قضية ''اللوبيينغ'': اقرار الحكم الابتدائي بسجن الغنوشي وبوشلاكة 3 سنوات وخطية مالية للنهضة    منوبة: بطاقتا إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده    كأس تونس: مستقبل المرسى يطيح بمحيط قرقنة في عقر داره    المنستير: إيقاف 5 أشخاص حاولوا سرقة متحف الحبيب بورقيبة بسقانص    مغاربة يطالبون بمنع سعد المجرّد من إحياء حفلات في بلاده.. ما القصّة؟    نابل : حجز كمية من المواد الكيميائية مجهولة المصدر ومنتهية الصلوحية    القبض على عنصر إجرامي خطير مفتش عنه دوليا في هذه المنطقة    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    هل التونسيون معنيون بالمتحور الجديد للكورونا Flirt؟    الكاف: مهرجان ميو يحتفي بفلسطين    جمعية المحامين الشبان تودع شكاية في التعذيب وتدعو رئيس الجمهورية إلى الاطلاع على ملف بوزقروبة    القيروان انقاذ طفل سقط في بئر    وزارة الفلاحة تدعو الفلاحيين الى القيام بالمداواة الوقائية ضد مرض "الميلديو" باستعمال أحد المبيدات الفطرية المرخص بها    الإعلامي زياد الهاني يمثل أمام القضاء..    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    كلفة انجاز التّعداد العامّ للسّكان والسّكنى لسنة 2024 تناهز 89 مليون دينار – مدير عام معهد الإحصاء    خلال شهر أفريل : رصد 20 اعتداء على الصحفيين/ات من أصل 25 إشعارا    آخر كلمات الإعلامي الرياضي أحمد نوير قبل رحيله...رحمه الله    البنك الأوروبي لإعادة الأعمار وشركة خاصة يوقّعان إتفاقيّة تمويل مشروع للطاقات المتجدّدة بفريانة    القيروان: الاحتفاظ ب 8 أشخاص من دول افريقيا جنوب الصحراء دون وثائق ثبوت هويّة ويعملون بشركة فلاحيّة    سيف الله اللطيف ينتقل الى الدوري الهولندي الممتاز    عاجل/ أمريكا تستثني هذه المناطق بتونس والمسافات من تحذير رعاياها    سليانة: توقّعات بتراجع صابة حب الملوك في مكثر    اليوم.. حفل زياد غرسة بالمسرح البلدي    إتحاد الفلاحة : كتلة أجور موظفي إتحاد الفلاحة 6 مليارات و700 ألف دينار    البرازيل تستضيف نهائيات كأس العالم لكرة القدم    قابس: عدد الأضاحي تراجعت هذه السنة    القصرين: وفاة شاب في حادث مرور    حجز 900 قرص مخدر نوع "ايريكا"..    بعد تسجيل الحالة الرابعة من نوعها.. مرض جديد يثير القلق    إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    حريق بمستودع بين المروج 6 ونعسان    عاجل : الكشف عن مصنع عشوائي لتعليب المنتوجات الغذائية و الأمن يتدخل    هام/ مناظرة لانتداب 34 متصرفا بالبريد التونسي..    اتحاد الفلاحة: أسعار أضاحي العيد ستكون باهضة .. التفاصيل    ذهاب نهائي رابطة ابطال افريقيا : الترجي يستضيف الاهلي برغبة تعبيد الطريق نحو الظفر باللقب    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    انتخاب تونس عضوا بالمجلس الوزاري الإفريقي المعني بالأرصاد الجوية    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    روعة التليلي تحصد الذهبية في بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    غزة.. سقوط شهداء في غارة إسرائيلية على مدرسة    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    بمناسبة اليوم العالمي للمتاحف: الدخول للمتاحف والمواقع والمعالم الأثرية مجانا للتونسيين والأجانب المقيمين بتونس    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



على هامش حادثة قاعدة "فورت هود" الأمريكية : مواطن في الغرب ومسلم.. ماذا يفعل؟
نشر في الفجر نيوز يوم 07 - 11 - 2009


بادئ ذي بدء ينبغي تثبيت جملة من المعطيات الأساسية:
1- حادثة القتل العشوائي في قاعدة "فورت هود" الأمريكية الكبرى في تكساس يوم 5/11/2009م تندرج في نطاق ظاهرة مأساوية منتشرة في العالم الغربي انتشارا واسعا، وشهدت الولايات المتحدة الأمريكية العديد منها عام 2009م، أشدها يوم 3/4/2009م في نيويورك.
2- بالمقابل هي حادثة فردية بمنظور الوجود البشري الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية (وفي الغرب عموما) فتسليط الأضواء بأساليب الإثارة الإعلامية المعتادة، على حادثة فريدة من نوعها (أول فرد مسلم يرتكب عملية قتل عشوائية.. من بين ما يشهده العالم الغربي منذ عشرات السنين بمعدل مرة كل شهر تقريبا) لا يقابله تسليط الأضواء على أن عشرات الملايين من المسلمين في الغرب.. لا يصنعون شيئا من ذلك من قريب أو بعيد، ويعيشون حياتهم المعيشية بصورة اعتيادية عموما.
3- وهي حادثة فردية –أيضا- من حيث عدم وجود جهة تنظيمية من ورائها، كما يؤخذ مما أعلن رسميا.
4- مرتكب الجريمة نضال مالك حسن، أمريكي المولد والجنسية، فلسطيني الأصل (أبواه فلسطينيان مشردان عن قرية قرب القدس، وقيل في البداية إنه أردني.. وخلفية التشريد المأساوية لذلك معروفة!)، مسلم الديانة، إنما لا يستدعي شيء من ذلك أن تُبنى عليه استنتاجات متسرعة أو عبر كتابات يصفها ناشروها بالتحليلية، وإن كان من غير المستبعد أن تتحقق مخاوف المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، فيتعرضون لأعمال انتقامية!..
5- كما هو الحال مع الغالبية العظمى للمسلمين في الغرب، يسري على المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، أنهم أمريكيون من حيث المواطنة، مسلمون من حيث الديانة، ولا يقتصر الأمر على مسارعة منظماتهم الكبرى إلى إدانة الجريمة، بل ينبغي في الوقت نفسه أن يؤخذ بعين الاعتبار أنهم يسلكون السبل المشروعة للتعبير عن أنفسهم، وأنهم عموما أقرب إلى موقع "الضحية" على صعيد كثير من مظاهر التمييز على حسابهم، وليس في موقع من يسبب "سقوط الضحايا" في مجتمعاتهم الغربية.
طالع أيضًا:
حادث تكساس ومآلات الأفعال للأقليات المسلمة
رغم هذه المعطيات، فإن الملابسات الأولية المنشورة عن الحادثة، مثل علاقتها المحتملة -عند مرتكب الجريمة بحرب الاحتلال الأمريكية في العراق- وكونه ضابطا برتبة (ميجور) في الجيش الأمريكي (منذ عام 1997م، وسبق منحه وسام الدفاع الوطني ووسام الحرب على الإرهاب)، وهو في الوقت نفسه طبيب نفساني اشتغل في رعاية الجنود العائدين من أفغانستان والعراق، وكان يعاني من استدعائه مؤخرا إلى جبهة القتال في العراق.. هذه الملابسات "فرصة" لطرح قضية طالما أثيرت من خلال السؤال:
- كيف يجمع المواطن المسلم الغربي، ما بين تبعات هذين الانتماءين، خاصة في ظل ما شهدته السنوات الأخيرة من تصعيد لأحداث الصدام الدموي نتيجة الحروب، ولا سيما عندما تستدعي قوانين البلد الغربي مشاركة المواطن "المسلم" أيضا في تلك الحروب!
أحكام الفقه.. لا تكفي
لا توجد إجابة جاهزة على السؤال المطروح تارة من منطلق الانتماء الإسلامي: كيف يمكن لمسلم أن يشارك في حرب ثبت أنها عدوانية ضد مسلمين؟.. وتارة أخرى من منطلق غربي: كيف يمكن للجهات الرسمية الغربية أن تطمئن إلى ما تفرضه "صفة المواطنة" على المواطنين المسلمين، في ظل الظروف التي صبغتها المواجهات الدامية، لا سيما في السنوات الأخيرة؟!..
الجانب الفقهي بالغ الأهمية دون ريب، إنما لا يمكن اختزال الإجابة عليه وحده، لأسباب عديدة، منها:
1- يسري على غالبية المسلمين في الغرب أنهم لم يبلغوا المستوى الكافي في معرفة ما يحتاجون إليه من أحكام فقهية، أو أنهم لا يسعون أصلا إلى الالتزام في كثير من جوانب حياتهم اليومية، بما قد يعرفونه مما يقرره إسلامهم من واجبات عليهم من المنظور الفقهي، فلا يكفي إذن أن يقال:هذا حرام وهذا حلال، لتتخذ الغالبية موقفا سليما على صعيد السؤال المذكور.
2- ليس مجهولا أن المسلمين الملتزمين في الغرب يطرحون على أنفسهم وتُطرح عليهم تساؤلات بصدد ما يمكن أن يسري عليهم من أحكام فقهية عامة، معظمها مما اجتهد به المجتهدون ليسري مفعوله على مسلم يعيش في بلد غالبيته من المسلمين (بغض النظر عن نسبة التزام نظام الحكم نفسه بالإسلام) مقابل عدم وجود "ما يكفي" من الأحكام الفقهية التي تراعي -كما يريد الشرع- وجود المسلم في بلد غالبيته من غير المسلمين، لا سيما وأن غالبية المسلمين فيه "مواطنون" تسري عليهم قوانين البلد الذي يعيشون فيه عموما. ورغم الجهود المبذولة على هذا الصعيد في السنوات القليلة الماضية (في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وفي الغرب الأوروبي) فإن نشر هذه الأحكام في أوساط المسلمين، وتعميمها، ناهيك عن تعريف السلطات الغربية بها، لا يزال ضعيفا نسبيا.
3- يسري على المسلم المواطن في بلد غربي، ما يسري على غير المسلم من مواطنيه، من حيث حقه في أن يكون له موقف شخصي حر من سياسات بلده الغربي، وممارساته، لا سيما على الصعيد العسكري، سواء تجاه بلد مسلم، أو تجاه أي بلد آخر، وليس مجهولا أن معارضة الحروب الأمريكية الجارية في البلدان الإسلامية مؤخرا، لا سيما العراق وأفغانستان، والسياسات الأمريكية المنحازة في التعامل مع بلدان وقضايا إسلامية أخرى، تجد معارضة متنامية على مستوى غالبية المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية وغير الدينية، فلا ينبغي التسليم بالدعوة إلى حذر "المسلم" تخصيصا من التعبير عن موقفه، بسبب وجود من يستغل ذلك دون وجه حق قانوني، لنشر أجواء عدائية أو تشكيكية تجاه "المواطنين المسلمين" في الغرب.
4- المنطلق الإنساني في التعامل مع الحروب ومآسيها، والضحايا فيها لا سيما مع تصاعد نسبة إصابة المدنيين، هو منطلق مشترك بين المسلمين وسواهم، في البلدان الغربية وفي أي مكان من العالم، ولا يزال المواطنون المسلمون في الغرب، لا يستفيدون من هذه الأرضية الإنسانية المشتركة على النحو الأمثل.. بسبب دعوات "الحذر" المشار إليها آنفا ولأسباب ذاتية أخرى.
واجبات المواطنة.. لا تكفي
بالمقابل لا يمكن اختزال الإجابة في منظور "واجبات المواطنة" وحدها، فهي ليست "قضبانا قانونية" تمنع المسلم تحديدا من اتخاذ موقف، أو معارضة سياسة، أو الخروج في مظاهرة احتجاجية، أما ارتكاب الجريمة من قبيل القتل العشوائي وسواه، فهو محظور قانونيا على كل مواطن، ولا تحظره قوانين الدول الغربية فقط، بل تحظره سائر القوانين والديانات، وفي ميدان "القتل غير المشروع خارج نطاق ساحة القتال" -كمثال- لا يوجد اختلافات تذكر بين تشريع إسلامي وسواه، فلا يصح الظنّ بأن التذكير بواجبات المواطنة وحده المدخل إلى دفع مواطن مسلم في بلد ذي غالبية من غير المسلمين، كيلا يرتكب الجريمة، عند وجود دوافع ذاتية شاذة إلى ذلك!..
ينبغي الانطلاق في الإجابة على السؤال عن علاقة الانتماء الديني بانتماء المواطنة بالنسبة إلى المسلمين في الغرب، من حقيقة أن أوضاعهم ذات العلاقة بهذا السؤال لا تختلف اختلافا كبيرا عن أوضاع المواطنين غير المسلمين. وإذا انطلقنا من مثال حادثة "فورت هود" تكفي الإشارة إلى أن حجم الأزمة النفسانية الفردية للمواطن الغربي عموما، بسبب ما يجري في الحروب وفق سياسات حكومة بلده، يتجلى في صور عديدة، أكثرها مأساويةً ارتفاعُ حالات الانتحار في صفوف الجنود الذين يُرسل بهم إلى جبهات القتال، وهم في مقتبل العمر، وقد بلغ تعدادها 128 حالة عام 2008م في صفوف الجنود الأمريكيين (رقم قياسي تجاه سائر الأعوام السابقة) ومن المنتظر تسجيل رقم قياسي مأساوي آخر عام 2009م، وقد شهدت قاعدة "فورت هود" -وهي قاعدة كبرى تتسع لحوالي 65 ألف جندي- 75 حالة انتحار منذ بداية حرب احتلال العراق، كان منها 9 حالات عام 2009م.
على مستوى عامة المواطنين في الغرب، بمن في ذك المجندون عسكريا، لا يوجد ما يسوّغ الاعتماد على عنصر المواطنة المشترك وحده، ولا على عنصر تعدد الانتماءات الدينية، في تفسير أحداث فردية أو ظاهرة اجتماعية ذات علاقة بما يثار منذ سنوات في ظل الحروب الجارية، وإن عنصر انتماء المواطنة لا يمنع أحدا -بغض النظر عن الانتماءات الدينية والقومية والثقافية وغيرها- من معارضة حروب تشنها جيوش البلد الذي ينتمي المواطن إليه، كما لا يمنع التأثر بمآسيها الإنسانية، ولا يمنع أيضا من نشوب أزمات نفسانية عميقة ووقوع حوادث استثنائية نتيجة لها (من الشواهد على ذلك: إقدام جندي أمريكي في أيار/ مايو 2009م على قتل خمسة من زملائه في قاعدة عسكرية في العراق).
ويلفت النظر أن من ينطلقون من منظور المواطنة ويتبنون أشد درجة من درجات الإدانة في التفاعل مع حادثة بمشاركة فرد مسلم كحادثة "فورت فود" أو من قبيل "تفجيرات مدريد ولندن"، لا يتبنون ذلك من منطلق تسويغ ما تصنعه آليات صناعة القرار السياسي والعسكري، لا سيما إذا وصلت إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية كما في جوانتانامو وأبو غريب وسواهما.
وبالمقابل فإن أكثر الناس جرأة على تجاهل واجبات المواطنة، لتسويغ ما يصنع فرد مسلم مثل نضال مالك حسن، لا ينطلق في الأعم الأغلب من حجج إسلامية، تشريعية أو غير تشريعية -إلا في حالات شاذة تردد ما يُصطنع لذلك دون خلفية اجتهادية مشروعة- إنما ينطلق في الإجابة على استنكار صنيعه بالسؤال الاستنكاري: ألا ترى ما يصنعون في فلسطين والعرق وأفغانستان وسواها؟!..
البحث عن صيغة مشتركة جديدة
لا ينبغي إذن التسرع في الإجابة على السؤال المطروح عن المواطن المسلم في الغرب من أصول غربية أو سواها، لا سيما عند وضع الانتماء الإسلامي وانتماء المواطنة في موقعين "متضادين" متقابلين.. دون مسوّغ!..
الإجابة تتطلب دراسات وبحوثا، نظرية وميدانية، بدلا من الاختزال في تعقيب سريع على حدث آني، بغض النظر عن التأثر به سلبا إو إيجابا.
وينبغي أن تراعي الدراسات والبحوث المرجوة عناصر عديدة، أبرزها للعيان وفق اجتهاد كاتب هذه السطور، وبإيجاز شديد:
1- وضع العلاقة بين الانتماءين في موقعها من القضية الأشمل، وهي الوجود البشري الإسلامي المتنامي في بلدان بغالبية من غير المسلمين، ولا سيما في الدول الغربية، وذلك من مختلف جوانبه، بدءاً (1) بتربية الأطفال والناشئة، مرورا (2) بالتعامل مع الأسرة والمرأة المسلمة، انتهاء (3) بالمشاركة في آليات صناعة القرار السياسي والإعلامي والاقتصادي والتقنيني وغيره.
2- تصنيف مختلف الأحداث والقضايا ذات العلاقة، تصنيفا دقيقا يمنع التعميم في البحث المنهجي على الأقل، بدءا (1) بالحروب العدوانية وما يكمن خلفها من آليات صناعة القرار من منطلقات سياسية ومصلحية مادية، بغض النظر عن وجود عوامل إضافية، عقدية وتاريخية وثقافية وغيرها، مرورا (2) بعمليات العنف غير المشروع (الإرهاب بمفهومه الشائع) وما يكمن خلفها من آليات صناعة القرار اعتمادا على تنظيمات، محددة معروفة، من حيث تكوينها وحجمها ومواطنها، بغض النظر عن الموقف من رؤاها في تسويغ ما تصنع، واعتباره ردّ فعل على عدوان أجنبي، انتهاء (3) بالاعتداءات الفردية، من مختلف الأطراف، سواء من أفراد مسلمين يستهدفون المدنيين وغير المدنيين ومنشآت دينية وغير دينية، أو من أفراد غير مسلمين يستهدفون المدنيين المسلمين والمساجد والمصليات وغيرها.
3- التعاون بما يتجاوز حدود التمييز عبر الانتماءين موضع الحديث (الديانة والمواطنة) للانطلاق من الأرضية الطبيعية المشتركة القائمة بين هذين العنصرين، للوصول عبر الدراسة إلى صيغ مشتركة، تتجنب الأسلوب المتبع حتى الآن، والذي يتمثل غالبا في وجود جهات إسلامية -تطرح من بين ما تطرح إسلاميا- الرؤية التشريعية للمواطن المسلم في الغرب، ووجود جهات غير إسلامية، تمثل السلطات وجهات غير رسمية أيضا، فتطرح من منطلق المواطنة، ما يغلب عليه وصف "القيود والحدود" التي يجب أن توضع على الانتماء الإسلامي، كي ينسجم مع متطلبات الاندماج في المجتمع الغربي كما هو.
4- لا بد أن تشمل الصيغ المشتركة جوانب عديدة، تتكامل مع بعضها بعضا، منها كأمثلة (1) التربية والتوعية الإسلامية للمواطن المسلم والتعريف بالإسلام لغير المسلم (2) التربية والتوعية المطلوبة وفق نصوص دساتير الدول الغربية بالشؤون التقنينية والسياسية وما يرتبط بالحقوق والحريات والواجبات والتعايش بين مختلف الفئات السكانية (3) طرح نقاط الاحتكاك الحساسة فيما لو وجدت بين ما يفرضه الواجب الديني وما يفرضه واجب المواطنة، ولئن وجدت فهي قليلة محدودة لا يصعب الوصول إلى حلول عملية لها (4) النظر في الكتب المدرسية وكتب التوعية العامة وكذلك الكتب الإسلامية المتداولة بين المسلمين، لإزالة ما يوجد فيها من معلومات خاطئة أو أحكام مسبقة في مختلف الاتجاهات.
المواطنة.. فرصة وليست مشكلة!
إن هذا الإطار الأشمل ضروري للعثور على إجابة جزء من السؤال المطروح أعلاه، بشأن المشاركة في جيش الدولة التي ينتمي إليها مواطن مسلم في بلد غربي. فواجبات المجند وحقوقه محددة في نصوص رسمية عديدة، بدءا بما يسمى الكتاب الأبيض الذي تصدره وزارات الدفاع عادة، انتهاء بما يسمّى "الأوامر اليومية" ما بين القادة العسكريين والمجندين، ومن ذلك ما يسري على حالات السلم وحالات الحرب، وليست هذه النصوص مطلقة غير قابلة للتغيير، بل على النقيض من ذلك فهي موضع إعادة النظر بصورة دورية، ولكن معظمها موضوع حتى الآن دون أن تُطرح قضية الانتماء المزدوج المذكورة أصلا، مع أنها أصبحت قضية ملحّة، من الناحية الكمية مع ارتفاع عدد المواطنين المسلمين، لا سيما من جيل الناشئة والشبيبة، أو من الناحية الموضوعية، من حيث انتقال العلاقات بين العالمين الغربي والإسلامي، احتكاكا.. ومواجهة.. وعدوانا.. ودفاعا.. وعلى مختلف الأصعدة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، إلى موضوع الصدارة في الساحة الدولية.
إن الأرضية التي تحدد علاقة الجندي المسلم في جيش غربي، تقررت في غياب ما تعنيه هذه العلاقة نظريا وعمليا، وبغض النظر ما إذا كان هذا الغياب "تغييبا" مقصودا، أم هو نتيجة طبيعية لتطورات تاريخية سابقة في تكوين الدول والجيوش المعنية، فالمطلوب الآن التعامل مع المعطيات الواقعية القائمة المشار إليها، وهذا بالذات ما يصعب الوصول إليه دون أن يكون في صيغة أشمل كما تشير الفقرات السابقة.
حتى الآن.. لا يوجد ما يشير إلى طرح هذه القضايا بأبعادها الشمولية، من جانب مؤسسات ومنظمات إسلامية، ناهيك عن الوصول إلى تصورات عملية قابلة للطرح على الرأي العام وعلى مستوى صناعة القرار، سواء في إطار جهد مباشر من جانب الجهات الإسلامية، أو في إطار مواقع التواصل والتشاور المتزايدة تدريجيا، بينها وبين الجهات الرسمية ذات العلاقة.
ولئن أثبتت ثماني سنوات (على الأقل.. وما هي إلا نتيجة لما سبقها) في حقبة حروب بوش الأمريكية، أن الأجواء التي تصنعها الحروب والسياسات العدوانية، لا يمكن أن توصل إلى بحث المشكلات وحلها، لا على المستوى العالمي، ولا داخليا على مستوى البلد الغربي الواحد.
فمن المفروض أن يكون في مقدمة الدروس المستخلصة من ذلك، سقوط شعار "الاستمرارية" الذي ما يزال ساري المفعول بدلا من شعار "التغيير" في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات، وهو ما يتناقض مع إرادة الناخبين قطعا.. ليمكن أصلا البحث عن طرق أجدى وسبل أخرى، لم تكن موضع الحديث هنا فيما يتعلق بالقضايا الإسلامية والعالمية -وهذا ضروري- إنما هي موضوع هذا الحديث فيما يمكن أن تبدأ الجهات المسؤولة في الغرب بتطبيقه داخل حدودها وفي قلب مجتمعاتها بصورة مباشرة، وهنا لا يصح طرح مسألة مواطنة فئات المسلمين في دول غربية من منظور "المشكلة"، بل من منظور "الفرصة" للبحث عن حلول قويمة، قد تساعد بدورها على إيجاد حلول عادلة مستقرة في العلاقات الغربية-الإسلامية عالميا.
كاتب وباحث مقيم في ألمانيا.
مدارك
07-11-2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.