(انقطع عني وحي الكتابة أشهرا معدودات وعافت نفسي القلم وما يسطر...حتى خفت العي وذهاب الفكرة ...ولما استحكم اليأس وتقازم الأمل رأيت البارحة رؤيا جاءتني كفلق الصبح...إذ سمعت هاتفا يصرخ بي " ما ودعك جن الكتابة وما قلى غير انك محبط من شهور... ارتابت النفس منك في جدوى القول وسحر الكلمة" ...ثم غطني الهاتف وأرسلني قائلا "فاعمد إلى مخطوطك وانظر ما كتبت من سنين "...ووجدتني فجأة أقلب صفحات كتبتها ...فانتقيت منها هذه الخاطرة التي نشرت في 13 فيفري 1985 بركني الأسبوعي "أول الحديث" بجريدة "الرأي" الغراء التي شرفت بأن كنت واحدا من كتابها وأنا طالب بالحاضرة على امتداد بعض من سنوات الثمانين...) 1)) أستحيل صعلوك ليل كي أقول "رماد وجه الحارس الليلي ...وإجهاض لأحلامي بفوضى المدينة ...وقلبي اشتياق لموته ....لأنهي ..فعل التملك واجعل العرش ملكا مشاعا...." (2) أنا لا أرى المدينة بل أشمها وقد تعرت آخر الليل ولا عطر فيها ينبئ بالانطلاق ...حين اختنق أرجو المطر /الطهارة...فالشوارع قد تقرحت والربيع اختفى مذ أعاد معاوية الحكم العربي إلى حالته الطبيعية ...يعجزني تعبير التقزز الذي يثيره في قيح المدينة الممتدة ماخورا من دمع محيطها إلى نفط خليجها ...فاصمت ...أبارك الليل حين يكفن وجه المدينة كله بالغموض ..فالعار اكبر من أن تغطيه يداي والبحر اصغر من نفي هذا التناقض ... (3) يسألني السائرون إلى الانقراض في كاس نبيذ أو كهف صلاة...يا ناظر الفجر تريد المستحيل ...أي شئ في هذا الوطن يحمي من الانتهاء ويغري بالحلم ...أي شئ ...أجيب ..."أنا أرفض أن يكون وجود الله أمل رغبتي في أن أكون ...أنا لا أحب أن يجعل ضعفي الرب خادما يعدل ساعة كوني حين تهم أن تنقضي ...إن تعب الخلق يفرض أن يكون للرب يومه السابع كي يستوي إلى الأبد ليترك للمخلوق تجديد دورة العالم ..عندي ما به اقتل يأسي ... (4) اعتذر لدى داروين وأواصل ....حين خلق الله أبانا علمه الأسماء كلها ..فأكل التفاح كي يتآنسن ونزل بنا إلى ارض كي نكون آلهتها ...يا جدي الأول أي سحر تحويه هذي الكلمات حتى جعلتك صنو الرب و يغبطك إبليس النار ... يا أيها المفجوعون بمدينة لا شمس فيها ...اعلموا أن لا شئ يمنعني من الانتحار غير إعجاز الكتابة ...لا شئ يسلحني غير هذه اللغة /الفكرة /الكلمة ...تهب لي نفسها كي أشكل كوني كما أريد وأعلن هامشا لواجب وجودي أهيئ فيه عمق انفجاري من جديد ...اعرف أن شهرزاد لم تذبح شهريار بكلامها لكنها أجلت موتها ألف ليلة وليلة حتى يولد في أحشاء الأرض ألف عقل ونهضة ...اعرف أن الكتابة وحدها هي التي مكنت "بيدبا " من تحويل الحاكم للمرة إلى سامع حكايات ....أحس الآن أن هذه المدينة في حاجة إلى كتابة لا تنتهي ...أحس أن صحائفا بيضا لابد أن تسود بالقول ...فالشمس لا تطلع من بياض والسيف لا يحمله ساعد لا عقل له ...لنكتب ...لنكتب كي تكون المدينة أحلى ... 5)) تضغطني المدينة حتى القيء ولكني اسرق النار من ألهتها الغبية بالحروف .... )6( كالنخل الباسقات في ارضي /يرفعك القلب / كلمات يرهقها الدرب / وتغوص عميقا في القحط العربي / تحبله تسعا / تحبله عشرا/ وتصير رمضاء اليبس في الفجر بحرا / وأسيل أزليا شعرا /لا يعرف وزنا ..لا يعرف حزنا ....وتجيء كلماتي ريحا بالهول العربي / يكرهها فقهاء الموت القسري /...ويكون البعث "الرأي" 13/2/1985