في كل مرة تقوم بها إسرائيل باقتطاع جزء من القدس تحدث ضجة إعلامية خجولة بعض الشيء ، ترى فيها الفضائيات العربية تتسابق في بث مشاهد وبرامج تحكي مقتطفات عن القدس وحكايا المقدسين الذين يتصدرون المواجهة بشكل يومي مع الاحتلال ويعيشون في خضم الصراع الفعلي الحقيقي على الأرض في كل شيء حتى إذا أرادوا دفع فاتورة الماء وهم يتطلعون الى امتدادهم العربي بعيونهم الباكية والحزينة على هذا الصمت وهذه الإدانات الخجولة والضعيفة التي لم ترتقي يوماً لمستوى الدفاع وصد الهجوم الإسرائيلي المستمر على مدينتهم المقدسة حيث يسعى لتفريغ المدينة من سكانها الأصليين وتغير ملامحها العربية واستبدال التاريخ فيها ، وفي الوقت الذي نجد فيه إسرائيل تُسخّر كل الإمكانيات والقدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية لتضليل العالم وتنفيذ مخططها لا نجد بالمقابل أي إستراتيجية عربية متحدة للمواجهة ولا نجد أي من سبل المواجهة الحقيقية سوى أنهم أصبحوا يكتفوا بالإعلام الفضائي عن طريق بث برامج يخرج علينا المسئولين بها للإدانة والشجب والاستنكار كما جرت العادة والقدس تقف وحدها على مقصلة الاحتلال والصراع . تتصاعد الهجمة على مدينة القدس شيئاً فشيئاً وتتعالى الأصوات من داخل الكيان الصهيوني التي ترى في هذا الصمت العربي الرسمي والشعبي فرصة ذهبية لتنفيذ مخططها النازي الذي يريد تبديل وتغيير طابع المدينة المقدسة ويهدف الى هدم المسجد الأقصى وقبة الصخرة وبناء هيكلهم المزعوم الذي يشكل هدفاً رئيسياً للحركة الصهيونية التي تسعى لتحقيق أهدافها العدوانية بشتى السبل والوسائل وبكافة الطرق ضاربة بعرض الحائط كل القيم الدينية والأخلاقية ومواثيق هيئات الأمم ، ولا تكترث للدعوات المطالبة إياها بان تتوقف عن ممارساتها وان توقف نهجها المعادي وان تعود لتلتزم بقرارات الشرعية الدولية وان تلتزم بقرارات خارطة الطريق وتوصياتها الخاصة بالقدس باعتبارها جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام 1967 . وفي ظل عمليات الاستيلاء على بيوت المقدسيين وكل ما يجري حالياً على الأرض من سحب للهويات والأوراق الثبوتيه للمواطنين ومصادرة حقوقهم وفرض غرامات مالية كبيرة عليهم وزيادة الضرائب على ممتلكاتهم وعمليات التهجير المنظم والعراقيل الكبيرة التي تضعها حكومة اليمين في إسرائيل للضغط على المقدسيين ومع تراجع الأصوات الرسمية والشعبية العربية المنددة والمستنكرة وفي ظل هذا الضعف العربي المطبق والصمت الدولي في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية على الأرض داخل المدينة المقدسة أو في الأحياء المحاذية لها نجد أن مصير القدس يتجه الى المجهول طالما لم تتحرك الجماهير العربية باتجاه حشد طاقاتها وتسخير كل إمكانياتها لدعم الصمود العربي ووضع إستراتيجية عربية مشتركة لمواجهة الأخطار الحقيقية التي تهدد المدينة المقدسة من جميع الجوانب . إن مسلسل التهويد المتبع في مدينة القدس لم يكن الأول ولكنة الأكبر والأوسع منذ أن وقعت في أيدي الغزاة الطامعين بها خاصة وانه يأتي ضمن شكل منهجي جديد هذه المرة يقوم على عدة أسس تبدأ بعزلها عن محيطها الفلسطيني والعربي مروراً بطرد سكانها الأصليين والاستيلاء على ممتلكاتهم ومنازلهم وتفريغها من الزوار والحجاج عن طريق التحكم بأوقات العبادات فيها لتغييب طابعها الديني والحضاري وصولاً لتحقيق أهدافهم التي يسعوا جاهدين لتحقيقها بشتى الوسائل والأساليب وبكافة الطرق طالما بقي العالم صامتاً ولم يضع حداً لكل هذه التجاوزات ولم يلوح بالقوة لردع هذه المخططات . القدس أو ما تبقى منها بعد كل هذا الضياع وهذا الهروب الطويل وهذا الزمن المنكسر ، حيث واجه المقدسيين وحدهم عقود طويلة من الزمن اعتى قوة احتلال في العالم وصبروا ولا زالوا وهم كذلك ، حتى أصبح المقدسي المستهدف بالدرجة الأولى وأصبحت السياسة الإسرائيلية مكشوفة وتعلن عن نواياها وماذا يراد بالمدينة المقدسة أصبح واضحاً بشكل لا يقبل التشكيك أو النفي وأصبح قادة إسرائيل يتباهون به أمام هذا العجز العربي والإسلامي المطبق وهذا السكوت الكافر والقدس على المقصلة.