تتجه أنظار وسائل الإعلام الدولية اليوم الخميس 7 كانون الثاني /يناير إلى المحكمة الابتدائية بالعاصمة المغربية الرباط لتغطية محاكمة الناشطة السياسية و أبرز أعضاء جماعة العدل والإحسان الإسلامية المحظورة في المغرب. لكن اهتمام الغرب، الذي لم يعد يخف استهلاك طلاقه مع الإسلاميين، بأحد رموز الحركات الإسلامية في المغرب نادية ياسين، ابنة الداعية الإسلامي الشيخ عبد السلام ياسين، لا يترك باب الفضول مقفولا. غير أن النظر إلى "مكونات" نادية ياسين : امرأة ومناضلة نسوية ومعارضة للنظام بالإضافة إلى انتمائها إلى تيار إسلامي أي جماعة العدل والإحسان التي رأت النور على يد والدها عام 1973، كافية لجعل نادية ياسين تكسب اهتمام الإعلام الغربي خاصة وأنها تتحلى بقدرة على التواصل مع الإعلام ولباقة في الكلام، وتجيد استغلال قيم حرية التعبير وحقوق الإنسان الغاليتان على الغرب، وذلك لشد الخناق على القصر الملكي.
علاقتها بالنظام
انغمست نادية ياسين في عالم السياسة يشكل غير رسمي،وشهدت علاقتها المتوترة بالنظام الملكي المغربي أوجها عام 1973كما صرحت في لقاء مع فرانس24، حين تم اعتقال والدها الشيخ عبد السلام ياسين، وهي لا تتجاوز الخامسة عشرة من عمرها. في تلك السنة، بعث عبد السلام ياسين رسالة إلى الملك الراحل الحسن الثاني بعنوان "الإسلام أو الطوفان" قال فيها إن "الله جعل فيه الداعي إلى الله" ودعا الحسن الثاني إلى "إعلان توبته ومنع الأحزاب السياسية" وخلق "مجلس منتخب إسلاميا يستشير في أمره رجال الدعوة" يكون هو من بينهم. الأمر الذي أدى إلى إدخاله لمستشفى الأمراض العقلية.
ومنذ ذلك الحين تحولت نادية إلى "مكلفة بتسويق العدل والإحسان وإخفاء مشروعها الحقيقي وهو إقامة نظام بديل" في المغرب، بحسب الكاتب المغربي سعيد الكحل والذي كتب العديد من الكتب والمقالات حول الإسلاميين وجماعة العدل والإحسان. وصارت نجلة المرشد والحاصلة على دبلوم في العلوم السياسية عام 1980 من كلية الحقوق بفاس، تلعب على وتر "حرية التعبير" وحقوق الإنسان" لأنها تدرك أنها "لن تكسب الرأي العام الغربي إلا إذا كانت في وضعية صراع مع النظام ولعب دور الضحية المتعطشة إلى حرية التعبير و احترام حقوق الإنسان في المغرب"، بحسب الكاتب سعيد الكحل.
وفي عام 2003، تسلمت نادية ياسين جواز سفرها الذي حرمت منه لمدة سنوات من قبل السلطات المغربية وأصبحت بمثابة سفيرة لجماعة العدل والإحسان، إذ تمكنت من إلقاء العديد من الندوات في أوروبا والولايات المتحدة للتعريف بنضالها السياسي حتى أصبحت تلقب ب "محبوبة" الإعلام الغربي، وهو ما أكسبها مناعة جعلتها تتجرأ على التعبير عن أفكارها المعادية للنظام الملكي من فوق التراب المغربي من خلال تصريحات أدلت بها لصحيفة "الأسبوعية الجديدة" في حزيران/يونيو 2005، أعلنت فيها بأن النظام الملكي "غير مناسب للمغرب" وأبدت تفضيلها لنظام جمهوري "ليس على شكل الجمهوريات الصورية في العالم العربي" كما قالت، وإنما "نظاما إسلاميا يقوم على الشورى"، وذلك استنادا إلى ما دعا إليه والدها في كتاب "العدل". لكن تصريحات نادية ياسين كانت سببا في ملاحقتها بتهمة "إهانة المقدسات" و"الإخلال بالنظام".
يبدو أن النظام سقط في فخ ملاحقتها،كما يرى بوبكر الجامعي وهو صحافي مغربي مستقل "تستغل بذكاء ورقة حرية التعبير،ما يضع القصر في وضعية حرجة، لأنه إذا تمت إدانتها فسيعتبر ذلك تجاهلا للقيم الغربية".
وهو ما يؤكده إلحاح نادية ياسين البالغة من العمر 51 ربيعا على محاكمتها التي تعتبرها "فرصة لفتح النقاش حول تصريحاتها" كما قالت في مكالمة هاتفية لفرانس 24، وبالتالي حول الملكية وهو ما يعتبر تحقيقا لطموحها لأنه سيكون كسرا لأحد المحرمات في المغرب، كما أنه قد يؤدي كذلك إلى سجنها لمدة خمس سنوات في حالة إدانتها.
الحجاب والنضال النسوي خطان يتقطعان بالنسبة لنادية ياسين
وبالإضافة إلى قضايا حرية التعبير وحقوق الإنسان، تستغل نادية ياسين قضية حقوق المرأة لتلميع صورتها أمام الغرب وفي الداخل كذلك، فهي المؤسسة والمشرفة على العمل النسائي داخل جماعة العدل والإحسان، وبالرغم من ارتدائها الحجاب، فقد نجحت نادية ياسين في تسويق صورة المرأة المتحررة في الإعلام الغربي عن طريق اتخاذها مواقف تدافع فيها عن تعليم المرأة وهو ما طبقته في تربية بناتها الأربع مع زوجها عبد الله الشيباني أحد أبرز كوادر جماعة العدل والإحسان، واللواتي بلغن مستويات تعليمية أكاديمية، كما أنها تعارض فرض ارتداء الحجاب على النساء، لأنها تعتبره "قرارا شخصيا".
غير أن ما لا تتداوله وسائل الإعلام الغربية وما لاتخفيه نادية ياسين التي كتبت العديد من المقالات حول المرأة، و التي ترعرعت في جو من الثقافة الغربية إلى جانب الثقافة الإسلامية، إذ تلقت تعليمها في مدارس البعثة الفرنسية في المغرب، هو أنها لا تدافع عن "حقوق" المرأة بالمعنى المتداول في المجتمعات الغربية والعلمانية وإنما بحسب التعاليم الإسلامية. بل إنها وبحسب مقالاتها تدعو صراحة إلى "عدم الانخراط في مسار النضال النسوي الكلاسيكي أي النضال الغربي المادي".
ويضيف الكاتب المغربي سعيد الكحل الذي كُلف من قبل جمعية نسوية مغربية بتحضير دراسة حول "المرأة من وجهة نظر جماعة العدل والإحسان"، أن دفاع نادية ياسين عن حقوق المرأة "يخفي عن الغرب موقف جماعة العدل والإحسان المؤيد لضرب الرجل لزوجته" ويستشهد في ذلك بما جاء في كتاب مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين بعنوان "تنوير المؤمنات".
كما أن نادية ياسين التي عرفت بدفاعها عن حقوق المرأة، عارضت برنامج الأسرة التي كان الملك محمد السادس وراء دخوله حيز التنفيذ والذي أعطى حقوقا جديدة للمرأة المغربية كرفع الوصاية عن المرأة الراشدة وتقليص حظوظ تعدد الزوجات و استفادة الزوجة المطلقة من الأموال المكتسبة أثناء قيام الزوجية... وهي قرارات صفق لها الغرب واعتبرها خطوة لصالح المرأة المغربية.
كما اشتهرت نادية ياسين داخل المغرب وخارجه بفصاحة لسانها وإتقانها للغات موليير وشيكسبير وسيبويه، وصدر لها كتابان، كما نُشرت لها العديد من المقالات كلها خصصت لنشاط جماعتها الدعوي.