"ما يفعله السويسريون اليوم هو نتاج عقدة قديمة".. هذا ما ذهب إليه العلامة د. يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، في الحلقة الماضية من برنامج الشريعة والحياة الأحد 8/12/2009 والذي يتم بثه على قناة الجزيرة الفضائية. القرضاوي أكد أن الغرب بصفة عامة والأوربيين بشكل خاص يحملون كرها وعداءً قديما للمسلمين، خلفه الإرث التاريخي التصادمي الصليبي ضد الإسلام منذ بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ورسائله إلى هرقل والمقوقس والنجاشي، ليدعوهم إلى الإسلام، ثم الحملات الصليبية الوحشية على بلاد المسلمين والتي نجح المسلمون في صدها وهزيمتها. وأوضح أن هذا الإرث هو الذي دفعهم إلى تلك الإساءات المتكررة، بداية من اتهامهم للإسلام بالتطرف، واختراعهم لمصطلحات من قبيل "الإسلام السياسي" لإبعاده عن شتى مناحي الحياة، وأيضًا "الإسلام الأصولي" الذي وصفوه بالتشدد والرجعية، و"الإسلام المعتدل" الذي لم ينج أيضًا من حملاتهم التي وصفوه فيها بأنه أشد خطورة وأطول عمرا!! وفي نفس السياق أشار القرضاوي إلى إساءات متكررة بدرت من حكومات ومنظمات مدنية، بحق النبي الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الحملات المستمرة على الحجاب وثقافة الحشمة بشكل عام لدى المسلمين. وأردف قائلا: "كل هذا وغيره دليل قوي على هذا الكره الذي يمتد جذوره إلى قديم الزمان". لم نجبر أحدا وردا على ما قاله السفير السويسري بمصر من أن تصويت شعبه ضد المآذن في سويسرا سببه الخوف من تزايد عدد المسلمين بثقافتهم المغايرة للتقاليد الأوربية، أوضح القرضاوي بلهجة حازمة أن من دخلوا الإسلام من السويسريين أو غيرهم في أي بلد أوربي آخر إنما دخلوه بناء على رغبتهم المحضة بلا إكراه، وقد تمت هذه التحولات تحت سمع وبصر الدولة وموافقتها. وأضاف أن ال"400,000" مسلم، وهم تقريبا عدد المسلمين في سويسرا، أكثرهم أناس متميزون علميًا وثقافيًا أفادوا سويسرا كثيرا في مختلف المجالات، ومعروفون بأخلاقهم الحسنة وانضباطهم، ولم ير عليهم يوما مظهر من مظاهر العنف أو الانحراف، علاوة على أن كثيرا منهم من أهل البلاد الأصليين. وأضاف القرضاوي أن المآذن هي نوع من الفن المعماري ولا علاقة لها بالسياسة ، مؤكدا أن سويسرا قائمة على التنوع والتعدد والاتحاد الفيدرالي السويسري دليل على هذا التنوع ، وبناء على ذلك كان من المفترض أن يقبل السويسريون بالتنوع الثقافي والحضاري والديني. العين بالعين وعن رد فعل المسلمين اللازم، شدد القرضاوي أن يكون موقف المسلمين للرد على هذا التجاوز حازمًا ومنظمًا في آن واحد، بمعنى أن يبدأوا أولا بتقديم شكاوى وتظلمات إلى المحكمة الفيدرالية والمحكمة الدستورية لحقوق الإنسان.. حسب تعبيره. وبشكل عام أكد القرضاوي على ضرورة أن يبدأ المسلمون مواجهتهم عن طريق الإعلام والآليات القانونية. وتابع: "فإن لم تستجب لهم سويسرا ولم يفلحوا في إلغاء هذا القرار بهذه الأساليب؛ فعليهم أن يستخدموا أسلحة أخرى أشد وطأة وتأثيرًا، وهي أن يقوم جميع المسلمين الذين يودعون أموالهم واستثماراتهم - والتي تقدر بالمليارات في سويسرا - بسحبها فورا، إضافة إلى مقاطعة أي منتج سويسري"، غير أنه أكد أن اللجوء لهذه الأسلحة يجب أن يأتي كرد أخير، بعد استنفاذ كافة الوسائل القانونية والدستورية. وطالب القرضاوي مسلمي سويسرا ألا يغيروا سلوكهم ومعاملاتهم مع مواطنيهم هناك، وأن يستمر ولاؤهم للبلاد التي يعيشون فيها. استعيضوا عن المآذن بالقباب وقدم القرضاوي نصيحة إلى كل المسلمين في سويسرا أنه في حال انتقل منع المآذن إلى مجال التطبيق الرسمي، فإن على المسلمين أن يستعيضوا عن المآذن بالقباب الضخمة التي يعلوها الهلال، والتي أخذت بها المساجد التركية وغيرها، مشيرًا إلى أنها تغني بعض الشئ عن المآذن. وعند سؤاله عن إمكانية رد المسلمين بالمثل مع الأقليات المسيحية الموجودة في بلاد المسلمين طبقًا لمبدأ "العين بالعين"، رفض القرضاوي هذا الأمر قائلا: " لايصح أن نفعل كما فعلوا، حتى ولو قمنا به بشكل غير رسمي، فنحن ننطلق من قيم إسلامية وأحكام شرعية تفرض علينا حماية الأقليات وصيانة أعراضهم وأغراضهم". وأشار القرضاوي إلى أن الإسلام يواجه العديد من التحديات في أوروبا والعالم، بدأت بوصمه بالتطرف والإرهاب، وانتهت بالإساءات لنبيه ومقدساته ورموزه. وأضاف أنه على الرغم من تلك الحملات المنظمة ضد الإسلام، وأن المسلمون لا يملكون هيئات تبشيرية مثل النصرانية؛ فإن الإسلام يظل الدين الأكثر انتشارًا في الغرب، عازيا ذلك لكونه دينا ملائما للفطرة البشرية السوية التي تألف الحق وتأنف الباطل. المستهدف ليس المسلمين وفي مداخلة تليفونية للباحث السويسري في علم الأديان باتريك هاني تعجب مما يحدث الآن بسويسرا، مؤكدًا أن الأمور كانت تسير طبيعية بين المسلمين والمسيحيين دون أي مشكلات. وأضاف: " المستهدف من هذا القرار هو الإسلام وليس المسلمين ، لأنه ليس مبنيا على موقف من المسلمين بل مبني على أساس التخوف من الإسلام ، وقد صنعت الحركات المتشددة بسويسرا هذا التخوف الذي لم يكن موجودا من قبل." وأكد باتريك أنه لدى الغرب الآن العديد من الأسئلة عن موقف الإسلام والمسلمين مما حدث وعن العنف والتعددية . وأشار إلى أن المسلمين اليوم لديهم الفرصة للإجابة عن هذه التساؤلات بالموعظة الحسنة والوسطية، وهي الخط الغالب - على حسب تعبير باتريك- لكن في المقابل أكد باتريك أنه لو استخدم المسلمون أساليب التصعيد سيؤكدون بذلك الأفكار الموجودة لدى الغرب، وأوساط اليمين المتشدد. من أسرة مدارك / 08-12-2009