخشية من "تفويت الفرص" التي يجيدها الفلسطينيون كما يزعم أرباب الإعلام الرسمي؟! وبناءً على ذلك تحدث "اشتباكات سياسية تفاوضية" في إطار "الحياة مفاوضات"؟! وهكذا تنقلب المعاني إلى الضد وتغدو "عقوبة الإقصاء" و"الحصار" و"المقاطعة" و"القتل" ممكنة بل ومطلوبة لأن الأحلام بالتحرير أصل النكبات ومنطق التشدد " أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ" [النمل : 56] . منهج "تحريف الكلم عن مواضعه" يهودي بامتياز يتساوق معه عرب النفاق قديماً واليوم يغدو هذا المنهج أكثر خطورة في عصر العولمة والانترنت والفضائيات لتغدو الأسماء والمعاني والألفاظ المُحرفة مصطلحات تضليل عالمية وبكافة اللغات. ومن هنا يكرس الاحتلال يوماً بعد يوم مشروعه في يهودية الدولة, واليوم ينتقل إلى موقع متقدم بتغيير الأسماء جهاراً نهاراً وعلى الملأ الصامت لتغدو القدس أورشليم, وعكا عكو, والناصرة نتسراوت وهكذا. كي نرسو على شاطئ المعاني والألفاظ والأسماء والدلالات الصحيحة لا بد من كسب معركة العقول وكسب معركة التاريخ والمعاني. فالبنادق وحدها لا تكسب معركة والاحتلال لم يكسب المعركة ولن يكسبها طالما لم يحقق الانتصار الكبير على العقول بالهزيمة في عالم الأسماء والمعاني " بتحريف الكلم عن مواضعه" وهذا لم يتحقق ولن يتحقق طالما حافظت الأجيال على الوعي والذاكرة والتاريخ. وعاقبة الانتصار في معركة المعاني الرسو على شاطئ الانتصار في ساحات المسجد الأقصى. "يسألونك متى هو؟ قل: عسى أن يكون قريباً"