مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشيخ سلمان العودة يعلق على أهم أحداث عام 1430ه
نشر في الفجر نيوز يوم 20 - 12 - 2009


المسلمون هم الأمة الوحيدة التي يقتل بعضها بعضًا
غير مقبول فرض مطالب تحت وطأة السلاح من قوم يعيشون في بلد واحد
الحرب الحوثية جزء من المعاناة الإسلامية
لا يلزم أن تظل أفغانستان تنزف إلى الأبد
اليمن مؤهل ليكون تفريخاً للقاعدة
بيوتنا في أحسن الأحوال من زجاج
نطمح أن يمتد التحسن في العلاقات بين الدول العربية والإسلامية
علق فضيلة الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة عن أهم أحداث عام 1430 وذلك في حلقة يوم الجمعة الماضية من برنامج الحياة كلمة الأسبوعي على قناة أم بي سي الفضائية وكان من أهم الأحداث الحاضرة في حديث الشيخ سلمان العودة :"أوباما والعام الأول"، و"الصومال أصبح بلدًا للعنف"، و " سيول جدة"، و"تقرير جولدستون"، و"تشكيل حكومة جديدة بلبنان"، و"أنفلونزا الخنازير"، و"الأزمة المالية الاقتصادية"، و"الحرب اليمنية الحوثية".. وغيرها من الملفات التي شهدها العام الهجري المنقضي، وجاءت الحلقة تحت عنوان "كشف حساب".
وحول مفهوم معنى أن العام قد طوى صفحة من الحسنات والسيئات، قال فضيلته: لا يلزم منه أن نأخذ حرفية النص أن الملائكة قامت بطي صفحة وبدأت صفحة جديدة، إنما المقصود بطي صفحة أنه نهاية عام وبداية عام آخر، وهذا ليس خاصًا بالعام، بل هو اليوم الذي غربت شمسه والأسبوع والشهر واللحظة كذلك، ف"ما مضى فات والمؤمل غيب ولك الساعة التي أنت فيها".
وأشار الدكتور العودة إلى أنه قبل الحديث عن كشف حساب للعالم أو لشعب أو دولة ، ينبغي أن يكون الإنسان صادقا وشجاعا معترفا بخطئه حتى مع نفسه وقال: هناك ثقافة غير مكتوبة، وليس لازمًا هنا الاعتراف للآخرين، اعترف على الأقل لنفسك. مؤكداً أن "هذا هو المدار الأساسي أو كما نعبر نحن هذا هو حجر الزاوية.. كشف الحساب مع النفس. كل المشاريع ممكن أن تخفق بسبب فشلنا في بناء أنفسنا، وكل المشاريع الضعيفة يمكن أن تستدرَك بسبب وجود قدرة ذاتية على المبادرة، كلما دهمنا قدر من الإحباط أو اليأس بسبب رؤيتنا لمعوقات ضخمة ومعقدة في مجتمعاتنا تمانع ضد التنمية وضد النهوض وضد البناء علينا أن ندرك أن المعوق الآخر في داخل نفوسنا، وأنه إذا ملكنا طلاقة ذاتية وإيمانًا بالله فسوف نكون معصومين بإذن الله تعالى من الدخول في دهاليز اليأس أو القنوط أو الإحباط أو الانهيار".
زيارة ماليزيا
و تحدث فضيلة الشيخ عن رحلته إلى ماليزيا للمشاركة في مؤتمر الوحدة الإسلامية وقال: إن ماليزيا بلد متقدم، وأنا دائمًا أضرب المثل بتركيا وماليزيا، التي تسعفنا عند المضايق كمشروع إسلامي. الحقيقة نهضة ممتازة، فالمعمار والبناء له هوية خاصة، ويحرصون دائمًا على أن يكون كل شيء ماليزيًّا، حتى في المواد التي يستخدمونها، هناك مدينة بأكملها أسسوها من الصفر تنتهي عام 2020 هي عبارة عن معلم حضاري أو معالم حضارية متجاورة، أيضًا التنمية المستدامة والشاملة بالمنطقة كلها، مثل خطوط القطارات تحت الأرض، والأنفاق تحت الأرض، والقدرة على تصريف المياه، ومياه المجاري ومياه السيول، هناك قدر كبير جدًا من النجاح في هذا الجانب.
وأشار فضيلته إلى مقابلة مهاتير محمد باني نهضة ماليزيا، وقال : لقد بدأت أدرك مع الوقت كم لهذا الرجل من فضل ودور في محاولة بناء الإنسان قبل بناء الأرض أو المعمار، وأنه يشعر بقدر من النجاح ويشعر بقدر آخر من خيبة الأمل، لأنه لم يُفلح في تغيير جوهري لعقلية الرجل المالوي في تحقيق المشاركة والنجاح، ربما يفضلون أن يكونوا موظفين عند الصينيين فقط.
وكشف الشيخ العودة عن وجود بعض السلبيات، وقال: أيضًا هناك بدأنا نسمع همسًا عن وجود قدر من الرشوة، خاصة في أوساط الشرطة والأمن، وعن وجود قدر من السرقات، وعن السلبيات الموجودة التي هي كالنقاط السوداء في هذا الثوب الأبيض. حين بدأ أحد الإخوة يحدثني في هذا الموضوع قلت له: أرجوك هذه معلومات قد تكون صحيحة جدًا، ولكن أنا لا أحب أن أسمعها، لأني لا أريد أن ينهار واحد من الأحلام والطموحات الجميلة التي نستمسك بها في هذا الوقت.
أوباما والعام الأول
وردا على سؤال: أوباما والعام الأول هل حقق ما يريد أو ما ينتظره الناس؟ قال الشيخ سلمان العودة: ماذا يريد أوباما أصلًا؟ وماذا نريد نحن من أوباما؟ أعتقد أنه من الواقعية أن نقول: إن قصارى ما نريده أن يُفلح أوباما في تحويل أمريكا وسياستها إلى ما كانت عليه قبل أحداث سبتمبر، بمعنى أن يقوم بنفي واستبعاد القدر الزائد من الغطرسة والطغيان باتجاه العالم العربي والإسلامي، ربما هذا هو التشخيص المعتدل لما نريد، ومرة أخرى أقول: نتخيل الأحداث التي حصلت قبل شهور، حين طعن أحد ذوي الأصول العربية مجموعة من الضباط وقتلهم في إحدى القواعد العسكرية، لو وقع هذا الحدث وهو حدث مؤلم لا شك في عهد الإدارة الأمريكية السابقة كيف سيتم توظيفه إعلاميًا؟ سيكون عبارة عن نكسة جديدة لكل الجهود، وقد حدث قدر من ذلك، ولكن بسبب أن الإدارة ليس لها توجه مسبق ضد العرب وضد المسلمين فإن الحدث تمت معالجته في إطاره الطبيعي، وفي النهاية لم يساعدنا لا أوباما ولا أمريكا ولا أحد إذا نحن لم نملك مساعدة أنفسنا، لا في قضايانا العربية ولا الإسلامية ولا في قضية فلسطين ولا الاستيطان ولا غيرها.
وعن إعلان إدارة أوباما إغلاق المعتقل المثير للجدل "جوانتانامو"، قال فضيلته: هم سيحتالون بنقل المعتقلين إلى مكان آخر، وربما ينتهي إلى الأبد الحديث عن معتقل اسمه "جوانتانامو"، ويبدأ الناس يتعاطون مع معتقل آخر باسم جديد.
أفغانستان
وتعليقا على مداخلة حول إرسال قوات إضافية إلى أفغانستان أكد الشيخ سلمان العودة أن أفغانستان لن تظل محمية لأمريكا إلى الأبد، وأضاف أن الجرح الأمريكي والغربي ينزف في أفغانستان، هناك تمدد لقوى المعارضة، متمثلة في طالبان وحلفائها، وهناك انكماش لسلطة الحكومة، وبالمقابل هناك جهود عديدة لمحاولة رأب الصدع، لأنه لا يلزم أن تظل أفغانستان تنزف إلى الأبد ما بين حكومة ومعارضة ثم معارضة وحكومة، حيث إن لغة أو جدلية العنف يمكن أن تتوقف.
وكشف فضيلته عن الجهود التي يقوم بها العلماء للمصالحة في أفغانستان، وقال: أثناء وجودي في ماليزيا كان لنا لقاء مع الشيخ يوسف القرضاوي ومع الشيخ عبد الله بن بيه، وكان من ضمن الأحاديث حديث عن جهود للمصالحة ومحاولة جمع كلمة الأفغان تحت راية واحدة، وأذكر حين كنا في طاجكستان شارك في المؤتمر وزير الشئون الإسلامية في أفغانستان، وكان شابًا أفغانيًا درس في الجامعة الإسلامية في المملكة، وأبدى استعدادًا كاملًا للمضي في هذا السبيل، وطلب من اتحاد علماء المسلمين أن يكون هناك مجهود لمحاولة تقريب الهوة والفجوة، قد يبدو للبعض أن هذا إنقاذ للقوات الغربية المتورطة، وقد يكون ذلك صحيحًا، لكن هو أيضًا إنقاذ للشعب الأفغاني نفسه، وإنقاذ للإسلام نفسه، لأن في أفغانستان مائة وخمسين ألف مسجد، منها ثلاثة آلاف مسجد فقط يتم التعامل معها ويعمرها المسلمون!.
وأوضح فضيلته، أنه في ظل وجود وضع متكهرب لن يكون هناك تنمية ولا تعليم ولا عبادة مستقرة، مشيرًا إلى وجود كتاب اسمه "تتمة البيان في تاريخ الأفغان" يتكلم عن أفغانستان والحرب، وتلاحظ أن هناك فعلًا حالة من الاحتراب الداخلي، ليست وليدة اليوم.
الصومال
وذكّر فضيلته في حديثه عن أوضاع الأمة الإسلامية بأنه خلال رحلته الأخيرة إلى ماليزيا للحديث حول قضية أوضاع المسلمين قال: إن المسلمين هم الأمة الوحيدة التي يقتل بعضها بعضًا، لا تجد أمة من أمم الأرض، لا اليهود ولا النصارى ولا البوذيين ولا الوثنيين يقتل بعضهم بعضًا. والله -سبحانه وتعالى- ذكر لنا في القرآن الكريم أن هذه عقوبة ابتلى بها بنو إسرائيل لما قال: (إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ)(البقرة: من الآية54)، وقال: "هذا ما نفعله اليوم بأن يقتل بعضنا بعضًا، ونرفض حتى هدنة وتوقيفًا للاقتتال في شهر رمضان، حتى يصوم الناس أو يقوموا الليل أو يصلوا التراويح.. نرفض هذه الهدنة من منطلق ماذا؟ من منطلق ديني"!.
ثم تساءل فضيلته: على ماذا يتقاتل الناس في الصومال؟، وقال: بلد محطَّم ومهشَّم إلى النهاية، فماذا يتصور أي إنسان غير مسلم بسيط بعيد عن أي تعقيد أو عداء للإسلام، حين يجد أن العالم الإسلامي بؤر للصراع والقتال، من الصومال إلى العراق، والاحتراب الداخلي الضخم من السودان إلى باكستان وأفغانستان، فضلًا عن أن تلك الدول التي ربما لا يبدو فيها أن ثم حربًا طاحنة ضروسًا يدور فيها احتراب اجتماعي، هناك انفصال ما بين السلطة والشعب، وهناك تشتت، وهناك حالات من القهر والإحباط واليأس تسيطر على كثير من النفوس.
باكستان
وفي رده على الحديث عن الأوضاع في باكستان، قال فضيلته: هذا نموذج آخر، وأنا هنا أقول: إن باكستان أكبر دولة إسلامية، وأيضًا هي دولة قامت على أساس الإسلام، وقصة محمد علي جناح والاستقلال تحت لواء الإسلام معروفة، باكستان أيضًا دولة نووية، وهنا تدرك أن القصة ليست قصة امتلاك السلاح، كما يبدو في عقولنا دائمًا وأبدًا، وليست قصة امتلاك السلطة كما نتخيل أن الحل في امتلاك السلطة ثم توجيهها الوجهة التي نريد، في ظل غياب مشروع واضح يتفق عليه الجميع، كل هذه الأشياء يمكن أن تحدث، والسلاح النووي لن يكون مفيدًا، والتعدد البشري ربما يكون سببًا في أزمة، وحتى الاختلاف، فباكستان هي مجموعة من الأعراق والأجناس.
ثم ضرب المثل بالشعب الماليزي المتعدد الأجناس، وقال: ماليزيا عبارة عن أجناس من المالوية والصينيين والهنود والمسلمين والبوذيين، ومع ذلك استطاعوا أن يعملوا نسيجًا واحدًا وخطة مشتركة يعتمدون عليها، هنا يمكن أن تتحول هذه السلبيات إلى إيجابيات، في ظل وجود مشروع توافقي ينفعك وينفع الآخرين، من الخطأ أن تظن أن مشروعًا يخدمك سوف يكون على حساب الآخرين، وهذا ما تفكر به العقلية العربية، وفي الغالب الآن أن المشروع الذي يخدمني هو ذلك المشروع الذي يهدم مصلحة عدوي.
إيران
وفي رأيه حول إيران وما تمضي فيه قدمًا بتوسيع دوائر استعداء الآخرين، قال فضيلته: يمكن أن نقول في إيران ما قلنا في باكستان، وهو أنه لماذا نفترض أن امتلاك السلاح النووي هو الذي يعطي الدولة قوتها وحضورها، سواء الإقليمي أو الدولي؟ بالعكس الحضور يتمثل في القدرة على احتواء الأجناس والأعراق في إيران، وهي تقارب 60% من الشعب الإيراني، والتي يمكن أن يستخدمها أي طرف معادٍ ويحركها، كذلك احتواء الخلاف الداخلي والذي من الواضح جدًا أنه خلاف بين الإصلاحيين والمحافظين، فالإصلاحيون قد لا يكونون بنفس الكثافة، ولكنهم أكثر ثراءً وأكثر نخبوية، وهم في الغالب كما يلاحظ من خلال الصور التي تبثها وسائل الإعلام، يمتلكون قدرات وكفاءات علمية ومالية واجتماعية.
وعبر عن اعتقاده بأن العالم العربي يهمه وضع إيران، وأن تظل إيران بلدًا إسلاميًا مستقرًا بعيدًا عن انفجارات داخلية أو استهدافات خارجية. وأضاف: أعتقد أنه في النهاية فإن مطلب استقرارها من استقرار العالم الإسلامي واستقرار العالم الإسلامي من استقرارها أيضًا، ولهذا يجب ألا نرمي بيوت الآخرين بالحجارة وألا تتحول العلاقات السياسية إلى محاولة تحريك أصابع هنا أو هناك وغمس اليد في هذا البلد أو ذاك، وقضية تحريك أطراف معينة للقتال، في النهاية سوف يصيبك أنت، وكما يقال: "الذي بيته من زجاج عليه أن لا يرمي الآخرين بالحجارة"، هذا نقوله لإيران ونقوله لكل بلد عربي أو إسلامي، لأن بيوتنا في أحسن الأحوال من زجاج.
مأساة غزة
وبمزيد من الأسى، تحدث فضيلة الشيخ سلمان عن مأساة غزة، وقال: نعم، وهي مأساة لا زلنا نتذكرها، ويحاول الإنسان أن ينسى لكن صور الأطفال المقتولين وصور الجثث والجنائز وصور الهدم عصية على النسيان، ولو حاولت اليوم أن تنسى لن يسمح لك تسلسل الخبر أن تنسى، واليوم تتحدث تقارير دولية عن أن أرض غزة وماء غزة أصبح ملوثًا بالمواد السامة والمواد المدمرة التي تضر بصحة الإنسان، بسبب تلك الحرب، وبعدما وجد الناس نوعًا مما كانوا يأملون في ملاحقة وزيرة الخارجية في بريطانيا تبين أنه تم الاستحواذ على هذا القرار الذي هو قرار محكمة عليا وتم التغلب عليه.
ونوه فضيلته إلى تقرير "جولدستون" الذي كان شاهدًا من أهلها، وشهد شهادة صدق على ما اقترفه الاحتلال الصهيوني ضد أهالي غزة، وقال: ذلك التقرير الذي يتحدث عن جرائم وعن تعديات يجب أن ينتظر الناس حتى يروا ما يتمخض عنه هذا التقرير من نتائج.
وذكر الدكتور سلمان العودة أنه سبق وتحدث عن أن من قام بكتابة هذا التقرير شخص يهودي، وأنه قام بكتابته بهذا الشكل، لأنه يدرك أن المصارحة والمكاشفة مع النفس ليست تستهدف العداء، كما نتخيل نحن في ثقافتنا العربية أن الذي ينتقدك فهو خصم أو عدو، لا، وأحيانًا الصادق قد ينتقدك، لأنه يريد أن يضطرك إلى التصحيح، وأن تسلك الطريق السليم.
التقارب العربي
وعبر الشيخ سلمان عن تفاؤله فيما يخص التقارب العربي في عام 2009 وقال: هو إن شاء الله أفضل، وأنا أرى أنه لا ضرورة لأن نتحفظ دائمًا على الألفاظ الجميلة أو الإيجابية، لكن ألا نبالغ أيضًا في التفاؤل.. فماذا يمكن أن يحدث؟ نريد أن نرى في نهاية المطاف أن هناك نوعًا من التواصل والتوافق والإيجابية في العلاقات العربية- العربية. أنا هنا أشيد فعلًا ببداية تحسين الأوضاع، وعلى رأسها ربما تحسن الوضع في لبنان أيضًا، ربما يكون لدينا طمع أو طموح أو أمل أن يمتد هذا التحسن ليكون نوعًا من الصفحات المفتوحة والعلاقات العفوية الدائمة بين الدول العربية، وأيضًا الدول الإسلامية كلها.
وأضاف: أقل الحب سلامة الصدر كما يقولون، بدلًا من الحرب دعونا على الأقل نتوادع، ويكون هذا تمهيدًا لنوع من التنسيق في مجالات الكهرباء والتنمية والاقتصاد والسياسة والمواقف السياسية الدولية.
لبنان
ووصف فضيلته تشكيل حكومة جديدة في لبنان بأنه "شيء جميل"، وإن كانت ولادة متعسرة، لكنه أمر جيد وإيجابي، ونسأل الله أن ينعم على هذا البلد، وكل بلاد المسلمين، بالأمن والاستقرار.
مصر والجزائر
واستغرب فضيلته من الخلافات التي وقعت مؤخرًا بين مصر والجزائر على خلفية مباراة كرة قدم، وقال: ما شاء الله، نحن نحارب في زمن اللعب ونحول اللعب إلى حرب، ونحول الحرب إلى لعب، ولو عكسنا الصورة كان أفضل.
التصويت ..فكرة مغرضة
ولأهمية الأمر تطرق فضيلته إلى الحديث عن حظر المآذن بسويسرا، وقال: على كل حال فإن مسألة حظر المآذن، لاشك أنها نكسة إلى الوراء فيما يتعلق بموضوع ما يتحدث عنه الغرب ذاته من ضرورة التعايش وضرورة اندماج المسلمين مع مجتمعاتهم، وأنت حينما تطالب المسلمين في أوروبا أن يعيشوا وأن يندمجوا مع مجتمعاتهم وهذا مطلب حتى قادة المسلمين يسعون إليه بشكل إيجابي فلابد أن تعترف بحقوقهم الدينية وحقوقهم المدنية في ذلك المجتمع.
وأوضح فضيلته أن أصل فكرة التصويت على المآذن كانت فكرة خاطئة ومغرضة، لأن من المتوقع غالبًا أن تكون نتيجة التصويت معروفة، وأنا حين كنت في لندن زارني مجموعة من الإخوة في سويسرا، وكانوا يتحدثون قبل ظهور النتائج بأن هذا أمر محسوم سلفًا، ولذلك أعتقد أنه مع هذا كله يجب أن يدرك المسلمون أن لديهم فرصًا هائلة جدًا في العمل ونشر الدعوة، فالحرية متاحة وموجودة وكذلك الإمكانيات الإعلامية واستعداد الناس للتقبل، رغبةً منهم في اكتشاف أن هناك عددًا من الأوربيين لا بأس به يريد أن يتعرف على حقيقة الإسلام، ولو أننا أفلحنا في تقديم الإسلام بأنفسنا بدلًا من أن نجعل غيرنا يقدّم عنا ما يريد في وسائل الإعلام وفي المسلسلات والأفلام وفي غيرها، أعتقد أننا سنعمل اختراقًا غير عادي، وأن نسبة 20% التي نتكلم عنها في أوروبا عام 2050 سوف تكون رقمًا متواضعًا.
ونفى فضيلته أن يكون كل السويسريين يوافقون على قرار الحظر، وقال: بالطبع هناك نسبة لا تقبل الحظر، لأن هناك حوالي 45% من الشعب نفسه صوّت ضد هذا القرار، لكن المحصلة النهائية أن الأغلبية، على حسب ما تقتضيه القواعد الديمقراطية عندهم، صوتت لصالح هذا القرار، لكن هناك نسبة معتبرة جدًا صوتت ضده، وهذا ينبغي أن لا ننساه، وألا نشجع المتطرفين؛ من خلال مجموعة من الإجراءات أو الأعمال، وإنما نقوم بتشجيع المعتدلين أو الذين لديهم صورة إيجابية عن الإسلام والمسلمين.
أنفلونزا الخنازير
وردا على سؤال عن أنفلونزا الخنازير هل كانت فعلاً رعباً كارثياً أم هي فوبيا إعلام؟ قال الدكتور سلمان العودة: هي مجموع الأمرين وأعتقد بالنسبة لأنفلونزا الخنازير أن جزءًا كبيرًا منها واقع صحيح، والأرقام والرصد والتقارير في كل بلاد العالم تؤكد على أنه كان هناك خطر مهدد. الآن التقارير خلال هذه الأيام القليلة الماضية تتحدث عن نوع من الانحسار، لكن قد يكون من المبكر الحديث عن حجمه، والإعلام بطبيعته مهمته دائمًا إلقاء الضوء، وربما يتحول الأمر إلى نوع من الإثارة الإعلامية ما بين مؤيدين ومعارضين، والحديث عن لقاح الأنفلونزا هو نموذج لذلك، فهناك أناس يتحدثون عنه كضرورة قصوى لا مناص منها وهناك من يتحدث عن أن هذه لعبة الشركات من أجل الحصول على المزيد من الأموال، وهناك أطراف قد تتحدث عن جهود استخباراتية أو دولية، وأعتقد أن في الأمر قدرًا من المبالغة، وأيضًا لاحظ أن طبيعة المتلقِّي مهمة جدًا، لأن تلقي بعضنا لهذا الموضوع يفرز عنده نوعًا من الفوبيا ضد هذا الأمر، ولذلك فإن من الناس من أصبح لا يتصل بأحد ولا يخرج ولا يدخل، ويداهمه وهم المرض في كل مكان.
الكوارث الاقتصادية
وعن الأزمات المالية "الكوارث الاقتصادية" التي جنت 2009 ما زرعته 2008، ومر العالم بأسوأ أزمة مالية على الأقل في العقود الأخيرة، قال الشيخ سلمان العودة: بعد ما يسمى بالانهيار الكبير في عام 1430 كان فيه أشد أزمة، وكم كانت خانقة، والبنوك التي انهارت في أمريكا بلغت أكثر من خمسة عشر من البنوك المركزية الكبرى، وأيضًا انهيارات في شركات مثل "جنرل موترز" وغيرها من الشركات الضخمة الهائلة، وبعضها شركات عابرة للقارات وبعضها شركات عابرة للقرون أيضًا، عريقة جدًا، ومع ذلك حصل لها هذا الانهيار، الآن طبعًا من الواضح جدًا أن الأزمة بدأت تزول، وبدأ الوضع الاقتصادي يتعافى، والمؤشرات على ذلك كثيرة جدًا، لكن ذيول الأزمة سوف تظل باقية لسنتين، وربما ثلاثة، أو أكثر من ذلك.
أزمة دبي
وحول أزمة دبي كنموذج عربي، وهل كان الإعلام يتعاطى معها أيضًا من مبدأ التشفي أكثر من كونه معالجة واقع الديون المتعثرة الأخيرة؟ قال فضيلته: ربما لا أستطيع أن أعبر جيدًا عما في نفسي، لأن هذا يظل حلمًا عربيًا، ونحن نبحث عن نماذج بدلًا من أن يكون الكلام في الهواء، ونبحث دائمًا عن نماذج ولو جزئية لقدر من النجاح، ودبي كانت تمثل حلمًا عربيًا، وبعضهم كان يسميها "معجزة الصحراء"، حتى من الغربيين، وأيضًا العالقين في الاقتصاد، وكان هناك النجاح لا شك في دبي فيما يتعلق بالقدرة على اجتذاب الكثير من رؤوس الأموال الدولية أيضًا، وكان هناك النجاح على صعيد استقطاب عدد هائل من الناس، وكان هناك نجاح ثالث في محاولة استثمار الأزمات بدلًا من الوقوع فيها، سواء كانت أزمات عسكرية أو حروبًا أو خلافات أو أي شيء آخر، وهذه أشياء إيجابية ومحسوبة.
وأوضح فضيلته أنه رغم كل ذلك إلا أنه مع الأزمة الاقتصادية لا شك أن هذا انعكس كثيرًا على دبي، خاصة وأن كثيرًا من رؤوس الأموال التي فيها هي رؤوس أموال آتية من الخارج، ولذلك حصل ما حصل من التراجع في هذا المشروع. وأعتقد أن علينا إدراك أن المشروع قادر على أن يظل قائمًا بشكل ولو مختلف، إذا كان لديه القدرة على مراجعة ذاته والتصحيح من الداخل بجرأة وشجاعة، كما عهدناه من إمارة هذه الجزيرة الصغيرة الجميلة الواعدة، وأن يكون هناك قدرة على المراجعة بشكل صريح، بعيدًا عن ضرورة الإمعان في المضي على ذات الطريق بدون تصحيحات. نحن رأينا أن هناك شجاعة في الحكومات الكبرى والشركات الكبرى على التصحيح.
وأضاف: الأمر الثاني، أن ملاحظة أن هناك نوعًا من التنمية المنقوصة أو التي ربما كانت في جانب دون جانب آخر مختزلة، وأعتقد أنه لا يمكن أن يضمن النجاح لتنمية اقتصادية إلا إذا كان معها شراكة في كل جوانب التنمية الاجتماعية السياسية والثقافية والاقتصادية معًا، جنبًا إلى جنب.
الحرب الحوثية
وفيما يخص الأحداث التي شهدتها المملكة العربية السعودية وتسللات الحوثيين والحرب في الجنوب، قال الشيخ سلمان: هذا جزء من المعاناة الإسلامية العامة، متمثلة في عملية القتال والعقلية العربية والإسلامية والجزئية التي تريد أن تجزئ المجزأ وتقسم المقسم وتلقي بالمزيد من المشكلات في هذا الحوض العربي والإسلامي. أنا أؤمن بالاختلاف في الرأي، لكن لا أؤمن أبدًا أن الاختلاف في الرأي يتحول إلى قتال ضد مشروع معين، وكأن هذا القتال سوف يضمن لنا حقوقنا، فالقتال لن يؤدي إلى تحصيل الحقوق، بل القتال سوف يؤدي إلى مزيد من سحق حقوقك وحقوق الآخرين الأبرياء من النساء والأطفال والذين لا يمكن تمييز بعضهم عن بعض.
واستشهد فضيلته بالأبيات التي تقول:
الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولت عجوزًا غير ذات حليل
شمطاء يكره لونها وحديثها مكروهة للشم والتقبيل
وأكد فضيلته أن الحرب لن تميز بين صغير وكبير ورجل وامرأة وبريء ومعتدٍ، ولا تستطيع أن تتعرف على نوايا الناس، ولذلك نحن دائمًا نتساءل: إلى متى يظل الناس متشبثين بالبندقية والسلاح، وكأنها هي الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أهدافهم ومطالبهم؟.
وأضاف: حتى كونك تفرض مطالب تحت وطأة السلاح، ففي نظري أن هذا غير مقبول، فأنت مواطن ضمن دولة بكل ما فيها من سلبيات، ويجب أن تتعامل وفق هذا الوضع القائم، وألا يكون من حق أي طرف أن يقوم بهذا العمل ذاته، ونتحول بناءً عليه إلى أن يكون البلد الواحد مجموعة من الدول التي ليست فقط مستقلة، ولكنها دول متحاربة فيما بينها.
جو مناسب للقاعدة
وحول احتمال أن يكون اليمن في وضعه الحالي يمثل تفريخًا مناسبًا جدًا للقاعدة ولأجندتها قال فضيلته: طبعًا اليمن مؤهل لذلك، لأنه بلد مليء بالسلاح، وبلد فيه قدر كبير جدًا من الاسترخاء الأمني، وأيضًا هذا البلد مجموعة مناطق، وهناك الحراك الجنوبي وهناك منطقة الجنوب ومناطق الشمال، وهناك القبائل وهناك الاتجاهات المختلفة والمذاهب المختلفة، فيجب الاعتصام بحبل الله أولًا ثم الاعتصام بالعقل والحكمة ثانيًا ومراعاة جانب المصالح وأنه يمكن أن يتفق الجميع على مصلحة مشتركة لهم بدلًا من أن يتحول الأمر إلى صراع وقتال سيجعل هذا المناخ المنطقة الجبلية والمنطقة القبلية والمنطقة المسلحة قابلة لأن تتسلل إليها أطراف كثيرة جدًا، ونحتاج بناء عليه إلى ثلاثين سنة أو أربعين سنة حتى نكتشف أن عملية حمل السلاح في هذا البلد لم تُجد نفعًا.
وكشف فضيلته عن أنه وهو في طريقه إلى المملكة قادمًا من ماليزيا وقع في يده كتاب يتكلم عن تجربة سوريا وحماة والطليعة المقاتلة... يقول الشيخ العودة: وبينما كنت أقرأ شعرت بمغص شديد في قلبي، لأن هذه المآسي القديمة تتكرر في كل بلد إسلامي، وكأننا لا نستفيد من دروسنا، فضلًا عن أن نستفيد من دروس الآخرين.
سيول جدة
وعن وقع كارثة "سيول جدة"، قال الشيخ سلمان : إن القصص التي تكتشف يوم بعد يوم عن أطفال أو عن شيوخ أو عن مآسٍ أو جثث تستخرج من الطين لن تسمح لنا بسهولة أن ننسى هذه المأساة وتفاصيلها والتي تقع على مقربة منا . وذكر الشيخ سلمان العودة أنه قرأ بإحدى الصحف السعودية قصة رجل مسن عمره 85 سنة، اكتشفوه قبل أيام وهو يقبع في بيته المكون من غرفتين صغيرتين منذ تلك الأيام التي نزل فيها المطر، والمياه تبلل نصف ساقية، وكان في الرمق الأخير ويوشك على الهلاك!
وتساءل فضيلته، في أي مكان هذا؟ في أي بلد هذا؟ هذا أولًا في بلد نفطي خيّر، وعلى مقربة من الحرمين الشريفين، وهذا في بلد يقوم على أسس التواصل بين الجيران والأقارب والمعارف، ويؤيد وربما يفضّل العمل التطوعي والعمل الخيري، وشعرت أني هنا أعيش نكسة فعلًا.
ونوه فضيلته إلى الأشياء الإيجابية في هذه الأزمة ، ومنها أن الصحف الآن ما زالت تتكلم بشكل قوي جدًا، وهناك مقالات وتقارير عن الكارثة وكيفية حلها، معبرًا عن أمنيته أن يستمر هذا التعاطي، وأن نعالج هذه المشكلات التي تعبر عن حقيقة مشكلة عميقة كما يسمونه في "السيستم".
وتطرق إلى الحديث عن مشكلة تصريف مياه السيول وتصريف مياه المجاري، وعما سماها "ديناصورات المنح"، وقال: كما عرفنا أن السيل الآن له مجرى معروف، ووادٍ يذهب به إلى البحر كل عام، ومنذ وجدت جدة، فالسيل المرة حين جاء وجد أن مجراه قد تم احتلاله، وهذا يذكرني بأحد القضاة اختصم عنده رجلان من المزارعين في مجرى السيل، فكل واحد منهما يقول: هذا لي هذا لي. فقال القاضي: أنا لا أستطيع أن أحكم بينكما، قالا: لماذا؟ قال: هناك مدعٍ ثالث لن أحكم حتى يحضر. استغربا لأنه لا يوجد شخص ثالث يدعي أن الأرض له، وبعد فترة حين نزل المطر وجرى الوادي قال لهما: هذا هو المدعي، وهذا هو المالك الحقيقي الذي هو السيل!.
وأوضح فضيلته: قضية أن تتحول طرق أو مجاري السيل إلى إقطاعات وإلى مِنح ويتم بيعها بمبلغ وقدره على الضعفاء والفقراء والمساكين، هذه القضية هي اللب، ومن أسباب المشكلة العويصة، مشيرًا إلى أن القصص التي تُكتشف يومًا بعد يوم عن أطفال أو عن شيوخ أو عن مآسٍ أو جثث تُستخرج من الطين لن تسمح لنا بسهولة أن ننسى هذه المأساة وتفاصيلها، والتي تقع على مقربة منا.
وأشاد فضيلته بالنداء الذي نادى به خادم الحرمين بفتح صفحة جديدة، والضرب بيد من حديد على من يمارسون الفساد، وقال: هذا شيء جيد، وهذا أقل ما يزيده أولاً أنه سيكون الحديث عن اللجنة التي تم إعلانها وتشكيلها ليس مجرد حديث عن لجنة وينتهي الأمر، وإنما الناس يكتبون يوميًا وينتظرون هذه اللجنة وقراراتها، والصحف تتحدث ووسائل الإعلام الفضائية والإلكترونية أيضًا تتكلم يوميًا عما صدر من هذه اللجنة وعن إيجاد موقع إلكتروني للجنة إلى آخره، فأعتقد أن هذا سوف يجعلنا مضطرين إلى أن نتابع الأمر حتى نهايته، وأن نقوم بحل، القصة هنا ليست في جدة فقط، وإنما في كل المناطق وليس في مجال تصريف مياه السيول أو المجاري، وإنما فيما هو أوسع من ذلك، مما يتعلق بمسألة التنمية والبنية التحتية، وأن يكون هناك شبكات منظمة ومدروسة تليق بهذه البلاد وأهلها وكفاءتها.
الشيء الثاني –يضيف فضيلته- أنها تؤكد أن القصة هنا ليست مجرد تنفيس الاختناق الموجود في الداخل؛ وإنما هو فعلًا تأسيس لأسلوب معين في التعاطي مع جميع المشكلات أو جميع الأزمات التي تحدث، وأن يصبح الناس قادرين على تناولها وتعاطيها بشكل شفاف؛ من خلال القنوات الإعلامية، مع محاسبة أي واحد يخطئ أو يتعدى حدوده.
جامعة الملك عبد الله
وفي تعليقه على إعلان افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية قال الدكتور سلمان العودة: نحن نفرح بكل بادرة تعليمية، لأن العالم اليوم يعتبر أن أكثر ما يمتلكه هو موضوع المعرفة، وأن ثروات الدول تقدّر بحجم المعرفة التي تمتلكها. ولو أردنا أن نختصر وصف هذا العصر الذي نعيش فيه لقلنا بأنه عصر المعلوماتية وعصر المعرفة؛ ولذلك أن نكون شركاء في هذا الأمر أعتقد أن هذا مطلب ملحّ، وأن ندرك أن من المنكرات الشرعية التي يجب الاحتساب عليها منكر الجهالة والتخلف والبعد عن روح العصر وعن تقنياته وقدراته وإمكانياته، فهذه الجامعة يرجى ويؤمّل أن تحتضن قدرًا من ذلك، ليس فقط بمبانيها ولا بالحديث الإعلامي عنها، وإنما من خلال وجود بنية تحتية لهذه الجامعة، ومن خلال قدرة هذه الجامعة على التواصل مع المجتمع من حولها، ومن خلال وجود مراكز أبحاث وإنفاق على البحث العلمي الذي يسمح بأن تكون هذه الجامعة نموذجًا مثل ما نتكلم عنه في أوربا أو بريطانيا، من جامعات عريقة تقدر بمليارات الدولارات، وربما معظم الأدوية والعلاجات والكشوفات خرجت منها.
مداخلات
وكانت أولى المداخلات من سيدة تسأل عن مدى صحة قيام إحدى الأمهات بتأدية واجب العمرة نيابة عن ابنتها، وأجاب فضيلته: إن من أعظم العبادات الدعاء، والأم هنا تدعو لولدها وتدعو لزوجها، وخاصة في هذه الأماكن الطيبة الطاهرة، لكن فيما يتعلق بالعمرة الأولى أن تعتمر الأم عن نفسها، أما البنات والأبناء فهم لا يزالون شبابًا، وإذا كانوا لم يعتمروا اليوم يعتمرون غدًا إن شاء الله، أو فيما بعد تتيسر لهم فرصة أن يعتمروا، وبالنسبة للطواف ربما يكون أخف، ووسّع فيه جماعة من الأئمة والسلف، بحيث إنه للأم أن تطوف عن ابنتها أو عن ولدها وتنوي الصدقة، وكذلك بالنسبة للعمرة لو فعلت لا حرج عليها، لكن الأفضل أن يقوم الإنسان بهذه الأعمال عن نفسه بدلًا من أن ينوب عنه الآخرون.
وقص فضيلته أنه كان إلى جواره أحد الشباب من الدمام للرياض، قال: وحدثني عن بعض الأشياء المضيف نفسه، حيث إن والديه ماتا ولم يزل هو وإخوانه وأخواته أطفالاً، وأن أحد أقاربه قام بكفالته، فيقول: أعطاني كل شيء، وبنى لي بيتًا، واشترى لي أرضًا، وساعدني ومنحني العواطف والحب، ويضيف: إنه لو خرج أبواي من القبر أشعر بأني لا أستطيع أن أذهب إليهما، وأتخلى عن هذا الأب الذي حضنني، وهذه الأم التي أحسنت إليّ!
ويوضح فضيلته، أنه شعر بأن "الناس بخير" على صعيد الجانب الإنساني، والجانب الفردي، وإن كان بالمقابل تسمع أحيانًا بعض الحالات تجعل الإنسان يشك في هذا، فيظل الإنسان مترددًا بين الخوف والرجاء كما يقولون.
مسن جدة وتقصير الحكومة
وفي رده على مداخلة حول حادثة المسن التي وقعت في جدة، وهو يقول: الملوم هو الجار والتجار وليس الدولة، قال فضيلته: إن الملك عبد الله نفسه يقول: قصّرنا، ويقول: نعترف بالخطأ، ونعترف بالتقصير، وهذا كلام جيد، ولذلك أنا أقول: تجار جدة ليس هناك شك أنهم ملومون، وتجار الرياض أيضًا ملومون، وتجارنا وبنوكنا ملومة، ومسئولونا، لكن أيضًا الدولة تقصر وليست بمعصومة، فهي عرضة للخطأ، وعرضة لأن يكون هناك نوع من الغفلة.
وأوضح فضيلته، أن علينا أن نكون معتدلين في توزيع الملامة، وأن لا نحاول أن نستثني طرفًا أو نلقي بالتبعة على طرف آخر، أو نأخذ أحدًا كأنه كبش فداء لمثل هذه القضايا. علينا أن نلوم الجميع، ونلوم أنفسنا، وفي الوقت ذاته لا يكون هذا اللوم نوعًا من الإطاحة، وإنما هو نوع من محاولة التصحيح والإصلاح.
كما أيد فضيلته طلبًا لأحد المداخلين يدعو إلى الرقابة على كل شيء، وقال: لابد من رقابة، ولكن لا تنسَ رقابة الضمير. أحيانًا حتى هذا الرقيب نفسه (الضمير) يحتاج إلى وضع رقيب عليه. وأنا أستبشر أحيانًا بأن هناك كاميرات تراقب، ففي ماليزيا في كل مكان كاميرات، مثل بريطانيا تقريبًا، وهذا جانب مهم، وكذلك تسجيل كل المكالمات تجعل الناس مضطرين إلى أن يكون سلوكهم على الأقل الظاهري حسنًا، ثم مع الوقت ربما يتحول هذا إلى عادة.
عام أفضل
وحول كيفية استشراف الأمة لعام جديد أفضل بإذن الله قال فضيلته: علينا أن نتفاهم، وأنا دائمًا أقول: يجب ألا نسمح لليأس أن يتسلل إلى نفوسنا، لأن هذا أسوأ مصير يمكن أن تنتهي إليه أمم أو شعوب، مهما كان حجم المشكل القائم وحجم التحديات والمعوقات والعقبات.
وضرب مثلاً بماليزيا وقال: ألقيت محاضرة على الطلبة السعوديين بماليزيا، وأيضًا في الجامعة الإسلامية، وتحدثت عن شيء سميته "الشعلة المقدسة"، وقصدت بالشعلة المقدسة أن لا ينطفئ في قلبك هذا الإحساس بالحرقة وبالألم، فهذا ألم إيجابي، والذي يتبعه محاولة إصلاح ومحاولة تغيير، وليست محاولة اعتباطية أو تعسفية، أو تتخيل أنك مبعوث العناية الإلهية الذي سوف يغيّر وجه الكون أو وجه المجتمع، لا.. لا.. أبدًا.. لكن على الأقل أن يكون عندك بصيص من النور تضيء به لنفسك وتضيء لمن حولك، ولذلك اعمل مع نفسك على المدى الطويل، وأسرتك وأولادك، واستمتع بحياتك، لئلا يتحوّل الأمر إلى أن نكون مدمني طوارئ وحالات مستعجلة، وأظن أنه من المهم جدًا أن نعيش ككائنات إيجابية وكائنات هادئة.

الكاتب: الإسلام اليوم/ الرياض
الاحد 03 محرم 1431الموافق 20 ديسمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.