الجزائر:وضع مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم رابح سعدان حدا لفتنة كانت بدأت تهدد بتدمير ما تحقق من إنجازات، وذلك بعد جدل وأخذ ورد بين اللاعبين والجهاز الفني بشأن اللاعب مهدي لحسن الذي يلعب لنادي سانتندير الإسباني، بعد أن كان سعدان قد قرر استدعاءه، ليفاجأ برد فعل عدد من اللاعبين الذين عبروا صراحة عن رفضهم لقدومه.أعلن المدرب الوطني رابح سعدان عن تشكيلة الفريق الذي سيخوض غمار نهائيات كأس إفريقيا للأمم التي ستلعب الشهر القادم في أنغولا، وكانت المفاجأة كبيرة استبعاد اللاعب مهدي لحسن عن القائمة رغم أن المدرب ورئيس اتحاد الكرة محمد راوراوة قد أعلنا أن لحسن سيلتحق بالمنتخب. وكان لحسن قد اعتذر قبل ذلك عن تلبية دعوة 'الخضر'، وهو ما يوحي بأن سعدان خضع للضغط الذي مارسه 'لوبي المحترفين' في المنتخب. ولم يكن أحد يتوقع أن يخرج عدد من المحترفين صراحة ضد قرار المدرب، وأن يعبروا عن رأيهم في قدوم لحسن بتلك الطريقة الفظة، وقد اختاروا اللاعب عنتر يحيى مسجل هدف التأهل إلى المونديال أمام مصر في ملعب أم درمان في السودان، ليكون ناطقا باسمهم. وقال عنتر يحيى أنه يرفض مجيء لحسن، لأن هذا الأخير كان قد رفض في وقت سابق الالتحاق بالفريق، وأنه إذا جاء الآن فإنه سيأخذ مكان أحد اللاعبين الذين كافحوا من أجل التأهل إلى المونديال. لكن يحيى حاول لاحقا استدراك الموقف بالإعلان أن المدرب حر في اختياراته وقراراته. الجميع فهم الرسالة المشفرة التي تحدث بها يحيى، الذي وقع عليه الاختيار كونه يحظى بمصداقية وشعبية كبيرتين بعد الهدف التاريخي الذي سجله في شباك عصام الحضري. واستنتج المراقبون أن هناك تكتلا داخل المنتخب أعاد للأذهان ذكريات محزنة ومؤسفة، على اعتبار أن الذين عارضوا قدوم لحسن هم المحترفون، في حين أن المحليين أكدوا أن المدرب حر في قراراته، وأن الأفضل هو الأحق باللعب. وتدخل نجوم الكرة الجزائرية في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي في النقاش، وأعربوا عن مساندتهم للمدرب رابح سعدان، وفي مقدمتهم رشيد مخلوفي الذي دعا إلى احترام أي قرار يتخذه المدرب، خاصة فيما يتعلق باختيار اللاعبين وتحديد التشكيلة التي ستخوض المنافسات القادمة. وضم اللاعب السابق رابح ماجر صوته لصوت مخلوفي مؤكدا أن المنتخب لا يحتاج إلى وصاية من أحد، وأن اللاعب المحترف هو ذلك الذي يحترم أي قرار صادر عن المدرب وعن الجهاز الإداري. الأكيد في الأمر أن مهدي لحسن لاعب موهوب، وهو يصنع أجمل أيام ناديه سانتندير في الدوري الإسباني، وهو اللاعب الوحيد تقريبا الذي يلعب أساسيا، ولا يجلس على دكة الاحتياط، وهو الأمر الذي يجعل قدومه مقلقا ومزعجا بالنسبة للبعض. الصحافة الجزائرية من جهتها كانت منقسمة، فقد سلطت الضوء طوال الأيام القليلة الماضية على اللاعب مهدي لحسن، وتحدثت مطولا على طريقة لعبه وفنياته وإمكانياته الفردية التي يمكن أن يدعم بها خط وسط المنتخب الوطني، الذي يحتاج إلى لاعب مثله، خاصة وأن المنافسات التي تنتظره لن تكون سهلة، خاصة مونديال جنوب إفريقيا، ووقوعه ضمن مجموعة تضم إنكلترا والولايات المتحدةالأمريكية وسلوفينيا. في حين وقفت صحف أخرى ضد قدوم لحسن إلى المنتخب، مؤكدة أنه رفض في وقت سابق تلبية الدعوة، كما أن والده لم يسبق وأن زار الجزائر، بل نسبت له القول ان لا شيء يربطه بهذا البلد، معتبرة أنه من الأفضل الإبقاء على اللاعبين الذين أثبتوا 'وطنيتهم' في مواعيد سابقة وكانوا حاضرين في المنتخب في السنوات الصعبة، عندما كان التأهل إلى نهائيات كأس إفريقيا صعب المنال. ورأى بعض الناقدين أن هذه الفتنة الجديدة دليل على ترسخ ذهنية 'الشرعية الثورية' في الكرة بعد أن كانت حكرا على الساسة والمسؤولين، لأن الجيل الذي حرر الجزائر من الاستعمار ظل ممسكا بالسلطة إلى اليوم بدعوى أنه هو من انتزع الاستقلال، وبالتالي هو الأحق دون غيره بمواصلة المشوار، وهذا هو نفس منطق بعض لاعبي المنتخب الذين يظهرون مقتنعين بأنهم ما داموا تأهلوا إلى المونديال، فإنهم الأحق بالمواصلة حتى لو تدنى مستواهم، وحتى لو كان بالإمكان استقدام لاعبين بإمكانيات أفضل قادرين على العطاء وقيادة المنتخب نحو انتصارات أخرى، أكثر من التأهل إلى المونديال، لأن الهدف المسطر هو التأهل للدور الثاني لأول مرة في تاريخ الكرة الجزائرية. وأعادت هذه الحادثة إلى الأذهان ما وقع في مونديال 1986 بالمكسيك، عندما ظهرت انقسامات داخل المنتخب بين المحترفين والمحليين، والمشكلة التي أثارها استقدام بعض اللاعبين المحترفين المغمورين للمشاركة في المونديال واستبعاد لاعبين محليين كان مستواهم جيدا. كما أن الكثيرين ممن عايشوا تلك النهائيات يؤكدون أن وزارة الشباب والرياضة فرضت مساعدين على مدرب المنتخب آنذاك، رابح سعدان، وكيف فوجئ هذا الأخير بمساعدين هما اللاعبان السابقان مصطفى دحلب وعبد الغني جداوي، واللذان لم يخترهما ولم يُسْتَشَرْ بشأنهما. وأُثيرت قضية العلاوات التي كانت بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت في ظهر المنتخب، فبعد التعادل الذي حققه أشبال سعدان أمام إيرلندا والخسارة المشرفة أمام البرازيل 1 مقابل صفر، أرسلت الوزارة فاكسا تقول فيه انها قررت خفض المنح التي سيحصل عليها اللاعبون، الذين علموا بالأمر قبل مباراتهم الأخيرة أمام إسبانيا، ليلعبوا بعد ذلك أسوأ مباراة في المونديال. ويرى حسن الصحافي الرياضي بجريدة 'الخبر الأسبوعي' (أسبوعية خاصة) أن الجدل الذي أثير بشأن قدوم لحسن ليس في محله، لأن اللاعبين ليس لهم الحق في أن يتدخلوا في صلاحيات المدرب، الذي يحق له أن يشرك في المنتخب من يشاء وأن يبعد من يشاء، موضحا أنه يجب التعامل مع هذا الأمر ببراغماتية شديدة بعيدا عن العواطف وعن الحسابات الشخصية. وذكر أنه يجب أن نسأل أنفسنا سؤالا واحدا، وهو هل بإمكان مهدي لحسن تقديم الإضافة للمنتخب إذا تم استقدامه أم لا؟ بالتأكيد أنه بإمكانه ذلك، لأنه لاعب موهوب والجميع يشهد بذلك، أمام ما قاله عنتر يحيى عن اللاعبين الذين كافحوا للتأهل إلى المونديال فهو كلام لا معنى له، لأن هؤلاء حصلوا على منح مالية ضخمة، وشكر لهم الشعب الجزائري والقيادة السياسية صنعهم، ولا أحد ينكر جهودهم، ولكن هذا لا يعطيهم الحق في الوصاية على المنتخب إلى الأبد. وأوضح أنه أعرب عن أسفه لأن سعدان استبعد لحسن في آخر لحظة من قائمة اللاعبين الذين سيشاركون في نهائيات كأس إفريقيا، لأن هذه المنافسة كانت فرصة لينسجم وسط ميدان سانتندير الإسباني مع بقية اللاعبين استعدادا لمونديال جنوب إفريقيا، معربا عن أمله في ألا يكون المدرب قد خضع لضغوط بعض اللاعبين، لأن ذلك لا يبشر بالخير لما هو قادم. القدس العربي كمال زايت