أكّد الكاتب الإسلامي والمحلل السياسي مهنَّا الحبيل، أنّ هناك توافقًا مصلحيًّا يحكم العلاقة بين إيرانوالولاياتالمتحدةالأمريكية، مشيرًا إلى أن تلك العلاقة من أكثر العوامل تأثيرًا على مستقبل منطقة الخليج العربي وأمنها القومي. جاءت تصريحات الحبيل خلال محاضرته الأخيرة بديوانية الشيخ عوض القرني بأبها مساء الثلاثاء الماضي التاسع عشر من محرم الخامس من يناير الجاري والتي كانت بعنوان "الخليج بين قطبين". واستدلَّ الحبيل على وجود علاقة تصالحية بين واشنطنوطهران بأنّ هذا التقاطع أسقط العراق وأفغانستان تحت الاحتلال وألهب الحالة الطائفية في المنطقة وانتهاءً بتأثيرات الاستقطاب الطائفي والسياسي والعسكري للحركة الحوثية في اليمن. ثمَّ عطفَ الحبيل وهوَ أحد شخصيات التيار الإسلامي الفكرية في الخليج لتوضيح ما أسماه– قواعد تحكم الموقف الإسلامي والعروبي والوطني لدول المنطقة في تقييم قضية الملف الإيراني سواءً أكانَ مستقلاً أو متداخلاً معَ المشروع الدولي مُؤكداً على أنَّ التيار الإسلامي ومن يتحدون معه في الساحة العربية لهُم رؤية مستقلة تنعكس من مبادئ وليست مصالح براجماتية. ثمَّ استطردَ قائلاً : أنَّ هذا الموقف الإسلامي يقفُ بينَ رؤيتين إعلاميتين يطرحهما فرقاء الخطاب العربي المرتبط بهذه القضية. الأول : ما أسماه الحبيل الانجرار وراء الموقف الأمريكي والمدار العربي الرسمي المؤيِّد لهم بالمطلق بما فيه التقاطع معَ الكيان الصهيوني وإن كانَ ذلكَ بحسب الحبيل يُسوَّقُ في الأوساط العربية وتبقى هناك إستراتيجية إدارة خاصة لواشنطن معَ طهران. وذلكَ يتلخَّص باعتبار الأمريكيين حليفاً مشروعاً ضد إيران بحسب موجات التصعيد الإعلامي ومقتضيات الصراع أو الصفقة. وعرَّجَ الحبيل على خطورة استخدام الخطاب المذهبي لخدمة هذه الرؤية، ثمَّ أوضحَ الرؤية الثانية التي يتفاصلْ عنهما موقف ما أسماه المحور الإسلامي العربي المستقلّ وهذه الرؤية يتبناها المنحازون للمشروع الإيراني وهُم بحسبِ – الحبيل – صنفان الأول موظَّفْ كلياً في مدارها لأسبابٍ طائفية أو مصلحية أو أيدلوجية تحملْ عُمقاً تاريخياً من كراهية الفكر الإسلامي السني وبالتالي الوقوف مقابله وإن كانت في الأصل ليست ذات توجه ديني بل سياسي. والصنف الثاني ما أطلقَ عليهم – الحبيل – المتأولون كردة فعل على الموقف العربي الرسمي المنحاز ضد المقاومة والمتحالف كلياً مع واشنطن وهوَ يضمُّ شخصيات فكرية إسلامية وقومية محل احترام وتقدير وتتفق معَ المحور الإسلامي المستقل في قضايا أخرى مشدداً الحبيل على ضرورة عدم افتعال المعارك والصراعات الفكرية معَ هذا الفريق الثاني واتساع صدر محور التيار الإسلامي المستقل لهذا الاختلاف حتى ولو كانَ بحسبِ تعبيره لا يتسعْ صدره ل طرح الفكرة المخالفة له. قضايا الخلاف للمحور الإسلامي المستقل معَ إيران ثمَّ بدأ أ. الحيبل يُفصِّل في موقف المحور الإسلامي العربي المستقل من قضايا الصراع معَ إيران مُؤكداً على أن أولويات الخلاف العربي الإسلامي معَ الجمهورية الإيرانية تختلف كلياً عن المشروع الأمريكي مبتدءاً ذلك بالتأكيد على أن التيار الإسلامي ليس لديه مشكلة معَ المفاعل النووي الإيراني ولا ينساق خلفَ حفلة التضخيم والإرجاف التي يُمارسها الأمريكيون والأوربيون بشأن هذا الملف ليسَ لأنه يجهل مخاطر السلاح النووي لكن لكونه يعلم أن الترسانة الأخطر والأشمل يملكها الكيان الصهيوني وأن قضية استخدام السلاح النووي ضد مناطق مُشتركة بينَ الإيرانيين والعرب في الخليج هيَ فزاعة لا تتطابق معَ القراءة العلمية والتحليل الواقعي لخطورة هذا السلاح الذي لم ينضج بعد على شعوب المنطقة. وأكد الحبيل أن هناك قضايا قائمة على الواقع بين العرب وإيران أهم بمراحل من جلبة الملف النووي، متسائلا معَ كل أجواء الصراع التي نستمعها الآن : هل بالفعل ترغب أو تستطيع الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تستغني عن دعم الجمهورية الإيرانية للعملية السياسية القائمة في العراق ؟ .. ويُجيب مؤكداً على أن الشراكة التي أسقطت العراق لا تزال قائمة في دعم العملية السياسية الحالية وأنه لا يمكن لواشنطن أن تقبل بانسحابٍ إيرانيٍ كاملْ من هذه العملية السياسية وبالتالي اهتزاز مشروع الاحتلال وتقدُّم المشروع الوطني للمقاومة الإسلامية الوطنية العراقية . أما البند الثاني فاعتبرَ الحبيل أن الرسائل المكثفة المتبادلة بين واشنطنوطهران في آخر عهد الرئيس جورج بوش وعهد أوباما تؤكد على اتفاقهما على موقف استراتيجي موحَّد لمنع عودة طالبان وتكريس بقاء العملية السياسية المتصدعة في كابل بقيادة كرزاي أو بديل مختار من الطرفين. وأشار الحبيل في هذا الصدد إلى حديث الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي أكدَ فيه تلقي هذا الطلب الأمريكي واستعداد إيران للتجاوب معه وللمفارقة فقد كانَ تصريح الشيخ رفسنجاني في أحد مؤتمرات الوحدة الإسلامية !! ثمَّ عدَّ الحبيل التدخل في الحالة الوطنية للخليج وتحويل الطائفية السياسية إلى مهدد للاستقرار الاجتماعي والسلم الأهلي يُبرر به التدخل الدولي ملفاً ثالثاً من الخلاف معَ الجمهورية الإيرانية وختمَ هذه الملفات التي تُمثِّلْ موقف المحور العربي الإسلامي المستقل بتأزيم العلاقات المذهبية في الوطن العربي وتصعيد خطاب الكراهية والانتقام الطائفي إضافةً إلى ما تُعانيه الأقاليم والأقليات السنية وما تُسببه حالة الاضطهاد من فتن بينَ العرب والعجم أو بينَ العجم والعجم على أسس مذهبية أو قومية. وذكَّر الحبيل الحضور بأنه لم يُعرِّج على المشهد الداخلي لتوترات الشارع الإيراني لكون أنه يميل كمحلل سياسي لرجحان انتصار المحافظين أو احتوائهم للموقف والعودة إلى المفاوضات بموقفٍ قويّ وإن كانت باقي الاحتمالات لا يُمكن استبعادها نهائياً. ثمَّ استدل الحبيل بموقف حديث وتصريح لأحد المسئولين في منطقة الخليج مُدللاً على أن التواصل الأمريكي الإيراني لا يزالْ دافئاً في بعض الملفات وذلك من خلال تصريح الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني لبعض الإعلاميين في حوار المنامة الأخير الذي كانَ قريباً من أحداث التاسع من محرَّم حيثُ احتجَّ الشيخ خالد مندهشاً عن وجود جلسات مفاوضات سرية عُقِدت بين واشنطنوطهران دونَ أي إخطار أو إحاطة لدول مجلس التعاون الخليجي. واستطردَ الحبيل بعدَ ذلك قائلاً بأن ذلك يدعونا إلى الوقوف على طاولة المفاوضات لنتعرف على خريطة تقاطعات المصالح بين القطبين وتأثيراتها على الخليج العربي مؤكداً على أن فلسفة المصالح هيَ التي تحكم الدول لا ضجيج الصراع الإعلامي. وأشار الحبيل إلى أن اهتزاز القدرة الإستراتيجية لواشنطن في أفغانستان والعراق وخسارة حليفها في حرب غزة شكلت ضربات قوية لهذه القدرة وخاصة أن زحفَ طالبان وعودتها المتوقع تستشعر فيه واشنطن والناتو أنه مهددٌ مركزيّ لنظرية الأطراف والمركز التي تحدثَ عنها د. عبد الله النفيسي كثيرًا كقاعدة تحكُم إستراتيجية الشمال الغربي معَ الجنوب الإسلامي موضحاً أن عودة طالبان الجديدة تُهدد هذه الإستراتيجية وأن الغرب قلقٌ للغاية من عودة " الغزنويون الجدد " الذين لا يُسقطون ممالك الهندوس هذه المرة وإنما يُزعزعون هيمنة الغرب على مناطق العجم المسلمين. وأوضحَ الحبيل أنهُ من الطرف الآخر الذي تمثله الجمهورية الإيرانية فقد تقدمت طهران بمبادرة ملأ الفراغ في كل المنطقة بما فيها الخليج وهذا كانَ متوقعاً من واشنطن بحسبِ التوافق الذي سبق احتلال العراق عام 2003 لكنه تجاوز بمراحل توقعات الدراسات الأمريكية في هذا التاريخ. أولويات واشنطن ثمَّ حدد الحبيل أن أولويات واشنطن وفقاً للمعطيات السابقة أضحت قضية مواجهة الانقلاب الاستراتيجي الذي تزحفُ عليه حركة طالبان يحتل الأولوية الأولى ثمَّ أو متزامناً معَ مواجهة المشروع الوطني العراقي لحركات المقاومة التي لأول مرة تتوحَّد في جبهتين إحداهما تحتَ قيادة الشيخ حارث الضاري وهم فصائل التخويل والأخرى بقيادة الشيخ عبدالخالق الجنابي. وحاجة واشنطنلإيران ضرورة ماسة محسومة بحسب تصريح الجنرال صفوي القائد السابق للحرس الثوري الإيراني في حينه الذي أكَّد هذا المعنى لكنه قال إن على واشنطن أن تعترفْ بإيران كشريك إقليمي مهيمن مرجعي للخليج في إشارة ضمنية للتعاون في العراق وأفغانستان. الخليج .. القدرة الردعية أم الإرادة وأجابَ الحبيل في ختام المحاضرة عن قُدرات دول الخليج العربي لمواجهة نتائج هذه التقاطعات ولكنه أكد أنَّ قبلَ وجود هذه القدرات لابدَّ من السؤال الوجودي الاستراتيجي للمنطقة وهوَ هل لدى الخليج العربي إرادة لتحقيق هذا التوازن ثمَّ ذكر ستة عناصر تدخل في إطار هذه القدرات لمواجهة تقاطعات واشنطنوطهران : الأول / أشارَ فيه إلى أن عودة طالبان وإن كانت مهددة للإيرانيين والأمريكيين فهي قد تحمل خرقاً لهذا التوافق الذي يُهدد ميزان الأمن القومي العربي وذكر في هذا الصدد بطلب الأمريكيين من المملكة التوسط بين طالبان وكرزاي ثمَّ استأنفَ قائلاً : أن حكم كرزاي في حكم المنتهي وأن الأصل أن نطرح لماذا لا يُتواصل معَ طالبان لمصلحة الأمن القومي في الخليج بدلَ مصالح الأمريكيين مُشيداً في هذا الصدد بالموقف السعودي الذي انسحبَ من هذه الوساطة المشبوهة. الثاني / هوَ دعم المشروع الوطني العراقي بقيادة الشيخ حارث الضاري لكونه مفصلاً مهماً لتحييد هذا التوافق أو الزحف الإيراني على المنطقة معَ ما يعرفه الجميع من اعتدال ووسطية و حرص حركات المقاومة المنضوية تحت هذا المشروع على سلامة المدنيين وعلاقتها الحميمية للعمق العروبي في الخليج رغم الأخطاء الكارثية والتجاوزات التي ارتكبها الخليج الرسمي تجاه العراق واعتبرَ الحبيل أن تركيا حزب العدالة تعتبر رافد مهمّ للتوازن الإقليمي المواجه لإيران متسائلاً باستغراب عن عدم الاستفادة بما يكفي من هذه القدرة الإقليمية التي ليس لها أطماع ولا نزاعات طائفية ولا عرقية مع المنطقة . أما القدرات الثلاث الأخرى فهي تنطلق من الداخل الخليجي وذلك من خلال البناء الذاتي للقوة الإستراتيجية وفي ذلك أشار أ. مهنا الحبيل على حيوية مشروع عُمان القديم بتشكيل قوة تدخل سريع للمنطقة من مئة ألف جندي مؤكداً على أن الإصلاح الداخلي وتعزيز الصف الوطني وإنصاف شعوب المنطقة حقوقياً هو من أهم عوامل القدرة والمنعة الذاتية ثم اختتمَ بأن البند السادس يتركَّز في التعامل بحذر معَ الوضع المذهبي وتجنب الانزلاق إلى الفخاخ الطائفية التي دائماً ما تتبنى تصعيدها المؤسسات الإعلامية الإيرانية والغربية مؤكداً على ضرورة أن يعي أبناء التيار الإسلامي بكل توجهاتهم أهمية تعزيز التعايش في المناطق المشتركة بين الطائفتين مُشيراً إلى تجربتهم في الأحساء شرقَ المملكة العربية السعودية ومنوهاً أنه قد اطلع مباشرة من الشخصيات الرسمية للدولة وتلقى تأييداً لهذا الطرح في تعزيز التعايش وكذلك من عدد من علماء وشخصيات المملكة الأخرى داعياً إلى اعتبار هذا الخطاب قاعدة إستراتيجية لكل العلماء من كل أطياف التيار الإسلامي مؤكداً في ختام محاضرته أن الجمهورية الإيرانية والمستفيدين من الفوضى في المنطقة هُم من يكسب وراء التصعيد الطائفي واجتناب هذه المنزلقات لا يمنع النقاش العلمي والعقدي والاختلاف السياسي لكن المهمّ الحفاظ على منظومة الاستقرار الاجتماعي وقواعد تأمين السلم الأهلي لدول الخليج العربي والمنطقة العربية عموماً وعدم الانجرار للأحداث المؤلمة التي أصابت المناطق الأخرى بكوارث وفواجع لا تنتهي. السبت 23 محرم 1431 الموافق 09 يناير 2010